جدل النص والواقع نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

جدل النص والواقع - نسخه متنی

ترکی الحمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تركي الحمد

تركي الحمد

جدل النص والواقع


أيهما وجد أولاً، البيضة أم الدجاجة؟ سؤال أزلي سرمدي لا جواب قاطعاً له، فالناس في ذلك حزبان، حزبالبيضة وحزب الدجاجة. والحقيقة أن وجود جواب قاطع حاسم في المجال ليس مهماً على الاطلاق، إلا لمحبي الجدل الصرف، طالما أن البيضة والدجاجة موجودتان، وطالما أننا نستفيدمن وجوهما والعلاقة بينهما فيما ينفع ويفيد. وسواء عرفنا أيهما وجد قبلاً، فإن ذلك لن يغير من علاقتنا معهما في شيء، فسوف نستمر في أكل البيض والدجاج، وفي استيلاد البيضةمن الدجاجة، والدجاجة من البيضة، وسوف تستمر العلاقة (الوجودية) بين البيضة والدجاجة طالما بقي وجود، وطالما كانت هنالك حياة، وطالما كانت هناك بيضة ودجاجة.

أحجيةالبيضة والدجاجة التي نتندر بها أحياناً، هي ذاتها ذاك السؤال الذي قسم الفلاسفة إلى ماديين ومثاليين، ومزيج من الاثنين، ولا أدريين خارج الاثنين. أيهما كان قبلاً،وبالتالي أيهما كان جرثومة الوجود الأولى وصاحب الفعل في حركة هذا الوجود، الفكرة أم المادة؟ بناء على إجابة هذا السؤال، انقسم الفلاسفة إلى حزبين كبيرين، وانقسمالحزبان إلى أحزاب فرعية، وهكذا. وبناء على أفكار الفلاسفة نهض الأيديولوجيون، ومن بين أيديهم خرجت أحزاب وتيارات سياسية. وقبل ذلك انقسم الفلاسفة المدرسيون في العصورالوسطى إلى إسميين وواقعيين وبينما جاء التصوريون. خلاصة القول، أن أحجية البيضة والدجاجة هي ذاتها أحجية كثير من الأشياء التي نتعامل معها في هذه الحياة ربما بتجريدأكبر، ولكن بنية السؤال هي ذاتها، وأهمية الجواب أو عدمه هي ذاتها.

والحضارة العربية الاسلامية هي في مجملها حضارة (نص)، بمثل ما كانت حضارات مصر ووادي الرافدينحضارات (أسطورة)، وحضارة العصر هي حضارة (فعل)، وذلك وفقاً للمحور الأساس الذي تقوم عليه هذه الحضارة أو تلك. وعلى ذلك، فإنه من الطبيعي أن يكون (النص) هو الشغل الشاغل لهذهالحضارة، وحوله ومنه وفيه تدور كافة النشاطات وتنبثق كافة الفعاليات التي أنتجتها وتنتجها هذه الحضارة، بمثل ما هو (الفعل) مناط كل حركة في الحضارة الغربية المعاصرة. مَنيحكم حركة الحياة من حولنا، النص أم واقع وآليات هذه الحياة؟ قبل الإجابة على هذا السؤال والاسترسال في الحديث، هناك مسلّمة أعتقد أنها ضرورية لبناء النقاش كله، ألا وهيأنه لا النص بذاته قادر على جعلنا نستغني عن واقع الحياة، ولا واقع الحياة بذاته منفرداً قادر على جعلنا نستغني عن توجيه محور الأساس في الحضارة التي ننتمي إليها، وهوالنص في حالتنا العربية الاسلامية. فمهما بلغ الزهد مثلاً بأحدهم، فلابد له من أن يأكل ويشرب ويلبس ويسكن. وتحقيق هذه الاحتياجات لابد أن يكون من خلال (ممارسة الحياة) شاءأم أبى، وليس الوقوف خارجها. ومهما بلغ من انغماس المقبل على الحياة بكليتها من السير مع عجلة الحياة المعيشة، فلابد له من (معنى) لما يفعل، وإلا كان ما يقوم به مجرد عبثودائرة تدور دون غاية أو هدف.

من هذه المسلمة نستطيع أن نخرج بإجابة أولية وضرورية للسؤال المطروح آنفاً حول علاقة النص بالواقع، أو حول علاقة محور الحضارة المنتميإليها بالواقع الذي لابد أن تعمل هذه الحضارة في إطاره وضمن حدوده ومعالمه ودوافع الحياة فيه. فالواقع بذاته لا معنى له دون النص المحدد، والنص بذاته لا غاية له دونالواقع المهيمن، والاثنان يكمل أحدهما الآخر. فالثبات طبيعة النص، ولكنه يكتسب المرونة والحيوية عن طريق الواقع الذي هو متحرك بطبيعته، ولكنه يكتسب المعنى الثابت منالنص؟ أيهما كان أولاً، هل جاء النص ثم حدد الواقع، أم إن الواقع أفرز النص وهذا في الحقيقة سؤال لا معنى له حيث إنه لا يقدم ولا يؤخر في العلاقة الجدلية بينهما. ونحن حيننتحدث عن النص،ف إن المعنى منصرف إلى تلك النصوص التي أنتجها البشر، أما النص الديني أو الإلهي المباشر فهو حالة استثنائية لا تدخل في هذا التحليل بشكل كامل. وعندما يقالذلك، أي إن النص الإلهي المباشر لا يدخل في التحليل بشكل كامل، فإن المقصود ما هو معروف لكل أحد، فالله سبحانه وتعالى لا يرسل الرسل (ع)، ولا يوحي بكلماته المباشرة إليهمإلا عندما تكون البشرية في حاجة إلى هذه الكلمات والتوجيهات في حالة الحيرة والبحث عن معنى.

وبدراسة الظروف التي سبقت ظهور سيدنا محمد (ص)، أو طوالع البعثة المحمدية،كما يسميها الأستاذ عباس محمود العقاد (ره)، تتبين لنا هذه الحقيقة. فالكل في تلك الفترة، من عرب وثنيين وأهل كتاب، كانوا يعلمون أن نبياً على وشك أن يبعث، لدرجة أن يهودالمدينة كانوا يهددوا به الأوس والخزرج، ولدرجة أن سلمان الفارسي (رض) خرج من دياره حتى استقر به المقام في يثرب عبداً رقيقاً في انتظار النبي الموعود. المراد قوله بإيجازهنا هو أنه حتى في النص الإلهي المباشر القادم بواسطة نبي مرسل، فإن الواقع وحركة الحياة ليست بعيدة عن ذلك، إذ إن حركة الحياة هي التي أوجبت في النهاية إرسال الرسل وتلقيكلمات الله سبحانه وتعالى المباشرة. يأتي هذا النص، ويأتي ذلك التدخل الإلهي المباشر لإسباغ المعنى على حركة فقدت المعنى، وواقع فقد البوصلة بحيث تعود العلاقة السليمةبين النص والواقع.

وعند النظر إلى الحضارات عامة، نجد أنها تكون في أوج زخمها وفعاليتها حين تكون العلاقة الجدلية بين محورها الذي تدور حوله وبه، وبين حركة الحياةذاتها قائمة، وتبدأ هذه الحضارة في الانحدار حين يطغى جانب من المعادلة على الجانب الآخر، وبذلك تضيع العلاقة أو تتشوه. وفي حضارتنا العربية الاسلامية، كان الازدهاروالارتقاء حين كان النص مفتوحاً على حركة الحياة، يستوعبها ويوجهها في آن واحد، هذه الحضارة أعطتنا كل ما نفخر به اليوم من نتاج حضاري، من فلسفة وفقه وعلم كلام وشريعةوعقيدة. وبدأ الانحدار حين أغلق النص، واكتفى بآلياته الذاتية تاركاً حركة الحياة تجري على أعنتها، فكانت النتيجة ذلك الفج العميق بين منتجات النص المدرسية (السكولاتية)التي لا علاقة لها إلا بذاتها، وبين إفرازات الحياة التي لا تجد لها ضابطاً ولا محدداً، فتبحث عن كل ذلك هنا أو هناك، في نص شعبي أو نص خارجي أو غير ذلك، حيث إن النص المؤسسقد وضع في حالة من إنتاج الذات، وهو ضخم لا ريب، ولكن لا علاقة له بما يجري فعلاً بين البشر وعلى مسرح الحياة. والمشكلة الأعوص في كل ذلك هي في انعكاس مثل هذه الحالة علىذات الانسان المنتمي للنص وحضارته. فقدْ فقدَ هذا الانسان توازنه وانسجامه مع نفسه، وأصبحت الذات الواحدة عدة ذوات لا رابط بينها. فهي، أي هذه الذات، تتعامل في هذاالاتجاه بآليات وذهنية تختلف عن الآليات والذهنية المتبعة في ذلك الاتجاه، وهذه حالة نعيشها حتى اليوم. مثل هذه الازدواجية في الذات، وآثارها المعطلة للحركة الفاعلة،لا نجدها في الحضارة عندما تكون في حالة الازدهار، وعندما تكون معادلة النص والواقع سليمة، كما لا نجدها عند انسان الحضارة الغربية المعاصرة، الذي قد يعاني من مشاكلوإشكاليات ذاتية عديدة، ولكن الازدواجية ليست أحدها، فهو منسجم مع ذاته في هذا المجال. وكي تكون الصورة واضحة، فإن الازدواجية المتحدث عنها ليست نوعاً من النفاق أوالمجاملة الاجتماعية التي قد تفرض علينا ارتداء مختلف الوجوه والأقنعة في مختلف المناسبات، ولكنها معاناة ذاتية حقيقية، وانفصام ذاتي ملموس، ناتج عن افتقاد المعيارالمناسب للحالة المناسبة.

إن انقطاع العلاقة بين طرفي المعادلة خلق لدينا عالمين شبه منفصلين، إن لم يكونا منفصلين على الاطلاق، هما عالم النص وتوليد النص من النصوفق آليات معرفية معينة، وعالم الواقع المتحرك الذي لا يعرف الثبات خاصة في مثل عالم اليوم. بكلمات أخرى، أصبح لدينا عالم (المفروض) في مقابل علام (الموجود)، والعلاقة بينالعالمين مفقودة. ويجد الانسان نفسه ممزقاً بين هذين العالمين: فهو لا يستطيع الانفكاك من عالم (الموجود)، لأن فيه معاشه وانتماءه إلى بشر لا يستطيع عدم التعامل معهم، كماأنه لا يستطيع الانفكاك من عالم (المفروض)، لأن المفترض أن يكون فيه انتماؤه وهويته ونحو ذلك، فكيف يكون الوضع؟ لابد من ازدواج الذات إلى ذاتين لكل منهما قوانينهاوآلياتها الخاصة، ولا علاقة بين الاثنين. فتجد أحدهم مثلاً يعمل في بنك وهو موقن في أعماق ذاته بحرمة العمل في مثل هذا البنك، ولكنه لا يستطيع إلا أن يعمل فيه، فهو لايستطيع أن يحيا دون طعام وشراب، دون مسكن وملبس، وزوجة وأطفال، وعلى ذلك قس.

لقد كان الواقع وحركته، والحياة زخمها، مرجعاً لسلفنا ومنتجي تراثنا حين كانت الحضارةالعربية الاسلامية في حالة صعود وازدهار، وضاع كل ذلك حين كان الانفصال عن هذا الواقع. هذه المنهجية، أي الالتزام بسيرورة الواقع، هي الوشيجة الحقيقية التي تربطنابتراثنا وأسلافنا، وليس ما أنتجوه، لأن ذلك النتاج مرتبط بواقع مختلف وظروف لا نعيشها اليوم، كما أن ظروفنا لن يعيشها مَن سيأتي بعدنا. مشكلتنا اليوم، ببساطة، هي أننانلزم أنفسنا بما أنتجوه ونترك منهجية كيف أنتجوه، ونعتقد بذلك أننا قد حافظنا على التراث، مع أننا بذلك نفقد التراث حقيقة، ناهيك عن واقعنا الذي نعيشه. قد يقول قائل هناإن في حديثك رائحة الدعوة إلى ترك النص جملة وتفصيلاً، وهذا في الحقيقة قول غير سليم. فحتى لو أردنا ترك النص افتراضاً، فإننا لا نستطيع، فهو منا ونحن منه، طالما كنامنتمين إلى الحضارة التي أنتجته. المشكلة أننا نجعل كل النصوص في حالة من القداسة ما أنزل الله بها من سلطان، فليس هناك ما هو مقدس إلا كلمات الله المباشرة في كتابهالحكيم، وما بلغه عنه رسوله الكريم، أما عدا ذلك فإنتاج بشري نستفيد منه ونستشيره، ولكنه غير ملزم. والنصوص المقدسة السامية، من قرآن كريم وسنة مطهرة، ذات عمومية واتساعتجعلها قادرة على استيعاب الحياة ومتغيراتها في كل الأزمنة والأمكنة، عندما تكون موجهة إلى الغاية أو المقاصد التي أرادها صاحب النصوص، ألا وهي، بشكل عام، خلافةالانسان لربه على هذه الأرض. وفي ذلك، أي الاستخلاف، معيار لبني الانسان في التفريق بين ما هو صالح وما هو طالح في فهم مقاصد المشرع لخلقه. فكل ما يؤدي إلى عمارة الأرضوإثراء الحياة عليها هو لا ريب جزء من إ رادة الرب جلت قدرته، لأن ذلك مرتبط بالغاية النهائية، ألا وهي الاستخلاف، وعكس ذلك صحيح.

المشكلة إذن ليست في النصوص المقدسة،التي ما كانت إلا لإعطاء المعنى وتوجيه الانسان، ولكنها في فهم هذه النصوص بما يتوافق مع الغاية على هذه الأرض، ألا وهي الاستخلاف الذي مجاله ذات الواقع وذات الحياة.المشكلة أخيراً، هي حين يجعل أي فهم بشري اجتهادي لهذه النصوص الخالدة والثابتة هو المقدس وتنسى قدسية النص ذاته بوعي أو دون وعي. لقد كان الأوائل واعين بهذه المسألة،ولذلك قال ابن تيمية مثلاً إنه حيث يكون عدل يكون شرع الله، فقد جعل الغاية حكماً على النص (الشرع)، ولم يجعل النص بلفظه وحرفه المجرد حكماً على الغاية.

*المصدر :السياسة بين الحلال والحرام/دار الساقي

/ 1