دون أن تشهر في وجوههم الحراب وتنصب في طرقهم الشباك، بل وانى يمكن أن يتصور أن تترك للإسلام الحنيف السبل شارعة والمسالك نافذة، يقيم دعائم الحق ويرسي جذور العدل ، بلى لا يمكن تصور ذلك، وتلك حقائق لا يمكن الإغضاء عنها. ومن كان علي عليه السلام؟ هل كان إلا كنفس رسول الله صلى الله عليه و آله(2) رزق علمه وفهمه، وأخذ منه مالم يأخذه الآخرون، بل كان امتداداً حقيقياً له دون الآخرين، وهل كانت كفه عليه السلام إلا ككف رسول الله صلى الله عليه وآله في العدل سواء(3) وهل كان عليه السلام إلا مع الحق والحق معه حيثما دار(4). وهل كان عليه السلام لو ولي امور المسلمين ـ كما أراد الله ورسوله ـ إلا حاملاً المسلمين على الحق ، وسالكاً بهم الطريق القويم وجادة الحق(5). بلى كان يعد من السذاحة بمكان أن يمكن علياً عليه السلام من تسنم ذروة الخلافة وامتطاء ناصيتها، لأن هذا لا يغير من الأمر شيئاً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ويظهر لهم وكأنه صلى الله عليه وآله ما زال بين ظهرانيهم، يقيم دعائم التوحيد، ويقف سدّاً حائلاً أمام أحلامهم المنحرفة التي لا تنتهي عند حد معين ولا مدى معروف. ولعل الاستقراء البسيط لمجرمات بعض الامور يوضح جانباً بيناً من تلك
(2) روي عن أبي ذر رحمه الله، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : " لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي ينفذ فيهم أمري ....". اُنظر: خصائص الإمام علي عليه السلام ـ للنسائي ـ : 89/ 72، المناقب ـ للمغازلي ـ : 428/ 4. (3) انظر : ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق 2: 438/ 945 ، المناقب ـ للمغازلي ـ 129/ 170. (4) انظر : تاريخ بغداد 14: 321، مستدرك الحاكم 3: 124 ، ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق 3: 117/ 1159. (5) نقل مثل هذا القول عن عمر بن الخطاب ـ لما طعن ـ مشيراً إلى ما يفعله علي عليه السلام لو ولي أمرالمسلمين. انظر: أنساب الاشراف 1: 214، ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق 3: 81/ 1127، ورب سائل يسأل: إذا كان ذلك قول عمر فلم جعلها بين ستة أينما دارت تصب في جعبة عثمان ؟! وكذا سأله ولده عبدالله فأجاب [ كما في تأريخ دمشق المذكور ] قال: أكره أن أتحملها حياً وميتاً !!!. حقيقة لا تحتمل التأويل، وإن حملها الآخرون، إلا أنه هذر وتجن على الحقيقة.