عبد الجبار الرفاعي
في صفات الواجب الوجود تعالى معنى اتصافه بها
ان صفات الواجب تنقسم بالقسمة الأولية الى قسميناساسيين : صفات ذات , وصفات فعل .
الصفات الذاتية :
وهي الصفة المنتزعة من مقام الذات الواجبة , بقطع النظر عما عداها , يعني من دون حاجة الى افتراض اي امر اخر سوىالذات , فتكون هذه الصفة ثابتة للذات المتعالية المتنزهة عن العيوب , اذ ان مجرد ثبوت الذات يكفي لثبوت هذه الصفة , وهي من قبيل كونه تعالى حياً , فان حياته تعالى لا تتوقفعلى شئ اخر .
الصفات الفعلية :
وهي تلك الصفات غير المنتزعة من مقام الذات وانما هي الصفات المنتزعة من مقام الفعل والمضافة الى غيره , يعني ان للواجب بالذات صفاتفعلية مضافة الى غيره , مثلا تقول : (خالق) فلابد ان يوجد خلق حتى نقول خالق , , و(رازق) فلابد ان يكون هناك رزق ومرزوق حتى يكون رازقاً , ونقول : (غفور رحيم ) الى اخرع من الصفات ,ويجمع هذه الصفات صفة القيوم , اي ان الصفات الاضافية , الزائدة على الذات , والمنتزعة من مقام الفعل , ترجع جميعا من القيومية , والقيومية هي كونه بحيث يقوم به غيره , من وجوداو حيثية وجودية , فان الخلق والرزق وغيرها , حيثيات وجودية في موضوعاتها من الوجودات الامكانية ,وهي جميعا قائمة به تعالى مضافة من عنده . كما قال صاحب الاسفار .
فصفاتالفعل مضافة الى غيره تعالى , اي انها متوقفة في تحققها على تحقق غيره المضاف اليه , بمعنى ان يكون هذا الغير معلولاً له , لان كل ما في هذا الكون من وجود وكمال وجودي هومعلول له , فاذا كان معلولاً له فيكون متأخراً عنه , فاذا كان متأخراً عنه تكون صفة الفعل متأخرة , لانها منتزعة من فعله تعالى , منتزعة من تلك الاشياء التي خلقها وأوجدها هو.
اذاً الصفة المتوقفة على وجود الافعال متأخرة عن الذات , لأنها اي الافعال توجدها ذات الباري تعالى , وهذه الصفات منتزعة من هذه الافعال .
وعلى هذا الاساس تكونصفات الفعل زائدة عن الذات , لانها منتزعة من مقام الفعل , وهي منسوبة الى الذات المتعالية .
ان صفات الفعل كثيرة جداً , لانها منتزعة من افعاله , فلو فرضنا ان لم تكنهناك مخلوقات له , ولم تكن هناك موجودات اخرى صدرت عنه , فمثل هذه الصفات لا تكون , يعني لو لم تكن هناك مخلوقات فلا نقول انه خالق , وهكذا .
والبحث هنا في صفات الذات لا فيصفات الفعل .
اتصافه تعالى بصفات الكمال :
انه سبحانه وتعالى يتصف بصفات الكمال , يعني ان كل ما يمكن له من صفة كمال يكون ثابتاً له , لانه تعالى هو المصدر والمنبعوالمبدأ الذي يتدفق ويفيض منه كل وجود وكل كمال وجودي , فان كل وجود , اي مفاد كان التامة , وكل كمال وجودي , اي مفاد كان الناقصة , فانها بتمامها مفاضة منه تعالى .
انالعلة أشرف من المعلول والعلة أقدم من المعلول , والعلة تشمل على كمال المعلول وزيادة , فاذا كان كل كمال وجودي في هذا الوجود مفاضاً منه , فلابد ان يكون المبدأ والعلةالمفيضة لهذه الكمالات تشتمل على هذه الكمالات بدرجة اقوى واشد وأعلى وأشرف , بناء على ان كل من يعطي شيئاً لابد ان يكون متوافراً على ذلك الشئ , لأن فاقد الشئ لا يعطيهومعطي الشئ غير فاقد له . وعلى هذا الاساس يتصف الباري تعالى بكل صفة من صفات الكمال .
الصفات الثبوتية :
ان الصفات الذاتية تنقسم الى قسمين :
1- صفات ثبوتية . 2- صفات سلبية .
والمقصود بالثبويتة هي الصفات الثابتة له , اي صفات ايجابية , صفات جمال وصفات كمال له , فالصفات الثبويتة , كالحياة والعلم والقدرة , فنقول مثلا انه : حي, عالم , قادر .... الخ .
الصفات السلبية :
هي صفات منفية عنه , اي صفات جلال , يعني يجل وينزه عن هذه الصفات , كما نقول : ليس بجاهل , ليس بجسم . والصفات السلبية تعود الىالصفات الايجابية , اذ عرفنا فيما سبق انه لا يجوز ان تنفى عنه اي صفة من صفات الكمال , يعني كل صفة تمكن له بالامكان العام ولا تكون ممتنعة بالنسبة اليه , فيكفي امكانها فيثبوتها , اي ان امكانها يساوق وجودها وثبوتها , فكل كال ثابت له , وهذا يعني ان ثبوت كل كمال له نفي عدم الكمال عنه , بمعنى اذا كان الكمال ثابتاً له فلا يجوز نفيه عنه , وكلنقص يكون منفياً عنه . اذا الصفات السلبية تعني نفي النقص وهو كمال , ونفي الفقر والاحتياج وهو الغنى , وعلى هذا الاساس تعود الصفات السلبية الى الصفات الايجابية الثبوتية, لأنها سلب الكمال , اي ثبوت وايجاب الكمال , مثلا نقول : الله تعالى ليس بعاجز , والعجز عدم القدرة , فالله سبحانه ليس بعاجز , يعني ليس ليس بقادر , تصبح النتيجة , الله سبحانهوتعالى قادر و لأن نفي النفي اثبات .
أقسام الصفات الثبوتية:
ان الصفات الثبويتة تنقسم الى قسمين :
1- صفات حقيقة .
2- وصفات اضافية .
الصفات الحقيقية مثل:العالم , الحي , القادر , اما الصفات الاضافية فمثل , القادرية , العالمية .
ثم ان الصفات الحقيقية تنقسم الى قسمين :
1- حقيقية محضة , كالحي .
2- حقيقية ذات اضافيةمثل : العالم بالغير لا يلزم منه وجود الغير بالخارج , وانما وجود الغير في مقام التعقل والتصور , يعني لابد من فرض الغير وان لم يكن الغير موجوداً , حتى يكون هناك علمبالغير .
في كيفية اتصافه بهذه الصفات :
مما لا اشكال فيه ان الصفات الاضافية زائدة على الذات المتعالية , لان الصفات الاضافية , كالقادرية والعالمية , اموراعتبارية وليست حقيقية , والامر الاعتباري امر افتراضي وليس بحقيقي , والذات المقدسة منزهة , ولا يمكن ان تكون محلا للامور الاعتبارية الافتراضية .
ان الصفات السلبيةتؤول الى الصفات الثبوتية كما قلنا , وحينئذ تكون الصفات السلبية صفات ثبوتية حقيقية , فحكم الصفات السلبية حكم الصفات الثبوتية الحقيقية , لانها في حقيقتها هي صفاتثبوتية .
توجد عدة نظريات في كيفية اتصافه تعالى بالصفات الثبوتية الثابتة له , والتي هي أعم من الحقيقة المحضة والحقيقية ذات الاضافة وهي :
1- نظرية الحكماء : الحق من هذه الاقوال هو الرأي المنسوب الى الحكماء , اي ان له تعالى صفات , وهذه الصفات عين الذات , وكل صفة هي عين الاخرى , يعني انها مختلفة في المفهوم ولكن مصداقها مصداقواحد .
والدليل على هذا القول يتألف من مقدمات هي :
1- ان الواجب تعالى علة تامة لكل موجود ممكن , اما ان يكون بلا واسطة او بواسطة واحدة او بعدة وسائط , بمعنى انالواجب هو العلة بذاتها .
2- ان كل كمال وجودي في المعلول ناشئ من العلة , يعني العلم الموجود في المعلول , القدرة الموجودة في المعلول , كل ما نراه من وجودات كمالية فيالمعلول , ناشئ من العلة . ولذلك لابد ان تكون العلة في مقام عليتها واجدة لهذا الكمال الوجودي بنحو أعلى واشرف , فالعلم الموجود لديك لابد ان يكون عند الواجب بنحو أعلىوأشرف .
اذا للواجب بالذات كل كمال وجودي مفترض .
3- ان ووجود الواجب وجود صرف بسيط , وهو واحد بالحقة الحقيقية , وليس واحداً بالوحدة العددية , فان ذات الواجب ليسفيها تعدد ولا تركيب ولا جهة من الجهات , لأن اولحدة الحقة هي التي تكون فيها ذات الواحد عين الوحدة , أذ لو كانوحدته زائدة على ذاته لأن اولحدة تسوق الوجود .
4- فالنتيجةنا كل كمال مفروض له يكون عين ذاته وعين الكمال الاخر المفروض له . وعلى هذا الاساس تكون الصفات الذاتية الثابتة للواجب بالذات , وان كانت مختلفة مفهوماً ,ولكنها متحدةمصداقاً .
الارادة :
قال بعض ان علة الايجاد هي المشيئة والارادة دون الذات . لكن يقول هذا الكلام لا محصل له , وذلك لما يلي :
1- ان الارادة ان كانت صفة ذاتية فهيعين الذات , يعني تكون نسبة ايجاد الاشياء للارادة عين نسبة ايجاد الاشياء للذات , لانه لا توجد عندنا اثنينية , وانما الارادة هي الذات والذات هي الارادة مصداقاً , فهماامر واحد .
2- واذا كان يقصد ان الارادة من صفات الفاعل , فصفات الفعل منتزعة من مقام الفعل , يعني لابد ان يكون هناك فعل موجود ثم ننتزع منه صفة الفعل , فيكون الفعلمتقدماً على الارادة , يعني الذات اولاً والفعل ثانياً والارادة ثالثاً , لان صفة الفعل منتزعة من الفعل فكيف يكون الفعل مستنداً اليها في وجوده؟ لأن اسناد الفعل اليها فيوجوده يعني تقدم المعلول على العلة . وهو محال .
3- انه يلزم من القول الذي يقول : ان علة الايجاد هو المشيئة والارادة دون الذات , كون نسبة الايجاد والخلق الى الواجب نسبةمجازية لا حقيقية , لان الخالق ليس هو وانما الخالق حقيقته هو مشيئته وارادته , بينما نسبة الخلق والايجاد الى الواجب تعالى ليست نسبة مجازية وانما هي نسبة حقيقية . نظرية الاشاعرة :
ينسب الى المدرسة الاشعرية انها تقول : بأن ذات الحق تتصف بمجموعة من الصفات , وبحكم كون الصفة مغايرة للموصوف فان الصفات مغايرة للذات .
وبكلمةاخرة ان الصفات زائدة على الذات , وبما ان االموصوف , الذات قديمة الوجود , اذا يلزم ان تكون الصفات ايضاً قديمة , وبما ان الذات واجبة الوجود فيلزم ان تكون الصفات ايضاًواجبة الوجود كالموصوف .
فصفات واجب الوجود تكون كذات الواجب , فكما ان ذات الواجب واجبة فالصفات واجبة ايضاً , وكما ان ذات الواجب قديمة فالصفات قديمة كذلك . وذكروا من هذه الصفات : الحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر والارادة والكلام فهذه الصفات تكون كلها قديمة .
مناقشة الأشاعرة :
وقد رد الطباطبائي عليهم بقوله :بأن هذه الصفات اما ان تكون معلولة او لا تكون معلولة , يعني ان هذا الصفات الزائدة على الذات واللازمة لها والقديمة بقدمها , ان كانت في وجودها مستغنية عن العلة قائمةبنفسها , فيلزم من ذلك تعدد القديم , اي يكون هناك ثمانية قدماء , سبعة منها الصفات , والذات هي الثامنة . كما ان براهين وحدانية الواجب تثبت ان الواجب القديم واحد أحد , وليسسواه واجب قديم اخر . هذا اذا قلنا ان الصفات في وجودها مستغنية عن العلة , وان قلنا انها في وجودها مفتقرة الى العلة , فلا يخلو أمرها , اما ان تكون علتها هي الذات , فعلى هذاتكون الذات هي علة متقدمة على هذه الصفات ومفيضة لها , بينما كانت الذات فاقدة لهذه الصفات , لانها هي التي توجدها ,ومن المحال ان يكون الشئ موجداً لما هو فاقد له , لان فاقدالشئ لا يعطيه , فهذا محال .
مضافاً الى انه يلزم من ذلك حاجة الواجب باتصافه بصفات الكمال الى غيره , والحاجة بأي صورة من الصور فرضت تنافي الوجوب الذاتي , لأن الوجودبالذاتي مناط الغنى .
كما يلزم من ذلك فقدان الواجب في ذاته صفات الكمال , كام ان الواجب هو صرف الوجود الذي لا يشذ منه كمال ولا يفقد شيئاً من الكمال الوجودي .
فعلىهذا الاساس يكون القول الذي ذهب اليه الاشاعرة في الصفات ليس بتام .
نظرية الكرامية :
يذهبون الى ان الصفات زائدة على الذات وحادثة .
وهذا القول ايضاً باطل ,لانه يلزم منه امكان الصفات واحتياجها الى العلة , يعني ان هذه الصفات تكون ممكنة وليست بواجبة وهي محتاجة الى العلة , لأن كل ممكن محتاج الى العلة .
ثم ان العلة للصفاتاما الذات او غير الذات فاذا كانت العلة الذات فيلزم من ذلك ان تفيض الذات هذه الصفات التي هي فاقدة لها , وقد تبين ان فاقد الشئ لا يعطيه , واذا افترضنا ان المفيض لهذهالصفات وعلة هذه الصفات هي غير الذات فيلزم من ذلك تحقق جهة امكانية في الذات وسلب الكمالات الوجودية عن الذات . وقد تحقق ان الذات ليس فيها جهة امكانية ' لأن واجب الوجودبالذات واجب الوجود من جميع الجهات , وان واجب الوجود يشتمل على كل كمال وجودي .
نظرية المعتزلة :
النظرية المنسوبة الى المعتزلة هو القول الذي يرى ان الذات نائبةعن الصفات , فيلزم من ذلك ان الذات تكون فاقدة للكمال , بينما الذات المقدسة مفيضة للكمال . ومن الواضح ان الفاقد للكمال لا يكون مفيضاً ومعطياً له , ففاقد القدرة والعلم لايمكن ان يعطيهما , لأن فاقد الشئ لا يعطيه .
* المصدر: دروس في الفلسفة