شریعة و وقتیة الأحکام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شریعة و وقتیة الأحکام - نسخه متنی

محمد عمارة

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الشريعة ووقتية الأحكام .. قراءة في أفكار العشماوي

د. محمد عمارة

في موقف المستشار عشماوي من الشريعة الإسلامية: اتحد المقصد، وهوإلغاؤها وإهدارها وصرف الناس عن السعي إلى تقنينها والاحتكام إليها .. مع تعدد في السبل التي سلكها الرجل إلى تحقيق هذا المقصد الواحد! ..

فمرة: إنها ليس لها إلا المعنىاللغوي للمصطلح .. أي الطريق .. أيّ طريق! ..

ومرة: إنها الفقه ـ أي الفكر البشري ـ الذي لا إلزام فيه! ..

ومرة: هي «رحمة» .. وليس فيها قانون! ..

ومرة: إن أحكامها ليستمطلقة، لأنها نسبية، استدعتها أسباب وانقضت بانقضاء هذه الأسباب! ..

والآن يصل المستشار عشماوي على درب مشروعه لإلغاء الشريعة الاسلامية إلى التصريح بأن أحكام هذهالشريعة .. وخاصة في السياسة والمعاملات والعمران ـ أي في غير الشعائر العبادية ـ هي «أحكام مؤقتة»، تجاوزها الزمن .. و «تاريخية»، أصبحت في ذمة التاريخ! ..

فبوفاةالرسول (ص) حكم المستشار عشماوي ـ وهو الذي عمل لسنوات قاضياً لأمن الدولة ـ حكم بعزل الذات الإلهية عن الشرعية في كل شؤون السياسة والحكم والمعاملات .. وانتهاء عهدالشرعية الإلهية في تشريع الأحكام .. وانتهاء عهد الحكم بما أنزل الله في المعاملات .. فكل ذلك ـ عنده ـ كان موقوتاً بحياة الرسول (ص).

كما قرر ـ بناء على ذلك ـ بأن الذينظلوا متمسكين بالشرعية الإلهية ـ بعد وفاة الرسول ـ في الخلافة والإمامة والرياسة والوزارة والتشريع والأوامر والأحكام، سواء من الخلفاء أو الفقهاء، هم جميعاً قد غُمّعليهم الأمر، عندما ظلوا يسندون هذه الشرعية إلى الله زوراً وافتراء وبهتاناً .. بينما هذه الشرعية ـ في رأي عشماوي ـ قد انتقلت من الله إلى الناس .. ولم يعد الله، سبحانهوتعالى، شأن في هذه الشرعية على الاطلاق!! ..

وبألفاظ المستشار عشماوي: «فإن قبول المؤمنين للتشريع ـ (على عهد الرسول (ص) ) ـ انبنى أساساً على الإيمان بالله ـ سلطةالتشريع ـ .. وبعد وفاة النبي (ص) انتهى التنزيل .. مع انعدام الوحي .. ووقف الحديث الصحيح، فسكتت بذلك السلطة التشريعية التي آمن بها المؤمنون، والتي كانت الأساس في قبولهمللتشريع .. وبعد ذلك، كان من اللازم أن يفهم الخلفاء ويدرك الفقهاء أن الشرعية انتقلت إلى الأمة (الجماعة) الإسلامية، فأصبحت هي أساس الشرعية في الخلافة والإمامةوالرياسة والوزارة والتشريع والأوامر والأحكام. وقد بدا من الخلفاء الراشدين، وبخاصة أبو بكر وعمر، ما يفيد أن الأمة (الجماعة) الإسلامية هي الأساس الشرعي لولايتهم أمرالمسلمين، وبالتالي للحكم والتشريع .. ثم اضطربت هذه الفكرة .. وغُمّ على الخلفاء والفقهاء أمر الشيعة، وظلوا يسندونها إلى الله ـ زوراً وافتراء وبهتاناً ـ أو ينحلونها ـ(ينسبونها كذباً) ـ إلى النبي (ص) .. »!

تلك هي فكرة المستشار عشماوي عن «توقيت» الشرعية الإلهية ـ في الخلافة والإمامة والرياسة والوزارة والتشريع والأوامر والأحكام ـبحياة الرسول .. وعن انتهاء توقيت هذه الشرعية الإلهية بوفاة الرسول، لأن «التنزيل انتهى .. والوحي انعدم .. والحديث الصحيح وقف .. فسكتت بذلك السلطة التشريعية الإلهية»وكان من اللازم انتقال الشرعية من الله إلى الناس .. لكن الخلفاء والفقهاء بعد أبي بكر وعمر، غُمّ عليهم فكر المستشار عشماوي فظلوا متعلقين بالشرعية الإلهية، زوراًوافتراء وبهتاناً!! ..

وإذا كان الكشف الكامل عن «العورات الفكرية» قد يريح أحياناً من عناء الفضح لخباياها .. فإننا ـ ونحن نستهدف عقل القارئ ـ سنقف وقفات موضوعية معما في آراء العشماوي هذه من ادعاءات ..

إننا نعلم أن المراد، أساساً، بالوحي: هو القرآن الموحى به .. والمراد أساساً بالتنزيل: هو القرآن الكريم .. لكن العشماوي، كي يصلإلى إلغاء القرآن كمصدر للشرعية والشريعة الإلهية، نراه بدلاً من أن يستخدم تعبير «ختام الوحي» يقول «انعدام الوحي»!! . وبدلاً من أن يقول «اكتمال التنزيل»، يقول:«انتهاء التنزيل» .. وذلك ليصل إلى قوله «فسكتت بذلك السلطة التشريعية»! ..

فهل سكتت السلطة التشريعية الإلهية بوفاة الرسول (ص)؟ .. أم اكتمل نطقها، ووضح منطقها؟ .. وهلعندما أوحى الله إلى رسوله، وأنزل على أمته: (اليوم أكملت لكم دينكم) كان يعني اكتمال الدين عقيدة وشريعة، أم انعدام الدين، وتوقف التدين بهذا الدين؟! ..

وهل صحيح ماادعاه العشماوي من أن أبا بكر الصديق ـ ومن بعده عمر ـ قد نقلا الشرعية من الله إلى الناس؟ .. أم أن الإسلام ـ الذي طبقه أبو بكر وعمر ـ هو الذي يجعل السيادة للشريعةالإلهية، وسلطة الخلافة ـ خلافة الأمة وخلافة الدولة ـ لها سلطة الاستخلاف عن شارع هذه الشريعة، سبحانه وتعالى، دونما مقابلة ولا تناقض بين الشرعية الإلهية وسلطة الأمةوخلافة دولتها؟! ..

إن أبا بكر هو القائل، في خطاب توليه الخلافة: «أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم» فأين في حديثه هذا عن حاكميةالشرعية الإلهية استبداله شرعية الأمة بشرعية الله؟! ..

وأبو بكر هو الذي «كان إذا ورد عليه الخصم، نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى، وإن لم يكنف يالكتاب، وعلم من رسول الله (ص) في ذلك الأمر سنة قضى به، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله (ص) قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليهالنفر كلهم يذكر من رسول الله فيه قضاء، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا مَن يحفظ على نبينا. فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله، جمع رؤوس الناس وخيارهمفاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به».

فأين في هذا الجمع ـ والترتيب ـ بين الكتاب، والسنة، وشورى الأمة .. أي بين سيادة الشرعية الإلهية وبين سلطة الأمة ـ أينفي هذا ما صوره العشماوي استبدالاً لشرعية الأمة بالشرعية الإلهية، من أبي بكر وعمر؟! ..

بل ألم تكن هذه هي الحال حتى على عهد رسول الله (ص)؟ سيادة الحاكمية الإلهيةوالشرعية السماوية، وشورى رسول الله (ص)، والأمة في إطار الشرعية الإلهية؟ .. ألم يكن هناك قضاة للدولة وعمال على ولاياتها يجتهدون في إطار حاكمية الشرعية الإلهية؟ ..وماذا يعنيه حديث رسول الله (ص) مع قاضيه على اليمن معاذ بن جبل:

ـ «كيف تصنع إن عرض لك قضاء»؟

ـ قال: أقضي بما في كتاب الله.

ـ قال: «فإن لم يكن في كتاب الله»؟

ـ قال: فبسنة رسول (ص).

ـ قال: «فإن لم يكن في سنة رسول الله»؟

ـ قال: أجتهد رأيي لو آلو.

ـ قال معاذ ـ فضرب الله (ص) صدري ـ ثم قال:

ـ «الحمد لله الذي وفق رسولرسول الله لما يُرضي رسول الله».

فحتى في عهد رسول الله (ص) كانت الدولة ـ الإمارة والولاية والقضاء والسياسة والسلم والحرب ـ شورى بشرية محكومة بالشرعية الإلهية .. لمتعرف «المقابلة ـ المتضادة» بين ما هو لله وما هو للناس!..

إن حديث العشماوي عن انتقال الشرعية من الله إلى الأمة، هو حديث عن دولة وسلطة كهنوتية، لا سلطان فيها للأمة ..انتقلت الشرعية منها إلى شرعية بشرية لا سيادة فيها للشريعة الإلهية .. وهذا ما لم يعرفه الاسلام ولا دولته ولا خلافته، لا في العهد النبوي، ولا بعد وفاة الرسول، عليهالصلاة والسلام ..

* * *

ومن هذا «التأسيس العشماوي» لنظرية عزل الذات الإلهية عن الشرعية في شؤون الدولة والسياسة والعمران الاسلامي، تتوالى الخطوات والوقفات ..

1 ـ فهو يرى أن الشريعة كان لابدّ أن تكون أحكامها وقواعدها ـ في المعاملات ـ مؤقتة، لا استمرار لها ولا خلود، لأن هذه الأحكام إما أن تكون قد جاءت لتغيير الواقع، فهيمؤقتة بزمن تغييرها له، تطوى صفحتها بعد هذا التغيير؟! .. وإما أن تكون قد جاءت لحكم الوقائع الجارية وتنظيم المعاملات اليومية، وفي هذه الحالة لابد وأن تكون أحكامهامرتبطة بالظروف والمناسبات، تتغير بتغير هذه الظروف والمناسبات .. أي أنها في كل الحالات مؤقتة لا استمرار لها ولا خلود! ..

يعرض العشماوي أفكار هذه، فيقول:

« ..فالقاعدة القانونية ـ سواء كانت حكماً للمعاملات أو حكماً تشريعياً ـ إنما تهدف أساساً إلى أحد أمرين: إما إلى تعديل أوضاع عامة أو تغيير علاقات قانونية أو تبديل روابطاجتماعية، وإما إلى حكم الوقائع الجارية وتنظيم المعاملات اليومية.

فإذا كانت القاعدة تهدف إلى تعديل أوضاع عامة أو تغيير علاقات قانونية أو تبديل روابط اجتماعية،فإن كل أثر لها ينتهي بمجرد حدوث التعديل أو تمام التغيير أو اكتمال التبديل، وتصبح من ثم حكماً تاريخياً ليست له أية قوة ملزمة أو أي أثر فعال .. وأوضح مثل لهذه القواعدالقاعدة التي نص عليها القرآن بإعطاء نصيب من الصدقات إلى المؤلفة قلوبهم ...

وإذا كانت القاعدة ـ من جانب آخر ـ ترمي إلى حكم الوقائع الجارية وتنظيم المعاملاتاليومية، فإنها عادة ما تكون حكماً مناسباً لظروف وضعها وزمان تطبيقها، ثم يحدث بعد ذلك أن تنشأ وقائع جديدة أو تقع ظروف مستحدثة تضيق عنها القاعدة فلا يمكن لها أن تحكمموضوعها أو تضبط إجراءاتها .. ».

ونحن نسأله: لم لا تظل القاعدة القانونية ـ المستهدفة للتغيير ـ قائمة لتحرس التغيير الذي أحدثته، ولتغير الارتداد عليه؟ .. وهل حدوثالتغيير ـ الذي يحل العدل محل الظلم مثلاً ـ وهو موقف نهائي، يمنع عودة القديم، أو ما هو مماثل أو أسوأ ـ في الظلم ـ من القديم؟ .. إن مسيرة الاجتماع الانساني، عبر كلالعصور، وفي كل الحضارات، هي دورات من التدافع والصراع بين الخير والشر، والحق والباطل، والعدل والجور .. ورسول الله (ص) يعلمنا هذه السنة من سنن الله في الاجتماعوالعمران فيقول: «لا يلبث الجور بعدي إلا قليلاً حتى يطلع، فكلما طلع من الجور شيء ذهب من العدل مثله، حتى يولد في الجور مَ، لا يعرف غيرهن ثم يأتي الله، تبارك وتعالىبالعدل، فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله، حتى يولد في العدل مَن لا يعرف غيره» ..

وإذا كانت هذه هي سنة الله في الاجتماع والمجتمعات، فلابد من بقاء قواعدالعدل حارسة للعدل من الانقلاب عليه .. لا أن نقول لها ـ كما يقول العشماوي ـ اذهبي إلى «المتحف» فلا حاجة لنا بك، بعد أن تمّ التغيير! ..

ثم هل التغيير الذي تحدثه أيقواعد قانونية، في أي مجتمع من المجتمعات، يكون كاملاً الكمال الذي يجعل هذا المجتمع مستغنياً عن القواعد التي أحدثت هذا التغيير؟ أم أنه يكون نسبياً تتفاوت نسبيتهبتفاوت خيرية الناس؟ .. ثم، إذا غيرت القواعد القانونية حياة جيل الآباء، أفلا يكون بقاؤها ضرورياً لتغير حياة جيل الأبناء، وهكذا؟ .. أم أننا نحيلها إلى «الاستيداع» بعدأول نجاح لها في التغيير؟! ..

والقواعد الخاصة بالحفاظ على «الثوابت»، مثل الضرورات التي مثلت المقاصد الكلية للشريعة الاسلامية ـ الحفاظ على الدين، والنفس، والعقل،والنسل، والمال ـ هل ينقضي أجل القواعد القانونية الحارسة للضرورات والمقاصد الثابتة؟ أم أن ثبات المحفوظ يقتضي ثبات الحافظ له كي لا يضيع؟! .. وهو ضروري لإعادة الحياةإلى هذه الثوابت كلما عدا عليها العادون! ..

وهل تطبيق الأمة للدستور والقانون، وتحويلهما إلى واقع يعيشه الناس، يؤدي إلى تاريخيتهما وتجاوزهما واستبدالهما؟

وهلإذا أصدرنا قانوناً لمحاكمة الوزراء، نلغيه بمجرد محاكمة الوزراء الذين صدر لمحاكمتهم بواسطته؟! ..

وهل إذا لم نجد من نعطيهم الزكاة، نلغي فريضة الزكاة؟! ..

إن حال«فكر» المستشار عشماوي مع العقل والمنطق حال غريب .. فقط يريد الرجل أن يطوي صفحة القواعد الشرعية الاسلامية، ويحيل الشريعة الاسلامية إلى «متحف التاريخ»، ويعزل الذاتالإلهية عن الشرعية والحاكمية التشريعية بوفاة الرسول (ص) قائلاً: إن هذه القواعد قد أصبحت «حكماً تاريخياً ليست له أية قوة ملزمة أو أي أثر فعال» .. «وإن أحكام المعاملاتليست دائمة، لكنها أحكام مؤقتة ومحلية، تنطبق في وقت محدد وفي مكان بعينه» .. دون أن يميز بين «الشريعة» الوضع الإلهي الثابت، والقواعد الخالدة، وبين الاجتهاداتالفقهية، المتطورة مع متغيرات الزمان والمكان والعادات والمصالح والأعراف .. بل إن حديثه عن «التاريخية» و «الانتقال» منصب على «الشرعية الإلهية» بوجه خاص! ..

2 ـ وإذاكان الله، سبحانه وتعالى، قد جعل الشورى صفة من صفات المؤمنين (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون). .. وفريضة حتى على رسوله (ص)(فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر).

وأجمع علماء الأمة على أنها من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، وشرط بقاء الحكام في مناصبهم .. فقالوا: «إن الشورى من قواعدالشريعة وعزائم الأحكام. ومَن لا يستثير أهل العلم والدين فعزله واجب. وهذا مما لا خلاف فيه ـ القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) ج34 ص249 »!!

فإن العشماوي ـ جريا على مذهبهفي «التاريخية» التي تؤقت وتلغي كل القواعد الشرعية، خرج علينا بدعوى أن الشورى كانت خاصة بالرسول (ص) .. فقال: «هناك نصان عن الشورى، أحدهما نزل في مكة والثاني (وشاورهم فيالأمر) قيل إنه خاص بالنبي وغير ملزم»! ..

ولم يسأل الرجل نفسه: كيف تكون الشورى خاصة بالنبي، وهي، في ذات الوقت، صفة لكل مؤمن؟! .. وألم يطبقها الخلفاء بعد وفاة الرسول؟ ..وما وجه اختصاص الشورى بالرسول؟ .. هل كان أحوج إليها من غيره من المسلمين؟! ..

3 ـ والميراث، الذي فصلت فرائضه نصوص قرآنية قطعية الدلالة والثبوت .. يسحب المستشار عشماويعليه سيف «التاريخية» و «التوقيت»، ويراه مناسباً لمجتمعات البداوة القبلية العشائرية البائدة، وغير ملائم لعصرنا الحديث .. فيقول: «فهل كان يستمر حق الأخ في أن يرثأخاه، فيقاسم ابنته التركة ـ لكل منهما نصفها ـ مع أن هذا الأخ قد يكون مهاجراً في أمريكا أو أستراليا لا يعرف ابنة أخيه ولا يلتزم حيالها نفقة أو مراعاة ـ كما كان الحالفي عصر المدينة وفي نظام القبائل والعشائر؟! .. ».

فهل نظام وأحكام الميراث الإلهي مؤقت بعصر المدينة، لا يناسب إلا النظام القبلي العشائري؟ ولا يلائم العصر الحديثالذي يسافر فيه ورثة إلى أمريكا وأستراليا؟! ..

إن الإسلام يربي أسرة متراحمة لا تقطع الأسفار وشائج الرحمة بين أعضائها .. ثم إن أسفار العصر لا تحول بين التراحم، بل هيتهيئ له بأكثر مما كانت أسفار الزمن القديم!! وكان الناس في العصور الإسلامية الأولى يسافرون، بل ويهاجرون، دون أن تمنع أسفارهم وهجراتهم الوشائج التي تقيمها التربيةالاسلامية ودون أن يعترض معترض على توريث المسافرين ..

ثم، إن الدين الذي جعل المسافر إلى أستراليا يرث في مصر، هو الذي جعل من بمصر يرث المسافر إلى أستراليا ويأخذنصيبه من تركة لم يسهم في الإنفاق على تاركها! ..

وهل علة الميراث هي ما بذله الوارث من جهد في تربية المورَّث والإنفاق عليه؟! .. إنّ الابنة الرضيعة ـ التي قد لا تميزصورة أبيها ـ ترث منه أكثر مما يرث أبوه الذي تعب فيه وأنفق عليه ورباه .. ومعايير التفاوت في أنصبة الوارثين ليست هذه التي يقيس بها المستشار عشماوي .. إنها درجة القرابة ..وموقع جيل الوارث ـ مُضِيّاً .. أو استقبالاً (أصولاً .. أو فروعاً) ـ والأعباء المادية التي يكلفه بها الإسلام في الإنفاق .. إلخ ..

4 ـ ولأن عمر بن الخطاب (رض) أوقف تنفيذحد السرقة في عام الرمادة ـ أي في عام واحد .. وحيث كانت الرمادة ـ المجاعة ـ قد منعت توافر شروط إعمال الحكم ـ فإن المستشار عشماوي يقفز من فوق هذه الواقعة طالباً منالفقهاء أن يؤسسوا عليها نظرية «توقيت الأحكام» ..

وهو في حديثه هذا يدعى أن عمر «وقف حد السرقة .. وقفاً شاملاً وعاماً .. وأن لذلك دلالة خاصة تتصل بالعقوبة ذاتها، ولاتتعلق بشروط تطبيقها .. فما فعله عمر كان في الواقع وقفاً للعقوبة ذاتها .. ومن بعد عمر، فإن التاريخ الاسلامي لا يقدم وقائع متكررة متوافرة عن تطبيق حد السرقة، لأن الفكرالاسلامي عموماً تأثر بمبدأ وقف العقوبة وقفاً عاماً وشاملاً» .. ثم يمضى المستشار عشماوي، فيعيب على فقهاء الأمة أنهم لم يفقهوا مغزى وقف عمر لحد السرقة وقفاً عاماًوشاملاً «ولو أن الفقهاء ملكوا قدرة التنظير .. لوصلوا إلى نظرية عامة في وقتية الأحكام .. لكنهم لم يفعلوا .. فافتقد الفقه روح التنظير وملكة التقعيد».

ويستشهدالمستشار عشماوي لآرائه بقول الفقيه الحنفي ابن عابدين (1198 ـ 1252هـ ، 1784 ـ 1836م): «كثير من الأحكام يختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله ولحدوث ضرورة وفساد الزمان بحيث لوبقي الحكم على ما كان عليه لزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة الإسلامية المبنية على التخفيف ورفع الضرر .. ».

ونحن لما مع هذه الدعوى، التي عرضهاالمستشار عشماوي، وقفات ..

ـ فالمروي أن عمر بن الخطاب أوقف تنفيذ حد السرقة في واقعة بعينها قام في واقعها ما يدرأ الحد، فلم تتوافر شروط تنفيذ الحكم، فكان الإيقاف ..ولم يصدر عمر أمراً عاماً وشاملاً بوقف الحد للسارقين في كل ديار الإسلام .. وإلا فهل كان الحد موقوفاً بمصر، حيث لا مجاعة؟ .. لقد كان الحد نافذاً، حتى في عام المجاعة ـعندما وأينما توافرت شروط تنفيذه وتطبيق حكمه .. وكان وقف تنفيذه مرهوناً بتخلف شروط التنفيذ .. فلا علاقة لذلك بنظرية العشماوي في «وقتية الأحكام» ـ النابعة عنده من«وقتية الشرعية الإلهية»! ..

ـ وغريب أن يزعم العشماوي ـ ليستدل على عموم وشمول وقف حد السرقة ـ أن هذا الحد لم يطبق بعد عهد عمر، وأن الفقه الاسلامي قد أخذ بنظرية«الوقف العام والشامل للعقوبات» .. غريب هذا الادعاء .. فالفقه الاسلامي ـ الذي تبلور علماً مدوناً بعد عصر عمر ـ نصت جميع مذاهبه على إقامة حد السرقة على اللصوص، وامتلأتكتب الفقه بالتفاصيل عن تعريف السرقة .. والسارق .. والمسروق .. وتفاصيل كيفية إقامة الحد .. ولو كان هذا الحد قد أوقف، منذ عهد عمر، وقفاً عاماً وشاملاً، لما دعت الحاجة إلىأن يكون له مكان، بهذا الحجم والتفصيل في مصنفات الفقه ومدونات الفقهاء! ..

أما تنفيذ الدولة لأحكام القضاء في حد السرقة، فشواهده في صفحات كتب التاريخ لا يماري فيهاحتى الأميون، الذين وقف بهم العلم بالتاريخ عند قصص الرواة وملاحم الشعر الشعبي! .. فكيف ينكر العشماوي على الدول الاسلامية أنها طبقت حد السرقة، مع أن الذي ينكره عليهاالمنكرون أنها ربما أسرفت في هذا التطبيق وفي الحالات التي ما كانت هي الأولى بالتطبيق؟! ..

ـ والعامل الفاعل في استدعاء تغير الأحكام ليس مجرد «مرور الزمن»، وإنما هوتوافر شروط إعمال الحكم في الواقع .. فالحكم الواحد قد تتوافر شروط إعماله في واقع، وتنعدم شروط إعماله في واقع آخر بذات الزمن. وقد تتخلف شروط إعماله في الواقع بالزمنالحالي، ثم تعود فتتوافر شروط الإعمال بزمن قادم ..

واعتبار «الزمن» ـ على نحو ما يقوله عشماوي من جعل زمن وفاة الرسول (ص) حداً فاصلاً بين شرعيتين ـ وجعل عهد عمر حداًفاصلاً بين إعمال عام وشامل لحكم، والوقف العام والشامل له ـ .. هذا الاعتبار «للزمن» في تغير الأحكام، يعني تجاوز كل الأحكام التي جاءتنا من أزمنة سابقة ـ إلهية كانت أووضعية ـ .. وينقض هذا الرأي: اعتبار الاسلام «شريعة من قبلنا شريعة لنا ما لم تنسخ»، أي ما لم يجد واقع تتخلف فيه شروط إعمال أحكامها .. بل لقد تعامل الاسلام بهذه الروحوبهذا المنطق مع شرائع كانت سائدة في الجاهلية العربية .. فلم توقف «لحظة» انبثاق الوحي وشريعته كل ما قبلها ..

ثم .. لماذا يتخطى الزمن ـ في رأي العشماوي ـ صلاحيةالقواعد والأحكام الإسلامية؟ .. ولا يتخطى ـ في رأيه ـ قوانين الرومان؟! ..

والنص الذي استشهد به العشماوي من ابن عابدين ـ لو فقهه العشماوي ـ لوجده شاهداً عليه، لا معه!..

فابن عابدين يتحدث عن تغير «الأحكام»، عندما يجعلها الواقع المختلف لا تتسق مع «القواعد الشرعية» .. بينما العشماوي لا يقف عند طلب تغيير «الأحكام» وإنما يتحدث،أيضاً عن تغيير «القواعد»، بل وإلغاء «الشرعية الإلهية»! .. فتغيير الأحكام، الذي يتحدث عنه ابن عابدين، إنما يتغيا إعمال «القواعد» والاتساق معها، لا إلغاءها ـ كما هومطلب العشماوي ـ ! ..

ثم إن ابن عابدين يتحدث ـ في أسباب تغير الأحكام ـ عن «اختلاف الزمان» وعن «فساد الزمان»، وليس عن مجرد «مرور الزمان»!! .. ويتحدث عن «تغير العرف» و«حدوث الضرورة»، أي عن متغيرات في الواقع لا تتوافر معها شروط إعمال وتطبيق الحكم .. ومن ثم، فإذا ارتفعت هذه المتغيرات، وتوافرت شروط إعمال الحكم ثانية عاد الأمر إلى حالالإعمال والإقامة والتطبيق للأحكام .. وليس الأمر أمر «مرور زمن» يطوي ـ مجرد مروره ـ شرعية إقامة الأحكام الثوابت والحدود التي نص عليها القرآن .. وذلك فضلاً عن «القواعد»الحاكمة .. و «الشرعية الإلهية» التي يريد العشماوي عزلها عن عرش الحاكمية في القواعد والأحكام! ..

5 ـ ويتقدم العشماوي على درب «توقيت الأحكام القرآنية» و «التشريعاتالإلهية»، ليدعو إلى أن لا تلتزم المرأة المسلمة بما نصَّت عليه الآيات القرآنية من ستر عوراتها بالخمار والحجاب .. رابطاً هذا التشريع الإلهي بوقت لم تكن فيه منازلالمسلمين بالمدينة تحتوي على «الكُنُف والمراحيض»، فكانت النساء يخرجن لقضاء حاجاتهن في الخلاء .. وكان بعض الفجار يتعرضون للإماء أو العاهرات بما تتأذى منه الحرائر،فطلب الاسلام من النساء الحجاب والاختمار ليتميزن عن الإماء، حتى لا يتعرض لهن أحد بما يؤذيهن. وأمَا وقد أصبحت في البيوت مراحيض، فقد زالت علة التشريع، ولا بأس علىالنساء المسلمات من سفور يكشف بعض العورات!! ..

يقدم المستشار عشماوي «اجتهاده» هذا فيقول:

«وقد كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماءوالعاهرات، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن. وكن يتبرزن في الصحراء في عهد التنزيل ـ (لاحظ ربط التنزيل بالتبرز في الصحراء!! ) ـ قبل أن تُتخذ الكنف (دورات المياه).فكان بعض الفجار يتعرضون للمرأة أو الفتاة من المؤمنات على مظنة أنها أمة أو عاهر، فشكوا ذلك إلى النبي (ص)، ومن ثم نزلت الآية: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساءالمؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) .. فالقصد من الآية ليس فرض زي إسلامي، ولكن التمييز بين الحرائر منج انب والإماء والعاهرات من جانب آخر.فالزي ـ من ثم ـ كان إجراء مؤقتاً، لعدم وجود دورات للمياه في المنازل، واضطرار الحرائر المؤمنات إلى الخروج إلى الصحراء بعيداً عن المدينة لقضاء الحاجة، وتعرض بعضالفجار لهن، مما اقتضى تمييزهن عن الإماء والعاهرات بزي معين (لكي يعرفن) فلا يؤذيهن أحد.

وإذا كان الفقهاء يقولون: إن الحكم يرتبط بالعلة وجوداً وسبباً، فإن زوالالعلة في الحكم السابق ـ ووجود دورات مياه في المنازل، وعدم التعرض لأنثى بناء على زي أو غير زي ت ذلك مما يعني زوال الحكم بزوال سببه. فهو حكم وقتي مرتبط بظروف معينة،ومنوط بوضع خاص، ومتى زال الوضع وتغيرت الظروف تعين وقف الحكم ... وأما ما جاء في الآيات: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بمايصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، من الضرب بالخمر على الجيوب، فهو تأكيد لفكرةالتمييز بين الحرائر والإماء والعاهرات من جانب آخر .. ».

إن الحوار مع هذا «الكلام العشماوي» واجب بياناً للناس، ودعوة للرجل كي يثوب إلى الرشاد! .. ولذلك نقول:

ـإنه إذا كان المراد بآية الحجاب: هو مجرد «التمييز في الزي» بين الحرائر والإماء .. فهل يصح أن يكون التمييز بأي وسيلة محققة له؟ .. ومنها، مثلاً، زيادة مساحة العري عندالحرائر عن الإماء؟!. وفي العري عند البعض مزيد من «الحرية» ربما لاءمت الحرائر وميزتهن أكثر من الإماء!!. أو التمييز، مثلاً ببطاقة هوية؟! .. أم أن للأمر والعلة علاقةبالفضيلة، التي تستلزم ستر المفاتن وحجب العورات؟ .. فالستر هو الواقي من الأذى، ومن ثم فأحكام الحجاب معللة بعلة دائمة. لا علاقة لها بوجود مؤقت للإماء، ولا بوضع محليومرحلي، مثل التغوط خارج البيوت! .. وليست العلة مجرد «التمييز» بين الحرائر والإماء ..

ـ وهل كانت علة الحجاب هي خروج المرأة من منزلها إلى مكان الغائط؟! .. أم الخروج منمنزلها الذي لا يقتحمه عليها غريب، إلى حيث غير المحارم؟! .. وألم تؤمر المرأة بالحجاب وستر العورات، حتى وهي ذاهبة إلى المسجد؟ وبالحجاب حتى وهي في منزلها إذا حضر غيرمحرم؟! .. وألم يضع الاسلام نظاماً لهذا الأمر حتى في داخل البيوت؟! فالمرأة الأنصارية، ذهبت إلى رسول الله (ص) تقول: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يرانيعليها أحد، وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ .. فنزلت الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا علىأهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون) .. فالتشريع هو للحجاب وستر عورات النساء، عن غير المحارم ـ حتى من الأهل ـ في داخل البيوت .. فما هذه «العلة المرحاضية»، التي «اجتهد»المستشار عشماوي ليربط بها تشريعات القرآن الكريم؟! .. وكيف يتصور عقل عاقل نسخ حكم الحجاب بإقامة دورات المياه في البيوت؟! ..

ـ والسنة النبوية، التي هي البيان النبويللبلاغ القرآني، والتي جاء فيها قول رسول الله (ص)، لأسماء بنت أبي بكر، وقد دخلت عليه وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال لها: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لمتصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا» ـ وأشار إلى وجهه وكفيه.

هذه السنة تتحدث إلى امرأة داخل المنزل .. ولم تقل: إذا لم يكن في منزل المرأة «كنيف»!! ..

ـ ثم .. هل يشرعالإسلام لعري الإماء، وعرض عوراتهن على الكافة، حتى يكون الحجاب مجرد تمييز في الزي للحرائر عن الإماء .. إن رسول الله (ص) يتحدث عن «المرأة» ـ مطلق المرأة ـ إذا بلغتالمحيض. والآيات القرآنية تتحدث عن (نساء المؤمنين)، وليس عن الحرائر منهن فقط .. وفرض الخمار على النساء واجب توجه التكليف به إلى (المؤمنات)، وليس إلى الحرائر وحدهن ..والسياق القرآني لآية الخمار يقطع بأن العلة هي العفاف وحفظ الفروج، وليس تمييز الحرائر فقط، وفي الطريق إلى دورات المياه خارج البيوت على وجه التخصيص! ..

فالسياقالقرآني يبدأ بالحديث عن تميز الطيبين والطيبات عن الخبيثين والخبيثات .. وعن آداب دخول بيوت الآخرين، المأهول منها وغير المأهول .. وعن غض البصر .. وحفظ الفروج، لمطلقالمؤمنين والمؤمنات .. وعن فريضة الاختمار، حتى لا تبدو زينة المرأة ـ مطلق المرأة ـ إلا لمحارم حددتهم الآية تفصيلاً. فالحديث عن الاختمار حتى في البيوت، إذا حضر غيرالمحارم .. ثم يواصل السياق القرآني الحديث عن الإحصان بالنكاح (الزواج) .. وبالاستعفاف للذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله:

(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَوَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِين وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌوَرِزْقٌ كَرِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَتَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذلِكُمْ خَيْرٌلَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَأَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُيَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ * قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يُغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌبِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَاوَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْأَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْأَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَيَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌعَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَيَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْأَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِن مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْأَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

بل إن ذاتالسورة ـ (النور) ـ تستأنف التشريع لستر العورات داخل البيوت ـ نصاً وتحديداً ـ فتقول آياتها الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأذِنكُمُ الَّذِينَمَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِن الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاَثُ عَوْرَات لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَعَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْض كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَليمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَالأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِه وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا َيَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَات بِزِينَة وَأَنيَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

وهلا سأل المستشار العشماوي نفسه، وبناء على «منطقه»:

ـ أيستوي خروج المرأة إلى الأسواق .. والمساجد ..ودور العلم .. والأسفار ـ مع خروجها إلى «مراحيض الخلاء» ـ فيجب عليها الاختمار وستر العورات؟؟ ..

6 ـ إن من «فضائل» المستشار عشماوي أن الرجل لا يموه على الناس مقاصده ..وذلك على الرغم من تهافت المنطق والسبل والآليات التي يتوسل بها لتبرير هذه المقاصد والغايات ..

فالرجل كان واضحاً حين دعا إلى الانتقال من «الأساس الإلهي للشرعية» ـفي الخلافة والإمامة والرياسة والوزارة والتشريع والأوامر والأحكام ـ إلى «الأساس البشري للشرعية» في كل هذه الميادين بدعوى أن وفاة الرسول (ص) قد مثلت انتهاء التنزيلوانعدام الوحي ووقوف الحديث الصحيح وسكوت السلطة التشريعية الإلهية .. !

وهاهو ذا يصارحنا بدعوته إلى رفض الحكم بكتاب الله، لأن الآيات القرآنية التي طلبت من الرسول(ص) الحكم بما أنزل الله، هي آيات خاصة بشخص الرسول .. وتخصه شخصياً .. فالحكم بما أنزل الله على رسوله «مؤقت» بحياة الرسول .. ومن ثم فالناس ـ الذين انتقلت إليهم أسس الشرعيةالتشريعية بوفاة الرسول ـ غير مكلفين بالحكم بهذا الذي أنزل الله! ..

يصارحنا العشماوي بهذا «المقصد»، الذي يمثل الغاية من كل مشروعه الفكري، فيقول: «إن تيار تسييسالدين يستشهد دائماً بآيتين من القرآن الكريم (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)، و (إنا أنزلنا إليكالكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) .. ».

ثم يعلق العشماوي، فيعلن عن مقاصده:

«وهذا الاستشهاد خطأ وخطر .. فهاتان الآيتان من الآيات التي تخاطب النبي (ص)وحده، وتختص به دون غيره.

فأولاهما: تنفي صفة الإيمان عمن لا يحكّم النبي في أي شجار بينه وبين آخر ثم يرتضي حكمه، وهذا أمر واجب بالنسبة للنبي نفسه، حتى تستقر الأمورفي مجتمع المؤمنين، ولما كان له من حفظ بالوحي .. فهي ولاية خص الله بها النبيّ ..

أما الآية الثانية، فهي ـ كذلك ـ من الآيات التي تخاطب النبي (ص) وحده، وتختص به دون غيره.. فهي خطاب للنبي، فضلاً عن أنها تفيد أن حكمه ـ أو قضاءه ـ هو بالرؤية التي وهبها الله له».

وأمام هذه «الصراحة ـ العارية» لمقاصد المستشار عشماوي .. نسأل:

ـ أين، فيالآيتين أدلة تخصيصهما برسول الله (ص) وحده دون غيره من الناس؟ .. إن الآيات تطلب من الرسول ـ بحكم الرسالة ـ الحكم بين الناس بما أراه الله ـ أي بما «مَثَّله له وأنزلهعليه» ـ أي بالوحي، الذي أنزله الله عليه ليبلغه للناس، لا ليختص به هو دون غيره من الناس .. وهي تطلب من الناس التحاكم إلى الرسول كرسالة ـ والوحي والرسالة خالدان وحاكماندائماً وأبداً وليسا خصوصية موقوتة بحياة الرسول (ص) ..

ـ وإذا كان على الرسول أن يحكم بالكتاب .. أفلا يكون حكمه بالكتاب ـ في كل الحالات ـ الأسوة التي دعانا القرآن إلىالتأسي بها؟ .. والمتبوع الذي دعانا القرآن إلى اتباعه؟ .. والمطاع الذي دعانا القرآن إلى طاعته؟ .. بل وأوجب علينا طاعته، لأنها طاعة لله؟ ..

ـ والآيتان تفيدان أن تحكيمالنبي هو تحكيم يحكم فيه بالقرآن، فالاحتكام، في كل الحالات، ـ سواء أكان القضاء للنبي أم لغيره ت هو إلى القرآن .. وخلود القرآن، وعموم التكليف به ينفيان أية خصوصيةللرسول (ص) في هذا الأمر. وبعد النبي، فإن الاحتكام هو إلى القرآن، يقضي بمرجعيته وأحكامه وشريعته بشر غير معصوم ..

ـ بل إن «قضاء» الرسول (ص) في المنازعات ـ وهو قضاء لايماري العشماوي في ن شرعيته وشريعته كانت القرآن ـ لم يكن قضاء معصوماً، تميزه العصمة عن قضاء غيره من الناس بشرعية وشريعة القرآن. فالحديث النبوي يقول: «إنما أنا بشرمثلكم، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن من بعض، فأقضي له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من نار».

والعشماوي نفسه، يعلق على هذاالحديث، فيقول: «إن حكم النبي «أي قضاءه» في المنازعات هو حكم له، ورأي وفتوى لبشر، وليس حكم الله».

فمن أين جاء العشماوي باختصاص الرسول (ص) بالقضاء بالقرآن وبما أنزلالله فيه خصوصية شخصية لا يشاركه فيها أحد سواه، حتى لينتهي وقت الحكم بما أنزل الله بوفاة الرسول؟! ..

ـ وهل لم يحكم بما أنزل الله، وبما أرى الله رسوله أي «مَثَّله لهوأنزله عليه» ـ أحد غير الرسول، في حياة الرسول، حتى يقول العشماوي إنه ليس لأحد، بعد وفاة الرسول، أن يدعو إلى الحكم بما أنزل الله، مستشهداً بهذه الآيات؟! ..

لقدتولى القضاء ـ إلى جانب الرسول .. وفي حياته ـ قضاة كثيرون، وتحدد لقضائهم منهاج رضى عنه الرسول (ص) وذكرته كتب السنة في حديث معاذ بن جبل: ـ القضاء بكتاب الله .. فإن لم يوجدفيه .. فبسنة رسول الله .. فإن لم يوجد فيهما فبالاجتهاد ـ .. فبكتاب الله كان يقضي قضاة، مع رسول الله، وفي حياته .. منهم: معاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب،وعمرو بن العاص، وزيد بن ثابت، وعبدالله بن مسعود، والعلاء بن الحضرمي، ومعقل بن يسار، وعقبة بن عامر، وحذيفة بن اليمان العبسي، وعتاب بن أسيد، وأبو موسى الأشعري، ودحيةالكلبي، وأُبي بن كعب .. الخ ..

فما الذي يمنع من قضاء الناس ـ بعد وفاة الرسول ـ بما أنزل الله، كما كانوا يقضون به في حياة الرسول (ص)؟! ..

ـ وهل إذا سنَّت السلطةالتشريعية قانوناً، وطلبت من «وزير العدل» ـ ممثل السلطة القضائية ـ أن يجعل الاحتكام إليه، والقضاء به، نقول إن تحكيم هذا القانون خصوصية لهذا الوزير وحده، دون سواهممن يلي الوزارة بعده؟!

ـ وإذا كان هذا الذي أراه الله، سبحانه وتعالى، لرسوله (ص) هو الوحي ـ الذي «مَثَّله له وأنزله عليه» ـ فإنه موجَّه إلى الأمة، دائماً وأبداً ـبحكم ختامه للوحي السماوي، وختمه للشرائع الإلهية ـ ومن ثم فليس خاصاً بالرسول دون غيره» .. فما أراه الله لرسوله ـ أي «مَثَّله له وأنزله عليه» ـ ليس هبة خاصة به، عليهوحده طاعتها، فما جاء الرسول إلا ليُطاع من الناس، لا أن يطيع هو وحده دون الناس!! .. فالله أراه ـ أي أنزل عليه الوحي ـ ليبلّغ ما أنزل عليه، ليُطاع فيه (وما أرسلنا من رسولإلا ليُطاع بإذن الله).

ـ وإذا كان الله، سبحانه وتعالى، قد جعل استنباط الأحكام من القرآن الكريم ـ في حياة الرسول وزمن التنزيل ـ غير موقوف على الرسول (ص) ولا خاصاًبه وحده .. وإنما شرع الاستنباط للأحكام من القرآن لعموم ولاة الأمر من المسلمين (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) .. فما هي حكمةاستنباط الأحكام ـ بواسطة أولي الأمر ـ من القرآن، إذا لم تكن هذه الحكمة هي الحكم بهذه الأحكام؟! ..

ـ وحتى «الإنذار بالدين» .. لم يجعله القرآن «خصوصية نبوية» فهو،وإن بدأه الرسول (ص) إلا أنه ليس وقفاً عليه .. وإنما هو رسالته التي يحملها الفقهاء، بنص القرآن الكريم (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهمإذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).

فالحكم، استنباطاً من القرآن .. والإنذار بالدين بواسطة الفقهاء، تكليف قرآني للأمة وليس وقفاً على شخص الرسول، وخاصاً بحياته، حتىيقال إن الشرعية تغيرت بوفاته، وانتقلت من الله إلى الناس! ..

ـ وأخيراً .. فما الفرق بين «حكم» الرسول بالكتاب الذي أنزل الله، وبين «دعوته» لذات الكتاب الذي أنزلالله؟! ..

فإذا جعل العشماوي «حكم» الرسول بالكتاب خصوصية له، موقوتة بحياته .. فلم لا يقول إن «دعوته» إلى الكتاب هي خصوصية له، وموقوتة بحياته، وأننا غير مطالبينبالاستجابة إلى «دعوته» هذه بعد وفاته، فتكون رسالته موقوتة ـ هي الأخرى ـ برمتها، ومنسوخة بكاملها؟! ..

وهلا ثاب العشماوي إلى الحق، وقال مع أهله: إن الدعوة خالدة ..والشريعة باقية .. والشرعية الإلهية ـ في المعاملات كالعبادات ـ مستمرة .. وإن الدعوة إلى الدين كله يحملها العلماء العدول، ورثة الأنبياء .. «إن العلماء هم ورثة الأنبياء».. ورثة علم الدين ـ بعقيدته وشريعته ـ «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» .. كما أن الحكم بالشريعة الإلهية هومهمة قضاة الإسلام .. كل ذلك بقيادة الأمة، المستخلفة عن الله، والدولة التي تفوضها الأمة في حراسة الدين وسياسة الدنيا بهذا الدين ..

وإذا أبى المستشار عشماوي أن يثوبإلى قول الحق وأهله .. فهل له أن يسترشد بقول المستشرق اليهودي «برنارد لويس» الذي يقول فيه:

«وعند موت الرسول (سنة 11هـ ـ سنة 632م) كانت إرادة الله قد أوحى بها كاملة إلىالبشرية. ولن يكون بعد ذلك نبي أو وحي آخر.

وإذا كانت المهمة الروحية قد انتهت، فلا تزال هناك مهمة دينية أخرى يجب تحقيقها، ألا وهي الحفاظ على الشريعة الإلهيةوالدفاع عنها وإخضاع بقية البشرية إلى الدين.

ولقد تطلب إنجاز مثل هذا العمل ممارسة قوة سياسية عسكرية أو باختصار: «ممارسة سيادة داخل دولة»!

*سقوط الغلو العلماني


/ 1