هل كان الصحابة عدولاً بأجمعهم؟
* مهدي الحسيني الروحاني من غير الخفي أن في الصحابة طائفة من المؤمنينالمخلصين بدرجاتهم المختلفة، وفيهم المسلمون، ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، وفيهم المنافقون وهم عدد غير قليل، وفيهم المؤلفة قلوبهم، وفيهم مَن نزل القرآن بفسقه،وفيهم مَن تخلف عن جيش أسامة فلعنهم رسول الله (ص)، وفيهم مَن أقيم عليه الحد الشرعي لارتكابه ما يوجب الحد في زمن النبي (ص)، وفيهم مَن ارتد عن دينه، وفيهم مّن ولي الدبر فيالحرب، وقد قال الله تعالى: (ومَن يولّهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) الأنفال/ 16.
وقد فروا يوم أحدجميعاً وولوا الدبر إلا عدة معدود. وخالف جماعة منهم ـ أي من الصحابة ـ أمر رسول الله (ص) ـ وفيهم كبار الصحابة رضي الله عنهم ـ ولم يبق معه إلا نفر من آل عبدالمطلب، وعددقليل من الأنصار، منهم أم الحارث الأنصارية (رض) وكانت تستأذن رسول الله (ص) في قتل الفارّين، وهي التي اعترضت عمر بن الخطاب وهو فار فقالت له: يا عمر ما هذا؟! فقال: أمرالله. أي قضاء الله وقدره!!
ومع كل ذلك فإن القول بعدالة الصحابة جميعاً ـ كما ذهب إليه أهل الحديث، ثم جعل ذلك من العقائد كما فعله الإمام أحمد بن حنبل وغيره ـ يعتبرغفلة قبيحة، لما فيه من طرح المقاييس الدينية والعقلية، ولأن ذلك مما يأباه تاريخ الصحابة وواقع ما جرى بينهم، وما صدر منهم، وهو أمر مستحدث، أتى به أهل الحديث، وهمالمغرمون بحب معاوية وأذنابه، والمدافعون عنهم، أمثال عمرو بن العاص، وبسر بن أرطاة، وسمرة بن جندب، ومَن هم على شاكلته.
لقد جاء أهل الحديث بهذا الأمر في قرونمتأخرة، فأعطوا الصحابة جميعاً مرتبة العدالة لتشمل معاوية وأحزابه، ولتبرر الكثير من الفظائع التي ارتكبوها والحرمات التي انتهكوها ..
والحقيقة هي أن نزعة النصبالغالبة على أكثرية أهل الحديث، هي التي دعتهم إلى وضع هذه المقالة الجديدة، بحيث تشمل الصحابة جميعاً.
ـ اجتهاد معاوية وأضرابه:
ثم تقدم أهل الحديث شوطاً آخر فيهذه العقيدة الجديدة، وذلك عندما منحوا معاوية وأشباهه رتبة الاجتهاد، في نفس الوقت الذي لا يخطر في بال أحد من هؤلاء ـ معاوية وأضرابه ـ طيلة حياتهم أن يثبتوا هذهالرتبة لأنفسهم، ولكنها منحت لهم بعد موتهم كالأوسمة والرتب التي تعطيها وزارة الدفاع للضباط المقتولين، بعد أن لم يكونوا يلمون بها في حياتهم على الإطلاق. ثم غلوافيهم وجعلوا آراءهم حجة على الناس إلى يوم القيامة، وجعلوا لهم حق التشريع في الدين، وجعلوا لهم سنناً كسنن رسول الله (ص).
وما أنسب ما نحن فيه بقول الشاعر في سمية أمزياد بن أبيه، لما استلحق معاوية ابنها زياداً بأبي سفيان، حيث قال:
عاشت سمية دهراً وهي ما علمت
إن ابنها من قريش في الجماهير
إن ابنها من قريش في الجماهير
إن ابنها من قريش في الجماهير
ومحط نظرنا هو قوله:((منذ فارقهم)) الدال على حدوث الفتنة بمجرد موت الرسول (ص) لا أن موته صار سبباً لعدالتهم وتقواهم!! ..
ـ نظر الشيعة الإمامية إلى الصحابة:
وأما الإمامية فمذهبهم ـعلى الإجمال ـ هو الترضي عن معظمهم. ولقد كان الإمام علي بن الحسين (ع) يدعو لهم في صلواته، وذلك لاتباعهم خطى نبيهم (ص) وعملهم بأوامره ونواهيه، منها هو (ع) يقول في صلاتهعليهم: (( .. اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكاتفوه، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له، حيث أسمعهمحجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبته، يرجون تجارة لن تبور فيمودته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته،وانتفت منهم القرابات، إذ سكنوا في ظل قرابته فلا تنس اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك، وبما حاشوا الخلق عليك،وكانوا مع رسولك دعاة لك. إليك واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثرت في اعزاز دينك من مظلومهم. اللهم وأوصل إلى التابعين لهمبإحسان، الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا .. )). وغير خفي: أن هذه الدعوات بما فيها من الإعظام والإكبار، شاملة لمعظم الصحابة رضي الله عنهم، وأما آحادهم تفصيلاًفينظر في تراجمهم وتواريخهم، ويحاكمون بمقتضى العدل، والقول الفصل، وحكم القرآن، وكلام نبي الإسلام .. (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومَن يعمل مثقال ذرة شراً يره). وأما على حسب أصول أهل السنة، فليس في الصحابة أحد يكون الشك في عدالته أو فسقه أو ارتداده معادلاً للشك في توحيد الله تعالى، أو في رسالة نبيه محمد (ص) أو في المعاد .. وعليه .. فمن ناقش في علم بعض آحاد الصحابة، أو خطأهم في بعض أفعالهم وأقوالهم، حسب ما تقتضيه المقاييس الدينية، فإن ذلك لا يخرجه من الإيمان إلى الكفر، ولا من السنة إلىالبدعة، إذ ليس آحاد الصحابة وأشخاصهم محور الدين، والكفر، والسنة والبدعة.
ـ الأخبار في عدالة الصحابة:
وأما الأخبار الواردة في الصحاح الستة وغيرها مما ورد فيشأن طوائف كثيرة من الصحابة، بحيث يظهر من الأحاديث كثرتهم وكثافة جمعهم ـ أما هذه الأخبار ـ فنقول: إن كان أهل الحديث والسلفية ملتزمين بالأحاديث وبالصحاح لا سيما صحيحالبخاري ـ كما يدعون ـ فليقولوا ـ والعياذ بالله ـ حسب أصلهم بكفر هؤلاء الصحابة، وارتدادهم بعد رسول الله (ص)، وإنه لن ينجو منهم غلا مثل همل النعم .. (كما ورد في رواياتالبخاري وغيره). وأقبح من ذلك كله ـ في التحكم وفرض الرأي بلا دليل، بل ومع وجود الدليل القاطع على خلافه ـ اعتراض البعض على آخرين، وتشنيعهم عليهم لشكهم في عدالةالصحابة، فهم يؤاخذون عليهم، ويجعلون ذلك منهم عظيمة من العظائم وجريمة من أكبر الجرائم .. بينما هم بصحاحهم تلك يعلمون الناس كفر الصحابة، ويعلنون ارتدادهم!!.
روىالإمام مالك أن رسول الله (ص) قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم. فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله إخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا! فقال رسول الله(ص): بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي؟! فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال: ((إننا لكائنون بعدك))؟!
وعلى كل حال .. فإن من الأخبار المشار إليها حول عدالة الصحابة .. ما رواه الإمامأحمد بن حنبل عن أم سلمة أنه (ص) قال: ((أيها الناس بينما أنا على الحوض جيء بكم زمراً، فتفرقت بكم الطرق، فناديتكم ألا هلموا إلى الطريق فناداني مناد من بعد فقال: إنهم قدبدلوا بعدك. فقلت: ألا سحقاً، ألا سحقاً.
وروى البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: بينا أنا قائم، إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: أين؟قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة (فذكر فيهم مثل الأولى) فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم.
وفي صحيح البخاريعن حذيفة: أن رسول الله (ص) قال: (ليردن على الحوض أقوم، فيختلجون دوني، فأقول: رب أصحابي، رب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
ومن الواضح: إن هذه الكلمات لاتنطبق على عدة قليلة فقط. وليس المقصود بها مَن آمن بالنبي ورآه ثم سكن خارج المدينة المنورة ولم يعاشر النبي (ص) إذ لا يقال لمثل هؤلاء: ((الصاحب)) ولا ((الأصحاب)). وإن كانأصحاب الجرح والتعديل قد توسعوا كثيراً في مفهوم الصحابي ..
فإن إطلاق كلمة (الصحابي) على مَن رأى النبي (ص) ولو من بعيد تكلف واضح في اللفظ، وإخراج له عن معناه ..