اللفظ والمعنى في لغة التنزيل
إبراهيم السامرائي لعلي غير مفرّط لو أني قلت ((نظرية الشكل والمعنى)) وذلك في الكشف عنأشكال نحوية عربية قديمة. وتعني ((النظرية)) النمط النحوي الذي درج عليه المعربون القدماء في عربيتهم الفصيحة، ولعل شيئاً من هذا ((النمط)) مما لم يعرض له النحاة الأقدمون.
عرف الدارسون للنحو القديم وغيرهم من الذين اقتصروا في درسهم على النحو المدرسي، مادة في باب ((التوابع)) هي ((النعت السببي)) كقولهم: ((مررت بزيد العظيم أبوه))، فالعظيمنعت سببي وهو يصف موصوفاً له علاقة بالمتبوع، ولكنه يتبع في ((إعرابه)) المتبوع الذي يسبقه، ومن أجل هذا سُمّي ((النعت السببي))، وهو يقابل النعت الحقيقي الذي يصف المتبوعليس غير.
أقول: وموطن الإشكال في هذه المقولة النحوية ما فيها من نقض للإسناد الذي تقدم عليه الجملة في العربية، وذلك أن ((العظيم)) في الجملة الآنفة الذكر ((مسند)) وأن((أبوه)) مسند إليه، فكيف يكون ((العظيم)) تابعاً في إعرابه للمتبوع وهو ((زيد))؟
فهل لنا أن نقول: إن الجرّ في كلمة ((العظيم)) خطأ وصوابه الضم لأنه مرفوع باعتبار الإسناد؟لا، لن نقول هذا لأن المعربين قد درجوا على الجر، وكلامهم حق، وما انطلق به المعربون هو العربية، فكان على النحاة أن يجدوا تفسيراً فيعملوا اجتهادهم في ذلك.
ولو أنهمذهبوا إلى غير ما ذهبوا إليه في موضوع ((السببي)) لأدركوا أن حكاية هذه المسألة كحكاية اللغويين في مسألة ((جُحر ضبّ خَرب))، فقد قالوا في جرّ ((خَرب)): إن ذلك للمجاورة. أقول: ربما كان قولهم بـ ((المجاورة)) داخلاً في الذي أسميته ((الشكل))، وأعني أن المُعرب يستحسن المشاكلة بين ((خَرب)) والاسم الذي يسبقه وهو ((ضَبّ)). ومن هنا كانت((المجاورة)) التي قال بها اللغويون هي ((المشاكلة))، وهي ما دعوته بـ ((النظر إلى الشكل)).
وهذا النظر إلى ((الشكل)) هو الذي دفع أبا جعفر يزيد بن القعقاع أن يقرأ: ((سلاسلاًوأغلالاً وسعيراً)). في حين ذهب جمهور القراء إلى عدم التنوين في ((سلاسل))، وهو الأصل.
هذان نموذجان روعي فيهما ((الشكل))، وعلى هذا أيجوز لي أن أقول في جر ((العظيم)) فيقولي: ((مرت بزيد العظيم أبوه)): إن مراعاة الشكل قد جرى عليها المعربون على أنها من طبيعة اللغة.
وبعدُ، فهل لي أن أقول بهذا النظر إلى ((الشكل)) فأجري عليه قوله تعالى:(ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلُها)، وهو القول بالجوار، واحتساب الجر للمشاكلة ابتعاداً من اللجوء إلى ((السببيّ)) الذي أشرت إليه آنفاً. ومثل هذا ما ورد في قولهتعالى: (ثم يُخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه).
وقد ينبري غير واحد من الدارسين فيردّ عليّ قولي هذا بالجوار الذي صرفته إلى ((المشاكلة)) متذرعاً بما قال النحاة بـ((السببيّ)).
وما أريد أن أفسد على هذا الذي يتصدى راداً عليّ بقولي: إن الذهاب إلى ((المشاكلة)) بسبب الجوار يصرفنا عن افتعال شيء يقوم على أساس فاسد، وهو إذا كان النعتلمنعوت معروف فكيف يكون إعرابه مبطلاً لهذه العلاقة النحوية في الإسناد؟ والمشاكلة شيء جَرَت عليه العربية في مواضع كثيرة كما سنرى.
ولنعرض للمواد التي جاءت في لغةالتنزيل مرتبة على حروف المعجم:1
1 ـ أمة:
وقد وردت موصوفة بصفة مؤنثة نحو قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدةً). وفي وصف ((الأمة)) بـ ((واحدة)) مراعاة للفظ، وهيالمطابقة بين المؤنث الموصوف والمؤنث الصفة.
وهذه المرعاة لجانب اللفظ هي ما دعوته ((النظر إلى الشكل))، وليس من ضير أن تدخل ((المشاكلة)) فيه. وقد وُصفت ((أمة)) بصفة لايتحقق حملها على جنس معين مذكراً كان أم مؤنثاً، وهي كلمة ((وَسَط)) كما في قوله تعالى: ( ... وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ... ).
ونقرأ قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلىالخير ... ) فنجد الفعل الأول يشير إلى الفاعل المؤنث، وهو ((أمة))، والفعل مبدوء بتاء المضارعة، وليست هذه التاء إلا علامة تطابق بين الفعل والفاعل. وفي هذا نظر إلى الشكليبدو في المطابقة، ويلي الفاعل فعل مسند إلى ضمير الجمع المذكر، وهو الواو في ((يدعون)). وهذا يعني أن المطابقة قد زالتن وأن مجيء الفعل على ما جاء عليه يشير إلى مراعاةالمعنى، وهو النظر إلى المعنى، و ((الأمة)) جماعة من الناس غُلّب عليها التذكير. وعلى هذا جاءت مراعاة المعنى، كما جاءت مطابقة اللفظ، وإن كانت مراعاة اللفظ أكثر وروداً فيالعربية كما دلّ الاستقراء في آيات عدة وردت فيها كلمة ((أمة)).
وقد روعي التأنيث في ((أمة))، ولو فُصل بينها وبين الفعل فصال هو مذكر في لفظه، وهو الفاعل في ترتيب الجملةالنحوية كقوله تعالى: (... وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجاءوا بالباطل). إن الفاعل للفعل ((همّت)) هو ((كلّ)) وهو كلمة مفردة مذكرة باعتبار اللفظ، وإن كانت جمعاً في المعنى،وقد روعي الشكل في هذا البناء النحوي، كما روعي المعنى في الاسم والفعل الذي وَلي ((أمة))، وهذا كله من خصائص لغة التنزيل.
2 ـ بَشَر:
جاءت ((بَشَر)) في قوله تعالى:(قالت رب أنّى يكونُ لي ولد ولم يمسسني بشر). أقول: لابد أن نعرض لدلالة ((بَشَر)) ليتأتّى لنا أن نقول في مراعاتها والنظر إليها. وهي في هذه الآية تعني ((الرجل))، وهي علىهذا مفرد مذكر، وكذلك جاءت مراعاةً للمعنى.
وجاءت في قوله تعالى: (بل أنتم بشر ممن خَلَق يغفر لمن يشاء ... ).
وهي هنا جمع مذكر بدلالة الضمير ((أنتم)).
3 ـ بعض:
إن الكلام على ((بعض)) مفيد، فقد تكلم فيها المعنيون بهذه اللغة القديمة الشيء الكثير، فمنهم مَن قَصَر دلالتها على الواحد، وفي هذا مراعاة للشكل، ذلك أن لفظ ((بعض)) هوالإفراد والتذكير. ومنهم مَن صرفها إلى الجمع، وكأن هؤلاء قد لمحوا فيها ما لمحوه في ((بضع)) ودلالة هذه الأخيرة على الثلاثة إلى العشرة. ولنعد إلى استقراء ((بعض)) في لغةالتنزيل فنقول: إنها جاءت للدلالة على الواحد كقوله تعالى:
(ولولا نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه) والدلالة واضحة بدلالة الفعل اللاحق ((فقرأه)) وفي هذا فائدة لغويةأخرى هي النظر إلى ((الشكل))، والشكل هنا هو اللفظ، وليس ((المعنى)) الذي هو إفادة الجمع. ومثل هذا قوله تعالى: (وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به).
وقديحمل ((بعض)) على الواحد دلالة معنوية، فيكون في ذلك مراعاة للشكل، وهو اللفظ المذكر الواحد، ولكنه على الرجحان لا القطع كما في قوله تعالى: (... وألقَوه في غيابة الجُبيلتقطه بعض السيارة)، و ((بعض السيارة)) أحدهم استرجاحاً.
والكثير في ((بعض)) في كلام الله ـ عزوجل ـ دالّ على الجمع استرجاحاً، وفي ذلك يتحقق النظر إلى المعنى كقولهتعالى: (... إن تقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء)، وإذا كنت استرجح دلالة الجمع ففي دلالتها على الواحد قبول، و ((بعض الآلهة)) قد يكون جمعاً، وقد يكون واحداً، وفي كليهما ضربمن النظر يقوم إما على مراعاة الشكل أي اللفظ، وإما على مراعاة المعنى وهو الجمع.
(تلك الرسلُ فضلنا بعضَهم على بعض ... ).
(وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء مَنّالله عليهم).
ودلالة الجمع تتحقق من المعنى، وقد يأتي مستفادة من قرينة دالة كقوله تعالى:
(والذين كفروا بعضهم أولياء بعض).
(وأقبل بعضُهم على بعض يتساءلون). وقد تأتي ((بعض)) مكررة دالة على الواحد استرجاحاً، نحو قوله تعالى:
(وإن كثيراً من الخُلَصاء يَبغي بعضهم على بعض).
( ... خصمان بَغَى بعضُنا على بعض فاحكم بيننابالحق).
وجملة هذه الآيات تكشف عن أن ((بعض)) مفرد في لفظه، فروعي هذا في آيات، وجمع في معناه فروعي هذا في آيات أخرى.
4 ـ جبل:
و ((الجبال)) جمع ((جَبَل)) وقد روعيت فيلغة التنزيل على أنها مؤنث، ولكن هذا المؤنث مع صفته الدالة على الجمع كان له مع الفعل نمط خاص، فهو فعل لحقته تاء التأنيث التي تلحق الفعل إذا كان الفاعل مؤنثاً مفرداً،ومثله نائب الفاعل، كقوله تعالى: (ولو أن قرآناً سُيّرت به الجبال ... ).
ومثل ذلك إذا ابتدئ بها فجاء الفعل بعدها واقترنت تاء التأنيث كقوله تعالى:
( ... وإذاالجبال نُسفَت).
وهذا نظير قوله تعالى: (يوم تمور السماء مَوراً وتسير الجبال سيراً).
ومراعاة ((الجبال))، وهي جمع مؤنث كمراعاة المفرد المؤنث يتضح في قوله تعالى:(ولقد آتينا داود منّا فضلاً يا جبالُ أوبي معه والطيرَ ... ).
ويتبين هذا أيضاً في عود الضمير ا لمؤنث المفرد على ((الجبال)) وهي جمع كقوله تعالى:
(ويسألونك عن الجبالفقل ينسفها ربي نَسفاً).
غير أننا نجد ((الجبال)) وقد روعيت جمعاً مؤنثاً بدلالة الفعل بعدها مسنداً إلى نون النسوة كما في قوله تعالى: (إنا سخّرنا الجبال معه يُسبحنَبالعشي والإشراق).
وقد وُصفت ((الجبال)) بصفة مفردة مؤنثة في قوله تعالى: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرَّ السحاب).
5 ـ جمل:
وقد جاء في لغة التنزيل((جمالة)) اسم جمع لـ ((جمل كالصحب والصحابة ونحو هذا، وذلك في قوله تعالى: (إنها ترمي بشرر كالقصر، كأنه جمالة صُفر). غير أن ((جمالة)) قد وصفت بالجمع المؤنث وهو ((صُفر))جمع أصفر أو صفراء، وفي هذا نظر إلى معنى الجمعية دون ((الشكل)) وهو لفظ المفرد المؤنث.
6 ـ رحم:
وتعرض في هذا الأصل ((رحمة)) وهي اسم مؤنث في قوله تعالى: (إن رحمةَالله قريب من المحسنين).
تعليق:
في هذه الآية وُصفت ((الرحمة)) وهي اسم مؤنث حقيقي بـ ((قريب)) على جهة الإسناد لا الوصف. وقد اكتفى النحاة بقولهم: إن ما جاء على ((فعيل)يستوي فيه المذكر والمؤنث، وحملوا على هذا بناء ((فَعول)) نحو: صَبور وغيره.
وقالوا أيضاً: إن ((فعيل)) الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث لابد أن يكون بمعنى ((مفعول))، وهو غيرمطرد، فقد يأتي منه بمعنى ((فاعل)) نحو: ((قريب)) الذي جاء في الآية.
أن العربية بعد أن فارقت عصر القرآن قد وجد فيها شيء اقتضاه تحول الزمن الذي قضى بالتمييز بين المذكروالمؤنث دفعاً للبس، ولأن الحياة الجديدة بعد تلك الحقبة كان فيها من العلم بحقوق المرأة و ((الزوج)) وبما يكون من حقها في الإرث والزواج والطلاق وسائر ما يدعى ((الأحوالالشخصية)) من خصوصيات تختلف عنها في الرجل ((الزوج))، كل ذلك كان من شأنه أن يميز في كلمة ((زوج)) لتدل على المراد لأن ((زوج)) للرجل والمرأة، وهكذا لحقت العلامة كلمة ((زوج))للدلالة على المرأة فشاعت كلمة ((زوجة)).
ومن الدليل على أن التأنيث حادث وليس بأصيل ميل العربية إلى الابتعاد عن المؤنث بجعل الفعل يَعرَى عما يشير إلى المؤنث الفاعلكما في قوله تعالى: (وقال لهم خزَنتها سلام عليكم). وأدَلّ من هذا قوله تعالى: (وقال نسوة في المدينة).
إن الفعل في الآية قد عَري عما يشير إلى أن الفاعل مؤنث وهو((خَزَنتها)) بسبب الفاصل ((لهم))، وكأن الفاصل سوّغ الرجوع إلى الأصل، وهو التذكير في العربية، وهو صاحب الأصالة.
والفعل ((قال)) في الآية الثانية قد عَريَ عما يشير إلىأن الفاعل مؤنث حقيقي جَرياً مع العربية التي ننظر إلى الأصل، وهو عدم العلامة المميزة للمؤنث.
ولعلي أُلحق بهذا ما ورد من مجيء الصفة مذكرة والموصوف مؤنث كقولهتعالى: (خُشَعاً أبصارهم)، إن ((خُشّعاً)) جمع ((خاشع)) مثل ((ساجد)) وجمعه ((سُجَّد))، وعودها إلى الأبصار على طريقة النعت السببي يومئ إلى إغفال المؤنث باعتبار التذكير، وهوالأصل، في حين وصفت ((الأبصار)) بـ ((خاشعة)) وهي مؤنثة جرياً على ما انتهت إليه العربية في تطورها في قوله تعالى: (خاشعةً أبصارُهم).
وجاءت مراعاة المعنى في كثير من الكلمالذي قد يعني الكثرة كما رأينا في ((بعض))، وكما هو الحاصل في ((كلّ)) و ((جميع)) كما سنرى، ولكنها تجاوزت هذا الحد إلى ما هو أقرب إلى الجمع مما له مفرد من لفظه أو غيره. ومن هذاالضرب الأخير ((ذباب)) فقد روعي إفراده وتذكيره، وإن كان منه ((ذبابة)) كسائر أسماء الجمع وأسماء الجنس نحو: شَجَر وشَجَرة، وتَمر وتَمرة، قال تعالى:
(وإن يسلبهم الذبابشيئاً لا يستنقذوه منه). وقد يُلحَق بهذا مما لم يأت منه مفرد كما في ((ذُرّيّة))، فقد وُصفت، وهي اسم مؤنث بالصفة مجموعة جمعاً مذكراً كما في قوله تعالى: (ولهم ذرية ضعفاء)،وهذا يعني أن مراعاة المعنى قد غُلّب في الوصف، ذلك أن ((ذرية))، وهي لفظ مؤنث، تشتمل على الذكور والإناث. والتغليب للذكورة.
غير أن مراعاة اللفظ، والنظر إلى الشكل قدتحقق في هذه الكلمة في قوله تعالى: ( ... قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة)، فقد وُصفت بصفة مفردة مؤنثة حملاً على لفظها أي شكلها. كما جاء الضمير مفرداً مؤنثاً في قوله تعالى:(... ذرية بعضُها من بعض).
7 ـ رسل:
قال اللغويون القدامى: إن الجمع في العربية مؤنث على الغلبة التي يستبعد منها جمع المذكر السالم، وقد كانت النصوص مؤيدة كثيراً هذاالذي ذهبوا إليه، ولنعرض لكلمة ((رُسل)) في لغة التنزيل لنقف على ((رُسل)) وكيف وردت في الآيات الكثيرة. ولا بد من القول: إن ((الرُسل)) جمع ((رسول))، وعلى هذا فالتذكير أصيلفيها إفراداً ودلالة في المعنى.
جاء في قوله تعالى: ( ... رُسُلاً مبشرين ومنذرين ... ).
وقد روعي التذكير بالوصف المجموع وبالضمير الجمع المذكر العائد على ((الرُسُل)).غير أننا نجد النظر إلى الشكل بتحقق في التأنيث الذي نجده في الفعل وغيره كما في قوله تعالى:
(قد جاءت رُسُل ربنا بالحق).
8 ـ ريح:
جاءت كلمة ((الرياح)) في لغةالتنزيل، وهي جمع، وقد اعتُبر فيها التأنيث فوُصفت بالجمع كما في قوله تعالى: (وأرسَلنا الرياحَ لواقح ... ).
وقد يتقدمها الفعل مشيراً إلى تأنيثها كما في قولهتعالى: ( ... فأصبَحَ تَذوره الرياحُ).
9 ـ زوج:
ويأتي الجمع ((أزواج)) في لغة التنزيل فيدل على أنه جمع لـ ((زوج)) وهي ((زوج)) الرجل، كما يأتي جمعاً لـ ((زوج)) للأنعاموغيرها مما تنبت الأرض من الشجر والنبات. فأما ((الأزواج)) في دلالتها على جمع ((زوج)) للرجل فقد جاء موصوفة بصفة مؤنثة مفردة، وفي التأنيث مراعاة للحقيقة، ولكن الإفرادجَرَت عليه العربية في وصف الجمع ما عدا جمع المذكر السالم، ومن ذلك قوله تعالى: (ولهم فيها أزواج مطهرة).
كما ورد في الضمير العائد على ((أزواج)) مفرداً مؤنثاً وذلك فيقوله تعالى: (ومن آياته أن خَلَقَ لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها).
غير أننا نجد ((الأزواج)) قد روعي فيها التأنيث والجمع فعاد عليها ((النون)) ضمير الإناث كما فيقوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن ... ).
10 ـ سحب:
قد وردت ((السحاب)) في جملة من الآي الكريم، وهو في بعض منها مفرد مذكر بدلالة الوصف،وهذا يأتي من مراعاة اللفظ والشكل، فاللفظ مذكر كما في قوله تعالى: (وإن يَرَوا كسفاً من السماء ساقطاً يقولون سحاب مركوم). وقد يأتي بعد ضمير مفرد مذكر يعود عليه نحوقوله تعالى: (الله الذي يُرسل الرياحَ فتُثير سحاباً فيبسُطُه في السماء كيف يشاء).
ولكنك تجد ((السحاب)) في آيتين قد وُصف بصفة مجموعة تخلُص للتأنيث، وهذا يعني أنالنظر إلى المعنى كقوله تعالى: (ويُنشئ السحابُ الثقال). وقوله تعالى: (حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً).
11 ـ سبل:
ويحسن بنا أن نقف على ((سنبلة)) في لغة التنزيل فتجدها فيقوله تعالى: (إني أرى سبع بقرات سمان يأكُلُهنّ سبع عجاف وسبع سنبلات خضر ... ). تعليق:
أقول: وجمع المؤنث في ((سنبلات)) وغيرها هو جمع أدنى العدد (أي جمع القلة)، وهويفيد هذه الدلالة القليلة العدد في كل اسم يجمع هذا الجمع إلا إذا كان الاسم لا يجمع إلا بالألف والتاء نحو البنات، والهبات وغيرهما، فهو في هذه الحالة يدل على الكثرة،ولا يخلص إلى القلة إلا بقرينة دالة فيقال مثلاً: سبع بنات، أو بضع هبات، فإذا قلنا: سبع سنبلات، فهو جمع قلة من غير دلالة العدد عليه، ومثل هذا ((بقرات)) التي وردت فيالآية، والجمع الكثير فيهما: سنابل وبقر. وقد يعترض معترض فيقول: وردت ((سنابل)) في القرآن، وهي مفيدة القلة، في قوله تعالى: (كمثل حبّة) أنبتت سبع سنابل ... )، والجواب عنهذا أن ((سنابل)) تفيد الكثرة، وإنما أفادت القلة بقرينة العدد ((سبع))، وليس في هذا ما يخرم القاعدة، وهذا باب من فصاحة العربية.
12 ـ سوء:
ولنرجع إلى مراعاة المعنى فيبناء الجملة القديمة فنجد ((السيئات)) في قوله تعالى: (ولئن أذقناه نعماء من بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني ... )، وفي هذه الآية جاءَ الفعل ((ذَهَبَ)) وفاعلُه ((السيئات))جمع مؤنث حقيقي التأنيث. ولو كان بين الفعل والفاعل فاصل من ضمير لقلت قام الضمير حاجزاً فأبعَدَ التأنيث كقوله تعالى: (فأصابَهم سيئاتُ ما عملوا). ولنقف قليلاً على((سَوأة)) وهي ما يُستَر من عَورة الإنسان كما في قوله تعالى: ( ... كيف يُواري سوأة أخيه). وهذه تجمع على ((سوآت)) جمعاً مؤنثاً كقوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساًيوُاري سوءاتكم ... ).
ولكن هذه الكلمة قد وردت في آية في الكلام على آدم وحواء، فجمُعت ولم يُدلّ على التثنية وهي المقصودة في الآية إلا بالضمير الذي عاد عليهما، قالتعالى: (فوسوس لهما الشيطان ليُبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما).
أقول: وهذا باب من العربية يُراد به إحسان الأداء، وإن الكلمة ((سَوأة)) لو ثنيت فلحقها ضميرالتثنية، لم تكن حسنة مستملحة، ولفقدت شيئاً من طلاوة درجت لغة التنزيل على أن يكون فيها شيء كثير من الكلم النوابغ.
13 ـ شرذم:
قلت: إن إحسان الأداء وإصابة الغرضوإبداع القول من خصائص لغة التنزيل، ومن هنا وُصفَت ((شرذمة)) وهي الفئة القليلة العدد بصفة جُمعت جمع تصحيح مذكر في قوله تعالى: (إن هؤلاء لشرذمة قليلون). 14 ـ صحف:
وقد وردت ((الصحف)) في جملة آيات روعي فيها النظر إلى الشكل، وهي أنها جمع مؤنث، فكانت ((الصحف)) موصوفة بـ ((الأولّى، ومُكَرّمة، ومطهّرة، ومُنشّرة)). وليس لي أن أذكر قولهتعالى: (وإذا الصحف نُشرت). 15 ـ ضيف:
وجاءت كلمة ((ضيف)) في بعض الآيات، ويراد بها الجمع كما جاءت في آيات أخرى لا يتجه فيها شيء إلى إرادة المفرد فقد يكون ولا يكون،قال تعالى: (هل أتاكَ حديثُ ضيف إبراهيم المكرمين)، وقوله تعالى أيضاً: (قال أن هؤلاء ضيفي فلا تفضَحون). ودلالة الجمع في هاتين الآيتين واضحة مؤيدة. غير أننا نجد قولهتعالى: (وقد راودوه عن ضيفه فطمَسنا أعينهم)، وقوله تعالى: (فاتقوا الله ولا تخرون في ضيفي). ولسنا على يقين من دلالة ((ضيف)) في هاتين الآيتين. 16 ـ طوف:
الطائفة جماعة،وهي مفردة مؤنثة باعتبار اللفظ، وجمع مؤنث باعتبار المعنى، ويتبين هذا في قوله تعالى: (ودّت طائفة من أهل الكتاب لو يُضلّونكم). إن الفعل ((ودّت)) تلحقه التاء، والفاعل((طائفة)) وهو مؤنث، ولفظة لفظ المفرد، وهو جمع في المعنى، فجاء الفعل اللاحق ((يُضلّونكم)) مسنداً إلى جماعة الذكور متصلاً بضمير الجمع المذكر. على أننا نجد هذا الاسممسبوقاً بالفعل ((بيَّتَ)) على أنه فاعل، وهو مفرد مذكر، وذلك في قوله تعالى: (فإذا بَرزوا من عندك بيَّتَ طائفة منهم غير الذي تقول).
وقد وُصفت الطائفة بصفة مفردةمراعاة للفظ فجاء قوله تعالى: (ولتأت طائفة أخرى لم يُصلّوا فليُصلّوا معك)، ولكن الفعل بعد الفعل قد اعتبر فيه المعنى فلحقه واو الجمع المذكر.
ولنقف على مثنّى((طائفة)) وكيف جاء في لغة التنزيل فنقرأ قوله تعالى: (إذ هَمَّت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما)، وقد جاء الفعل بعد المثنى يشير إلى أن الاسم مثنى بدلالة ألف التثنيةفيه ((تفشلا))، وفي هذا نظر إلى اللفظ أو الشكل وهو التثنية. غير أننا نجد في آية أخرى هذا المثنى وقد لحقه فعل قد أُسند إلى جماعة الذكور كما في قوله تعالى:
(ون طائفتانمن المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بَغَت إحداهما فقاتلوا التي تبغى ... )، وفي هذه الآية نظر إلى المعنى وهو الجمع، على أنك تجد في آخر هذه الآية عوداً إلى اللفظ أوالشكل في ضمير التثنية المتصل في ((بينهما))، وجملة هذا التحول بين التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية من خصائص لغة التنزيل العزيز.
17 ـ عنق:
وروت ((الأعناق في آيةوقد وصفت بصفة مصروفة إلى ((الخبر)) وهي جمع سلامة مذكر، وذلك في قوله تعالى: (فظلت أعناقهم خاضعين)، ولابد من جعل ((خاضعين)) خبراً لـ ((ظلّ)) غذاكان دأبنا الدرس النحوي، غيرأنك تتوقف قليلاً وأنت تنظر إلى الآية في حدود ما يوصف به العاقل وغيرا لعاقل، وذلك أن ((خاضعين))، وهي جمع مذكر سالم لا يمكن أن يوصف بها ((عناق)) وهو غير عاقل، ولكنك تجد فيالتأويل والدرس البلاغي سعة في قبول هذا، بل استحسانه في وروده في هذه الديباجة المشرقة من كلام الله تعالى. 18 ـ فلك:
وجاءت ((الفُلك)) في آيات كثيرة، وهي، في شيءمنها، مؤنث مفرد، فاعل لفعل يسبقها، أو إنها مسند إليه يتلوها فعل يشير إلى تأنيثها، وذلك في قوله تعالى: (ولتجري الفلك بأمره).
وجاءت في آيات أخرى متلوةً بما يفيدأنها جمع مؤنث كما في قوله تعالى: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة)، فالفعل ((جَرَين)) بنون الإناث يشير إلى أن ((الفلك)) جمع مؤنث.
ونقرأ كل هذا ثم نقرأ قولهتعالى: (فأنجَيناه ومَن معه في الفلك المشحون)، فنجد ((الفلك)) قد وصف بـ ((المشحون)) وهو مفرد مذكر.
19 ـ كلّ:
جاءت كلمة ((كل)) في أكثر من ثلاث مئة آية، وكلها يشير إلى أن((كل)) تعني ((أي)) وهي مفرد، كقوله تعالى: (إن الله على كل شيء قدير). ولم نجد في مجموع هذه الآيات إلا قوله تعالى: (كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل)، ففي هذه الآية تلمح في((كلّ)) دلالة الجمع، وقد تحتمل معنى الإفراد.
20 ـ نحل:
((النحل)) من أسماء الجمع، والواحدة ((نحلة))، وقد روعي فيها التأنيث والإفراد كما في قوله تعالى: (وأوحى ربكإلى النحل أن اتخذي بيوتاً)، وفي هذا نظر إلى اللفظ.
وقد نقف إزاء هذه المسألة اللغوية الخاصة بالنحل فندرك أسلوب القرآن في مراعاتها، ثم نقف على نظيرها وهو ((النمل))فنقرأ قوله تعالى: (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم)، فنجد ((النمل)) جمعاً مذكراً، وقد يكون هذا بسبب ما أسند إليه من صفات العاقلين ولوازمهم، وهو ((القول)) الذي وردفي الآية ((قالت نخلة)) على أن هذا التأويل لا يدخل في النظام النحوي لبناء الجملة.
21 ـ نخل:
ورد ((النخل)) في إحدى عشرة آية، وهو مفرد مؤنث في بعض منها كما في قولهتعالى: (فترى القوم فيها صَرعَى كأنهم أعجاز نخل خاوية). وقد يدل على الإفراد والتأنيث بما ولي ((النخل)) من ضمير مفرد مؤنث كما في قوله تعالى: (وزرع ونخل طلعها هضيم). وقديأتي ((النخل)) جمعاً مؤنثاً بدلالة الوصف المؤنث جمعاً كما في قوله تعالى: (والنخلُ باسقات لها طَلُع نضيد)، والضمير العائد عليها مفرد مؤنث.
وكما جاءت ((النخل)) مفردةمؤنثة كما مثّلنا، وكقوله تعالى: (والنخلُ ذاتُ الكمام)، جاءت أيضاً مفرداً مذكراً كما في قوله تعالى:( (تنزع الناسَ كأنهم أعجاز نخل مُنقعر).
*المصدر:معجميات