لا تمايز ولا عليّة في العدم
عبد الجبار الرفاعي في انواع التعقل
ذكروا أن للتعقل ثلاثةَ انواع:
1_ العقل بالقوة:
ان الطفل أو ما يولد لا توجدلديه معلومات وإدراكات. وعلى هذا الاساس فالمعقولات لا تكون لديه بالفعل وانما تكون لديه بالقوة 'الله الذي أخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمعوالابصار والأفئدة'. فالعقل يكون هنا مجرد استعداد، مجرد قابلية لقبول المعقولات، والنفس تكون خالية من عامة المعلومات. 2_ العقل التفصيلي:
يبدأ العقل بتعقلالمعقولات، وتحصل لديه معقولات كثيرة بالفعل، ويستطيع ان يميز بعض هذه المعقولات عن بعضها الآخر، فيحصل عنده علم تفصيلي بالاشياء، ويكون عالماً بالاشياء علماً فعلياً.3_ العقل الاجمالي:
المرتبة الثالثة للتعقل، ان تحصل معقولات كثيرة لديه، ولكن هذه المعقولات لا يتميز بعضها عن بعض، هنا يكون التعقل بسيطاً ولكنه يشتمل على كلالتفاصيل، يعني هنا يكون العقل عقلاً إجمالياً ولكنه في الوقت نفسه يشتمل على التفاصيل. تنبغي الاشارة الى أن مصطلح الإجمالي قد يطلق ويراد به الاجمال بمعنىالبساطة، وهو ما نقصده هنا، وقد يطلق مصطلح الاجمالي ويراد به المعنى الاصولي حيثُ يقولون (علم اجمالي)، بمعنى علم مع ابهام وإجمال. أما هنا فالمقصود به البساطة، يعنيعقلاً اجمالياً أي عقلاً بسيطاً.
وقد مثلوا لذلك بمثال: فقالوا: ان الإنسان لو أراد ان يقرأ قصيدة شعرية حفظها من قبل، فهذه القصيدة لا تكون كلها موجودة على لوحة عقلهفي اللحظة عينها بتفاصيلها، وانما هي موجودة بشكل إجمالي بسيط، ثم تبدأ تتدفق بشكل تدريجي، وكأنها تنبع من منبع وهذا المنبع تجري منه تمام التفاصيل.
واضح من تقريرهعلى المرأة التي يظلمها من يساويها به في واجبات السعي على المعاش، مع نهوضها بواجب الأمومة والحضانة وتدبير المعيشة المنزلية.
ويتفاوت الرجل والمرأة في غير الميراثفي بعض مسائل الحقوق التي تتصل بالسعي والمعاش، ومنها مسألة الشهادة على الديون والمواثيق:
'واستشهِدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكُونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممَّنترضون من الشهداء أن تضِل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى..' (البقرة: 282).
والشهادة في جميع الأحوال ـ كما نص عليها القرآن الكريم ـ عمل يعالج فيه الشاهد أن يتغلب علىدخائل الحب والبغض ويتجنب الميل مع هواه:
(يأيها الذَّين آمنوا كُونوا قوامين بالقسط شُهداء لله ولو على أنفسكُم أو الوالدِين والأقربين أن يكُن غنيَّا أو فقيرافالله أولى بهما فلا تتبَّعوا الهوى أن تعدلُوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنَّ الله كان بما تعمَلون خبيراً..) (النساء: 135).
(... يأيها الذَّين آمنُوا كونوا قوامين للهشُهداء بالقِسط ولا يجرمنَّكُم شنآن قوم على ألاَّ تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقَّوى..) (المائدة: 8).
والقضية في الشهادة هي قضية العدل وحماية الحق والمصلحة، ولهاشروطها التي يلاحظ فيها المبدأ وضمان الحيطة على أساسه السليم. والمبدأ هنا ـ كما ينبغي أن تتحراه الشريعة ـ هو دفع الشبهة من جانب الهوى وما يوسوس به للنفس في أحوالالمحبة والكراهة وعلاقات الأقربين والغرباء، وليس بالقاضي العادل من يعرض له هذا المبدأ، فيقضى بالمساواة بين الجنسين في الاستجابة لنوازع الحس، والانقياد لنوازعالعاطفة، والاسترسال مع مغريات الشعور من رغبة ورهبة. فالمبدأ الذي ينبغي للقاضي العادل أن يرعاه هنا حريصاً على حقوق الناس أن يعلم أن النساء لا يملكن من عواطفهن مايملكه الرجال، وأنه يجلس للحكم ليحمى الحق، ويدفع الظلم، ويحتاط لذلك غاية ما في وسعه من حيطة، لأنه أمر لا يعنيه لشخصه، ولا يحل له أن يجعله سبيلاً إلى تحية من تحاياالكياسة، أو مجاملة من مجاملات الأندية، وقديما كانت هذه التحايا والمجاملات تجرى في ناحية من المجتمع، وتجرى معها في سائر نواحيه ضروب من الظلم للمستضعفين والمستضعفاتتقشعر لها الأبدان.
وعلى هذه السنة من تقرير المبادئ السليمة في شئون العدالة والمصلحة تجرى شريعة القرآن الكريم، حيث تقتضى الحيطة لحماية البرئ، وانصاف المظلوم،وأن يزداد عدد الشهود من الرجال فلا يكتفي منهم بالشاهد والشاهدين، إمعاناً في دفع الشك وتاويله ـ حيث وجد ـ لمصلحة المتهم، حتى تلزمه الإدانة بنجوة من الشكوك والشبهات.
ولقد يوجد من النساء من تقوم شهادة أحداهن بشهادة ألف رجل، ولقد يوجد من الرجال ألوف لا تقبل منهم شهادة، ولكن المشترع الذي يقول ـ لأجل ذلك ـ إن مزاج الرجل ومزاجالمرأة سواء في الحس والعاطفة، يتقبل من مغالطة الواقع والضمير ما يبطل تشريعه وينحيه عن هذا المقام..
وليس من غرضنا في هذا الكلام على حقوق المرأة، أن نفصل الأعمالالتي تجوز لها في المجتمع. فإنها فيما نرى لا تقبل الإحصاء، ولا تتشابه في المجتمعات، مع اختلاف الزمن وتباين الأحوال، وإنما نجتزئ في كلامنا هنا ببيان حكمة الاختلاف حيثوجد اختلاف الحقوق. فأما الأعمال المباحة للمرأة فهي الأعمال المباحة للرجل بغير تمييز، وكل ما تحاط به من حدود، أن تمضى على سواء الفطرة، فلا تخل بالقوامة الضروريةللمجتمع وللأسرة، إذ هي قوامة لابد من تقريرها لأحد الجنسين وليس من الطبيعي ولا من المعقول أن يتساوى فيها الجنسان.
وبعد: فإن حقوق الإنسان المثالية أمل من آمالالطوبيات التي نترقبها في المستقبل، ولا نتبينها على جليتها في مجتمع من مجتمعات الأمم الحاضرة ولا الأمم الماضية، كائناً ما كان قسطها من الحضارة.
المصدر:دروس فيالفلسفة الإسلامية