طبیعة المدنیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

طبیعة المدنیة - نسخه متنی

علی الوردی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

طبيعة المدنية

د. علي الوردي

كان المفكرون الطوبائيون، ولا يزالون، يمدحون التعاون والتآخي واتفاق الكلمة. وامتلأت مواعظهم بذلك امتلاءاعجيباً. وهم قد اجمعوا على هذا الرأي بحيث لم يشذ فيه منهم أحد إلا في النادر.

ونحن لا ننكر صحة هذا الرأي الذي يقولون به. فاتفاق الكلمة قوة للجماعة بلا ريب. ولكننا معذلك لا نستطيع أن ننكر ما للاتفاق من اضرار بالمجتمع البشري في الوقت ذاته.

ان المجتمع البشري لا يستطيع ان يعيش بالاتفاق وحده. فلا بد ان يكون فيه شيء من التنازعأيضاً لكي يتحرك الى الامام.

والقدماء حين ركزوا انتباههم على الاتفاق وحده، انما نظروا الى الحقيقة من وجهة واحدة وأهملوا الوجه الآخر. فهم بعبارة أخرى: قد أدركوانصف الحقيقة. اما النصف الاخر منها فبقى مكتوما لا يجرأ أحد على بحثه.

ان الاتفاق يبعث التماسك في المجتمع، ولكنه يبعث فيه الجمود أيضاً. فاتحاد الافراد يخلق منهم قوةلا يستهان بها تجاه الجماعات الاخرى. وهو في عين الوقت يجعلهم عاجزين عن التطور أو التكيف للظروف المستجدة.

وقد أثبتت الابحاث الاجتماعية ان المجتمعات البدائية التيتؤمن بتقاليد الآباء والاجداد ايمانا قاطعا فلا تتحول عنها تبقى في ركود وهدوء ولا تستطيع ان تخطو الى الامام إلا قليلاً.

وقد نجد في هذه المجتمعات الراكدة تنازعاعنيفا، هذا ولكن تنازعها قائم على اساس شخصي لا يمس التقاليد بشيء. كلهم مجمعون على التمسك بها لا يخرجون عنها قيد أنملة. وكثرا ما يكون تنازعهم ناشئا عن تنافسهم فيالقيام بتلك التقاليد ومحاولة كل منهم ان يتفوق على أقرانه فيها.

ان التنازع الذي يؤدي الى الحركة والتطور يجب ان يقوم على أساس مبدأي لا شخصي. فالمجتمع المتحرك هوالذي يحتوي في داخله على جبهتين متضادتين على الاقل، حيث تدعو كل جبهة الى نوع من المبادىء مخالف لما تدعو اليه الجبهة الاخرى. وبهذا تنكسر'كعكة التقاليد' على حد تعبيربيجهوت. ويأخذ المجتمع اذ ذاك بالتحرك الى الامام.

اذا رأيت تنازعا بين جبهتين متضادتين في مجتمع، فاعلم ان هاتين الجبهتين له بمثابة القدمين اللتين يمشي بهما.

ومن الجدير بالذكر ان الحركة الاجتماعية لا تخلو من مساوىء رغم محاسنها الظاهرة. فليس هنالك في الكون شيء خير كله أو شر كله. فالحركة الاجتماعية تساعد الانسان علىالتكيف من غير شك. ولكنها في عين الوقت تكلف المجتمع ثمنا باهضا. اذ هي مجازفة وتقدم نحو المجهول. انها تؤدي الى القلق والتدافع والاسراف في أمور كثيرة. والانسان الذي يعيشفي مجتمع متحرك لا يستطيع ان يحصل على الطمأنينة وراحة البال التي يحصل عليها الانسان في المجتمع الراكد. انه يجابه في كل يوم مشكلة. ولا يكاد ينتهي منها حتى تبغته مشكلةأخرى. وهو في دأب متواصل لا يستريح إلا عند الموت. ولا يدري ماذا يجابه بعد الموت من عذاب الجحيم!

إن النفس البشرية تحترق لكي تنير باحتراقها سبيل التطور الصاحب.

ابتلى الانسان بهذه المشكلة ذات الحدين. فامامه طريقان متعاكسان، وهو لابد أن يسير في أحدهما: طريق الطمأنينة والركود، أو طريق القلق والتطور.

ومن المستحيل عليه انيسير في الطريقين في آن واحد.

يخيل الى بعض المغفلين من المفكرين ان المجتمع البشري قادر على ان يكون مطمئنا مؤمنا متمسكا بالتقاليد القديمة من جهة وان يكون متطورايسير في سبيل الحضارة النامية من الجهة الاخرى. وهذا خيال غريب لا ينبعث إلا في أذهان اصحاب البرج العاجي الذين يغفلون عن حقيقة المجتمع الذي يعيشون فيه.

يقول توينبي،المؤرخ المعروف، ان الصفة الرئيسة التي تميز المدنية عن الحياة البدائية هي الابداع. فالحياة يسودها التقليد بينما الابداع يسود حياة المدنية.

من الممكن القول بأنالمدنية والقلق صنوان لا يفترقان. فالبشر كانوا قبل ظهور المدنية في نعيم مقيم. لا يقلقون ولا يسألون: 'لماذا؟'. كل شيء جاهز بين أيديهم قد أعده لهم الآباء والاجداد، فهميسيرون عليه ولسان حالهم يقول: 'انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مهتدون'.

ان الاساس الذي تقوم عليه المدنية _كما يقول توينبي _ هو الكدح والشقاء والمعاناة.فالمناطق التي يسهل فيها اكتساب القوت، أو يلتقط فيه التقاطا، لا تستطيع ان تنتج مدنية، اذ هي تعود الانسان على الكسل والتسليم بالقدرة والتلذذ بالاحلام.

ويأتيناتوينبي بفلسفة ساخرة في هذا الصدد حيث يقول: ان الحكاية التي تذكرها التوراة حول اغراء الشيطان لآدم واخراجه من الجنة، هي في الواقع اقصوصة رمزية تشير الى ظهور المدنيةوخروج الانسان من طور الحياة البدائية الى طور المدنية.

يعتقد الشهرستاني ان الانسان يجب عليه ان يخضع للاوامر الربانية التي يأتي بها الانبياء والاولياء خضوعاتاما، فلا يسأل عن العلة فيها ولا يشك في حكمتها، فالجنة التي سكنها آدم من قبل، ولا تزال تسكنها الملائكة اليوم، هي موئل الطمأنينة واليقين، حيث يعيش أهلوها فيها'طاهرين سامعين مطيعين'.

وابليس يسأل ربه قائلا: 'أليس بقاء العالم على نظام الخير خيرا من امتزاجه بالشر؟. والغريب ان الملائكة سألوا ربهم مثل هذا السؤال فأجابهم اللهقائلا: (إني أعلم ما لا تعلمون) فسكتوا.

وجاء في الاحاديث القدسية ان الله قال: 'انا الله لا آله إلا انا خلقت الشر وقدرته فويل لمن خلقت له الشر وأجريت الشر على يديه'.

يبدو من هذا ان الله 'جل شأنه' قد تعمد خلق الشر وأجراه على أيدي الناس لسبب يعلمه هو. ولعله لم يشأ ان يعلم الملائكة اياه لئلا يفسدهم به.

خلق الله آدم ثم سلط عليهابليس قصدا وعمدا. فجعل الخير والشر متصارعين الى يوم يبعثون. فما هو السر في هذه المفارقة المقلقة؟.

حاول بعض متصوفة الاسلام ان يجيبوا على هذا السؤال فقالوا مامعناه: ان الشيء لا يمكن معرفته إلا بواسطة نقيضه، فالنور لا يدرك إلا بالظلام، والصحة لا تعرف إلا بالمرض، والوجود لا يعرف إلا بالعدم، وان امتزاج هذه النقائض هو الذيانتج في رأي المتصوفة هذا الكون... وعلى هذا فان الانسان لا يستطيع ان يدرك الله الذي هو الحق إلا اذا عورض بالباطل.

ومشكلة الشر تفسر عند المتصوفة على هذا الاساس.فالشر في نظرهم ضروري لوجود الخير. والانسان لا يدرك الخير إلا اذا كان الشر مقابلا له، كما انه لا يفهم النور إلا اذا كان وراءه ظلام.

وقد ذهب ابن خلدون الى ما يقاربهذا الرأي الصوفي في مسألة الشر. فهو يقول: 'قد لا يتم وجود الخير الكثير إلا بوجود شر يسير من أجل المواد فلا يفوت الخير بذلك على ما ينطوي عليه من الشر اليسير وهذا معنىوقوع الظلم في الخليقة فتفهم... '.

والواقع ان هذا الرأي 'الصوفي _ الخلدوني' يشبه الى حد بعيد نظرية هيگل المعروفة. ولعلنا لا نغالي اذا قلنا ان المتصوفة في الاسلامسبقوا هيگل في هذا بعدة قرون.

ومن المؤسف ان نرى المفكرين الطوبائيين لم يعنوا بهذا الرأي ولم يلتفتوا اليه. فهم قد حاروا في مشكلة الشر في العالم وتجادلوا حولهاطويلا ولكنهم لم يصلوا فيها الى نتيجة مرضية. ومعظم حلولهم التي جاءوا بها لا تخلوا من تعسف أو رقاعة.

وعلة عجزهم في تفهم هذه المشكلة أو في حلها، هي انهم يجرون فيتفكيرهم حسب منطق ارسطو طاليس القديم. وهذا المنطق يؤمن بقانون 'عدم التناقض'. فالشيء عندهم هو هو. أي انه قائم بذاته ومنفصل عن غيره.

وبواسطة هذا التناقض والتفاعل بينالاشياء يتطور الكون وينمو، ويظهر منه كل يوم شيء جديد.

عيب الطوبائيين انهم لا يؤمنون بالحركة والتطور. فالحركة في نظرهم أمر طارىء، والسكون هو الاصل في الكون. ولهذافهم لا يستطيعون أن يفهموا سر الكون أو سر الحياة أو سر المدنية. ويظلون يتجادلون بلا جدوى!

يعتقد السذج من المفكرين بان من الممكن تجزئة المدنية. أي انهم يظنون بانهمقادرون على تنقية المدنية من شقائها وقلقها مع الاحتفاظ بابداعها وتجديدها. وهذا رأي لا يستسيغه المنطق الحديث. فالمدنية كل لا يتجزأ. فان هي جاءت الى مجتمع جلبت معهامحاسنها ومساوئها معا. ان من المستحيل الفصل بين حسنات المدنية وسيئاتها. والانسان مضطر حين يدخل باب المدنية ان يترك وراءه تلك الطمأنينة النفسية التي كانت تكتنفه فيأيام مضت.

والفكر البشري حين يتحرر ويخرج على التقاليد لا يستطيع ان يحتفظ بطابع اليقين على أية صورة. انه حين يشك في أمر واحد من أمور حياته لا يستطيع ان يقف في شكهعند هذا الحد. فالشك كالمرض المعدي لا يكاد يبدأ في ناحية حتى يعم جميع النواحي. والانسان اذ يكسر تقليد واحدا لابد أن يأتيه يوم يكسر فيه جميع التقاليد. وهو بذلك قداستفاد من جهة وتضرر من جهات أخرى.

ومن هنا جاء قول القائل: 'من تمنطق فقد تزندق'.

تتعرض التوراة الى شرح السبب الذي أدى الى طرد أبينا آدم من الجنة فتقول: ان آدم عاشفي الجنة، هو وزوجته الحسناء، منعما سعيدا، لا يقلق باله غم ولا يعتوره شقاء، حتى جاء اللعين ابليس الى زوجته يغريها بأكل الشجرة المحرمة. وتصف التوراة هذه الشجرة بأنها'شجرة معرفة الخير والشر'.

حار رجال الدين في تعيين نوع هذه الشجرة المنحوسة التي طرح آدم بسببها من الجنة. فمنهم من قال: انها شجرة التفاح. ومنهم من قال: انها القمح.ومنهم من قال غير ذلك. والذي نلاحظه انها لم تكن تفاحا ولا قمحا، ولا بطيخا! انها بالاحرى شجرة رمزية تدعو آكلها الى الشك والتساؤل وتحرضه على البحث في مسالة الخير والشروالتمييز بينهما. وبعبارة أخرى: انها تشير الى مفهوم العصيان والتحلل والجرأة على الحرام. فلقد أمر الله آدم ان لا يقرب من الشجرة، كما يقول القرآن، ولكن آدم عصى أمر ربهفأكل منها. والمشكلة اذن تنحصر في عصيان الامر الرباني لا غير.

لقد جاءت المدنية للانسان بخير عظيم ولكنها جاءت له أيضا بشر أعظم منه، فهي قد أطلقت الفكر من حبسه فأخذيجوب الفضاء ويستفهم عن كل شيء وهي مع ذلك قد سارت بالفكر في طريق القلق والالتياث والعصيان. انها قد أطعمت البشر من شجرة معرفة الخير والشر، على حد تعبير التوراة. وهيبذلك قد أذاقتهم من ويلات الخير والشر قسطا كبيرا.

لقد كان البشر قبل المدنية لا يفكرون وكانوا أيضا لا يقلقون، وقد يصح ان نقول: أن التفكير والقلق صنوان لا يفترقان.

قال ابو الطيب المتنبي في احدى قصائده الخالدة:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة بالشقـاوة ينعم

ان 'البلاهة' العامة تجلب للناس الطمأنينةوالسعادة _كما قلنا. وقالوا قديما: 'السعيد هو الذي لا يملك لنفسه قميصا' وهم يقصدون بذلك: ان السعيد هو الذي لا يملك قميصا ولا يريد ان يكون له قميصا.

اما ذلك الذي يريدالقميص ولا يملكه فهو بؤرة الشقاء بلا شك، ومن هنا جاءت مشكلة المدنية الكبرى. فالمدنية معناها التكالب والتزاحم واستغلال الناس بعضهم لبعض. فظهر من بين الناس اذن طبقةمترفة تملك عدة قمصان: بينما يبقى كثير من الناس لا قمصان لهم. والناس قلقون عند ذاك اذا جاعوا واذا شبعوا. قيل: ان المتمدن اذا جاع سرق واذا شبع فسق. وهو في كلتا الحالتينشقي لا يقف شقاؤه عند حد. انه يركض وراء هدف، فاذا وصل اليه نسيه وابتكر له هدفا آخر يركض وراءه. فهو يركض ويركض الى غير نهاية _كمن يركض وراء سراب. انه يجدد ويبدع في كل يومولكن الجديد يصبح عنده قديما في اليوم التالي.

اما البدائيون الذين يعيشون على الفطرة فهم اذا شبعوا حمدوا ربهم واذا جاعوا حمدوا ربهم كذلك. ومزيتهم انهم يشبعونجميعا ويجوعون جميعا. فليس بينهم متخوم ومحروم فالتنافس ممنوع عندهم إلا فيما يجلب منفعة للجميع. اما التكالب الفردي فهم يعدونه عيبا لا يجوز لانسان ان يتصف به.

* المصدر:مهزلة العقل البشري


/ 1