حكمت أبو زيد
النساء العربيات والعمل السياسي
هناك من يتردد في مناقشة إمكانية دراسة مقومات النساء العربيات في العملالسياسي بشكل شمولي، ويفضل أن تركز الدراسة على المرأة في كل قطر من الأقطار العربية، مثل المرأة المراكشية أو العراقية أو المصرية، ويبرهن على هذا التفضيل بتعذر البحثالشمولي، وذلك راجع إلى تلك الحواجز السياسية المصطنعة بين الأقطار العربية، ومهما يكن نوع المعيار أو المقياس الذي يستخدم في تعميق فكرة الانفصال والإقليمية، فسوف تظلهناك تلك الثقافة العامة General Culture التي من شأنها، أن تكون خلفية لسلوك جميع المواطنين العرب، وبالتالي المرأة العربية، الأمر الذي يخلق شمولية في الحكم، على السلوكالسياسي للمرأة العربية. وبصرف النظر عن المرحلة التاريخية التي تمر بها النساء العربيات، أو الخلفية العلمية لكل فئة منهن، أو المكان الجغرافي الذي ينتمين إليه أوالمستوى الاقتصادي للطبقة التي ينتسبن إليها، فإن هناك شبه إجماع على أهمية الأصول المشتركة في التنشئة الاجتماعية، فضلاً عن تشابه العرف والتقاليد. وأن هناك اتفاقاًنوعياً في المشكلات والأدوار والرذائل والفضائل، وأن اختلفت في الدرجة، كذلك فإن معظم التشريعات التي تطبق بشكل مباشر على النساء العربيات، مقتبسة من الشريعةالإسلامية، وأن معظمها قد تضمن القانون المدني للأقطار العربية. كذلك فهناك اشتراك في النسق القيمي، إذ ظل مطبقاً في المجتمع العربي لمئات عديدة من السنين فثبتت واستقرتجذوره في أعماق الشعب. كذلك، فإن ما تهتم به النساء العربيات هو نابع في الأصل من مشكلات نوعية، فضلاً عن تلك التي يعانيها وطنهن العربي الكبير، وأخطر هذه المشكلاتالأخيرة، هي الضغوط الخارجية التي تمارس عليه، والمحاولات التي تهدف لسلبه حريته واستقلاله، وتأتي على رأس هموم المرأة العربية المشكلة الفلسطينية والقومية العربية.
لا يعني هذا أن الدراسات الميكروسكوبية (أي المجهرية) التي تقوم لبحث أوضاع المرأة العربية في قطر عربي واحد ليست بضرورية، وهي فاقدة المعنى، ولكن على العكس فهي منشأنها أن تمدنا بمعلومات مهمة عن الظاهرة التي تقوم بدراستها، كما تصلح لأن تكون مدخلاً لنظرية شاملة Macro Theory. ويمكن أن يدمج المدخلان معاً، أي أن المداخل الأوسع والأشملتكون بداية للدراسات المحدودة ولا سيما إذا ما تذكرنا أن قدرتنا على التصور النظري لمركز وأدوار ومشكلات ومساهمات النساء لابد من أن يتم خلال الأطر المرجعية سواءالقومية منها أو المحلية، كما أن يكون الإطار الثقافي، هو الأكثر اتساعاً وشمولاً إذ أنه يصلح لكي يكون خلفية تشجع على جمع المعلومات من المواقع. المختلفة بالنسبةللظاهرة السياسية على سبيل المثال، الأمر الذي من شأنه أن يجعل من التحليل المقارن التفصيلي ممكناً فيما بعد.
ولما كان تركيزنا في هذا البحث على إمكانات المرأةالعربية وعلى تحليل لجهودها في سبيل الوحدة العربية فإن التعرض لمفهوم مدلول النضال يصبح مهماً. فماذا نقصد بنضال المرأة الجزائرية أو الفلسطينية أو اليمنية؟ وهل هناكفرق بين ما نعنيه بالرجل المناضل وبين المرأة (المناضلة)؟
إن المبادئ التي نعتنقها منذ البدء هي أن هدف الوحدة العربية لم يتم سوى من خلال نضال مشترك بين الرجلوالمرأة، يمكن أن نستعين بأمثلة للعمل المشترك، ذلك الذي قامت به المرأة الروسية والرجل الروسي معاً في أثناء الثورة الروسية وفي أثناء حروب التحرير من الغزو الأجنبي.ولقد كان نجاح هذه الثورة، يعني اقتراح أطراف المعادلة النضالية التي أطرحها هنا وهي:
مبدأ أو أيديولوجية + كفاح مشترك (بين الجنسين) = تحرير الوطن وتحرير المواطن ومما يلاحظ على هذه المعادلة أنها لا يمكن أن تتحقق في كل حالة، فهناك من المجتمعات التي برغم اشتراك المرأة اشتراكاً فعالاً في النضال لتحرير وطنها، فإنها لم تمنحالمساواة الحقيقية بين الجنسين كما حدث مثلاً في ثورة الجزائر، كذلك فإن تحرير المرأة في الولايات المتحدة لم يتم بعد حصول بلادها على الاستقلال رغم اشتراكها في النضالفي حرب الاستقلال وبرغم ما قامت به في معركة التعمير الأولى، وما حملته من أعباء، أثناء حرب تحرير العبيد بين الشمال والجنوب. وبالقياس يمكن لنا أن نورد الأمثلة العديدةلمواقف سياسية للمرأة تختلف من ظرف إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، ومن ثم فإن تعميم مصطلح 'نضال' في جميع الحالات يبدو مستحيلاً. كذلك فكثيراً ما يبدو العمل السياسيمتناقضاً مع هذا العمل نفسه وفي ظروف مختلفة. المهم هو أن ما نعنيه ب 'المرأة المناضلة' ليس بالضرورة هي من تحمل السلاح أو تقوم بالعمليات القتالية في أثناء الحروبوالثورات، وكذلك على العمليات الفدائية التي قامت بها بعض الأخوات المناضلات من الجزائريات والفلسطينيات.. والنضال في كل هذه الأحوال يعني شمول قاعدة عريضة من النساء،تتمرس فيها المرأة على العمل السياسي، وتندمج من خلال الأدوار المحددة لها في العمليات والتشكيلات الموجهة نحو تحقيق هدف الاستقلال والوحدة. ويسفر هذا الاندماج الوظيفيعن فتح الطريق أمامها لكي تصل إلى المراكز القيادية، ويتميز هذا النوع من الاندماج عن أشكال التظاهرات السياسية أو الاشتراك في الإضرابات الوطنية، وذلك لأن هذه جميعهاتعتبر مجرد مرحلة مبدئية في استراتيجية العمل النضالي.
كذلك لابد في هذا الصدد من الإشارة إلى أهمية العوامل السيكولوجية التي تتصل بشخصية المرأة المناضلة، ذلكلأنها تمثل من وجهة نظري العامل البناء في حركة تغيير مجتمعها. لا لكونها الحارسة للأسرة والراعية لشؤونها والحريصة على وحدتها وترابطها كما نقرأ في الكتابات التقليديةولكن لكونها قادرة على التغلب على عوامل الفشل حين تصاب الأمة بالهزائم في الوقت الذي كثيراً ما يقف الرجل عاجزاً أمام المصائب والنكبات التي تحيق بالوطن، كما حدثبالنسبة لنكسة عام 1967، كذلك فإن نظرية التحليل النفسي التي ترتبط بعقدة الذنب، وبكبش الفداء هي اكثر ملاءمة لتفسير الحالة المرضية التي يعيشها مثقفونا السياسيون،وشعراؤنا الضبابيون حتى اليوم، على الرغم من أن هناك حقيقة واحدة لابد من التمسك بها وهي أن وسيلتنا الوحيدة للخروج من شبح الهزيمة هو التخطيط لمستقبل افضل، والنضال منأجل توجيه العدوان إلى الخارج لا إلى ذواتنا ونفوسنا. وفي هذا الصدد نذكر أن جاستون بوتول في مقدمة كتاب 'الإنسان الغاضب' يقول: 'إن إحدى الخصائص الرئيسة لكل حضارة هيالطريقة التي تدرك وتنظم بها 'العدوانية'.. كل تربية تتضمن توجيهاً للعدوانية فهي تعلم كيف عليها أن تكبح أو على العكس كيف تنتقم حين تتاح لها فرصة الثأر'.
ترى أماعلمتنا الحضارة العربية والتراث النضالي كيفية الإمكانات وتوظيفها لكي نثأر للهزيمة وأن نشن عنفاً منظماً للخروج من أزمتنا النفسية، وأن نتعلم اللغة الرافضة للاستسلامفي الوقت الذي نقيم قوتنا على واقعية سياسية؟ وفي الوقت الذي توصم فيه المرأة العربية 'بأنها افصح معبر عن العجز والقصور، وعقد النقص العار، وأبلغ دليل على اضطراب الذهنالمتخلف من حيث طغيان العاطفة، وقصور التفكير الجدلي، واستحكام الخرافة، ورائدة الانكفء على الذات'... الخ. بماذا يمكن أن نصف الرجل الذي ظل حوالي خمسة عشر عاماً يعيش فيشعور بالعار دون العمل للخروج من مأزق لابد لكل أمة من التعرض لها أبان تاريخها؟ ولو عرضنا موقف المرأة من مشروعات التنمية، نجدها سباقة إلى تبنيها بشرط أن تقتنعبفائدتها العملية وأن تشارك في التخطيط لها، ولقد تبين من دراسة سبق أن قمت بها في مجتمع مستحدث، أن المرأة ما أتيحت لها الفرص قادرة على التكييف لكل ما هو جديد، وعلىتبني مشروعات العمل الاجتماعي والسياسي بشرط أن تعطي فرص التدريب.
ثم لا أريد أن انساق وراء من يصم المرأة بالتخلف. فماذا يقصد بهذه الكلمة؟ هل هو المعنى الذي وضعتهالأمم المتحدة؟ أم المعنى الذي ينطلق من المقدمة: كل من يأخذ بالتراث متخلف، وبما أن المرأة تأخذ بالتراث فهي إذن متخلفة: أقول إن إحدى معضلاتنا للوحدة العربية، الحفاظعلى التراث، فهو العامل المشترك الذي يجعلنا نشعر بأننا أمة واحدة ومن أجل هذا حرص العدو تحطيم تمسكنا بالتراث باعتباره شيئاً بالياً وعاملاً على تأخرنا، في الوقت الذييقيم دولته على فكرة إيديولوجية شوفونية وهي 'شعب الله المختار' وفي الوقت الذي يمزج توسعه وامتداده على الأرض العربية على أسطورة أرض الميعاد، وفي الوقت الذي يقيم عمليةالتطبيع على أساس عودة أمة موسى إلى أراضي مصر، بعدما طردت منها، ثم أنني لا أرى أن هناك تناقضاً بين معركة التحديث، والنضال من أجل تحقيق الوحدة والحفاظ على التراثالمشترك. فالغرب منشئ الحضارة الحديثة لم يقطع صلاته بالتراث.
عن ( المرأة ودورها في حركة الوحدة العربية )