أزمة اللیبرالیة فی العهد الأموی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أزمة اللیبرالیة فی العهد الأموی - نسخه متنی

محمود اسماعیل

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. محمود اسماعيل

أزمة الليبرالية في العهد الأموي


أخذت معطيات التراث القديم تعكس أصداءها مغذية ومعمقة للتيارات الفكرية الإسلامية منذأواخر عصر الراشدين. ولم يكن بوسع الخلفاء مقاومة هذه التأثيرات طالما لم يستطيعوا وقف حركة التطور الاجتماعي الجانحة نحو ((الدنيوية)). بل أخذت الثقافة الدينية تفيد منتراث الأوائل في بلورة اتجاهاتها، وتباينت هذه الاتجاهات وفقاً لمعطيات الواقع السياسي والاجتماعي الذي أعيدت صياغته في العصر الأموي.

وتعبر نوعية الثقافة في المدنالإسلامية القديمة والمستحدثة عن خاصية التنوع والتباين تلك في جلاء تام، إذ ظهرت بواكير مدارس فكرية في دمشق والفسطاط والمدينة والبصرة والكوفة. كان لبعضها تأثيراتتالية على حواضر الغرب الإسلامي مثل القيروان وقرطبة. ويرى الأستاذ أحمد أمين أن هذا التباين والتخصص لم يكن جزافاً بل كان انعكاساً لأوضاع اجتماعية.

ففي المدينة ـالتي فقدت مركزها السياسي بانتقال الخلافة إلى دمشق ـ حيث استقرت فلول ((الأرستقراطية الثيوقراطية)) ـ ساد تياران يتمشيان مع الواقع الجديد، أولهما ديني قح ويتمثل فيدراسة الفقه والحديث، ويعول على النص أكثر من التأويل. ومذهب مالك يقدم في هذا الصدد أقوى دليل. والثاني دنيوي ترفي مرح يتمثل في الشعر والغناء والطرب والملح والنوادر،ويعكس حالة الثراء لتلك الأرستقراطية المؤثرة للدعة المجترة أصداء زمن الجاهلية.

وفي دمشق ـ مركز الثقل الجديد ـ تلونت الثقافة بالوضعية المستحدثة مع تأثيرات منتراث السريان، في محاولة بلورة شخصية فكرية مميزة، وليس جزافاً أن يختص أهل الشام بمذهب في الفقه يختلف عن مذهب أهل العراق، أعني مذهب الأوزاعي الذي لا يخلو من بصمات((هللينستية)). وازدهار الشعر السياسي والخطابة مرده خدمة القضية الأموية أو معارضتها. بل ليس جزافاً أن ينمو الفكر السياسي ((الجبري)) والإرجائي في أحضان دمشق الأموية.وكان رواج القصص والأخبار وسير القدماء تعبيراً عن الطابع الأرستقراطي لعقلية ((النظام الأموي)) وتنطق قصور الأمويين ومنشآتهم المعمارية ذات الطابع العسكري بتأثيراتيونانية تعبر عن خصائص نظام فرض وجده بالقوة بدلاً من الشرعية.

وفي الكوفة والبصرة ـ وهما مصران عربيان مستحدثان منافسان لدمشق ـ امتزجت الأرستقراطية العربيةبالموالي، وكان عرب العراق في العصر الأموي دون عرب الشام من حيث المكانة الاقتصادية والاجتماعية، ولا غرو فقد كانوا إما مناصرين للأرستقراطية الثيوقراطية أو من ((أنصارالتيار الثوري)) الذي انقسم إلى شيعة وخوارج. وقد أفضى انتقال السلطة للأمويين، وكذا اختلاطهم بالموالي، إلى تضييق الهوة الاجتماعية بينهم واتخاذهم معاً موقف المعارضة.

وعبرت ثقافة المصرين عن هذا الوضع أصدق تعبير، فمذهب أبي حنيفة في الفقه يعول على القياس والرأي، وذيوع ((القدرية)) في مواجهة ((الجبرية)) يتسق مع المنحى نفسه، وتضافرالعرب والموالي على دراسة اللغة العربية ووضع أصول النحو يعبر عن عملية المزج السلالي والثقافي. وتبني الآراء السياسية الثورية ذات المغزى الاقتصادي الاجتماعي ـ والتيلا تخلو من بصمات ((مزدكية)) غصلاحية ـ لم يحدث عفواً، إنما نبتت هذه الأفكار بفعل المناخ الملائم الذي هيأته إرهاصات البورجوازية.

أما مدرسة الفسطاط، فقد تأثرتبالعراق والحجاز، فوجد مذهب مالك جنباً إلى جنب مع مذهب أبي حنيفة. ولما كانت أقل منزلة منهما، فلم تنافس على الصدارة، برغم مكانتها القديمة كموئل للهللينية من قبل. فلانقف على أدنى تأثير لأصداء مدرسة الاسكندرية في ذلك الحين. إنما أنجبت فقهاء أكفاء كالليث بن سعد، الذي قال عنه الكندي ((كان أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به)). لقدكانت مصر ((بقرة حلوباً منهكة)) حتى في عصر الراشدين. وفي الحقبة الإقطاعية ((أصبحت تنزف دماً))، وانعكس ذلك على أحوالها الثقافية، فالقضايا الفقهية المثارة بين علمائهاكانت ((تدور حول الحلال والحرام))، والفقهاء كانوا يهمهمون بالحديث ((في الفتن والترغيب فيها)) على حد قول الكندي.

وفي الغرب الإسلامي ساد مذهب مالك في الفقه، ومذهبالخوارج في السياسة. ومن العسير رصد ظواهر ثقافية ذات خصوصية في ذلك الحين، ويعزى ذلك إلى دخول البلاد في حظيرة الإسلام مؤخراً، فضلاً عن شيوع القلاقل والاضطرابات، مماأخر عملية المزج بين الفكر الإسلامي الوافد وبين الميراث اللاتيني كما يقول الدوميلي. لذلك كانت القيروان وقرطبة تتلقيان التأثيرات من الشرق، ولم تتبلور شخصيتهماالثقافية إلا في عصر الاستقلال، وإن كان في ذيوع تيارات بعينها بين المغاربة نوع من التعبير عن ملامح تلك الشخصية. أكثر من ذلك أن التيارات الوافدة اكتسبت في البيئةالجديدة خصائص مستحدثة، كما هو الحال بالنسبة لآراء الخوارج، حيث جنحت في بعض أقاليم المغرب نحو التطرف، وتأثرت بمعطيات محلية موروثة.

وإذ ارتبطت نوعية الثقافةالسائدة بخصوصية الواقع الاجتماعي في الأمصار، فقد انعكست طبيعة هذا الواقع على نهج التفكير ممثلة في ظواهر ((التأويل)) في تفسير القرآن، ((والوضع)) في الحديث، ثم((الاجتهاد)) في التشريع. كما تفاوتت وتنوعت رؤى الفقهاء والعلماء ـ في هذا الصدد ـ وفقاً لتنوع التيارات السياسية التي تبلورت كذلك على أساس سوسيولوجي، بما يؤكد الارتباطالعضوي والشرطي بين الأساس الاقتصادي والغطاء الإديولوجي.

كان علم التفسير ـ على حد تعبير الأستاذ أحمد أمين ـ يعكس ثقافة العصر. وتلك ملاحظة على جانب كبير منالأهمية، إذ تبين إلى أي مدى قادت الخلافات إلى درجة عدم الاتفاق على فهم موحد للقرآن نفسه. وفي ذلك ما يقيم الدليل على أسبقية الواقع على الفكر.

انقسم المفسرون إلى((نصيين)) و ((مؤولين))، وننوه بأن أصحاب الاتجاه الأول استهدفوا الالتزام بما في القرآن من شرائع كمنطلق لتغيير الواقع الذي تجاوز الشريعة بفعل سيادة الإقطاعية، كما هوالحال بالنسبة للقوى الاجتماعية التي احتواها التشيع والخارجية. بينما استخدم التأويل لتبرير الأمر الواقع وإكسابه شرعية زائفة كما فعل فقهاء المرجئة الأوائل، منظروالإقطاعية. ولسوف يتغير مفهوم الاصطلاحين في عصر تال ليعبر التأويل عن ((تقدمية)) الفكر، والنقل أو النص أو الأثر عن الاتجاهات المحافظة والرجعية. وقد تم ذلك تحت تأثيرتطورات اقتصادية اجتماعية جديدة، واكبتها حركة انفتاح ثقافي واسعة على التراث الكلاسيكي.

وفي الإطار نفسه يمكن تفسير ظاهرة ((الوضع)) في الحديث، تلك الظاهرة التيفسرها الأستاذ أحمد أمين على أسا العصبية. صحيح وضعت أحاديث تنطوي على دعاوى المفاضلة بين عرب الشمال وعرب الجنوب، أو بين الشعوب كالعرب والفرس، وحتى بين الأقاليموالمدن. لكن هذه الأحاديث من الضآلة بمكان إذا ما قورنت ((بالموضوعات)) الأخرى، وخاصة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإديولوجي. يضاف إلى ذلك أن نزعاتالعصبية نفسها احتواها الصراع الطبقي فأصبحت غير معزولة عن التناقضات الاقتصادية ـ الاجتماعية التي أسفرت عن سيادة الإقطاعية.

ولا محل كذلك لرد ظاهرة الوضع إلىتأثير الإسرائيليات أو معتقدات الفِرَق. لأن الاديولوجيا لم تنفصل عن الواقع قط، بل هي ـ في التحليل الأخير ـ انعكاس له سواء فيما استندت إليه من مصادر اسلامية أو مؤثراتأجنبية. والفرق الإسلامية كانت أساساً أحزاباً سياسية تحتوي قوى اجتماعية تشكلت وفقاً لطبيعة الأوضاع الاقتصادية.

ولما كان الحديث النبوي يمثل المورد الثانيللتشريع، فإن أهميته الأساسية لا تكمن في كونه علماً من علوم الدين، بقدر تأثيره على طبيعة النظم التي تمس الواقع المعيش. ومن هنا تكشف ظاهرة الانتحال والوضع عن مصالحالقوى الاجتماعية المتصارعة، بل لا تخلو من دلالة على أن الواقع سابق للفكر وخالق له حتى لو كان مرتبطاً بمقدسات دينية.

لقد جرى تكريس السنة النبوية وتوظيفها فيالصراع الاجتماعي، لأن الاديولوجيا المتاحة آنئذ كانت دينية، ولم يكن ثَمّ بُد عن الوضع والانتحال لخدمة أغراض سياسية، فوضعت أحاديث ترجح أحقية البيت العلوي فيالخلافة، وأخرى تفضل المهاجرين على الأنصار أو العكس، وثالثة تعلي من قدر قريش وتختصها بالإمامة، ورابعة في المفاضلة بين القبائل والشعوب … الخ. وكلها تعكس الصراعالحقيقي حول مشكلة ((الإمامة)) التي تفجرت من خلالها التناقضات الاقتصادية الاجتماعية آنذاك.

لم يكن جزافاً أن يرتبط الوضع والانتحال بتهمة ((تكفير)) المخالفين حتى لوتعلق الأمر بصحابة الرسول، فللأمر مغزاه في الدلالة على حدة الصراع. ذكر ابن أبي الحديد أن ((أحاديث لُفقت لتدل على نفاق قوم من أكابر الصحابة والتابعين الأولين وكفرهم))،كما وضعت أخرى تكفر الفرق فيها بعضها بعضاً.

وبرغم الجهود التي بذلت للتمييز بين المدخول والصادق من الأحاديث من طريق ((الجرح والتعديل))، لم يسلم هذا النهج من آفةالإنحياز، لأن علماء الحديث عكسوا في معاييرهم النقدية مصالحهم الاقتصادية وأوضاعهم الاجتماعية وولاءاتهم السياسية. إن قول الذهبي ((لم يجتمع إثنان من علماء هذا الشأنعلى توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة))، بالغ الدلالة على حدة التناقضات ((التحتية)) في بنية المجتمع الاسلامي إبان سطوة الإقطاعية، وقرينة أخرى على سوسيولوجية الفكر حتى ولوكان متعلقاً بالجوانب الدينية.

وبالمثل لم يجر ((الاجتهاد)) خالصاً لوجه الله في كل الأحوال، وإن جرى أحياناً لصالح الجماعة، وفي الحالين كان انعكاساً للأحوالالاقتصادية والأوضاع الاجتماعية السائدة. فاجتهاد أبي بكر حول العطاء، وإقرار قسمته بالتساوي يعكس الحاجة لتوحيد القوى الإسلامية كافة للقضاء على المرتدين. واجتهادعمر في توزيعه على أساسا لسابقة إجراء قصد منه إضعاف ((الأرستقراطية القديمة)). وسياسته إزاء الأرض المفتوحة عنوة اجتهاد استهدف دعم الحكومة وصالح الجماعة. واشتراط علىقبول الخلافة باتباع سياسة قوامها ((اجتهاده الخاص)) يعني عزماً مؤكداً على ضرب الأرستقراطية القديمة والمستحدثة. واجتهاد عثمان في أن ((المال مال الله)) كلمة حق أريد بهاباطل. واجتهاد منظري النظام الأموي في ((إرجاء)) الحكم على مرتكبي الكبيرة تبرير ديني المظهر دنيوي المغزى.

استخدم ((الاجتهاد)) إذن في خدمة السياسة، وانبرى الفقهاءيكرسونه في دعم الاديولوجيات المتباينة المعبرة عن مواقف قوى اجتماعية متصارعة، حتى ليذكر جب ((في نهاية القرن الأول أخذت تطبق في المدن والولايات قواعد فقهية منفصلةومختلفة، استمدت من تفسيرات الفقهاء في كل بلد، وأصابها التعقيد بما في البلدان من قوانين عرفية ونظم سابقة)). لذلك يجب ألا تاخذنا العزة بالإثم فنرتاع من قالة جولد تسيهربتأثر الشريعة الإسلامية ـ وخاصة في الشام ـ بالقانون الروماني.

وخير ما يؤكد سوسيولوجية الفكر إبان الحقبة الإقطاعية، تقصي آراء الفرق، وخاصة ما يتعلق منهابالجوانب السياسية والاجتماعية. فتباين المعتقدات في هذا الصدد يعكس تناقضات الأساس الاقتصادي، ولم يكن قط نتيجة سخائم العصبية القبلية أو النزاع الشعوبي. كذا لمتتبلور الأحزاب السياسية ـ التي شكلتها تلك الفرق ـ لخلافها حول القيم الأخلاقية المستمدة من القرآن، كما ذهب المستشر جب. وأخيراً لم يكن هذا الخلاف ((مجرد اجتهاد ظني حولمسائل اعتقادية)) كما تصور ابن خلدون. فالحق ما توصل إليه باحث معاصر من أن تلك القيم الأخلاقية والمسائل الاعتقادية تعد مظهراً للخلاف وليس تعليلاً له، بل إن الدافعالحقيقي كان اقتصادياً اجتماعياً، عمل عمله من خلال ((كفاحية دنيوية)).

ما كان شيوخ الفرق وزعماء الأحزاب ((قطاعاً كهنوتياً)) معزولاً عن الواقع بل كانوا بشراً،((يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق))، فغالبيتهم كانوا تجاراً وصناعاً ومزارعين اندرجوا في صفوف المعارضة، وقليل منهم اقتنوا الضياع، أو خدموا في الديوان، فتصدوا لتبريرالأمر الواقع، وتبنوا اديولوجيات محافظة. إن ((راية الله)) التي رفعتها السلطة والمعارضة في آن واحد كانت محض تغطية لتناقضات تحتية ضربت بأصولها في أعماق البناءالاجتماعي.

إن مسحاً سريعاً للقوى الاجتماعية التي انخرطت في الأحزاب السياسية، كفيل بالكشف عن أصول هذه التناقضات. فمعظم زعماء الخوارج الأُوَل كانوا من بدو تميمالذين رغم بلائهم في الفتوحات لم يفوزوا إلا بسقط المتاع، بينما استأثرت الأرستقراطية بمزيد الغنائم. لذا اتخذ فكرهم السياسي الاجتماعي طابعاً ثورياً ديمقراطياًاشتراكياً، حتى وصفوا ((ببولشفيك الإسلام)) و ((جمهوري الإسلام)) و ((كلافنة الإسلام)). وإقبال جماهير الموالي على مذهب الخوارج أثرى الفكر الخارجي وخرج به من سمته البدويةالجافة إلى دائرة الفكر البورجوازي الحضري.

وحسب التشيع كون قيادته من آل البيت العلوي، وكون أعلامه الأول من طبقة سلمان الفارسي وعمار بن ياسر. وحين صار حزباًسياسياً تصدى للمعارضة، اتخذ دعاته من ((بورجوازية)) المدن، وانخرط في قاعدته الفلاحون والأقنان وأهل الحرف. وليس جزافاً تبني الفكر الشيعي مفهوم العدل الاجتماعي،وارتكازه على العقلانية. فالسمة الأولى انبثقت من فهم صحيح للروح الإسلامية اختص بها آل البيت العلوي، حيث توارثوها عن علي المعلم الأول، أما الثانية فترتبط تاريخياًبظهور إرهاصات البورجوازية.

أما الاعتزال فكل أعلامه ـ من أمثال مؤسسة واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وغيرهما ـ كانوا من بورجوازية الموالي، كما كان دعاة المذهب وحفظتهفي الغالب تجاراً. ولو صحت الرواية التي تجعل من ((القدرية)) أسلافاً للمعتزلة، والرواية التي ترد القدرية إلى قطاع المعتدلين من كبار الصحابة الذين اتخذوا موقف الحياد((الواعي)) من أحداث الثورة على عثمان ـ كسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وعبدالله بن مسعود ـ لأدركنا لِمَ صار المعتزلة رواد النظر العقلي في الإسلام، ولماذا تبنوا مفهوم((العدل الاجتماعي)) على نو إصلاحي، وأخيراً لماذا تحالف المعتزلة والشيعة في العمل السياسي في العصور التالية؟، وكذا اتساق أفكارهم وتداخلها حتى أصبح من العسير التمييزبين آرائهما.

ومن الظواهر الجديرة بالنظر ما حدث في أواخر الحقبة الإقطاعية من تقارب والتقاء في الآراء والأفكار بين أحزاب المعارضة كافة برغم تباين تياراتها بينالتطرف والاعتدال. وإذا كان لذلك من تفسير فيكمن في التقارب الطبقي الناجم عن سطوة النمط الإقطاعي، ونجاح البورجوازية الناشئة في حشد معظم القوى والشرائح الاجتماعيةالمضادة لتخوض تجربة مواجهة جديدة مع الإقطاع الأموي.

وبديهي أن يفرز النمط الإقطاعي بنيته الاديولوجية، تلك التي تمثلت في مذهب الإرجاء. وشيوخ الإرجاء الأوائلكانوا من بين أولئك الذين يشير إليهم حديث شريف جاء فيه (( … مَن كان له إبل فليلتحق بإبله ومَن كان له غنم فليلتحق بغنمه ومَن كان له أرض فليلتحق بأرضه))، وهؤلاء كانوا((عثمانية)) و ((نابت يقولون بالجبر والإرجاء)). وبمعنى آخر كانوا حشوية ((أي أتباع الملوك وأعوان من غلب)). ويعبر الفكر الإرجائي ـ إن صح اعتباره فكراً ت عن هزال المعطياتالثقافية للإقطاعية، فمن سماته القهر والتبرير والغيبية ((والهروبية)). ولا غرو فقد تبنى المرجئ القول بالجبر في مقابل مبدأ الاختيار الذي يعلي من قدر الإنسان وإرادته فيصنع مصيره. كما برروا استغلال الإقطاعية بإرجاء ((محاكمتها)) ((إلى الله سبحانه وتعالى)). وفصلوا بين الإيمان والعمل، فالعبد يموت على توحيده برغم ما اقترف في دنياه من آثام… إلى غير ذلك من الاعتقادات، والتي تنهض دليلاً على الإفلاس والتبرير الفكري.

خلاصة القول: إن الحقبة الإقطاعية الأموية شهدت تيارات فكرية متصارعة، وبرغم إفلاسالرصيد الفكري للإقطاعية، لم تدخر وسعاً في قمع التيارات الليبرالية المعارضة، الأمر الذي عوق مسيرتها، فلم يقدر لها اكتمال النشأة إلا في المرحلة التالية بعد دحرالإقطاعية وتدفق المد البورجوازي.

وقد لخص الشاعر أدونيس في إيجاز رائع ((تجربة الفكر)) في تلك الحقبة بقوله: (( .. شهد هذا العصر انقساماً في الطبقات الاجتماعية واكبهانقسام في المعاني. أما الطبقة الحاكمة فترث، وهي إذن ستفكر وتعمل من موقع الوارث المسيطر، أي أنها ستتملك بالمعاني المستقرة الشائعة، وبالتقاليد والنصوص الظاهرة التيتدعمها. أما الطبقات المتململة أو المسحوقة فإنها ستشدد على ما يعطي للدين معناه الحقيقي كما تراه، وستفسر النصوص بما يلائم هذا المعنى … وهكذا كان العهد الأمويبداية الصراع في المجتمع الاسلامي بين المعاني على مختلف المستويات … ومن هنا اختلفت مهمة الشاعر والمفكر بعامة بحسب موقعه، فالمنخرط في النظام السائد كان ينتجثقافة تعبر عن القيم الموروثة أو السلفية السائدة. والمنخرط في رفض النظام أو الثورة عليه كان ينتج ثقافة تعبر عن التحول وامكاناته وآفاقه .. )).

* المصدر : سوسيولوجياالفكر الاسلامي

/ 1