حریة الفکر فی الواقع العربی المعاصر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حریة الفکر فی الواقع العربی المعاصر - نسخه متنی

رفیق حبیب

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

حرية الفكر في الواقع العربي المعاصر

حرية الفكر في الواقع العربي المعاصر


* د. رفيق حبيب

تعد قضية حرية الفكر، من القضايا المهمة في كلالعصور، ولدى كل الشعوب. فكل شعب يمر بفترات عديدة يناقش فيها حرية الفكر، ومداها، وشروطها. وفي الآونة الأخيرة، ظهرت هذه القضية بصورة ملحة. بل تحولت إلى إحدى مناطقالألغام، التي تنفجر عندها صراعات السياسة والثقافة.

فمن جانب، يرى العلمانيون، أن حرية الفكر شرط ضروري للتقدم، وحق أصيل للانسان، وأن التيار الاسلامي جملة يعارضحرية الفكر، لذلك فهو تيار جمودي ورجعي ومعادٍ لحقوق الانسان. أما التيار الاسلامي، فبعضه يأخذ مواقف صارمة، تحد بالفعل من حرية الفكر، والبعض الآخر يقر بأهمية هذهالحرية، وإن كان له بعض المحاذير.

وحرية الفكر، ليست سلوكاً محدداً، ولكنها منظومة متعددة الجوانب. فالمقصود بها، أن يستطيع عقل الانسان تدبر أمور الحياة، وموقفهمنها، بدون قيود صارمة، وقوالب مفروضة. معنى ذلك أن حرية الفكر، مولدة للإبداع بالضرورة، فالأخير لا يجوز كلما زادت القيود والقوالب. وللحرية والفكر، توابع هامة، لأنهامفضية للنشر، وحرية الدعوة لهذا الفكر أو ذاك، وبالتالي فهي تشمل حرية التعبير، وحرية الرأي. مما يجعلها تغطي العديد من المجالات، العلمية والفكرية والسياسية والفنية.

بهذا المعنى المتكامل، تمثل حرية الفكر، آلية عمل العقل ومعالجته لأمور الحياة، بكل ما يشمله ذلك من تشكيل للوعي الجمعي للأمة، وصناعة الثقافة. فالحرية المقصودةهنا، ليست حرية الفرد، فيما يخص نفسه، وأفكاره الخاصة، بل هي حرية المبدع والمثقف والفنان والكاتب والعالم، فيما يخص دورهم في حياة الأمة.

والواقع، أن مناقشة قضيةحرية الفكر، تدخلنا مباشرة في صراع بين فريق يؤمن بها، وفريق يفرض عليها قواعد الحلال والحرام، فيقضي على حرية الفكر تماماً. ولكن هذا الصراع المفترض ـ في تصورنا ـ أحدتجليات القضية، ولكنه ليس كل شيء. بل هو في الواقع تصور متحيز، يجعل الحرية منطوقاً علمانياً، ومنعها منطوقاً إسلامياً، وهذا غير صحيح.

فالحرية المعنية هنا، هيالتحرر من القوالب المفروضة. والواقع أن المفروض علينا الآن علماني أكثر من كونه إسلامياً. فالواقع الثقافي الراهن، يشهد طغياناً للفكر العلماني الغربي، لدرجة جعلتهقوالب مفروضة علينا، لا يجوز الخروج عليها؛ فالخروج هنا يواجه بتهم تبدأ بالتخلف، وتنتهي بالارهاب.

وليس في ذلك مبالغة، فالباحث العربي يفرض عليه علم غربي، له صفةمؤسسية، أي أنه مدعوم بالنظام، ومفروض بالسلطة. وعندما يحاول الباحث العربي، إبداع علمه الخاص، النابع من التراث، فإنه يواجه بموقف يخرجه من رحم الموضوعية والعلمية.

فإذا كنا بصدد مناقشة حرية الفكر، فأولى بنا أن نبدأ بإقرار حق طليعة التراث في إبداع أفكارها، وهو حق يتصدر الحقوق الأخرى؛ لأنه حق نابع من ثوابت الأمة. فالملتزمبثوابت الأمة، والمعترف بقيمها هو الأحق بأن تتاح له حرية الفكر والإبداع. وكذلك، هو الأحق بأن تتاح له الامكانات والمؤسسات التي ترعى فكره وتساعده. فمن المنطقي أن نؤكدأن الإبداع النابع من التراث، له حق تاريخي في ممارسة دوره داخل أمته.

بهذا، نعكس القضية أولاً، ونطالب العلمانيين برفع قيودهم وقوالبهم الفكرية، وفتح المجال أمامالاسلاميين، ليقدموا إسهامتهم. فمن الأصوب أن نعترف أولاً بحرية عمل المشروع الحضاري الاسلامي، قبل أن نناقش أطروحات وكلاء الغرب الثقافيين.

ومن خلال الاعتراف بأنللأمة انتماءها الحضاري، نعرف ضمناً أن هذا الانتماء لا يعني فكراً واحداً، ولا يجب أن يعني ذلك. فمن خلال الحضارة الاسلامية كاطار مرجعي، تخرج أطر وتيارات متعددة، لكلمنها رؤيته الخاصة، ولكنها جميعاً تنبع من سياق المرجعية الحضارية الاسلامية. وتعدد هذه الرؤى، ليس حقاً، بل هو فرض، وأيضاً واجب.

فأية رؤية اسلامية، دينية أوحضارية، تحاول أن تقدم نفسها باعتبارها الحق الوحيد ـ هي رؤية تخرج عن قيم هذه الأمة. فالأصل أن التعدد ليس فقط مقبولاً، بل هو أيضاً طبيعي، وبالتالي، فإن الفكر الواحدغير طبيعي، ومنافٍ للفطرة. ومن هنا تظهر أهمية حرية الفكر والإبداع، باعتبارها أدوات مولدة للتعدد، المفضي للإثراء، والمحقق للازدهار.

ولكن بعض الفصائل الاسلاميةجنحت نحو الفكر الأحادي، الذي يرى الكل غيره باطل، وهو الحق الوحيد. وفي ذلك بعض المعاني المهمة. لأننا نتصور أن فر رؤية فكرية، واتهام غيرها بالضلال، هو آلية محققةلحالتين: حالة التدهور، حيث تتراجع قيم الأمة عن النهوض، وتعم الفوضى، ويصبح فرض الفكر من السلطة، نوعاً من التماسك الأخير للأمة، وهو تماسك مفروض وغير فطري ومانفلطبيعة الأمة، ولذلك ينتهي الأمر بالانهيار. والحالة الانية هي حالة التفكك، ومنها حالة التغريب. فبعد أن تنهار الأمة، وتعم قيم غربية عليها، تخرج جماعات تتمسك بفكرمحدود، وتصف نفسها بالإيمان والنقاء والحق، في مواجهة الفكر والضلال، وهي بذلك تدافع عن نفسها، وعن مقدسات الأمة، لأن تعرض قيم الأمة للانهيار، وللهدم المقصود، لا يفضيإلى مناخ متسامح يسمح بحرية الفكر، بل يفضي على عكس ذلك لحركات تؤمن بأن حرية الفكر هي الغطاء الحقيقي لهدم قيم الأمة.

لذلك فالجمود الفكري، المعادي لحرية الفكر، فيجانب مهم منه، ينبع من استخهدام حرية الفكر كمظلة للهجوم على قيم الأمة. وهو واقع معاش اليوم، في أمة العرب. فتحت مظلة حرية الفكر، بوصفها أداة للتقدم، وقيمة إنسانية، يتمتغريب الأمة ثقافياً، وتشويه تراثها، وسحق هويتها. ولا نظن أن في مواجهة ذلك، نتوقع حركات تنبع من الأمة، وتطالب بالمزيد من حرية الفكر. فالحرية هنا، هي السلاح المستخدمفي مواجهة الأمة، وهي الشعار البارز لتمرير عملية سحق الأمة. لذلك فحركات الاحتجاج والعنف، تعادي حرية الفكر، لأن الأخيرة أصبحت تعادي الأمة. فالحركات التي تخرج للدفاععن مقدسات الأمة، تعادي الاتجاهات التي اعتدت على هذه المقدسات.

بهذا المعنى، نؤكد أن الجمود المعادي لحرية الفكر، ينتج من الهجوم المستمر على تراث الأمة. وفي نفسالوقت، فإن هذا الجمود، سلوك دفاعي، لا يقيم نهضة. فإذا ركزنا نظرنا على النهضة الحضارية الاسلامية، نجد أن آليات حرية الفكر والتعددية، هي جوهر هذه النهضة. لذلك فالجمودالفكري، المدافع عن تراث الأمة، هو حرب ضد العلمانية الغربية، وضد الهجوم على التراث، وضد التغريب، وضد ضياع قيم الأمة ومقدساتها، وفي نفس الوقت، هو فعل معيق للنهضة.

وما يحدث في الواقع، يبدو من قانون التاريخ. فالحملة ضد الأمة وتراثها، وحالة التدهور والانهيار التي وصلت لها الأمة، تدفع لظهور حالة الدفاع عن النفس، التي تحولالتراث إلى أسلحة في وجه القوى المعادية له. ولكن مرحلة الدفاع عن النفس، لا تشيد أمة ناهضة، بل هي مرحلة تسبق النهضة. وحتى ندخل إلى مرحلة النهضة، نحتاج إلى وقف عمليةالهجوم على التراث، وكذلك وقف عملية الدفاع المصاحبة له.

فليس الأمر كما يظن وكلاء الغرب، أن حرية الفكر سوف تتحقق من خلال سيادة أفكارهم، بل على العكس، فإن سيادةالنمط الغربي، هو الذي ولد الحرب ضد حرية الفكر، بعد أن استخدمت ضد مقدسات الأمة. والمناخ المنتج لحرية الفكر، هو المناخ النهضوي، أي عندما تقوم طليعة الأمة بدورها فيغنهاض الأمة، ورفع شأن قيمها ومقدساتها. لأن النهضة هي فعل قوة، وكلما تحققت للأمة قوتها تسامحت، وكلما ضعفت تشددت. والحملة العلمانية الغربية، تضعف الأمة فتجعلهاتتشدد. وفعل النهضة من شأنه أن يقوي الأمة، فيجعلها تتسامح.

بهذا نؤسس مناخ الحرية الفكرية، فهو مناخ النهضة النابعة من التراث، وهو أهم أدوات ازدهارها، وكذلك فهوأحد قيمها الأصلية، لأنه يحقق التعددية، التي هي الشرط الرئيسي في النهضة الحضارية الاسلامية. بهذا المعنى، تصبح طليعة الأمة، منتمية لتراثها، وتمارس حرية الفكروالإبداع، لأنه فرض عليها.

فماذا عن العلمانية الغربية؟! فالمشكلة الرئيسية في الصراع العلماني الاسلامي، هي حول حرية عمل الآخر المنتمي لحضارة أخرى. فالعلماني يؤمنبالحرية في إطار غربيته، والاسلامي يؤمن بها في اطار اسلاميته، فهل يصح أن يسحب كل طرف حق الآخر في الحرية؟ لا.. بالطبع لا..

إن الرؤية العميقة التي تنشد النهضة، تعرفناأن القيود على حرية الفكر والتعبير والإبداع معطلة للنهضة. كما أن تصور حرية الفكر بأنها مجال يحدده القانون، يفرض قوالب، أياً كانت حدودها، تعطل الحرية. والأهم من ذلك،أن حرية الفكر أصلية من حيث هي نتاج حرية الاختيار. فإذا كانت النهضة الاسلامية تواجه بالقوى العلمانية، فإن أي تصور يستخدم القانون ضد حرية الفكر، لا يواجه العلمانية،بل يواجه النهضة نفسها.

لذلك نتصور أن الحرية الفكرية، باعتبارها ممارسة للإبداع، عمل وحق أصيل، لا تجوز مناقشته. ولكن المشكلة التي نمر بها، أن أية أمة يمارسأبناؤها حريتهم، من داخل رحم هذه الأمة. فالإبداع حر، ولكن كل أشكال الإبداع، تعبر دائماً عن أمتها، وتقوم بوظيفة اجتماعية، تجاه هذه الأمة. والفكر حر، لأنه محاولة لفهمالأمة، وطرح رؤى لها ومنها، وتصور بدائل لمستقبلها. وعندما تمارس طليعة الأمة حريتها، فإنها تنتج أفكاراً مقبولة وأخرى مرفوضة، والأمة هي التي تقرر من خلال الاتفاقوالاجتماع. وبذلك يتم فرز الأفكار والرؤى، النافع منها والضار. ولكن ما نواجهه اليوم، هو نخبة تبدع لصالح حضارة أخرى وبالتالي فإن حدودها، ومعاييرها، ليست منا، بلمعادية لنا.

وأمام هذا الموقف، نتصور أن حكم الأمة، هو المرجع الأول والأخير، ويجب أن يظل كذلك. فإذا رأى أي شخص نفعاً في حضارة أخرى، فله أن يدعو لفكرها، ويواجهبالفكر فقط، والأمة تحكم في النهاية على الصالح لها من غيره.

أي أننا ننادي بطرح حر شريف، للنموذج الغربي في مواجهة النموذج العربي الاسلامي دون استخدام للترهيبوالعنف والسلاح والسلطة والنفوذ وغيرها، وعلى الأمة أن تختار ما ينفعها. وليس صحيحاً أن الطرف الاسلامي، يفرض فكره بالسلاح، فبعضه فقط يفعل ذلك في حين أن الطرف العلمانييفرض فكره مسلحاً بالسلطة، وقوة الحكومة، وجيوش الأمن، والدعم الغربي، والتهديدات الخارجية والداخلية، وقوانين استثنائية من الطوارئ حتى المحاكم العسكرية.

ومانعتقد به، أن ممارسة حرية الفكر، هيطرح مسموح به لكل طرف، دون أن يتوحد الفكر مع السلطة. ويصبح الفكر سائداً ومؤثراً، بدعم الأمة وجماهيرها، واختيارها. وبهذا، تصبح الأمةمصدر الرؤية الفكرية الحاكمة، والقادرة على تغييرها. وذلك فيما نظن هو المناخ النهضوي.

ولكن حتى يتحقق ما سبق، نحتاج إلى تنحية المواقف المعادية لحرية الفكر، ولننتمكن من ذلك إلا بتنحية المواقف المعادية للأمة وقيمها وتراثها. فلا يمكن أن نمنع ردّ الفعل، دون أن نمنع الفعل. فإذا كان فرض الفكر الأحادي، ورفض التعددية، تحت شعارديني، مرحلة دفاع عن النفس، نحاول تجاوزها، فإن ذلك لن يتحقق إلا بتجاوز مرحلة الهجوم على الأمة، ومحاولة تدمير قيمها ومقدساتها وهويتها.

وعندما يظن البعض أن محاولةتدمير الذات العربية والاسلامية، هي ممارسة لحرية الفكر، فإنهم بذلك لا يتجاوزون الحرية فقط، بل وأيضاً كل الشروط الانسانية. فكل ما تعتقد الأمة فيه، وترى أنه أساسي فيحياتها، يصبح من مقدساتها، التي لا يجوز الهجوم عليها، والتحقير من شأنها. وما نتكلم عنه هنا، هو الفعل الهجومي ضد التراث والأمة، وهو الفعل الذي يقوى بالسلطة، ويتحولإلى قانون، ويفرض على الجميع. فعندما تكون ممارسة الحرية من قبل النخبة، مانعة لحرية الأمة نفسها، فإن ذلك يسحب من النخبة حريتها.

لذلك، فعندما يقف الهجوم علىالتراث، سينتهي العنف المادي والمعنوي، الذي هو دفاع عن التراث. وبذلك نؤسس مناخاً يسمح بالنهضة، عندما نعيد للأمة اعتبارها، ونسمح لطليعتها بممارسة دورها. فعندما نحققللأمة حريتها في وطنها، يمكن أن نتحدث بعد ذلك عن حرية وكلاء الغرب!

/ 1