المعاشرة الزوجية
ابراهيم علي مصطفى النثار حث الإسلام على الزواج، ورغب فيه وجعله سنة من سننه وشرعة من شرائعه،وأحاطه بمظاهر التكريم والسرور.
قال أنس رضي الله عنه: رأى رسول الله (ص) على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أثر صفرة، فقال: ماهذا؟ فقال: تزوجت امرأة على وزن نواة منذهب، فقال: 'بارك الله لك أولم ولو بشاة' وأولم رسول الله (ص) على صفية بتمر وسويق، وأرشد من يدخل على الزوج أن يقول له مهنئاً: 'بارك الله لك، وبارك عليك وجمع بينكما في خير'واستحب صلوات الله عليه إظهار الزواج فقال: 'فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت' وقال: 'اعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف'.
ولا يكونالزواج موفقاً سعيداً سداه المودة، ولحمته الرحمة إلا إذا ترابط الزوجان وتفاهما، واحترم كل منهما حقوق صاحبه، وقام بواجبه نحوه في صدق وإخلاص.
يقول الإمام الشيخمحمود شلتوت:
لم يشرع الله الزوجية لتكون شركة جافة لا هم لأصحابها إلا أن يحقق كل واحد منهم مصلحته الخاصة ولو على حساب الآخرين؛ لذلك يتجه رسول الله (ص) بالنصيحةوالإرشاد إلى الأزواج والزوجات جميعاً، ويضع لهم الدستور الذي على أساسه تبنى البيوت، وتسعد الأسر، ويصلح النسل، وتقوى الأمة: 'لا يفرك مؤمن مؤمنة _يعني لايبغضها _ إن كرهمنها خلقاً، رضي منها غيره' ويقول: 'أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم' هذان حديثان كريمان ينبه رسول الله (ص) فيهما الأزواج إلى أمرين، هما: سرالسعادة الزوجية وهما أهم ما يطلب من الرجل. يقول لهم: لا توجد امرأة إلا ولها بعض المزايا، وفيها بعض العيوب، وإن من التمس امرأة كاملة من جميع النواحي، فقد التمسمحالاً، وهب الله هذه حظاً من الجمال وإن كان في خلقها شيء، ووهب هذه حظاً من الخلق وإن كان في جمالها شيء، وفاوت بين هذه الحظوظ والأقسام كما قضت بذلك مشيئته (وربك يخلقما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) (القصص/ 68)
هذه حقيقة من عرفها استراح وأراح، وأمكنه أن يغض عن العيوب المحتملة بجانب المزايا، وأن يغفر بعض نواحي الضعف لما يجبرهامن نواحي القوة، وهذا هو معنى قوله (ص): 'إن كره منها خلقاً رضي منها غيره' وفي ذلك يقول القرآن الكريم: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيهخيراً كثيراً) (النساء/ 19)
ينسى بعض الأزواج هذه الحقيقة الواقعة فيركز اهتمامه بناحية الضعف في زوجته متناسياً كل المحاسن فيشقيه ذلك ويشقيها، ويظل من ناحيته يجسمهذا العيب، ويتتبع مظاهره ويتألم له حتى ينغص على نفسه حياته، ويغرس في قلبه كراهية زوجته، ويظهر ذلك في تصرفاته معها قصداً أو عفواً فتتألم هي أيضاً من ناحيتها؛ وتبادلهكرهاً بكره، وإيلاماً بإيلام! وحينئذٍ يدب دبيب الخلاف، وتسري عوامل الشقاء فإما اعتلال بعد ذلك وإما انحلال.
ويقول رسول الله (ص) للأزواج أيضاً: إن الخلق الكريم فيمعاملة الناس عامة هو علامة الإيمان الكامل؛ لأنه دليل على الصفاء النفسي، والتماس لإحسان الله بالإحسان في معاملة خلقه، وإذا كان هذا هو شأن الخلق الكريم في الصلاتالعامة بين الناس بعضهم وبعض، فأولى للزوج ثم أولى أن يتمسك به في أهم صلة وأقوى صحبة، وهي صلة الزوجية، ولذلك يقول الرسول: 'خياركم خياركم لنسائهم' وفي القرآن الكريم (ولاتنسوا الفضل بينكم) (البقرة/ 237)
وقد كان رسول الله (ص) أكرم الناس مع أهله، وأرفقهم بزوجاته ما رؤي متجهماً في وجه أحداهن، ولا غاضباً غضباً يخرجه عن سكونه ورحمته، ولاسباباً ولا فاحشاً، ولا يحتقر الطعام، ولا مؤثراً به نفسه ولكن ما رضي عنه أكله. وما كرهه تلطف في رده، وما غاب لم يسأل عنه.
أيها الأزواج:
هذه هي أقوال نبيكم، وهذههي أفعاله و(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (الاحزاب/ 21) فاستوصوا بالنساء خيراً: لا تستكبروا عليهن ولا تصخبوا في وجوههن، ولا تبخلوا ولا تستأثروا، ولا تعنفوا فيالصغير والكبير ولا تحاسبوا على الفتيل والنقير. ارحموا النساء فلا تكلفوهن فوق طاقتهن ولا تأمروهن بما ليس في استطاعتهن، ولا تتهموهن بما ليس فيهن، ولا تهملوا شأنهنوشأن أولادهن، ولا تتحكموا فيهن لمجرد الرغبة في إظهار السلطة، وتنفيذ الكلمة إن النساء أمانات في أيديكم، وإن الله قد استرعاكم هذه الأمانات فصونوها، وأحسنوا رعايتهايحسن الله إليكم.
وحث الإسلام على حسن الخلق مع الزوجة، واحتمال الأذى منها، ومعاشرتها بالمعروف، قال الله تبارك تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) (النساء/ 19)
وقال:(والصاحب بالجنب) (النساء/ 36). قيل : هي المرأة.
وآخر ما أوصى به رسول الله (ص) ثلاث كان يتكلم بهن حتى تلجلج لسانه وخفي كلامه جعل يقول: 'الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم لاتكلفوهم ما لا يطيقون، الله الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم (يعني أسراء) أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله'.
ثم انظر إلى الرسول الكريم وهويقول لجابر بن عبد الله حينما أخبره أنه تزوج ثيباً؛ هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك، ووصفت أعرابية زوجها وقد مات فقالت: والله لقد كان ضحوكاً إذا ولج، سكيتاً إذا خرج، آكلاًما وجد، غير سائل عما فقد.
ولكن ينبغي أن يكون ذلك في حدود الاعتدال فلا إفراط ولا تفريط ولكن خير الأمور الوسط.
عن ( الاسلام والمرأة )