خديجة صبار
أبغض الحلال عند الله عز وجل الطلاق
الطلاق كما عرفته مدونة الأحوال الشخصية هو حل عقدة النكاح بإيقاع الزوج،أو وكيله أو من فوض له ذلك، أو الزوجة، إن ملكت هذا الحق، أو القاضي... فهو هدم كيان الأسرة، بما فيها الزوجة والأبناء الذين سيحرمون بسببه من الدفىء والعطف والرعاية،وتنعكس آثاره على المجتمع وتسيىء إلى استقراره وطمأنينته. الطلاق جرح دفين في أعماق النفس لا يلتئم مع مرور السنين والأعوام، سيف حاد يشهره الزوج في وجه الزوجة متى وكيفشاء، شبح مهول يهدد حياة الأسرة ويجعلها تعيش في قلق دائم واضطراب مستمر لانعدام الأمن والأمان.
ففي المغرب نموذجاً سنة 1975 بلغ عدد الزيجات بالدار البيضاء 8437 وعددالطلاق 3394.
وفي سنة 1981 بلغ عدد الزيجات في نفس المدينة 9576 حالة وعدد الطلاق 5494.
الملاحظ أن حالات الزواج في تقلص مستمر، بينما حالات الطلاق في ارتفاع. وما دام النموالديمغرافي في تزايد كما تقرر ذلك الاحصائيات الصحيحة.
فحياة المرأة المغربية اليومية تسودها الكآبة والحزن والشعور بالمهانة، بسبب عدم إحساسها بالأمن داخل بيتها،وخوفها من مستقبل حياتها الزوجية، بحكم القوانين التي تخضع لها، خاصة أن الإجراءات البالغة الخطورة (الزواج والطلاق) مركزة في يد الرجل وحده ولا تكلفه أدنى مشقة يكفي أنيلجأ 'للعدول' الذين كرسوا حياتهم لتحطيم وتشريد آلاف الأسر مقابل (150 درهما). ما أشبه حال هؤلاء، 'أكلة اللحوم البشرية' بحال السماسرة الذي يفتحون وكالاتهم للمضارباتالعقارية، واختلاس أموال الناس بالباطل!! وهم بدورهم يتجرون في تشريد الأسر وتحطيمها. دون اعتبار لحدود الله، ولما يترتب على عملهم هذا من مضاعفات أكثر إذلالا للمرأةوتشريدا للأطفال، وتفككا للمجتمع. فطلاق غير المؤهلة للعمل ذاتيا، أو بحكم تقاليد المجتمع، يؤدي بها إلى الاعتماد على الآخرين، مما يفقدها قيمتها واستقلالها، ويجعلهافي نهاية المطاف، مضطرة إلى الموافقة على سيطرة الرجل بشكل أو بآخر، إما من خلال عائلتها، أو عن طريق زوج جديد مماثل تستكين إليه ليحتقرها ويذلها، ويذيقها من العذابأشكالا وألوانا، أو ترتمي بين أحضان الرذيلة، وما أكثر اللائي انحرفن وتعاطين الفساد والاتجار بأجسامهن بسبب وباء 'الطلاق'.
وجل الحالات التي أجريت في مدينة الدارالبيضاء وبالخصوص في عمالة 'أنفا' لم يكن فيها للمرأة رأي ولا سابق إنذار. بل منهن من لم تخبر إلا بعد انقضاء عدتها!! ولم تعرف المسطرة القانونية التي خضع لها ذبحها، ولانالت حقوقها وحقوق أطفالها المترتبة على هذا الطلاق التعسفي، بل عليها إلى جانب جرحها الذي ما زال ينزف، وأمومتها المحطمة، وعمرها الذي ضاع جزء منه، وربما أحسن مراحله،أن تقوم لتطالب بهذه الحقوق... وقد تستغرق المسطرة شهوراً وسنوات للحصول على التعويضات المادية، في الوقت الذي عليها أن تسكن أطفالها وتعلمهم وتدبر أمورهم من يوم توصلهابالطلاق...
يحصل هذا وأكثر في ظل شريعتنا السمحاء، التي اعتنت بالمرأة، وصانت كرامتها، وعملت على حفظ كيان الأسرة وتربية الأطفال، في ظل توازن نفسي كامل.
لقد شرعالإسلام الطلاق الذي هو انحلال عقد الزواج. فكل عقد شركة يؤدي إلى السعادة والهناء، أو إلى التعاسة والشقاء... لذا تم اخضاع عقد الزواج للانحلال إسوة بغيره من العقود، متىحال دون تحقيق صلاحية الحياة الزوجية. وقد جرى الإسلام مجرى بقية الشرائع في إثبات الطلاق، غير أنه حرم إتيانه لغير ضرورة تقضيه لأنه يلحق الضرر ولا يحقق المنفعة. ولما كان الطلاق لا يؤدي إلى إضرار المرأة فقط، بل إلى شقاء الأطفال وتعاسة أحد الزوجين كان محظورا في الدين، فهو بغير ضرورة تقضيه وبغير استنفاد للوسائل التي ذكرهاالله طلاق محرم لأنه ضرر يحصل للمرأة والرجل وإعدام للمصلحة العامة. فإذا توترت العلاقة بين الزوجين وخيف من إضرار أحدهما بالآخر وجب العمل بقوله تعالى:
(فإن خفتمشقاقا بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا).
فإن لم يحصل التوافق فقد جعل الله فرجا ومخرجا بالطلاق،الذي لولاه لعاشت بعض البيوت في جحيم لا يطاق قد تؤدي نتائجه إلى الباب المسدود.
ورغم تشريع الإسلام له، فإنه جعله ينحصر في أضيق نطاق مستطاع، وبعد فشل جميع المحاولاتالتوفيقية التي يكون قد قام بها أفراد من العائلتين. ومع ذلك يبقى الطلاق كما قال خير البشرية 'أبغض الحلال إلى الله'.
ويقول كذلك: 'أستوصوا بالنساء خيرا فانهم عندكمعوان ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة'.
لابد من اختيار الوقت المناسب للطلاق كما حددته الشريعة: أن تكون المرأة طاهرا ليس بها حيض ولا نفاس،وأن لا يكون قد جامعها في هذا الطهر إلا إذا كانت حاملا قد ظهر حملها. ذلك أن حرمانه أو توتر أعصابه قد يكون هو السبب الذي دفع به إلى الطلاق، وفي الصحيح أن عبد الله بن عمربن الخطاب طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله (ص) فسأل عمر بن الخطاب رسول الله (صلعم) عن ذلك فقال له: 'مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسك وإن شاء طلقهاوهي طاهرة قبل أن يمس' فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء. ولقوله (ص) وقد أخبر أن رجلا طلق امرأته ثلاثا في كلمة واحدة: 'أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم'.وبدا عليه غضب شديد. وذلك الطلاق للعدة كما أمر الله في قوله تعالى:
(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة).
أي مستقبلات العدة، وإذا وقعالطلاق في هذه الحالات فالمطلّق آثم. وقال طائفة من الفقهاء: 'لا يقع الطلاق لأنه طلاق لم يشرعه الله تعالى البتة ولا أذن فيه، فكيف يقال بنفاذه وصحته!!'.
وإذا كان لابدمن الفراق بين الزوجين، فالإسلام يوجب أن يكون بمعروف وإحسان وبلا إيذاء ولا افتراء ولا إضاعة للحقوق يقول تعالى:
(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أوسرحوهن بمعروف. ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه. ولا تتخذوا آيات الله هزوا، واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم بهواتقوا الله، واعلموا أن الله بكل شيء عليم).
فالآية فيها تحذير بعد تحذير وتذكير ووعيد. وصرح القرآن بالنهي عن مضارة الزوجة ومضايقتها لتفتدي نفسها أو لتسأم الحياةمع زوجها نظرا لتصرفاته التي لا تحتمل في قوله تعالى:
(وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئاً أتاخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيفتأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنَ منكم ميثاقا غليظا).
عن ( الإسلام والمرأة واقع وآفاق )