الأسرة والنوع بين المسلمين الأمريكيين
تحرير باربارا بلج عرض: إياد القزاز
يشكل المسلمون الأمريكيون أقلية صغيرةمن السكان الأمريكيين,ويقدر (مجلس المسلم الأمريكي) حجم الجالية المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية بما بين خمسة إلى ثمانية ملايين نسمة, وهناك ما يزيد على 200 ألف عملتجاري إسلامي و 1200 مسجد و 165 مدرسة إسلامية و 425 مؤسسة إسلامية و 85 من المطبوعات الإسلامية.
وقد ولد الوجود المتزايد باستمرار للمسلمين في هذه البلاد كثيرا ً من الفضولوالاهتمام لدى الشعب الأمريكي, فقد تم على مدى العقد الأخير نشر مئات من المقالات والكتب عن الإسلام والجالية المسلمة في أمريكا.
والكتاب ـ قيد الدراسة ـ يقع ضمن هذهالفئة, وقام بإعداده دارسان أمضيا جزءاً ليس باليسير من حياتهما العملية في دارسة الجالية المسلمة في الولايات المتحدة, ويدرس كلاهما مواد عن أصل الجنس البشري وتطوره فيجامعات كبرى وقد أصدرا عدة أعمال حول هذا الموضوع وعلى خلاف أعمال أخرى عن الإسلام في أمريكا فهذا الكتاب يركز على الأسرة, وحياة الذكر والأنثى في جالية المسلمينالمهاجرين ولا سيما الجالية القادمة من الشرق الأوسط, إنه عبارة عن مجموعة من ستة عشر مقالا كتبها إختصاصيون في التاريخ وعلم الإنسان وعلم الاجتماع وعلم النفس, وتستندغالبية تلك المقالات إلى بحث أصيل, ويعتبر العديد منها ملخصات لإطروحات رسائل الدكتوراه, ويتعلق معظمها بمسلمي ولاية (ميتشيغن), ولاسيما في ديترويت حيث يقيم ما يزيد على250 ألف أمريكي ذوي أصل عربي من الشرق الأوسط, وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول يتعلق بالقيم واختلافات العائلات المسلمة في مناقشة مواضيع مثل الديانةوالقيم والأعراف الاجتماعية, وأهمية الشرف والعار واختلافات تتعلق بالأجيال والعلاقات بين الجنسين, ويناقش الجزء الثاني قضايا عملية للعائلات المسلمة, التي تدور حولبعض المشكلات التي يواجهها الاختصاصيون الاجتماعيون والعاملون في الصحة, والمدرسون الذين عملوا مع أفراد من الجاليات المسلمة المتنوعة في (ديربورن) في (ميتشيغن). ويتطرق الجزء الثالث إلى قصص حياة المهاجرين بوصف أنماط حياة الأفراد من أجل استعراض ثراء وتنوع استجاباتهم لفرص الحياة المقيدة في الولايات المتحدة, ويحوي هذا الكتابست صور وفهرسا مختصرا, ويتكون كل باب في الكتاب أيضا من مراجعه الخاصة به, فهو كتاب واسع التحليل والتبصر.
التكيف مع البيئة
وسنركز في هذا الاستعراض الوجيز على سبعنقاط: 1 ـ مع ازدياد عدد المهاجرين من المسلمين الشيعة منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 في لبنان وقيام الثورة الإيرانية في عام 1979, بدأت عادات وممارسات الشيعة فيالظهور على المسرح الأمريكي, وإحدى تلك الممارسات هي زواج المتعة (أي الزواج المؤقت) , ومع ذلك فإن تطبيقه محدود بسبب اعتراض غالبية الشيعة المسلمين عليه.
2 ـ يحاولالمسلمون المهاجرون تكييف تقاليدهم حسب البيئة الجديدة وذلك بتعديل أو دمج عناصر جديدة في تقاليدهم, وتكفينا بعض الأمثلة القليلة هنا, فقد تعددت وظائف المسجد لتشملالقيام بوظائف معينة لم تكن عادة جزءاً من مهام المسجد في البلدان الإسلامية, ومثال ذلك إقامة تجمعات اجتماعية في المناسبات يشارك فيها الآباء والأطفال, والغرض من تلكالتجمعات هو منح فرصة للشباب للقاء بعضهم بعضا تحت إشراف وتوجيه ذويهم, وبالمثل فقد اعترت وظيفة الإمام ومسماه الوظيفي بعض التغييرات أيضاً, فهو لا يقوم بإمامة المصلينوإلقاء المواعظ في صلوات الجمعة فحسب, بل يقوم أيضاً بدور المستشار الذي يساعد في إيجاد حلول للمشكلات الشخصية, وتشمل مهماته أيضا تعليم عامة الناس الإسلام وتحديالأفكار المغلوطة السلبية عن الإسلام.
3 ـ لقد اكتسب بعض الأمريكيين العرب عادة سائدة في أمريكا وهي الإعلان عن الرغبة في الحصول على شريك حياة, وتحمل بعض المجلاتالإسلامية إعلانات قصيرة تحت عنوان (الرغبة في الزواج) حيث يعلن الرجال أو النساء المؤهلون عن رغبتهم في الزواج, وتركز كثير من تلك الإعلانات على أن الإسلام هوالمعيارالمهم ولا تعطي أهمية تذكر لأصل الزوج العرقي أو موطنه الأصيل.
4 ـ شاع الزواج من صاحبات الديانات الأخرى بين الرجال المسلمين, فالإسلام يسمح للرجل المسلم بالزواج منامرأة من أهل الكتاب سواء من المسيحيين أواليهود, والمدهش في الأمر هو ازدياد الزواج من أصحاب الديانات الأخرى بين النساء المسلمات برغم تحريم القرآن له, وتفيد أحدالتقديرات أنه ما بين 10 و 15 بالمائة من النساء المسلمات في الولايات المتحدة و30 بالمائة في كندا يتزوجن من رجال ذوي ديانات أخرى غير الإسلام, وهذا يثقل العبء على الآباءفي تسويغ فشلهم للجالية المسلمة, في تنشئة بناتهم تنشئة صحيحة.
سيدات أعمال
5 ـ تطرأ على دور المرأة المسلمة تغييرات مهمة مع ازدياد عددهن ضمن الأيدي العاملة,والباب المخصص عن النساء الإيرانيات في (لوس انجليس ) يركز على هذه النقطة بكل وضوح, برغم أن النساء الإيرانيات يواجهن عقبات مختلفة عن تلك التي في إيران, مثل اللغة ومستوىالتعليم والأفكار المغلوطة السلبية المنقولة من إيران فقد استغلت معظمهن الطائفية وكونهن إناثا لمصلحتهن وذلك بأن أصبحن مقاولات وسيدات أعمال في اقتصاد الطائفةالإيرانية الجديدة في (لوس أنجليس), وقد استخدمن موارد الجالية المالية المتوافرة لدعم أعمالهن التجارية التي تنطلق من البيوت والأعمال التي تديرها العائلة , وذلك عنطريق الحصول على رأس المال من الأسرة والأصدقاء, كما استغلت الكثيرات منهن الاتصالات والمعارف العرقية للحصول على السلع وفرص التوظيف, وبعض الأعمال سريعة الانتشار بينالنساء الإيرانيات هي التطريز والخياطة وبيع الملابس المسائية والصباحية, والطهو وتصفيف الشعر والتجميل وبيع الزهور, وتربية الأطفال ورعايتهم, والقيام بأعمال الديكورالداخلي وتعليم اللغة الفارسية. 6 ــ في الجزء الثاني من الكتاب يركز المؤلفون على المشكلات التي تواجهها الجهات التي تقدم الخدمات الصحية والتعليمية, فهم يركزون علىالحاجة إلى أن يتفهم المسئولون تلك البرامج جيدا وكذلك منفذوها المستويات الثقافية لبلد الأصل وكيفية تأثير الأنماط الثقافية في سلوكيات الجيل الأول من المهاجرين,ويتفق الكثير من المؤلفين في أن ذلك النوع من التفهم غير موجود في معظم الحالات, وإن وجد فإنه ينقصه العمق والاستيعاب, وهكذا لا تقدم الخدمات كما ينبغي, وتناقش (ميري سينغستوك) في مقالها عن (رعاية المسنين في الأسر المسلمة) في منطقة (ديترويت) بعض تلك العوائق, وتخلص إلى أن الفرق في تركيب الأسرة بين البلد الأصل والولايات المتحدة كثيرا مايحول دون تقديم خدمات فعالة للمسنين, وتشير إلى أن التلاحم الأسري الشديد لبناء الأسرة مع الالتزام القوي بالمحافظة على تماسك وسرية الأسرة والمجتمع (على عكس ما يتمير بهالمجتمع الأمريكي من روح الاستقلال والفردية), وقد يؤدي بالمهاجرين الى تقييم معلومات مغلوطة أو معلومات غير كافية من أجل تقديم العلاج المناسب, ومثال ذلك تجنب المهاجرينالكشف عن المشكلات للإختصاصيين الاجتماعيين لتفادي الشعور بالإحراج في المجتمع, مما يؤدي الى أن يقدم أولئك المسئولون توصيات خاطئة أو علاجا منقوصا قد يتداخل ويتعارض معالتعاليم الدينية, كما ينبغي لصاحب المهنة الذي يتعامل مع النساء المسلمات أن يكون سلوكه مقبولا من الناحية الدينية.
الهوية العرقية
7 ـ إن صيانة الهوية العرقيةهي قرار فردي وهي مهمة لها عدد كبير من العناصر, فهي تعتمد على كيفية إدراك المرء للمميزات التي تمنح له بانتمائه للمجموعة العرقية, وإلى قدرته على إنجاز الدور المناط بهبشكل مناسب. ويعتمد الأمر أيضا على قدرة الأسرة على تكييف وإشراك أفرادها ضمن الثقافة العرقية مما يؤدي بها إلى توجه سلوكهم في المستقبل والتحكم فيه.
ويوضح مقال(سوانسـون) عن العرقية والزواج وتضارب الأدوار هذا الأمر بشكل تام , فبالنسبة للجيل الأول الذي ولد في الخارج فإن العرقية تقدم له فوائد نفسانية وروحية واقتصادية أيضا,ومن ناحية أخرى فإن الجيل الثاني من المهاجرين الذين ولدوا في هذه البلاد وتلقوا تعليمهم في المدارس الأمريكية يجدون حوافر قليلة تحملهم على المحافظة على هويتهمالعرقية, في حين أن علاقتهم النفسانية مع الآباء لاتزال قوية, مما يؤدي إلى خلق مصدر توتر كبير بالنسبة لهم, والجيل الثاني يواجه عقبات كبرى من أجل أن يخلق هوية متكاملة,فهم يعانون من الانقسام بين الثقافتين القديمة والجديدة وكثيرا ما يقعون ضحايا لهما, وأفضل مثال يوضح هذه الحيرة هو رغبة الجيل الأول في القيام بدور مهم في تزويجأبنائهم, وهو أمر يتعارض بشكل مباشر مع الثـقافة الأمريكية التي تصر على أن الزواج هو مسألة شخصية وينبغي أن تترك للأطراف المعنية, وفي محاولة من الآباء للمحافظة علىثقافتهم وتراثهم الديني فهم يقومون بتجربة أساليب جديدة من أجل إحياء ثقافتهم عند أطفالهم.
والأمثلة على ذلك هـي تنظـيم مؤتمرات سنوية وإقامة نواد عـرقية ودينـية,وإقامة حفلات زفاف موسعة, وكل ذلك من أجل منح الشباب فرصة اللقاء والاختـلاط بعضـهم بعضا, كما يسمح بعض الآباء لبناتهم بمقابلة ازواجهن بعد عقد القران وقبل إتمام الزواج.
وتلقى تلك الجهود نجاحا محدودا مع ازدياد زواج الذكور المسلمين على وجه التحديد من نساء من اهل الكتاب.
ويؤخذ على الكتاب بعض الملاحظات الطفيفة, فمعظم أبوابهتتعلق بالسكان العرب المسلمين, في (ميتشيغن) ولاسيما (ديترويت) والمناطق المحيطة بها, وكان يجدر بالمؤلفين بذل جهد اكثر في الحديث عن جاليات عربية مسلمة اخرى في الولاياتالمتحدة, لاسيما أن عددا كبيرا من رسائل الدكتوراة والماجستير كتبت وقدمت في العقود القليلة الماضية وتدور حول جوانب متعددة للجالية المسلمة.
ومن الجدير بالذكر أنزيادة عدد الصور الفوتوغرافية عن جوانب الأسرة وحياة الذكر والأنثى بين المسلمين الأمريكيين قد يضيف نوعا من التفهم الأكثر للمجتمع ومعرفته.
المصدر : مجلة العربي 480 / 1 ـ 11 ـ 1998