بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
ثمَّ إنَّ إرسال الرسل وإنزال الكتب لم يكن ضمن المُخطَّط الأوَّل، ولم يكن بني آدم يفتقر إلى الهداية بهذه الصورة لأنَّه كان يعيش عالم الأنوار ولكن حيث أنّ الإنسان قد وقع في معرض الهلاك بسبب مكائد الشيطان وحِيَلِه كان من اللازم عليه سبحانه أن يُرسل الرسل ويُنزل معهم الكتب حيناً بعد حين لئلاّ يكون للناس على الله حجّة .ومن الطبيعي أنّهما قد ارتكبا خلافاً لأوامر الله ولهذا يقول سبحانه (وناداهما ربُّهما ألم أنهَكُما عن تلكما الشجرةِ وأقل لكما إن الشيطانَ لكما عدوٌّ مبينٌّ قالا رَبَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين)(9)
قبول توبة آدم لا ينافي هبوطه
قال تعالى:(ثم اجتباه ربُّه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعاً بعضُكم لبعض عدوٌّ فإمّا يأتينكم مني هدىً فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرضَ عن ذِكري فإن له معيشةً ضنكا ونحشُره يوم القيامة أعمى قال ربِّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسِيتها وكذلك اليومَ تُنسى)(10)الآيات تدلُّ على أنَّ الله سبحانه اجتبى آدم فتاب عليه وهذا لا ينافي بقائه خارج الجنَّة لأنَّ قبول التوبة شيء والرجوع إلى الجنَّة شيء آخر ولتوضيح ذلك نذكر مثالاً فنقول:لو أنَّ رجلاًَ كان يسكن مع أبيه في البيت من دون أن يدفع مبلغاً مقابل سكناه بل يتمتَّع بجميع ما في بيت أبيه من غير مقابل ثمَّ إنَّه وبسوء تصرُّفه نازع أباه وتشاجر معه وجرّاء ذلك طرده أبوه من البيت وحرمه من جميع تلك التسهيلات التي كان يتنعَّم بها فاضطرَّ إلى العيش في مكان ضيِّق وذلك مقابل إيجار وتحمُّل المشاق والصعوبات فابتلى بمصيبتين:1-الحرمان من أبيه كمصدر للعاطفة والحنان (وهو أمرٌ معنوي بحت).2-الخسارة المالية التي يتحمَّلها اثر إخراجه من البيت (وهو أمر مادِّي).فلو فرض أنَّه اعتذر من أبيه، وطلب منه قبولَ عذره وأصرَّ على ذلك وبالفعل اكتسب رضاه، فهذا لا يعني أنَّه سوف يرجعه إلى البيت مرَّةً ثانية حيث لا تلازم بينهما بل الخير والمصلحة في بقائه خارج البيت لعلَّه يَعتبر فيسعى لإرجاع نفسه إلى ما كان فيه مرَّةً أخرى.فإذاً قبول عذره قد حلَّ مشكلةً واحدةً من مشاكله أعني المشكلة المعنوية وهي الأهمّ ولكن تبقى المشكلة الثانية ولكن المشكلة الأولى باقية على ما كانت، وحلُّها الحاسم يتطلَّب السعي والجدّ في كسب الرضا القلبي للأب مضافاً إلى جبر ما حدث كي لا يبقى شيء من الخجل أصلاً.ولو فُرض أنَّ الأب أرجعه إلى بيته مباشرةً فلا جدوى في ذلك حيث لا رغد في هذا العيش بعد ما حدث من التقصير.ومن هنا صار الأصلح (بعد الخروج) البقاء خارج البيت والسعي للوصول إليه مرَّةً ثانية ولكن بالسعي المتواصل.وعلى ضوء المثال الذي بيَّناه نقول:بعد أن أكل آدم من الشجرة حدثت له مشكلتان:1- ابتعد عن رحمة ربِّه .2- ابتلى بالهبوط وعاش في عالم الدنيا الذي ليس هو إلاّ متاع.فبعد أن رجع إلى ربِّه وتاب وقبلت توبته اقترب إلى ربِّه مرَّةً ثانية وعاش في ظل رحمته ولكن هذا لا يعني أنَّه رجع إلى ما كان فيه بل لم يكن الرجوع حينئذٍ يُجديه بعد اللتيا والتي حيث الخجل من ربِّه العطوف في حقِّه فكان الحلُّ الوحيد للرجوع إلى جنته هو أداء تكاليفه (والخير فيما حدث) لا(الخير في حدوثه). فمادام حدث ما حدث فلا بدَّ من حلٍّ!! فيا ترى ما هو الحل؟ هذا ما سنبيِّنه فيما بعد.ولأنَّ إبليس نجح في إغوائه لآدم عليه السلام واستطاع أن يخرجه من الجنَّة ويورِّطه في عالم الكثرة والاختلاف صار الدنيا متاعاً للإنسان ووسيلةً لرُقيِّه أو انحطاطه فهو: