مرأة العربیة و نظام القیم فی الحقبة النفطیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مرأة العربیة و نظام القیم فی الحقبة النفطیة - نسخه متنی

شهیدة الباز

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المرأة العربية ونظام القيم في الحقبة النفطية

شهيدةالباز

إن التصدي لأي محاولة معرفية لواقع المرأة العربية من أجل تطويره،يستلزم التصدي لواقع المجتمع العربي وقدراته على التطور، فهناك علاقة جدلية تربط بين المرأة العربية ومجتمعها تأثراً وتأثيراً، ومن ثم تعتبر معرفة آليات التغيروالتغيير في المجتمع ودور المرأة في هذه العملية، شرطاً أولياً للوصول إلى ما تهدف إليه من تطوير وتحرير للمرأة والمجتمع.

ومما لا شك فيه أن تغيرات كثيرة طرأت على وضعالمرأة العربية في الحقبة النفطية. وقد شملت هذه التغيرات البناء المادي لحياتها، كما شملت أيضاً البناء غير المادي.

ونبدأ بتعريف ما نعنيه بالقيم الاجتماعية بأنهامجموعة من المعتقدات التي تتسم بقدر من الاستمرار النسبي، والتي تمثل موجهات للأشخاص نحو غايات أو وسائل لتحقيقها أو أنماط سلوكية يختارها ويفضلها هؤلاء الأشخاص بديلاًلغيرها. وتنشأ هذه الموجهات عن تفاعل بين الشخصية والواقع الاجتماعي الاقتصادي والثقافي.

وتكشف القيم عن نفسها في المواقف والاتجاهات والسلوك اللفظي والفعليوالعواطف التي يكونها الأفراد نحو موضوعات معينة، ونحو الآخرين ونحو أنفسهم، وتسوغ مواقعهم وتحديد هويتهم ومعنى وجودهم، وفي جميع الحالات تشكل القيمة مقياساً يوجهسلوكنا فنعتمده على عمليات إصدار الأحكام والمقارنة والتقويم والتسويغ والاختيار بين البدائل في المناهج والوسائل والغايات.

وتميز العلوم الاجتماعية عادة بينالقيم ـ الوسيلة، والقيم ـ الغاية. وفي الحالتين توجه القيم سلوك الانسان وتنظم علاقاته بالآخرين وبالواقع وبالزمن وبنفسه. وفي علاقته بالواقع تحثه القيم على السعيوالجهاد في سبيل السيطرة على الواقع وتغييره، أو على العكس على القبول به كما هو والتلاؤم معه.

وليس بالضرورة أن يشارك كل الأفراد أو الجماعات في القيم نفسها، فقدتفاضل جماعة معينة بين أنواع القيم الثقافية طبقاً لمصالحها الاجتماعية، وعلى ذلك يمكن ملاحظة ورصد القيم الظاهرة في هذه العلاقات الاجتماعية كانعكاسات مركزة للمصالحالمتباينة والمتناقضة التي تخص كل جماعة. فمثلاً في مجتمع طبقي يبرز وجود قيمة الكفاءة الموروثة للبعض دون الآخر، يصبح هذا الاعتقاد أساساً للمفاضلة بين مصالح فئات عنأخرى أو تميز طبقة دون طبقة بهذه المصالح، رغم أنها ملك للجميع، مثل الثروة النفطية، التي دعمت العوامل الاقتصادية والسياسية التي صاحبت نشأتها ببعض القيم التقليدية منأجل استفادة بعض أفراد العائلات الممتدة من عائدات الثروة النفطية لزيادة قوتهم وسلطتهم ونفوذهم، الأمر الذي أدى إلى تراكم في ثروات هذه العائلات وتراكم في قوتهمونفوذهم.

كذلك هناك البعض الذي ينظر إلى القيم على أنها مطلقة أكثر منها نسبية، فهي بحسب المفهوم الغيبي، منزلة وتصلح لكل زمان ومكان وليست منبثقة عن أوضاع اجتماعيةمحددة، ومن ثم تتغير بتغير هذه الأوضاع. وقد تمتد هذه النزعة عند الغيبيين إلى المجالات غير الدينية فتظهر أيضاً في السلوك والمعتقدات السياسية والتربوية وغيرها، حيثيلاحظ الميل إلى عدم التمييز بين الوسائل والغايات، فيسود الجمود والشكلية وعدم المرونة وعدم التسامح تجاه المواقف الأخرى، كذلك عدم التمييز بين الأفكار والواقعالمعاش. فيفكرون في عالم ويعيشون في عالم آخر، وتنشأ فجوات بين القول والفعل وبين طرق التربية وحاجات المجتمع، وبذلك تصبح الأفكار السياسية أثراً مطلقاً مثلها مثلالأفكار الدينية.

ويتميز هذا النوع من القيم بأنها سلفية أكثر منها مستقبلية، ويظهر ذلك في شغف السلفي بأمجاد الماضي، وعودته إليه في الأزمات، فيستمد منه اكتفاءنفسياً ينسيه الواقع ويحول فشله إلى انتصار، ويظهر أيضاً في عدم الميل إلى التخطيط للمستقبل البعيد، وإلى تحديد الأولويات وتقييم الأمور بحسب مدى تطابقها مع الأعرافوالتقاليد والنصوص، وليس بحسب تحليل دقيق لعناصرها ومسبباتها ونتائجها التي نتوصل إليها من خلال البحث الموضوعي المستقل.

وتسود أيضاً القيم القدرية بين هذا النوعمن التفكير، وهي القيم التي تتصارع مع القيم التي تؤمن بالإرادة الإنسانية الحرة. وهذه القيم القدرية تشجع على الاستسلام والقناعة والقبول، فلا يواجه الانسان التحدياتالتاريخية بالإنكار والحذر، بل يتمسك بفضائل القناعة والصبر وراحة البال واستمرارية العيش والمبايعة والتبعية. كذلك تلجأ هذه الأوساط إلى التعامل مع الفروق الطبقيةومعالجتها باللجوء إلى قيم الرحمة والإحسان، أكثر من اللجوء إلى قيم العدالة التي تنطلق من ضرورة إزالة هذه الفروق واعتبار المواطن مظلوماً وليس موضوع إحسان، الأمرالذي يكرس وضعه الطبقي بدلاً من أن يغيره.

وتشدد القيم الاجتماعية البرجوازية المرتبطة بالتكوين الرأسمالي السلعي على التحديث واقتباس التقنية والاستهلاك الترفي،وتتمسك بمفهوم خاص بالحرية لا يتعلق بتحرر العقل والنفس، بقدر ما يعني عدم تدخل السلطة في شؤونهم، انطلاقاً من مقولة الاقتصاد الحر الذي يؤمن للأغنياء والأقوياء أنيصبحوا أكثر قوة وثراء، ويجعل الضعفاء والفقراء أقل قدرة على المنافسة وتنمية إمكاناتهم، وبالتالي أكثر ضعفاً وفقراً. ويترسخ عند هذه الطبقات قيمة الملكية الخاصة التييجب أن يكرس المجتمع لحمايتها. وفي مقابل ذلك تستمد الطبقات الفقيرة من الدين عزاء خاصاً، فتتعلم منه الصبر والإيمان والطاعة والامتثال الخارجي، الأمر الذي يساعد علىالتعايش مع القوى الخارجية التي تهددها باستمرار، فتصبح حياتها انشغالاً دائماً بسر حاجاتها اليومية الأساسية.

وتشغل القيم الاجتماعية مكانها كجزء من البناءالفوقي في التكوين الاجتماعي الاقتصادي للمجتمع وترتبط ارتباطاً جدلياً بالبناء الأساسية الذي تحدده علاقات الإنتاج في مرحلة تاريخية معينة. وقد تتمتع منظومة القيمبقدر من الاستقلال النسبي فلا يتم التغير فيها في الوقت نفسه مع التغيير في الأساس المادي، وهي تؤثر بدورها في مدى سرعة تغير هذا الأساس واتجاهه.

ومن هنا يتضح لنامنطق العلاقة بين التغير في منظومة القيم الاجتماعية، والحقبة النفطية، التي كان لها تأثير كبير في التكوين الاجتماعي الاقتصادي للوطن العربي كله.

لقد أصبحت للوطنالعربي خصوصيته الواضحة إلى جانب السمات العامة لدول العالم الثالث التابعة، منذ الحقبة النفطية التي بدأت بعد سيطرة الأقطار العربية على ثرواتها النفطية في أوائلالسبعينيات والارتفاع في أسعار النفط بعد اندلاع الحرب عام 1973.

لقد أحدثت هذه الحقبة تحولات نوعية اقتصادية واجتماعية وسياسية في الأقطار العربية النفطية وغيرالنفطية، وأصبحت الطفرة في عائدات النفط عاملاً حاسماً في تشكيل هيكل الاقتصاد العربي وعلاقاته الاقتصادية في الداخل والخارج، وأصبح النفط ضابطاً لأنماط التنمية داخلالوطن العربي كله، فقد انتقل جزء من الموارد المالية النفطية الهائلة إلى البلدان العربية غير النفطية عن طريق حركات العمالة ورأس المال. كما أحدثت الطفرة تغيراتاقتصادية واجتماعية سريعة وواسعة النطاق في الوطن العربي كله. فلقد انفتح الاقتصاد العربي أمام رأس المال الأجنبي والمحلي، وانتقل رأس المال العربي لأول مرة للتصديرإلى السوق المالية العالمية، وقامت صناعات حديثة وضخمة مرتبطة بأنماط التكنولوجيا المستخدمة في الاقتصاد العالمي.

ورغم ذلك فقد ظلت أغلبية القوى العاملة مشغولة فيالزراعة، التي تستوعب 60 بالمائة منها، بينما لم تستوعب الصناعة التحويلية سوى 8و9 بالمائة من قوة العمل.

ورغم هذه النسبة العالية من العمالة في الزراعة فقد تخلفتالزراعة العربية وتفاقمت الفجوة الغذائية، وزاد اعتماد الأقطار العربية على الاستيراد والمعونات من أجل توفير الغذاء.

ووصلت هجرة العمال إلى أعلى نسبة في العصرالحديث، حيث بلغت في بعض البلدان العربية غير النفطية نسبة تصل إلى 4و72 بالمائة من حجم القوة العاملة فيها. لقد أصبح الاقتصاد العربي في الحقبة النفطية أكثر طفيلياًوريعياً منه في أي وقت مضى، وأصبح طابع الإنتاج فيه طابعاً عارضاً. واصبح كذلك مرتبطاً بالأسواق التي يصرف فيها النفط والتي تنفق فيها أموال النفط دون أي قدرة علىاستقلالية الحركة والقرار.

لقد كان لظهور النفط العربي ودوره في تبني سياسات تنموية تابعة للنموذج الغربي الرأسمالي وسياسات الانفتاح الاقتصادي، أثر كبير في أوضاعالمرأة العربية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. وكان لوقوع الاقتصاد العربي في أسر قانون الاقتصاد السلعي دور كبير في خلق منظومة القيم السلعية التي تحكموتنظم وتقوم وتبرر العلاقات الاجتماعية السلعية السائدة فيه.

كان لهجرة القوى العاملة والسكان من البلدان العربية وإليها ـ بخاصة بعد ارتفاع أسعار النفط بعد حربتشرين الأول/ اكتوبر 1973 ـ آثار عديدة في الوطن العربي بشكل عام، وفي المجتمعات المصدرة والمستوردة لقوى العمل بشكل خاص، وتختلف الآثار الاجتماعية لظاهرة هجرة وانتقالالعمالة فيما بين الأقطار العربية، من قطر لآخر، بسبب اختلاف حجم الهجرة النسبي من بعض هذه الأقطار وإليها، واختلاف البنيان الاجتماعي، ومستوى التعليم والثقافة، كماتتأثر أيضاً باختلاف القوى العاملة الوافدة سواء من الناحية المهنية أو التعليمية، ونوعية النشاط الذي تمارسه أو التركيب الاثني لها. وفي بداية انتقال القوى العاملة منالبلدان المصدرة للعمالة إلى البلدان المستوردة لها، سادت النظرة الإيجابية باعتبار أن التبادل بين عناصر الإنتاج بين البلدان ذات الفائض المالي إلى البلدان ذاتالفائض العمالي يوفر الظروف الملائمة لتنفيذ خطط التنمية التي تبنيها معظم البلدان العربية بعد ارتفاع أسعار النفط. ولكن بعد فترة من تطبيق هذه السياسة، اتضح أن الخروجمن بلد المنشأ ليس خيراً كله وأن هناك آثاراً سلبية، كما سرت شكوك حول ما إذا كانت المحصلة النهائية للهجرة إيجابية أم سلبية من وجهة النظر المجتمعية. إن الهجرة وانتقالالعمالة تتم من وإلى مجتمعات لها أنماطها الحياتية والثقافية وعاداتها وقيمها الاجتماعية وتركيبها الطبقي وتنظيماتها السياسية المختلفة، وقد تتصف البنى الاجتماعيةوالسياسية فيها بدرجة عالية من المحافظة والجمود، وقد تتمتع بدرجة عالية من المرونة والقدرة على استيعاب التغيرات المستخدمة وخلق توافق جديد بين العلاقات التي ستحدثوتلك التي كانت قائمة. ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان الفصل بين آثار الهجرة وانتقال العمالة والسكان من ناحية، وتأثير بعض العوامل الأخرى التي يمكن أن تكون قد حدثت فيالفترة الزمنية نفسها.

كذلك بالنسبة إلى المد الاسلامي السياسي، أي استخدام الاسلام لتحقيق أغراض سياسية، فقد أدى اكتشاف النفط وارتفاع أسعاره إلى تضخم ثروة بعضالبلدان الاسلامية التي رأت، في سبيل توطيد زعامتها في المنطقة، اتخاذ الدين الاسلامي سلاحاً لخدمة هذه المصلحة، واستعملت في سبيل ذلك وسائل كثيرة منها شراء الكفاءاتوالعقول والذمم والأقلام، وتأسيس الجرائد والمجلات الدينية الآنية الفاخرة الطباعة، واستدعاء مفكرين أكفاء للكتابة فيها، على أن تكون كتاباتهم في الاسلام متماشية معالخط الذي تحدده لهم الدولة التي تستخدمهم. وقد لجأت كذلك إلى التأثير في العمالة الوافدة لتبني الأفكار التي تخدم أهدافها السياسية ونشرها في البلد الأصلي بعد عودتهم،وترويج قيم معينة بشكل منتظم قد يأخذ شكل الحركات السياسية المنظمة المتخفية تحت ستار الدين. ومحصلة ذلك كله أن هذه المتغيرات المتشابكة والسياسات المنبثقة عنها، تعكسموقفاً متكاملاً يخدم ويكرس علاقات الإنتاج السلعية وما يرتبط بها من قيم يحكمها قانون الإنتاج السلعي ـ أي القيم التي تخدم هدف تحقيق الحد الأقصى للريع في إطار تقسيمالعمل الدولي ـ والذي يتحول فيه كل شيء إلى سلعة لها ثمن وصولاً إلى الانسان، السلعة الرئيسية في النظام الرأسمالي. وينطبق ذلك بطبيعة الحال على المرأة في الوطن العربي،فقد أصابها ما أصاب غيرها سواء بالسلب أو الإيجاب: وما يعنينا هنا هو محاولة معرفة العلاقة الجدلية بين منظومة القيم في الحقبة النفطية وبين المرأة العربية، وتكونالفرضية الأساسية للدراسة هي أن الحقبة النفطية قد كرست العلاقات السلعية وأنتجت نظاماً سلعياً للقيم، أثر في وضع المرأة العربية ومنظومة القيم التي تحكمها، إلى أنأصبحت سلعة في حد ذاتها.

فبالنسبة إلى عمل المرأة كقيمة، نجد أن التطور الإنتاجي والتحديث في البلدان العربية النفطية أدى إلى زيادة الطلب على العمالة. وقد لجأت بعضالبلدان بعد فترة من فترات التطور إلى تشجيع مشاركة النساء في قوة العمل. وعلى الرغم من ذلك فإنه في البلدان النفطية العربية لا تزال قيمة عمل المرأة خارج البيت بشكل عاممرفوضة، ويفسر ذلك على أساس الوفرة المادية التي لا تجعل عمل المرأة مهماً بالنسبة إلى دخل الأسرة. ويبدو ذلك من تحليل أرقام العمالة المحلية والوافدة في البلدانالمستوردة للعمالة ومدى مشاركة المرأة في القوى العاملة، وتوضح بيانات التعداد في الكويت عام 1980 أنه بينما كانت نسبة مشاركة الرجال الكويتيين في قوة العمل 8و31 بالمائة،فإن نسبة مشاركة لامرأة الكويتية كانت حوالى 8و4 بالمائة فقط، مقارنة بنسبة 16 بالمائة لغير الكويتيات. وكذلك في البحرين، حيث توضع بيانات تعداد السكان والمساكن في عام 1981أن مشاركة الذكور من البحرينيين كانت 7و43 بالمائة بينما كانت نسبة مشاركة البحرينيات 3و10 بالمائة و 26 بالمائة لغير البحرينيات. ومن الملاحظ أن الكويت والبحرين هما أكثرالبلدان تطوراً فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية بصفة عامة، وبتعليم المرأة بصفة خاصة، وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت نسبة مشاركة المرأة في الكويت في الحدود التقليديةلمشاركة المرأة العربية والتي تتراوح بين 3 ـ 5 بالمائة. وإذا كانت هذه الظاهرة تعود أصلاً إلى الموقف الفكري التقليدي في المجتمعات العربية وتحيزها ضد عمل المرأة خارجالبيت فإن سهولة استجلاب الأيدي العاملة الرخيصة في هذه الحالة أيضاً تدعم النظرة التقليدية وتساعد على استمرار هذا التوجه. وبشكل عام فقد أدت الثروة النفطية في البلادالمستوردة للعمالة إلى تدهور قيمة العمل. فنظراً إلى الوفرة المادية والاعتماد على الاستيراد، والاتجاه إلى منح مخصصات دون عمل بالنسبة إلى كثير من المواطنين في إطارتوزيع عوائد النفط، تدهورت قيمة العمل في حد ذاته وانعدمت أخلاقياته.

ويضاف إلى ذلك ما يعكسه اعتماد المرأة في السعودية وبلدان الخليج على العمالة الآسيوية فيالأعمال المنزلية وتربية النشء، من موقف ليس نحو مشاركتها في العمل المدفوع الأجر فقط، وإنما أيضاً نحو أي جهد يمكن أن تبذله في المنزل أو في تنشئة أطفالها، وإلقاء هذاالعبء على مربيات أجنبيات من طبقة أخرى يتعرض كثير منهن للاستغلال الجنسي من أرباب العائلات. ولا يمكننا أن نتجاهل في هذا المجال تأثير العمالة الآسيوية الوافدة، التيارتفعت معدلاتها عن معدلات العمالة العربية الوافدة، في القيم الاجتماعية والثقافية والتوجه القومي لهذه المجتمعات، حيث إنها تنتمي إلى ثقافات مختلفة تماماً عنالثقافة العربية. وتظهر خطورة ذلك بشكل أوضح بالنسبة إلى تنشئة الأطفال، الأمر الذي يسمح بالتأثير في الصفات الشخصية والتكوين النفسي والثقافي للأجيال المقبلة، ويدعمهذا التأثير انتشار الأفلام الهندية والباكستانية في تلفزيون وسينما الخليج. ورغم أن الاحتكاك الاجتماعي بين العمالة المهاجرة إلى بلدان النفط والسكان المحليين محدود،إلا أن ذلك لا يعني أن العمالة المهاجرة لا تؤثر في القيم الاجتماعية في البلدان النفطية. فمن المؤكد أن كل البلدان النفطية تتعرض لدرجة من النقل الحضاري، أي لإدخال أنماطسلوكية وعادات وتقاليد عن طريق الوافدين. وتتوقف أبعاد هذه العملية وآثارها على مدى التعددية السكانية ومدى تجانس تكوين مجتمع الوافدين ودرجة اختلاط المواطنين معالوافدين.

أما بالنسبة إلى تأثير الحقبة النفطية في النظرة إلى عمل المرأة في البلدان غير النفطية، فقد تداخلت فيه عوامل عدة. لقد أدت هجرة القوى العاملة المصريةبشكل عام إلى تدهور قيمة العمل والإنتاجية في مصر بعد العودة، فالعامل في مصر ـ وينطبق ذلك على المرأة أيضاً ـ لم يستطع التكيف بعد العودة بسهولة مع وضعه الجديد الذي يعنيمرتباً أقل، ومن ثم كان يركز جهده على الهجرة من جديد. ويفسر ذلك بأنه نتيجة لتعود العامل الحصول على دخول لا تتناسب مع العمل الذي يؤديه وإلى تراجع قيمة العمل والاجتهادقبل الهجرة.

وقد تأثرت النظرة إلى عمل المرأة في مصر في هذه الحقبة أيضاً بأزمة النظام الرأسمالي، فبعد إجهاض وضرب المشروع القومي الناصري، وعقد الصلح مع إسرائيل،وتدهور إمكانات التنمية الوطنية المستقلة الشاملة، عجزت الحكومة عن تدبير غذاء الشعب، وعجز الهيكل الإنتاجي عن استيعاب طاقات العمل، وظهرت طوابير العاطلين من الرجالوالنساء. حينئذ ارتفعت دعوات عودة المرأة إلى البيت. ولقد واكب الاسلام السياسي الأزمة الاقتصادية للرأسمالية المصرية ليدعمها لحظة إفلاسها، بخلق نماذج للمرأة بعيدة عنالواقع المطلوب تغييره، وخلق جزئية لحرف النضال عن الطريق الصحيح.

وقد أدى ذلك إلى عودة إلى الوراء فيما يتعلق بقيمة عمل المرأة، حتى من وجهة نظر المرأة نفسها، فقدوقع كثير من النساء، نتيجة للضغوط الاقتصادية في النظام السلعي، في خطأ الخلط بين الظروف غير المؤاتية المحيطة بعمل المرأة ومبدأ العمل في حد ذاته، كما جنح المجتمع إلىتهميش عملها وجعله نشاطاً احتياطياً. وتبنت الكثيرات هذه النظرية التي لم تقتصر على غير المتعلمات فقط، بل انتشرت بين كثير من المتعلمات اللاتي فصلن بين التعليم والحصولعلى الشهادة وممارسة العمل بعد ذلك.

أما بالنسبة إلى القيم الاجتماعية الخاصة بمكانة المرأة بشكل عام في تلك الحقبة، فقد تطورت إلى الأسوأ، فالقيمة الأساسية فيمجتمعات الخليج ما زالت أن الرجل هو الوصي على ملكية النساء، ولا تزال هذه المجتمعات تنظر إلى المرأة على أنها حامل شرف العائلة، وقد مورست عليها أشكال من العزل بسبب ذلك.وإذا كان شكل العزل قد اختلف نتيجة للتغير الاقتصادي الحديث، إلا أن مضمونه ما زال كما كان، ويفسر البعض ذلك بأن ارتباط المجتمع بالسوق الغربية واعتماده على السلعالمستوردة قد قلل من أهمية المرأة في الإنتاج والخدمات، لذلك أصبح عزل النساء التقليدي أكثر عمقاً.

وما زال تعدد الأبناء قيمة أساسية، وتفضيل الأبناء الذكور علىالإناث شائعاً، ولا تستطيع المرأة أن تأخذ وضعها الاجتماعي والنفسي إلا بعد إنجاب الابن الوارث. وتقاس قوة الأسرة عن طريق أبنائها من الذكور.

وفي إطار سيطرة هذهالقيمة السلعية خضعت المرأة نفسها لديناميات السوق، فتصاعدت قيمة المهور ثمن المرأة ـ وبخاصة في الطبقات العليا ـ مما أوجد اتجاهاً نحو تأخر سن الزواج لدى الرجل والمرأةفي المجتمعات الخليجية، حتى اضطرت الدولة للتدخل في بعض الأحيان ـ في الكويت ـ لوضع حد قانوني للمهور.

أما بالنسبة إلى دور ومكانة المرأة وقيمة الارتباط الأسري فيالدول المصدرة للعمالة، فقد تأثرت بأشكال متعددة نتيجة تغير وظائف الأسرة. فحيث إن الجزء الأكبر من العمال المهاجرين يتألف من فئة الذكور من 20 إلى 40 سنة، فإن ذلك يعنيانفصال عدد كبير من العائلات العربية عن عائلها لفترة قد تطول أو تقتصر. ويظهر ذلك بشكل أوضح في الطبقات الفقيرة من العمال والفلاحين، حيث ان البلدان النفطية المستوردةللعمالة لا تسمح باصحطاب العامل لأسرته إلا إذا زاد دخله عن حد معين، وفي هذه الحالات تضطر النساء إلى القيام بدور أساسي في الإنتاج (الفلاحة) وفي الإشراف على شؤون الأسرةوتصريف أمورها بما في ذلك تربية الأطفال وتنشئتهم في غياب الأب. وقد دعا ذلك عدداً من الباحثين العرب إلى الإشارة إلى ما سمي بتأنيث العائلات العربية في البلاد المصدرةللعمالة مما يتيح للمرأة مزيداً من السلطة وإثبات الذات.

وقد أدى الدور الاقتصادي الاجتماعي الجديد الذي أخذت تلعبه زوجات المهاجرين إلى قيامهن بأعمال مختلفة كانتتعتبر دائماً من مسؤوليات الرجال، وأدى ذلك إلى اكتسابهن تصوراً جديداً لأنفسهن تزيد فيه الثقة بالنفس، وبالكفاءة الشخصية، وإلى تمتعن بمكانة أعلى نسبياً في نظر الزوجوعائلته.

ومن الناحية الأخرى يرى البعض أن هجرة العمالة، سواء أكانت الزوج فقط أم الزوجين تاركين أولادهما في البلد الأصلي، تؤدي إلى حدوث تشوهات في المسلكالاجتماعي للأسرة، وإلى شيوع ظاهرة التفكك الأسري، وزيادة حالات الطلاق والانحراف وتعدد الزوجات، وفشل الأبناء في الدراسة وربما انحرافهم.

وقد أشارت بعض البحوثالتي تمت في الاقليم الشمالي في السودان إلى التأثير السلبي في العائلة السودانية لغياب العائل، وإلى ارتفاع نسبة الطلاق في هذا الاقليم بسبب هجرة الزوج، وأنه في عام 1982كان 40 بالمائة من حالات الطلاق في المحاكم قد تم بسبب الخوف من الفتنة لغياب الزوج. وليس ببعيد عنا ما حدث من ظواهر جديدة في المجتمع المصري من جرائم قتل الأزواج والزوجاتوالآباء والأمهات. وقد كان القاسم المشترك في معظم هذه الجرائم الهجرة إلى بلدان النفط، الأمر الذي يعكس سيادة القيم الفردية التي تعتبر عاملاً في العلاقات الاقتصاديةوالاجتماعية للنظام الرأسمالي السلعي.

وقد أدت سياسة الانفتاح الاقتصادي متضافرة مع نمو هجرة العمالة في الحقبة النفطية إلى هجرة عدد كبير من النساء للعمل في بلدانالنفط، الأمر الذي كان له تأثير ملحوظ في قيمنهن في الحياة، فتحولن إلى ساعيات وراء الأغراض الشخصية المادية الضيقة على حساب الروابط الاجتماعية والطموحات المتعلقةبالمجتمع ككل.

ومن القيم الاجتماعية التي برزت بشكل واضح في المرحلة النفطية، والتي تعد انعكاساً للعلاقات السلعية التابعة، الإغراق في الأنماط الاستهلاكيةالجديدة. فإن هجرة العمالة تتم من بلدان ينخفض فيها الدخل الفردي إلى بلدان يرتفع فيها هذا الدخل نتيجة لارتفاع أسعار النفط وليس نتيجة لزيادة الإنتاج والإنتاجية،ويستخدم جزء كبير من الدخل في هذه البلدان في الاستهلاك الترفي الذي يعتمد بشكل يكاد يكون كاملاً على الاستيراد من الدول الصناعية المتقدمة، ويترتب على الهجرة وارتفاعالدخول الحقيقية في البلدان المستوردة للعمالة عنها في البلدان المصدرة لها، اتجاه الوافدين إلى تبني هذه الأنماط التي تتسم بالبذخ الشديد والمظهرية ومحاولة حيازةأحدث ما تقدمه البلدان الصناعية من مستحدثات. وتقوم العمالة المهاجرة بدور الوسيط المحلي في نقل النمط الاستهلاكي الترفي للمجتمعات المصدرة للعمالة، الأمر الذي يؤديإلى مزيد من التغريب للمواطن العربي وعزله عن وسطه الاستهلاكي والإنتاجي والمعيشي الطبيعي، ومن ثم التشويه المستمر لقيم المجتمع العربي.

فقد وصلت نظرة المجتمع إلىالمرأة ونظرة المرأة إلى نفسها في كثير من الأحيان إلى أنها سلعة يمكن أن تباع وتشتري. وتحققت قمة المأساة في الحقبة النفطية والانفتاح الاقتصادي، في ظاهرة الزواجالتجاري، الذي بمقتضاه يبيع الزوج ابنته أو المرأة نفسها إلى أزواج ليس هناك ما يربط بينهم إلا وجود سلعة بيولوجية تباع لمن يدفع أكثر، سواء أخذ ذلك شكل زواج مقيد الأجلأو الوقوع في شرك عصابات منظمة لتجارة الرقيق وعلى المستوى المحلي والدولي. ومن المحزن أن هذه الظاهرة قد اتسعت لتشمل نساء متعلمات وعلى قدر من الثراء، ولكن تحكمهنعلاقات السوق في مجتمع يعرف ثمن كل شيء ولا يعرف قيمة أي شيء.

المصدر: المرأة العربية بين ثقل الواقع وتطلعات التحرر


/ 1