نظام الاجتماعی و علاقته بمشکلة المرأة العربیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نظام الاجتماعی و علاقته بمشکلة المرأة العربیة - نسخه متنی

حلیم برکات

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

حليم بركات

حليم بركات

النظام الاجتماعي وعلاقته بمشكلة المرأة العربية


مقدمة :

تتبع غالبية الدراسات حول مكانة المرأة في المجتمعالعربي , منهجاً وصفياً يروي لنا بعض الحقائق والاقوال والاراء والمفاهيم وغيرها , ولا منهجاً تحليلياً يفسر لنا لماذا هذه المكانة بالذات . وحين تنزع هذه الدراسات نحوالمنهج التحليلي يأتي تحليلها مثالياً , فيشدد بالدرجة الاولى على الثقاةف والتراث والتنشئة , ويتجاهل البنى الاجتماعية وعمليات الانتاج وتوزيع او تقسيم العمل , ويشددبعض الدراسات على الاستمرارية التاريخية , او التنشئة في العائلة ,او على المعتقدات الدينية , او على تغلب الاعراف القبلية على القيم والمقاييس الدينية , او غير ذلك علىصعيد الثقافة .

من أجل التدليل على طبيعة المنهج المثالي , نورد هنا بعض التحليلات حول علاقة الدين بمكانة المرأة : هناك الرأي الديني الذي يقول : ' أنما المرأة خلقت منضلع عوجاء ' والرأي الذي يغلب عليه اعتبار الدين عن فرض النظام الأبوي , والرأي الذي ينزه الدين من مسؤولية استعبدا المرأة , ويؤكد العكس , انه حررها وساواها بالرجل ,والرأي الذي يقر بأن الدين ثبت الفروقات الطبيعية .

يتمثل الرأي الذي يقول بفرض الدين للنظام الابوي بدراسة مهمة بالانكليزية , للكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي التيترة ان النظام الأمومي الذي كان معروفاً لدى بعض الجماعات والقبائل في شبه الجزيرة العربية , انتهى بظهور الاسلام , فرسخ النظام الأبوي , وابقى على امتيازات الرجل , ويتمثلالرأي الذي يقول ان الاسلام حرر المرأة , بمقالة للكاتبة المصرية امينة السعيد , التي أكدت ان الدين الاسلامي جاء بمثابة اضخم ثورة اجتماعية في تاريخ الاوضاع النسائية , لاعندنا وحدنا بل في الدنيا بكاملها , فقبل مجيئه .. لم تكن المرأة في اي ركن من العالم اكثر من كائن حي , لا حقوق لها ولا احترام لادميتها , ثم اذا بالدين , الذي ظهر في منطقةصحراوية جرداء يسكنها ناي خشنون على الفطرة , يقلب الوضع رأساً على عقب , ويعترف للمرا' بكامل ادميتها , ويسلحها بالاستقلال الاقتصادي في أوسع معانيه , ويحررها من ولايةالرجل عليها , فيما يتصل بجواهر الحقوق , مثل التعليم والبيبع والشراء والعمل والتجارة , بل واشركها ايضا في تدبير شؤون الدين والسياسة .

ويتمثل الرأي الذي يقر انالدين ثبت الفروقات الطبيعية بكتابات واقوال عدة فتذكر مجلة الفكر الاسلامي ان الاسلام ' سوى بينها وبين الرجل فيما يمكن التسوية فيه .. وفاضل بينهما , فيما لا يمكنالتسوية فيه , فأوجب على الرجال الجهاد .. والسعي على العيال , وخفف عن المرأة ذلك , مراعاة لأمكاناتها الجسدية , وظروفها الشخصية وتكاليفها العائلية ' .

مقابل هذاالمنهج المثالي , هناك منهج اجتماعي يفسر مكانة المرأة في المجتمع العربي بأنها تعود في الاساس لموقعها في البنى الاجتماعية , وتقسيم العمل المعتمد في المجتمع ودورها فيعمليات الانتاج , وهامشيتها في النظام العام السائد . رأى قاسم امين ( 1865- 1908 ) في مطلع القرن , ان وضع المرأة هو جزء من الوضع العام الذي يقوم بسيطرة القوي على الضعيف , وأشارالى علاقة اضطهاد المرأة بأشكال الاضطهادات الاخرى . فنبه بقوله : انظر الى البلاد الشرقية تجد ان المرأة في رق الرجل , والرجل في رق الحاكم , فهو ظالم في بيته , مظلوم اذاخرج منه ' . وفي الوقت الحاضر وبعدما بدأ القرن العشرون يشرف على الانتهاء , تقول لنا خالدة سعيد في لغة الاغتراب , ان المرأة العربية كائن بغيره لا بذاته , فتحدد هويتهابالنسبة لكونها ' زوجة فلان او بنت فلان او أم فلان او اخته , وان وضعها يرتبط بالنظام الطبقي , فحيث تكون العلاقات علاقات بين سيد ومسود , يصعب ان تجد فيه المرأة الحريةالحقيقية وان تستعيد فيه انسانيتها , فتعاني بذلك ' اغترابين , اغتراباً طبقياً واغتراباً على صعيد البنية التحتية في نطاق الاسرة , فهي عبدة العبد ' .

وتتضح علاقة وضعالمرأة بالنظام العام من استنتاج نوال السعداوي ' ان تحرير المراة , لا يمكن ان يحدث في مجتمع رأسمالي , وان مساواة المرأة بالرجل لا يمكن ان تحدث في مجتمع يفرق بين فردوفرد وبين طبقة وطبقة , ولهذا فأن اول ما يجب ان تدركه المرأة ان تحريرها هو جزء من تحرير المجتمع كله من النظام الرأسمالي ' .

ورغم اهمية تأكيد العلاقة بين مكانةالمرأة والنظام السائد , فأن هذه الدراسات الاجتماعية لم تتمكن بعد من تقدين نظرية متكاملة منهجية تربط بين النظام العام والثقافة , والعوامل النفسية والعقلية , ومكانةالمرأة الدونية هذه , بعد ان تشدد نوال السعداوي على النظام العام والمسببات الاقتصداية والاجتماعية , تعود لتشدد على العوامل النفسية والشخصية فتقول لنا أن ' عدم نضجالمرأة وعدم نضج الرجل ' هو السبب الرئيسي وراء معظم الانحرافات والمشاكل الاجتماعية والنفسية والجنسية , فيتحول احساس الرجل بايجابيته الى مبالةغ في السيطرة وميل الىالانانية والسادية ( الرغبة في الايلام ) وتزيد من أحساس الرمأة بسلبيتها لتصبح مبالغة في الخضوع والماسوشية ( الرغبة في استشعار الألم ) .

وفي ضوء هذا المنظورالاجتماعي , سنبحث طبيعة علاقة مكانة المرأة الدونية بالبنى الاقتصادية والاجتماعية وتوزيع العمل والمشاركة في عمليات الانتاج .

أولاً : انماط المعيشة : موقع المرأةفي البادية والريف والمدينة

تجرد مختلف انماط المعيشة في المجتمع العربي ( البادية , الريف , المدينة ) واشكال توزيع العمل المعتمدة فيها المرأة من حقها , بتحملمسؤوليات الجهاد , والسعي وتأمين الرزق والنهوض باعباء الوطن . وعلى الرغم من تشديد القبيلة في البادية على العصبية , وقرابة الدم والمساواة والبساطة في توزيع العمل ,فأنها حرمت المرأة من المشاركة على قدم المساواة بالرجل في القتال والغزو الذي شكل تاريخياً المصدر الاساسي للدخل في البادية .

وفي سبيل ترسيخه لعملية اضعافها ,اعتبر المجتمع ان المرأة فصيحة اللسان , ومصدر الكيد والفتنة , وقال انها ' رضعت وابليس من ثدي واحد ' وانها سبب العلة والمسؤولة عن الخطأ . وأشترط الرجل البدوي على زوجتهليلة زفافه قبل كل شئ , ان تحترم والديه وتخدمهما وتطيعهما . وفيما عدا الحرب فأن المرأة تعد جميع وجبات الطعام , وتهتم بأنزال وترتيب ونقل جميع مقتنيات العائلة بما فيهاالخيمة , كما تهتم بالرعي , وحلب وسقاية الابل والحياكة , وقد تذهب الى الأسواق فتبيع وتشتري , , ولكن الرجل يصطاد ويذبح الحيوانات ويسلخها فقط ويحارب ويدرس ويعمل لقاء أجرويخدم في الجيش والحرس الوطني , بسبب هذه المسؤوليات , يتمتع الرجل بالاضافة الى ما ذكرنا بانه يأكل ويشرب القهوة قبل النساء , ويعيش حياة متنوعة خارج الخيمة .

ويخالفدور المرأة في الريف انما ليس نوعياً , وللحد الذي يجعلها مشاركة في مسوولية الانتاج . تقتضي مهمات العمل الزراعي في الريف ان يعمل جميع أفراد الاسرة , الرجال والنساءوالكبار والصغار معاً , وتتعدى مهمات المرأة الاعمال المنزلية الى الاهتمام بالمواشي والمزروعات وجني المحاصيل والبيع والتبضع في الاسواق والحياكة والخياطة والاحتطابوجلب المياه ( حيث لا تصل الى المنازل ) وغيرها من الاعمال , التي لا تتقاضى لقاءها اي اجر , غير اننا بدأنا نلمح بعض التطورات في اتجاه تقاضي الاجور بعد هجرة الرجال للعملفي الدمينة او خارج البلاد .

ولا تزال المرأة محرومة في الواقع من حق توارث الاراضي وتملكها , ولا تزال عرضة لجرائم الشرف والزواج دون موافقتها , والعقاب حين لا تتقيدبالتقاليد المتبعة , وهي لا تزال مضطرة للتظاهر بعدم امتلاك السلطة حتى حين تملكها . انها في الوقت الحاضر تستمد مكانتها الخاصة ليس من مسؤولياتها ومشاركتها النادرة فيالعمل الانتاجي , بل من كونها اما وابنة واختاً , ولكنها مثل الارض رمز للخصب فتعطي أكثر بكثير مما تأخذ . وحتى الوقت الحاضر لا يزال يصدق القول القديم ان ' الرجل نهروالمرأة سد ' فهي ليست المصدرفي عرف المجتمع , وفي الاذهان انها تحصد وتجني ,انما ليس لنفسها .

وحرمان المرأة من المسؤولية والاجور لقاء اعمالها في البادية والقرية ,ربما فاق حرمانها في المدينة , رغم ما اسبغ على المرأة من مظاهر التحرر , وكانت نساء الطبقات الفقيرة وما زلن يعملن لقاء اجور زهيدة , وتكاثر عدد نساء الطبقات المتوسطةالمنبثقة العاملات في التعليم والادارات العامة والخاصة . اما نساء الطبقات الغنية , فكن وما زلن مترفات دون مشاركة في الانتاج , منصرفات للتسلية والرياضة والسفر وتبادلالزيارات واقتناء الجواهر والازياء الحديثة ورموز الثراء . وفي جميع الحالات المرأة هامشية في مراكز النفوذ السياسي , والنشاط التجاري والحرفي والعبادة. ثم ان عملهاخارج المنزل هو امتداد لعملها داخله فيغلي عليه طابع الخدمة كما في التعليم الابتدائي والتمريض والسكرتارية والادراة والخياطة والحياكة وحفظ المواد الغذائية .

ويبقى عمل المرأة على الرغم من تزايده مسانداً لعمل الرجل , وبضغط من غلاء المعيشة , وتأمين السكن والحصول على المستوردات الاستهلاكية والتخفيف من اعباء العائلة اوتحسين اوضاعهما بالتنافس مع العائلات الاخرى . في أوساط العائلات الفقيرة , تسلم المرأة العاملة راتبها للرجل , المسؤول الذي يعيد اليها جزءا صغيرا منه , مصروفاً خاصاً ,كما لو انه يمنحها اياه من جيبه الخاص , وفي حالة الطبقات الوسطى , تعمل المرأة لتساعد اهلها او زوجها ولشراء ما تحتاج اليه من ثياب وحلي وادوات زينة وغيرها مما تزدادالحاجة اليها . وترتفع اثمانها في مجتمع تنافسي استهلاكي . ولا يزال هناك ميل واضح بين نساء الطبقات الغنية نحو التعالي عن العمل وتضيل اللهو في عالم جاد .

النظامالطبقي :

يصعب جدا ان لم نقل يستحيل , تحرير المرأة في المجتمعات الطبقية , أكانت رأسمالية ام شبه رأسمالية , أم اقطاعيه او شبه اقطاعية , فتوزيع العمل في العائلة هو جزءمن نظام توزيع العمل في المجتمع ككل ان علاقات الاستغلال والسيطرة هي ذاتها في المجتمع ومؤسساته ومنظماته . وتتصف بها علاقات طبقة بطبقة ,والرجل بالمرأة والحاك بالمحكوموالامة القوية بالامة الضعيفة , ليست هذه العلاقات اشكالاً منعزلة , بل انها على العكس متداخلة يرسخ بعضها البعض , وتشكل نظاماً هرمياً لا انسانياً ينمي في الانسانالبشاعة لا الجمال والظلم لا العدالة والشراسة لا المحبة .

يزداد كل شكل من أشكال الاستغلال والسيطرة مناعة بازدياد مناعة الاخر , كما يضعف بضعفها , وينهار بانهيارها .ان اضطهاد الشعب والمراة والصغار والفقراء ... الخ , هو وجود متعددة لحقيقة واحدة . ثم ان عملية الاضطهاد سلسلة متصلة , فالرجل المضطهد في العمل يضطهد زوجته واولاده فيالمنزل , والمرأة المضطهدة من قبل زوجها تضطهد زوجات ابنائها , والابن المضطهد يضطهد اخاه الاصغر منه او اخواته , وهم جيعا يضطهدون خادماتهم حين تتوافر لهم ذلك , في جميعهذه الحالات هناك تناقض في المصالح , وتنافس في الحصول على النفوذ والثروة والمكانة ومعتقدات عامة متوارثة تسوغ هذا الواقع .

ان النظام الطبقي الهرمي السائد فيالمجتمع العربي يتصف بالعلاقات التالية في مختلف المجالات :

1- الاستغلال : الذي لا يحد من تفاقمه سوى ضوابط قليلة واهية , في الوقت الذي تسوغه من ناحية معاكسة معتقداتوترتيبات بنيوية عديدة , فتنعم القلة بالثروة والنفوذ والجاه , فيما تتحول الغالبية من الشعب الى جماعات تعسة في صلب حياتها , تمارس على بعضها البعض ما يمارس عليها ,وتعاني ليس الحرمان المادي فحسب , بل تعاني فقدان الكرامة , ويتعذر عليها في هذه المناخات تحقيق امكاناتها وتنمية مواهبها . وبذلك يكون الاستغلال الاقتصداي ايضااستغلالاً سياسياً واجتماعياً وعملية افتقار روحي وفكري في سبيل ان تشبع القلة جشعها الذي لا يشبع , فتعيش على حساب المجتمع في فسدا وفراغ يجتاز حدود السقم الى الموتالداخلي .

2- السلطوية : التي تقوم على القهر والاذلال , في شتى نواحي الحياة . ان الكادح المسحوق والمغلوب على أمره , لا يختلف عن الفتاة التي يجبرها اهلها على الزواج منرجل لا تحبه , وكلاهما لا يختلف عن الطفل الذي يصفعه والده , والوالد الذي يصفعه المحتل امام اولاده , والعسكري الذي ينفذ الأوامر قبل ان يتساءل , بل ان عملية التعليم التيلا تحصل الا بالاقناع والنقاش الحر تتم في اجواء تسلطية , ولذلك أليس من الطريف ان تشير الخادمة الى سيدتها بمعلمتي , والمتدرب الى صاحب الحرفة ب معلمي , لذلك نجد مؤسساتالتربية , مؤسسات تدريب في خدمة النظام , لا مؤسسات تعليم في سبيل معرفة الحقيقة والنمو بها .

3- التغريب : الناتج عن الاستقلال والسلطوية والفراغ المعنوي مما يحيلالشعب , وخصوصاً الكادحين والنساء والضغار والخدم والموظفين , الى جماعات عاجزة تعسة في صلب حياتها .

4- العدائية : التي تقوم على الحسد والنفاق والتفاخر والتشاوفوالتنافس والتزييف والتقنع . وكل عدائية تسمي نفسها دفاعاً عن النفس , وغيرها اعتداء عليها . وبذلك يتحول المعتدي الى ضحية فيسمي المحتل المقاوم ارهابيا , والرجل الظالمامرأته داهية , ورب العمل العامل ناكراً للجميل .

5- الفقر : الذي يجر الفقر , والعنف الذي يولد عنفاً مضاداً والاذلال الذي يقود الى مزيد من الاذلال , فلا يكون للمضطهدينمن مخرج سوى بالانتظام في حركة ثورية تحررهم من العبودية .

6- التعصب : الذي تبديه الجماعات المتحكمة ضد الجماعات المحكومة , فتسود الثقافة العامة ايديولوجية متكاملةتبرر التحكم . ان الايديولوجية الطبقية النخبوية التي تتهم الطبقات الكادحة بالكسل والجهل والغوغائية والسوقية هي نفسها الايديولوجية التي تسوغ سيطرة الرجل وتتهمالمرأة بقصور العقل والعاطفية , والكيد والفتنة والثرثرة والضعف وغير ذلك مما يردد علينا في كل لحظة . وفي صميم هذه الايديولوجية , ان الكادحين والمرأة هما مصدر الفتنة فيالمجتمع وكما يقال ان النخبة تمثل العقل والعقلانية , فيما يمثل الشعب العاطفة الغوغائية , يقال ايضا ان الرجل يمثل العقل , فيما تمثل المرأة القلب .

ان الايديولوجيةعينها تقول بحتمية عدم الماساواة , لاسباب غيبية وطبيعية وبالتفاوت الطبيعي في المواهب والطموحات , وبالتكامل والانسجام بدلاً من التناقض والصراع , وبذلك تستمر الطبقيةالتي تعني ان المجتمع هو في خدمة الاقلية على حساب الأكثرية , والجنسية التي تعني ان المرأةفي خدمة الرجل على حساب نموها وكرامتها , ان هذه الايديولوجية العامة تستغفل كلشئ بما فيه العائلة والدين , لقد استعمل الدين ويستعمل باستمرار بالتعاون مع رجال الدين والمؤسسة الدينية كأداة في تسويغ تسلط الرجل على المرأة واستغلال طبقة لطبقة .وهنا لابد من الاشارة الى ضرورة معرفة الاسباب التي تجعل المؤسسة الدينية تسكت عن التفسيرات المحافظة اليمينية حتى ولو كانت خاطئة , وتثور ضد اي محاولة تفسر الدينتفسيراً تحررياً ولو كان صائباً .

ثالثا : النظام الابوي

ان العائلة العربية عائلة ابوية هرمية ( تماما كالجتمع العربي الطبقي ) يقوم التمايز وتوزيع العمل فيها علىأساس الجنس والعمر , فيتسلط الذكر على الانثى , والكبير على الصغير . انها في صلب التنظيم الاجتماعي , وصورة مصغرة للمجتمع , فتشكل حولها وحدة المجتمع الاقتصاديةوالاجتماعية فيتوارث فيها الافراد والجماعات هوياتهم وانتماءاتهم الطبقية والدينية الثقافية .

عرف المجتمع العربي مختلف التجمعات العائلية في مراحل تطورهالتاريخي . يظن ان الاقتصدا كان يقوم في المراحل الاولى على التقاط الاثمار والصيد وكانت الملكية جماعية والعلاقات تعاونية تتصف بالمساواة بين المرأة والرجل . اما فيالمراحل التالية حين اصبح الاقتصدا يقوم على تدجين المواشي والرعي والزراعة , فقد ظهرت الملكية الخاصة وجرى توزيع العمل , بحيث يكون الرجل مسؤولا عن السعي والجهاد فيتأمين الرزق , والمرأة مسؤولة عن الشؤون المنزلية . ونشأ النظام الابوي وخسرت المرأة مساواتها , وليس واضحاً متى تم ذلك تماماً ؟ وما هي العوامل التي أدت الى هذا التحول ,ولكن بعض الدراسات تشير الى استمرار النظام الامومي عند بعض القبائل في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الاسلام مباشرة . ويذكر عالم الاجتماع اللبناني زهير حطب ان المرأةفي العصر الجاهلي كانت المرجع الوحيد والحقيقي بسبب عدد الابناء المولودين من ازواج متعددين فنسبوا اليها , وظفرت بالاحترام والطاعة واصبحت صاحبة السلطة في العشيرة ,وانقبائل بأكملها انتسبت الى امرأة كبني ظاعنة وبني طهية , وان انواعا عدة من الزواج والانتساب كانت معروفة قبل الاسلام . ومن رواسب نظام الامومة المصطلحات التي بقيت فياللغة ( مثل امة وبطن ورحم وحمولة ومرأ .. الخ ) والانتساب للأم في التراث الديني . ويذكر سيد عويس في كتاب له حول ظاهرة ارسال الرسائل الى ضريح الامام الشافعي في مصر طلباًللمساعدة في الملمات , يوقعها اصحابها باسمائهم مردفة باسماء امهاتهم للاعتقاد بانه ينادي عليهم يوم القيامة بأسم الام وليس باسم الاب ( فلان او فلانة بنت فلانة ) .

وبسيطرة الناظم الابوي , اصبح الرجل هو المعيل , واصبح بقية افراد العائلة عيالاً مهما كانت درجة مشاركتهم في العمل ومهما كانت علاقة الاعالة والاعتماد متبادلة ( مصطلحعائلة مشتق من عال , يعيل . أعالة , معيل , عيال .. الخ ) وقد اخذ يطلق على الزوجة القاباً تلفظ بفخامة ولكنها تعني التحقير لأنها ملحقة بالرجل مثل عقيلة وقرينة , فيما يشاراليه بألقاب رب الاسرة وبعل مما يوحي بالالوهية التي فرضها على افراد الاسرة التي يفترض ان تتأثر وتتضامن وتتناحر وتتعاون . وعندما تتحول المرأة الى قرينة وعقيلة لا تعودتملك نفسها وخصوصيتها ولا حتى شرفها الذي أصبح شرف الرجل . وبذلك تصبح أسيرة الرجل ومفهومه لها على انها للانجاب وتربية الاولاد وتدبير شؤون المنزل والسهر على تلبيةحاجات زوجها والخضوع لاوامره والسي لنيل رضاه بالطاعة والتنافس , مع غيرها من النساء للحصول عليه .

وترينا دراسة ( مطلع الخمسينات ) في بيئة تقليدية في أهوار العراق (الجبايش ) لشاكر سليم , ان الرجال يأكلون قبل النساء وعلى حدة ' فأن من الخزي على الرجال ان تأكل النساء معهم ' وان للاب مطلق الحرية في التصرف .. وله الحق بأن يطرد او ان يطلقزوجته في أي وقت ولي سبب .. مع احتفاظه بحق ابقاء اطفاله منها .. وله الحق في ان يضرب زوجته حين يشعر ان ذلك مناسب او لازم . وللاب ان يقبل او يرفض تزويج ابنته لأي رجلوباستطاعته ان يستولي على مهرها كله ..

ويعتقد الرجال في الجبايش , ان منح الزوجة اي احترام او النظر اليها نظرة مساواة مع الرجل امر يتنافى والرجولة . يحصل كل ذلك رغمان النساء يشاركن بالاعمال كافة بالاضافة الى العناية بالمنزل والاطفال واعداد الطعام وحياكة الحصر ونقل المحاصيل , وجمع العلف للحيوانات ولكن بعض الاعمال مثل حرثالارض مقتصرة على الرجال .

جعل هذا النظام التقليدي الرجل مركز السلطة والمسؤولية والاحترام والارث والانتساب .انه رأس العائلة وسيدها وربها يملي اوامره وارشاداتهوتهديداته , دون ان يتوقع من أفراد اسرته , بما فيهم الزوجة , نصائح هو بغنى عنها. وخصوصا اذا ما تعلقت بتصرفه , وما دام يؤمن حاجات العائلة المادية , لا يعيبه شئ , ويبدأالرجل يفقد هذه الامتيازات ويتبدل موقفه من زوجته وأولاده عندما تبدأ المرأة تشارك في العمل خارج المنزل لقاء اجر تسهم في تأمين حاجات العائلة الضرورية .

خاتمة :تحرير المرأة

لقد فشل حل التطور الطبيعي التدرجي المسالم . يظن البعض ان مشكلة المرأة تحل نفسها تدريجياً وتلقائياً بتطور المجتمع , ويذكرنا هذا البعض ان تبدلاًحقيقياً قد حصل خلال القرن الاخير مستشهدين بالانجازات العديدة التي تمت مثل نزع الحجاب , وارتداء الملابس الحديثة والاختلاط بين الجنسين , والنسبة المتزايدة لاقبالالنساء على العلم والمشاركة الفعلية للحياة العامة خارج البيت . واذا قيل لهؤلاء ان ما حدث هو تطور كمي وليس تطوراً نوعياً , اجابوا بأن التطور الكمي يقود مع الوقت الىحدوث تطور نوعي .

ماذا نعني بالتطور النوعي ؟ بكل بساطة نعني ان تتحول المرأة من وظيفة ودور وموضوع جنسي وانجابي الى انسان , فيكون لها الحقوق وعليها الواجباتوالمسؤوليات لفرض ذاتها التي للرجل دون تمييز .

بين التحولات النوعية . اذن , ان تكون المرأة اولاً واخراً انساناً لا جسداً , وان تشترك في جميع الميادين العامة , وانتتساوى مع الرجل في الحقوق وبخاصة في أطار الاحوال الشخصية , وان تكون كائناً بذاتها لا بغيرها , ثم ان المرأة لا تزال محرومة حتى على صعيد التطور الكمي .

وفشل ايضاصالحل الاصلاحي الذي يشد على اجراء تغييرات جزئية ضمن الاطار العام السائد ودون التعرض اليه , وبين الاصطلاحات المحضة التي طرحت لحل مشكلة المرأة تعميم التعليم والتعليمالمختلط , وفتح مجالات العمل امام المرأة ,وتصحيح الافكار الخاطئة حول المرأة والجنس , ومنح المرأة حق الانتخاب .. الخ .

ضمن هذا الاطار الاصلاحي طالب فرح انطون كماطالب قاسم امين قبله بتربية المرأة وقال : ' ان تربية النساء اهم من تربية الرجال في الهيئة الاجتماعية ' اذ انه ' يجب ان يكن عظيمات وفاضلات ليكون الرجال عظماء وفضلاء وذاكلأن الرجال يكونون كما تريد النساء ' , ثم يسأل فرح انطون ' ما هي وظيفة المرأة ؟ ' ويجيب ' ان وظيفتها ان تكون زوجة واما, لهذا خلقت في هذه الحياة لا لأمر سواه , فتربيتها اذايجب ان تعلمها واجبات الزوجة والأمومة .. ومقام الزوجة والام هو في المنزل ' . التربية في هذه الحالة ليست في سبيل تحرير المرأة , بل في سبيل ترسيخ دورها التقليدي والتشديدعلى انها لم تخلق من اجل ذاتها , بل من أجل دور محدد تؤديه في خدمة الرجل والاولاد .

هنا يمكن ان نضيف بان الحركات السياسية والثورية لم تحرر هي نفسها كي تتحرر المرأة,وقد شجع هذا الواقع على قيام قناعة جديدة في بعض الاوساط النسائية تقول بعزل قضية المرأة عن قضايا التحرر السياسي . وان تجزئة قضية المرأة وعزلها عن قضايا المجتمع الاخرى, ليست خطوة الى الامام في رأيي . بل هي اندراج بوعيها في تيار الاصلاح الذي أعلنا افلاسه . ان الحل الثوري هو الحل الذي يرى ان مسألة قهر المرأة مرتبطة بمسألة النظام العام,بما في ذلك مسألة القهر القومي ومسألة القهر الطبقي . وكما تستلزم هاتان المسألتان قيام وعي تحرري , والانتظام في حركة سياسية شعبية تعمل في سبيل اقامة نظام جديد , كذلكتستلزم مسألة تحرير المرأة قيام وعي جديد والانخراط في حركة ثورةي شاملة .

ان التحرير لا يتم بالفراغ , او العزلة , بل في الكفاح والمشاركة , لذلك يكون موضع حركاتالتحرير النسائية رغم كل شئ ضمن حركات تحرير المجتمع وليس خارجها , ان التحرر لا ينمو فجأة ولا يهبط على الانسان كالوحي , بل يتكون من خلال ممارسة العمل الثوري . وعندماتشكل النساء قوة داخل الثورة وفيها لا بمعزل عنها , لا يكون تصرفهن مجرد ردة فعل للقمع بل يتحررن ضمن الثورة كما يتحرر الرجال .



* المرأة ودورهافي حركة الوحدة العربية

/ 1