فلسفة حب العلم
فيصل العوامي لماذا يدعو الدين إلى (حب العلم) ... ما هي الفلسفة وراء ذلك؟
إن هذه الفلسفة يمكن ترجمتها فيثلاثة أمور:
1 ـ معرفة الحق:
فكل انسان مطالب شرعاً وعقلاً بأن يمتثل للغرض الأساسي الذي وجد من أجله ... وهو ما نطقت به الآية المباركة: (وما خلقت الجن والإنس إلاليعبدون) الذاريات/ 56. فما من انسان إلا وهو ملزم بالتعبد، والطريق إلى التعبد الصحيح هو المعرفة والعلم، فلولاهما ما أمكن الإنسان تشخيص الإلزاميات والتعبد بها ...ولهذا ورد في بعض الروايات (إلا ليعبدون) بـ (إلا ليعرفون).
فالعلم هو الطريق لمعرفة الحق، والحقائق الكبرى والصغرى ... ولهذا أشعرت بعض الآيات بأن العلم هو الفرض من خلقالكون، بينما الفرض النهائي إنما هو العبادة، لكن إنما جاء ذلك الإشعار للتأكيد على طريقة العلم للعبادة، فالمؤدي إلى العبادة الصحيحة إنما هو العلم، ومن دونه حتى لووجدت عبادة فإنها تكون ناقصة ...
فلأن المطلوب عبادة عالمة، أصبح العلم طريقاً إليها.
يقول تعالى: (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهنلتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً) الطلاق/ 12. فالآية تبين أن الخلق المذكور إنما وُجد (لتعلموا)، لكن الذي يكشف أن العلم ليس هو الغايةالنهائية ـ وإن أمكن عده غاية صغرى أو سابقة للغاية النهائية وممهدة لها، أن التكليف والإلزام لا يتوقف عند مجرد العلم بالحقيقة، وإنما يجب امتثالها عملياً وهو العبادة... فالعلم ليس هو الغاية النهائية وإنما هو طريق لها، والغاية النهائية هي العلم ... لكن عندما عبرت الآية المباركة عن العلم بوصفه غاية للخلق، كي تؤكد على أن المطلوبعبادة ناتجة عن علم ومعرفة، لأن العلم هو الذي يكشف لنا حقيقة العبادة ويمكننا من تطبيقها على الوجه الصحيح ...
يقول السيد المدرسي في تعليقه على هذه الآية: ((العلمحكمة بالغة من حكم الخلق، ذلك أن الغاية من خلق الله البشر العبادة، وأفضل العبادة تلك التي تكون عن معرفة، وقد ظهرت آيات الله تعالى في خلق السموات والأرض وتدبيرهما،حيث يعلم الإنسان علم اليقين (إن الله على كل شيء قدير) )).
وفي هذا السياق أيضاً جاءت آية قرآنية أخرى، وإن كانت تفاصيلها تتجه نحو شيء آخر غير الغرض من الخلق ... حيث قالتعالى: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب) إبراهيم/ 52.
وما يزيد هذه الحقيقة ـ طريقة العلم للعبادة ـ تأكيداً، حصر الآياتالقرآنية مَن يخشى الله في العلماء فقط، وذلك يعني أن العالم هو الذي يعبد الله حق عبادته ... فقد قال سبحانه: (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهمن عباده العلماء إن الله عزيز غفور) فاطر/ 28.
وقد ورد في تفسير هذه الآية المباركة عن الإمام علي بن الحسين (ع) أنه قال: وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان. فمنعرف الله خافه، وحثه الخوف على العمل بطاعة الله. وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه، وقد قال الله: (إنما يخشى الله من عباده العلماء). إذاً ... فالإنسان مطالب بأن يتعبد بهيئات عبادية صحيحة ـ فعلية أو قولية أو غير ذلك، وذلك التعبد لا يتم إلا بواسطة العلم، فلولاه ما تمكن ذلك الإنسان من معرفة الحقوالحقائق والأحكام وما أشبه ... وقد ورد عن الإمام علي (ع) في هذا الشأن رواية نقلها الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين (ع): ((بالعلم يطاع الله ويعبد، وبالعلم يعرف اللهويوحد، وبالعلم توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام)).
فالعلم هو طريقنا لمعرفة الحق والحقائق، لهذا دعا الدين إلى حبه.
2 ـ فهم الحياة:
حين جاء بنا الخالقجلّت قدرته إلى هذه الدنيا، لم يشأ لنا حياة كحياة الحيوانات نسير في الحياة بلا هدف ولا نهتدي سبيلاً، وإنما على العكس من ذلك فقد أراد لنا الهداية ودلنا عليها ... كما قالمقال: (وهدينا النجدين) البلد/ 10. (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم) النساء/ 26.
(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله مَن اتّبع رضوانه سبلالسلام ... ) المائدة/ 15 ـ 16.
وهذه الهداية التي يريدها الله سبحانه لنا تتحقق بواسطتين، الأولى معرفة (الاهتداء إلى) النظرية التي تتمثل في الأحكام (القوانين) الدينيةوهي ما تحدثت عنه في الأمر الأول ... والثانية معرفة (الاهتداء إلى) الواقع الذي يعيش فيه الإنسان، وهو يتمثل في الأنظمة والقوانين التي تسير عليها الحياة، المسماة سنناًفي الاصطلاح القرآني.
فالهداية تتلخص في العلم بهذين الأمرين: القوانين الدينية، والقوانين الحياتية ...
والقوانين الحياتية تعني الإجابة على أسئلة عدة: كيف تسيرالحياة، ما هي العوامل التي تؤثر في حركتها، ما هي مؤديات مواقف الإنسان الخيرة والشريرة، كيف ننظر إلى الماضي ونستفيد منه ... وما إلى ذلك ... ؟
ومعرفة هذه الأموروالإجابة عليها في غاية الضرورة بالنسبة للإنسان، لأن الذي لا يعي سنن الحياة لن يتمكن من التعامل معها، مثل الطبيب الذي لا يعرف حركة الجسد والعوامل المؤثرة فيه فإنهسيصعب عليه علاجه.
لهذا نجد الآيات القرآنية تضيء لنا سنن الحياة باستمرار، وتربط كثيراً من النتائج بأسبابها وهي السنن ...
فهي في البدء تأمرنا بالعودة إلىالسنن، كما في قوله تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) آل عمران/ 137.
(قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ... ) العنكبوت/ 20.
ثم تنبهنا إلى أن كثيراً من النتائج خاضعة لسنن ثابتة، كما في قوله تعالى: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة لأولين فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجدلسنة الله تحويلاً) فاطر/ 43.
ففي هذه الآية إشعار للإنسان بأن المكر السيئ نتيجته تعود إلى صاحبه، وذلك بمقتضى سنة ثابتة من سنن الله في الحياة.
فإذاً لا مناصللإنسان يمنعه من الاهتمام بهذه السنن، بل لابد له من معرفتها كيما يحرز الهداية ...
(فهل ينظرون إلا سنة الأولين).
وفي ذلك دعوة للاطلاع على هذه السنن ... ولكنالسؤال: كيف يتسنى للإنسان الاطلاع عليها؟
إنه عبر العلم، فالعلم هو الطريق الذي يفتح عقل الإنسان على هذه السنن، لأن من شأنه ربط النتائج بالأسباب دائماً ... كما أنهيعرف الإنسان بتلك السنن ويطلعه على حقيقتها ... لذلك نجد الخطاب القرآني في كثير من المواقع يبين أن العالم هو الذي يهتدي إلى السنة ...
لاحظ تسلسل كل آية من هذه الآياتالمباركة: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون) النمل/ 52.
فهذه الآية تبين أن سبب تلاشي تلك الحضارة راجع إلى الظلم الذي استشرى في أوساطها، ثمتبين بأن مَن يعي هذه الحقيقة ويربط بين تلك النتيجة (تلاشي الحضارة) وهذا السبب (الظلم) إنما هو الإنسان العالم (لقوم يعلمون).
وعلى غرار هذه الآية تأتي عدة آياتقرآنية منها قوله تعالى: (والذين هاجروا في الله من بعدما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) النحل/ 41.
(فأذاقهم الله الخزي في الحياةالدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) الزمر/ 26.
فكل هذه الآيات تؤكد تلك الحقيقة، وإن مَن تشبع بالعلم هو القادر على معرفة سنن الله في الحياة من خلال ربطهالنتائج التي يشاهدها بالأسباب الكامنة وراءها ... وقد لخصت هذه الحقيقة آية قرآنية مختصرة، وذلك في قوله تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون)العنكبوت/ 43.
من هنا أيضاً تأتي ضرورة (حب العلم) لأنه طريق لمعرفة سنن الحياة، أي طريق لتشخيص الواقع الذي هو بدوره يقع في سياق تحقيق الهداية بالنسبة للإنسان.
3 ـتحريك الإنسان نحو بناء واقعه بمنهج صحيح:
وهذا هو الأمر الثالث المترجم لفلسفة (حب العلم) بضميمة الأمرين السابقين ... وبه تكتمل تلك الفلسفة، وذلك أن الأمر الول يعنيبالتعرف على قوانين الدين وأنظمته، والثاني يهتم بفقه الحياة وإدراك طبيعة حركتها، أما الثالث فهو يرتبط ببناء الحياة بعد فقهها ... ويبدو أن ذلك ملخص ما يقود الإنسان نحوالتكامل في الحياة، والسبب فيها جميعاً العلم، فالعلم إذاً سبيل الإنسان للتكامل على الجهتين الشخصية والاجتماعية. ولهذا فإني حين أستخدم هذا التركيب (بناء الواقع)فإني أعني به واقع الإنسان الشخصي ثم واقعه الاجتماعي ... وهذا ما يتكفل به العلم فهو يوجد ديناميكية عند الإنسان تدفعه لبناء ذاته ومحيطه ... وقد شعرتنا الآيات القرآنيةبذلك مراراً ...
تأمل على سبيل المثال في هذه الآية المباركة ... قال تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ومامسّني السوء) الأعراف/ 188.
فتجاوز الإخفاقات في الحياة (السوء)، وإحراز المكاسب (الخير) رهين بتوفر عناصر علمية عند الإنسان (ولو كنت أعلم الغيب) ... فالعلم إذاً هو الذييقود الإنسان لبناء واقعه، المعبر عنه في الآية المباركة باستكثار الخير وتجنب السوء.
لاحظ أيضاً هذه الآية ... يقول تعالى: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلادابة الأرض تأكل منسأته فلما خرّ تبينت الجن أن لو كان يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) سبأ/ 14.
وهي تبين أن بقاء الجن في العذاب المهين، إنما كان نتيجة طبيعيةللجهل ... وفي ذلك دلالة كافية على أن ذلك العذاب المهين ـ والذي يمكن أن نعبر عنه باصطلاحنا اليوم الوهن الشخصي والاجتماعي، لا بمعنى أن الجن كانوا أذلاء اجتماعياً علىعهد سليمان (ع)، وإنما بمعنى الآية في عمومها اللفظي تقود إلى هذا المعنى باعتبار أن المورد لا يخصص الوارد ـ يمكن أن ينقضي ويتصرم لو تمسك الإنسان بالعلم.
وهذا مفادما صرّح به الإمام علي (ع) في قوله: ((اكتسبوا العلم يكسبكم الحياة)).
فالعلم إذاً هو السبيل لبناء الواقع والسيطرة على نواقصه ... ويمكن هنا الاستفادة من شواهد عديدة منشأنها التدليل على هذه الحقيقة، وعلى رأسها تجربة الرسول (ص)، فهو عندما بث العلم في وسط المجتمع الجاهلي استطاع السيطرة على العديد من النواقص، كالجهل الذي هو من أخطرالنواقص، حيث أصبح المجتمع الذي لا يقرأ ولا يكتب مصدّراً للعلوم والمعارف وباعثاً لها.
وهكذا كان شأن النواقص الاجتماعية، فالمجتمع المفكك أصبح ليس مترابطاً فحسبوإنما أمة واحدة تفوقت بسماتها الاجتماعية على سائر الأمم ...
(وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس) البقرة/ 143.
(كنتم خير أمة أخرجت للناس) آل عمران/ 110.
بل حتى النواقص الاقتصادية شهدت تقلصاً ملحوظاً في فترة وجيزة من مجيء الرسول (ص) إلى المدينة ... فقبل الهجرة كان الأوس والخزرج على درجة من الضعف والوهن الاقتصادي،وكان عماد تلك القوة بيد اليهود، فقد كانوا (أصحاب الثروة والجاه لاحتلالهم أخصب المواقع في المدينة المنورة)، كما كان عماد (الصناعة والتجارة المحلية في أيدي معظماليهود)، هذا عدا عن معرفتهم (بشؤون الزراعة الخاصة، بمعنى أن لكل عائلة تقريباً حائطاً أو نخلاً يعملون فيه بأنفسهم لسد حاجاتهم اليومية)، لكن بعد مجيء الرسول (ص) انقلبتالمعادلة، فأخذ الوضع الاقتصادي ينمو ويتطور لدرجة اقترب فيها المسلمون من حد الاكتفاء الذاتي، وهذا ما أثار حفيظة اليهود ...
وقد أحسن الدكتور عبدالله بن إدريسقولاً عندما مرّ على هذا الموضوع في أحد مؤلفاته، واستنتج قائلاً: (إن اليهود وهم مركز الثقل في الحياة الاقتصادية والمالية في المدينة، شعروا بالخوف من انفلات تلكالهيمنة من أيديهم وهم يرون تزايد المهاجرين إلى المدينة وفيهم كبار رجال الاقتصاد والتجارة من قريش وثقيف. ومما زاد خوف اليهود، أن مركز المهاجرين الاجتماعي قد ازدادقوة بعد انتصارهم الحربي والسياسي يوم بدر ... )، هذا غير ما انعكس أيضاً على الأنصار، لأن أي تقدم اقتصادي أو اجتماعي عند الأوس والخزرج كان يخيف اليهود حتى قبل الهجرةوالإسلام.
كما يمكن رؤية هذه الحقيقة في التجربة الغربية، حيث إن الحركة العلمية عندهم ألقت بظلالها على كثير من الثغرات وسدتها ... يقول بيروتز في هذا الشأن في كتابهضرورة العلم: (كان الفقر في القرن الثامن عشر أكبر مشكلة اجتماعية مستعصية على الحل في أوروبا، ففي ميونخ كان الفقراء يعيشون في الشوارع، أو يتجمعون في أحياء مكتظة وقذرةبصورة رهيبة. وكان المرء يشاهد في كل مكان متسولين سقيمي الأجسام في أسمال بالية، فيدفع لهم الناس ما تيسر بسرعة لكي يتخلصوا منهم، وكانت ظروف معيشتهم تشبه ظروف المعيشةفي كلكوتا بالهند اليوم، مع الفارق بأن الفقير في كلكوتا لا يتجمد من البرد. لقد كان الوضع في لندن مختلفا إلى حد ما، فقد اشتكى العالم الألماني ج.ليشتبرج من أنه لم يكنقادراً على التجوال من دون أن تضايقه طوال الوقت المومسات والنشالون، وكان معظمهم من الأطفال. وغالباً ما كانت مواسم الحصاد السيئ والشتاء القارس تقضي على عشر السكان فيالأرياف، لكن العلم والثقافة أزالا هذا البؤس عن جزء كبير من عالم اليوم).
ثم في مقارنة ممتازة قام بها المؤلف نفسه (بيروتز) بين الثورة الثقافية في الصين وبين النهضةالعلمية في أوروبا، توصل إلى أن النموذج الأوروبي في النهضة ـ المعتمد على العلم ـ كان أفضل من النموذج الصيني ـ الذي كان أساسه تجاهل العلم والتركيز على القوةالاقتصادية بصورة مباشرة ... والسر في ذلك أن التركيز على الاقتصاد بصورة مباشرة أبقى الأدوات الاقتصادية على حالها، بينما التركيز على العلم فتح أبواباً كثيرة كان منشأنها حل مشاكل اقتصادية مهمة وسهل مهمة الإنتاج والتصدير.
فطرح في البداية تساؤلاً (أليس الإعلان عن إيقاف البحث العلمي وتسيير الأمور بما لدينا من معرفة هو الأفضل،فنستفيد عندئذ من المال المتوافر في تخفيض الضرائب؟).
ثم أجاب قائلاً: (لقد أجرت الصين هذه التجربة ـ وهي عدم التركيز المباشر على العلم واستغلال تكاليفه في تخفيضالضرائب ـ وأطلقت عليها تعبيراً ملطفاً (الثورة الثقافية)، فكلف العلماء بأعمال مجهدة، وأقفلت معاهد البحث، أو شُلّ عملها بالمناقشات الأزلية حول أهدافها السياسية. أماالباحثون المستقلون من العلماء فقد أمروا بالتخلي عن أحلامهم النرجسية، وبأن ينشروا أعمالهم من دون ذكر أسمائهم، وأن يعزوا نجاحهم لقيادة الرئيس ماو الحكيمة.
فماذاكانت النتيجة؟ هل أرجعت الثورة الثقافية الشعب الصيني إلى مثل روسو الأعلى الذي هو الآن مثل العديد من الشبان في الغرب، أي إلى مجتمع مكوّن من الرجال والنساء النبلاءالذين أصبحوا في انسجام مع الطبيعة؟ بالعكس تماماً، فقد جرتهم إلى شفير انهيار اقتصادي، لأن إبقاء الناس جميعاً طاعمين كاسين، وبصحة جيدة، وحماية البلاد من الغزوالأجنبي، هما مسألتان لا يمكن أن يحلا من دون العلم، والسبب في ذلك لا يعود فحسب إلى مواجهة مشكلات جديدة تتطلب الحل باستمرار، بل إلى أن المعرفة المتوافرة لا يمكن من دونالعلم تطبيقها بوعي وذكاء، ولا يمكن صياغتها وطرحها من دون تدريب علمي متقدم. فالعلم إذاً وجد لكي يبقى، كما لا يمكن أن نرغب في بقائه بعيداً، بل يجب الاستفادة منه إلىأقصى حد).
هكذا هو شأن العلم إذاً، وهذه هي فلسفته، ومن خلالها ندرك جيداً لماذا حثنا الخطاب الديني النظري والتطبيقي على (حب العلم) ... إن السبب يكمن في هذه الفلسفةالمنحلة إلى أمور استراتيجية ثلاثة: (معرفة الحق والحقائق الدينية، فقه الحياة ومعرفة قوانينها، بناء الواقع الشخصي والاجتماعي).
* المصدر : عن ثقافة النهضة