اسماء محمد أحمد زيادة
اعتناق المسلمات الأول للدين
كان من الطبيعي، ومن الحكمة كذلك أن يعرض النبي صلى الله عليهوسلم الإسلام أولا على ألصق الناس به وآل بيته، وأصدقائه، فدعاهم إلى الإسلام، ودعا إليه كل من توسم فيه خيراً، فأجابه من هؤلاء الذين لم تخالجهم ريبة في عظمة الرسول صلىالله عليه وسلم وجلال نفسه وصدق خبره جَمْعٌ، عرف في المصادر التاريخية بالسابقين الأولين، وكان في مقدمتهم السيدة خديجة رضي الله عنها.
إسلام السيدة خديجة
'كانموقف السيدة خديجة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف موقف لا مرأة في الأولين والآخرين؛ طمأنته حين قلق، وأرضته حين جهد، وذكرته بما فيه من فضائل مؤكدةً له أن الأبرارأمثاله لا يُخْذَلون أبداً'. قال ابن سعد: 'اجتمع أصحابنا على أن أول أهل القبلة استجاب لرسول الله، خديجة بنت خويلد' وهي أول من صلى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا كان الحديث عن السيدة خديجة من مشهور القول إلا أنه من الأهمية بمكان أن ننوه إلى عدة نقاط في شخصيتها من الجانب السياسي منها:
أنها كانت على درجة عالية من الوعيبما يجري حولها من أمور وقضايا، وما كان يُتَحدث به من قرب مبعث نبي منتظر. أهَّلها ذلك الوعي لأن تُحْسِنَ فَهْمَ ما ذكر لها الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الوحيوالرسالة، ومكَّنَها من الثبات في هذا الظرف الذي كان من الطبيعي فيه أن يطيش عقل أية امرأة أخرى، لو جاءنا زوجها بمثل هذا الخبر عن الوحي، ودل على ذلك قولها لرسول اللهصلى الله عليه وسلم حين أخبرها برؤية جبريل: ' أبشر يا ابن العم واثبت فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة'.
وهذا القول يؤكد أهمية أن تكون المرأةمتواصلة مع المجتمع، مَعْنيةً بشئونه، مدركةً لما يجري حولها من أحداث وقضايا، كي تستطيع تكوين الوعي الذي يمكنها من الاختيار الراشد لوجهتها في الحياة.
[إن السيدةخديجة رضي الله عنها كانت على بقية صالحة من دين إبراهيم عليه السلام، ودل على ذلك احترامها البالغ لنسك محمد صلى الله عليه وسلم ومجاورته في حراء في كل عام شهراً،يَتنسَّكُ فيه، ويُطْعِم من جاءه من المساكين، وكانت تزوده لذلك، بل وترافقه في بعض هذا التحنث، وهو الأمر يدعونا إلى الاعتقاد بأنها كانت حنيفية تعرف أن للكون خالقاًواحداً عظيماً.]
ولعل هذا تقدير من الله سبحانه، فإذا كان قد هيأ محمداً صلى الله عليه وسلم لتلقي الوحي، فلابد أن يكون قد هيأ خديجة أيضاً لتَلْقى محمداً بعد أن جاءهالوحي، وأتاها خائفاً، ثابتة الجنان لم تنزعج، ولا هي شكَّت فيه، وإنما صدقته.
أن قولتها الشهيرة للنبي صلى الله عليه وسلم: 'كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصلالرحم، وتحمل الكَلَّ، وتُكْسَبُ المعدوم، وتُقْرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق'، كانت دليلاً على كمال عقلها، فلقد استدلت على ما أقسمت عليه من نفي أن يُخْزيه اللهابداً بأمر استقرائي، وصفته بأصول مكارم الأخلاق، وأكدت على ذلك بقولها 'وتعين على نوائب الحق' وهي كلمة جامعة لأفراد ما تقدم، وما لم يتقدم.
إنها رضي الله عنها كانتتجاور معه في حراء في العام الذي أكرمه الله فيه بالنبوة، وهو ما لم تحتفل به معظم الدراسات، رغم الروايات العديدة في ذلك، فلقد ذُكِرَ أن خديجة جاءت إلى النبي صلى اللهعليه وسلم بحَيْسٍ (تمر ودقيق ولبن)، وهو بحراء، فجاءه جبريل، فقال: 'يا محمد هذه خديجة قد جاءت، تحمل حيسا معها، والله يأمرك أن تُقْرئها السلام، وتبشرها ببيت في الجنة منقصب، لا صخب فيه ولا نصب' فلما أن رقيت خديجة أخبرها النبي صلى الله عليه وسلم..، فقالت: الله السلام ومن الله السلام وعلى جبريل السلام (أخرجه البخاري).
وربما اعتقدالباحث للوهلة الأولى أنها رضي الله عنها جاءته زائرة.. إلا أن المدقق في روايته صلى الله عليه وسلم عن لقائه بجبريل في الليلة التي أكرمه الله فيها بالرسالة، والتي خرجفيها صلى الله عليه وسلم من الغار متأملا في ملكوت الله، يجد الدليل على أنها كانت في حراء تلك الليلة؛ قال صلى الله عليه وسلم: 'وما زلت واقفا، ما أتقدم أمامي وما أرجعورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ثم انصرف عني وانصرفت راجعاً إلى أهلي حتى أتيت خديجة'.
وبيت السيدة خديجة رضي اللهعنها من المعالم العمرانية الواضحة في مكة فلم يكن خارج مكة، وعليه فبلوغ رسلها مكة ثم عودتهم، لا معنى له غير كونها رضي الله عنها كانت في الغار آنئذ. وفي رواية وهب بنكيسان، عن عبيد بن عمير بن قتادة الليثي عن بداية الوحي التصريحُ أيضاً بوجودها رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء، قال: '... خرج إلى حراء كما كان يخرجلجواره ومعه أهله'.
إن عقيدتها، وإن كان قد مهد لها ما عرَفَتْ من شخصية محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه، وأن الله لا يصنع بمثله إلا خيراً، كانت عقيدة قوية اختبرتهارضي الله عنها بنفسها، فلم تكن فيها تابعة أو مقلدة مأسوة بعظمة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فلقد روى البيهقي أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم. يا ابن عمتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ فقال: نعم. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها جاء جبريل فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خديجة هذاجبريل! فقالت أتراه الآن؟ قال: نعم. قالت: فاجلس إلى شقي الأيمن، فتحول فجلس، فقالت: أتراه الآن؟ قال: نعم. قالت: فتحول فاجلس في حجري، فتحول فجلس في حجرها. فقالت : هل تراهالآن؟ قال: نعم، فتحسرت رأسها، فشالت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها فقالت: هل تراه الآن، قال: لا. قالت: ما هذا بشيطان، إنَّ هذا لمَلك يا ابن عم فاثبتوأبشر، ثم آمنت به وشهدت أن ما جاء به هو الحق. قال البيهقي: وهذا شيء كان من خديجة تصنعه تستثبت به الأمر احتياطاً لدينها وتصديقاً.
أنها رضي الله عنها، قد أخذت بكلأسباب التحقق من صدق الدعوة؛ فلم تكتف بالثقة التامة في شخصه صلى الله عليه وسلم، ولا بالاختبار الذي فعلته في أمر الوحي، بل جمعت عليها ثيابها، وتركت الغار، ثم انطلقتإلى ورقة بن نوفل، فأخبرته، فقال ورقة: لئن كنتِ صَدقْتِني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر.. وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت. فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى اللهعليه وسلم، فأخبرته.
إن إيمانها العميق والقوي كان ذا أثر عميق في تقوية معنوية الرسول وهو يجابه بالتوحيد شرك العرب جميعاً، فكان لا يسمع شيئاً مما يكرهه من رد أوتكذيب له، فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عليه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس. ذلك أنه ليس آكد ليقين الإنسان وأوثق لاعتقاده من انضمام إنسانآخر له في رأيه.
كيفية اعتناق الصحابيات الإسلام
ولعل صورة إيمان السيدة خديجة، هي الصورة التي تكاد أن تكون الوحيدة ـ فيما أعلم ـ التي جاءتنا بها المصادرالتاريخية، عن كيفية اعتناق المسلمة الأولى في مكة للدين: كيف كونت قناعتها بهذه العقيدة، ويكفي تأثرت واستجابت. وهي صورة وازتها صورة إسلام المرأة في المدينة متمثلة فيإسلام أم سليم، على ما سوف نرى، وهي الأخرى صورة وحيدة، فيما مرَّ بي من نصوص، على أنها إذا ما قورنت في تأريخها بالتأريخ لكيفية إسلام السيدة خديجة رضي الله عنها تعدصورة تأريخية متواضعة.
إنه على حين كان هناك التفصيل لما صاحب التأريخ لاعتناق كثير من الصحابة للإسلام: ظروف اعتناقهم، وسببه، وكيفيته، فإننا في الوقت نفسه لا نكادنجد عن كيفية اعتناق المسلمات الأول للإسلام إلا النزر اليسير من الروايات.
وفي النماذج الآتية نساء سبقن في الإسلام آباءهن وأزواجهن وذويهن. الأمر الذي يؤكد أناعتناقهن للدين لم يكن يحمل من أمارات التقليد والتبعية الفكرية أدنى إشارة.
نساء سبقن الرجال واعتنقن الإسلام عن عقل وروية
سبقت أم حبيبة أباها أبا سفيان إلىالإسلام، وأبو المرأة منها بمكان، وثبتت رضي الله عنها على دينها وهجرتها رغم ارتداد زوجها، فلقد تزوجها عبيد الله بن جحش وهاجرا معا إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية،فتَنَصَّر، وارتد عن الإسلام، وتوفي بأرض الحبشة.
وسبقت أم الفضل، لبابة بنت الحارث الهلالية امرأة العباس زوجها: ففي إشارة ابن عباس إلى الآية الكريمة (وَمَا لَكُمْلاَ تُقَاتلونَ فِي سَبيلِ اللهِ وَالمُستضْعفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ والَّولدَانِ الَّذينَ يَقُولونَ رَبَّنَا أخْرجنَا مِنْ هَذهِ القَريةِ الظَّالمِأهْلُهَا وَاجعَل لَّنَا مِن لَّدنكَ وَلياً وَاجْعلَ لَّنَا مِن لَّدنكَ نَصِيراً) قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين أنا من الولدان وأمي من النساء. قال البخاري في ترجمةالباب: كان ابن عباس رضي الله عنه مع أمه من المستضعفين ولم يكن مع أبيه على دين قومه.
وسبقت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها أبا العاص بن الربيع قال ابنسعد: أسلمت زينب وأبى أبو العاص أن يسلم.
وسبقت فاطمة بنت الخطاب أخاها عمر بن الخطاب، قال الحافظ ابن حجر: كان إسلام عمر متأخراً عن إسلام أخته فاطمة وزوجها، لأن أولالباعث له على دخوله في الإسلام ما سمع في بيتها من القرآن.
وسبقت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أهلها جميعاً: كانت ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدالحديبية. قال ابن سعد: لم نعلم. قرشية خرجت من بين أبويها مهاجرة إلى الله ورسوله إلا أم كلثوم بنت عقبة.
وإذا كانت صورة اعتناق المسلمة الأولى في مكة للدين على هذاالنحو، فلقد كانت كذلك المسلمة الأولى في المدينة، فكان إيمان أم سليم بنت ملحان الأنصارية وهي من السابقات إلى الإسلام من الأنصار، مثيراً لزوجها مالك بن النضر، فخرجإلى الشام فمات بها، وقد روى عنها ابنها أنس بن مالك بن النضر:؛ أن أبا طلحة خطب أم سليم ـ يعني قبل أن يسلم ـ فقالت: يا أبا طلحة: ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد شجرة تنبت فيالأرض نجرها حبشي ابن فلان،.. أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم التي تعبدون لو أشعلتم فيها ناراً لاحترقت،.. أرأيت حجراً تعبده لا يضرك ولا ينفعك، فقال : بلى. قالت: أفلاتستحي تعبد شجرةً! إن أسلمت فإني لا أريد منك صداقاً غيره ـ أي غير الإسلام ـ مع أنه 'كان أكثر أنصاري بالمدينة ما لا من نخل'. قال ثابت البناني: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرممهرا من أم سليم: الإسلام.
ويلفت النظر في الشكل التأريخي أن هذه الصورة الإسلام أم سليم إنما جاءت في معرض الحديث عن كيفية إسلام أبي طلحة، ولم تكن عامدة إلى الحديث عنإسلام أم سليم رضي الله عنها.
وإذ صح ما ذهبنا إليه من استقلال موقف المرأة الحرة إزاء اعتناق الدين، فإننا نذهب إلى مثله مع المرأة في صفوف الموالي والأرقاء والعبيدالسّابقين إلى الإسلام، فقد سبقت السيدة سمية أسيادها ومواليها، عن عمار بن ياسر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر. وكانتسمية ضمن الأعبد الخمسة.
ذلك أن هؤلاء العبيد الذين اقتضت مسيرة حياتهم أن يتنقلوا بين البلاد طائعين أحيانا ومكرين غالبا، أهَّلَتْهم هذه الحالة لأن يكونوا أكثراطلاعا على طباع البشر، وما آلت إليه أحوالهم، وأكثر إدراكاً لحاجة البشرية إلى إنقاذ سماوي، وهم بطبيعة آلامهم وعذاباتهم أكثر تأملا في حياتهم ومغزاها، هؤلاء العبيدربما حملوا عقولاً أكثر تحرراً من عقول كثير من الأحرار..، وهو ما دفع من اعتنق الإسلام منهم في اعتقادنا إلى اعتناق هذا الدين اعتناقاً واعياً وراشداً، ودفعهم دفعاًسريعاً وقويّاً إلى صفوف المؤمنين، أكثر مما دفعهم العامل الاقتصادي، الذي لما تزل تقول به التفسيرات المادية لحركة التاريخ.
وفي كل ما مر من واقع تاريخي لسبق النساءإلى الإسلام دليل يقدح في القول بأن عقلية المرأة وآفاقها كانت محدودة في تلك الفترة، ولا تزيد كثيراً عن إدراك الطفل إلا فيما يتعلق بطبيعتها كأم زوجة وربة بيت، وأنشخصيتها لم تكن ناضجة إلى الحد الذي تستطيع فيه أن تجادل وتناقش وتصد ما يلقى عليها إن كانت مقتنعة بضده.
ويقدح كذلك في دعوى كون التقليد شديد التأثير في نفوس النساء،وهي دعاوى قالت بها بعض الدراسات الحديثة.
وأهم من كل ذلك أن هذه الممارسة التاريخية تؤكد على الحقيقة الإسلامية الراسخة، التي فهمتها المسلمة الأولى، وهي أن خطابالله تعالى بالدين ومسئولياته كان خطاباً موجهاً للمرأة مع الرجل، فكانت المرأة مسئولة أمام الله عز وجل مسؤولية، فردية، ومستقلة عن مسئولية الرجل إزاء هذه العقيدة. السابقات الى الإسلام
لما أكرم الله عز وجل رسوله بنبوته، آمنت به خديجة وبناته، فصدقنه وشهدن أن ما جاء به هو الحق، ودِنَّ بدينه، وكانت بنات النبي الأربع موجوداتعند البعثة، ويَبْعُد تأخرُ إيمانهن. كانت زينب متزوجة آنئذ من أبي العاص بن الربيع وكانت رقية وأم كلثوم متزوجتان على أنهما لم يُدْخل بهما. قال ابن إسحاق: وأما بناتهصلى الله عليه وسلم فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن. والظاهر أن أهل بيته صلى الله عليه وسلم آمنوا قبل كل أحد، واتفقت على ذلك جميع الكتب التي ترجمت لبنات رسول اللهصلى الله عليه وسلم. وآمنت معهن أم أيمن زوجة زيد. وقال ابن سعد: وأول من أسلم من النساء بعد خديجة، أم الفضل زوج العباس.
وممن ذكرتهن المصادر في عداد السابقات إلىالإسلام من الصحابيات: أمينة بنت خلف بن أسعد الخزاعية، امرأة خالد بن سعيد بن العاصي، وأسماء بنت أبي بكر. والسيدة عائشة، والسيدة أم سلمة، والسيدة أم حبيبة بنت أبيسفيان الأموية، وفاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت المجلل، وفكيهة، وبركة ابنتا يسار، ورملة بنت أبي عوف من بني سهم بن عوف، وسهلة، وأم كلثوم ابنتا سهيل بنعمرو القرشيتان العامريتان، وليلى بنت أبي حثمة القرشية العدوية، وفاطمة بنت صفوان بن أمية، وأم حرملة (خولة بنت الأسود)، وريطة بنت الحارث من بنى تيم بن مرة، وحسنة أمشرحبيل بن حسنة، وفهيرة أم عامر بن فهيرة، وأم المؤمنين سودة بنت زمعة، وآمنة بنت قيس. وأم رومان، زوج أبي بكر، وأم عائشة رضي الله عنها.
وأسلم من موالي النساءومستضعفيهن: سمية أم عمار، وأم عبيس، وزنيرة، والنهدية وابنتها، وجارية بني المؤمل، وحمامة أم بلال.
طبقات السابقات
والناظر في أنساب المسلمات الأول يجد أنهنينحدرن من معظم القبائل القرشية، ففيهن من بني هاشم، ومن بني أمية، ومن بني مخزوم، ومن بني تيم بن مرة، ومن بني سهم بن عمرو، ومن بني عدي بن كعب، ومن بني عامر بن لؤي.. بل إنفيهن من غرائب نساء العرب كأسماء بنت عميس الخثعمية، وأم رومان، ولبابة بنت الحارث، أم الفضل. وفيهن أيضاً من نساء الموالي والعبيد.
والمتتبع لأسماء من عرفن في كتبالتراجم بالمسلمات قديماً، والسابقات للإسلام، يجد التناقض مع الروايات الشهيرة والمستقرة بأنه قد تابع الرسول أناس عامتهم ضعفاء من الرجال والنساء، كما قال ابن عبدالبر: ' استجاب له من شاء الله من الأحداث والكهول وضعفة الناس'، وكما قال صاحب السيرة الحلبية، وتابعتهم على هذا كثير من الدراسات الحديثة.
والحقيقة التاريخية أنهبينما بلغ عدد الحرائر من المسلمات السابقات إلى الإسلام في المرحلة السرية العشرين صحابية، وزاد على ذلك، فإن عدد الإماء لم يتعد الثمانية، وهذا التناقض يصدق عندالمقارنة بين المجموع الكلي من الرجال والنساء أيضاً، فلقد كان من مجموع الثلاثة والستين الذين سبقوا إلى الإسلام ثلاثة عشر فقط ممن هم من الفقراء والمستضعفين والمواليوالأرقاء والأخلاط من مختلف الأعاجم، فهم إذن نحو خُمْس المجموع. وما كان كذلك لا يقال عنهم 'أكثرهم ولا معظمهم ولا عامتهم'.
وهذا يستلفتنا إلى قضية هامة في هؤلاءالمستضعفين، والذين كان المفروض أن يسارعوا إلى الإيمان بالدين الجديد، لأنه هو مخلصهم ومحررهم من ذلك الطاغوت الذي يتسلط على رقابهم، ومع ذلك فإنهم يقفون صفا رواءالملأ في مبدأ الأمر، ولا يُسْلِمون، إلا قلة قليلة هي التي تفتح عقلها وضميرها وتؤمن بالنبي فيقع عليها الاضطهاد والتعذيب.
والمسألة على هذا النحو الغريب لا يفسرهاإلا حالة العبودية التي يعيشونها بأفكارهم وأرواحهم. وهي العبودية التي قد تشمل الكثيرين ممن يُعَدُّون في صفوف الأحرار، حين لا يحترمون العقل الذي أودعهم الله، ولايُعْمِلونه فيما حولهم من أدلة وبراهين. وربما كانت قسوة التعذيب التي حدثت لإخوانهم هي التي حالت بينهم وبين الإسلام، وربما كان كثير من هؤلاء العبيد لا يجدون الفرصةللقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لسماع القرآن، والدعوة إلى الإسلام من ألسنة المسلمين السابقين.
لقد أنشأ التوحيد من الأحرار على اختلاف قبائلهم، ومن العبيدمعهم أمة فريدة في التاريخ، لم يقم تجمعها على أساسٍ لون أو عرق أو لغة، أو أية عصبية من العصبيات، وإنما على أساس عقيدة، شكَّلت القاعدة لكل حركة الجماعة المسلمة: سياسة،واقتصاداً، واجتماعاً. وهذا التنوع الذي جمع بنات علية قريش بنساء الموالي دليل على أن الإسلام حاجة إنسانية لكل البشر أيما كانت مواقعهم وأنسابهم وليس حاجة للطوائف أوالطبقات المهمشة والمضطهدة وحسب.
* المصدر: دور المرأة السياسي في عهد النبي (ص) والخلفاء الراشدين