ذمیون نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ذمیون - نسخه متنی

جاک ریسلر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

جاك ريسلر

جاك ريسلر

اسباب انحلال دولة الاسلامية


كان اتساع الامبراطورية بالذات السبب الأول لتفككها وانحلالها. صحيح أنّ الخلفاء كانوافي أيام الفتح الزاهرة، قد عرفوا كيف يفرضون سلطانهم حتى على قادة المسيرات البعيدة. إلاّ أنّ الحدود كانت متماديةً في البعد لدرجة أنّه كان يلزم ثمانية عشر شهراً للذهابمن أقصاها إلى أقصاها، من سمرقند إلى سرغوسة. وكان لابد من ترك استقلالية لولاة الأمصار البعيدة عن العاصمة، الأمر الذي أدّى حتماً إلى تفكك الامبراطورية وتجزئتها. كيفكان يمكن للأمر أن يكون مختلفاً؟ لم يكن هناك سلطة ممركزة كفاية وقوية جداً للحافظ على تماسك تجمّع من الأمصار والقبائل، بالغ التنوع والإمتداد.

من جهة ثانية، كانتالتجاوزات بكل أنواعها، لا سيما حياة الحريم التي كانت تستنفد بسرعة قوة العقل وقوة الجسد معاً، قد أدت إلى انحلال السلالات التي لم تعد تنجب سوى أمراء معتوهين ومعاقين،أكثر ميلاً لحياة المسرّات والبذخ منهم إلى القيام بأعباء الحكم. وكان التسرّي اللامحدود يزيد من عدد الأدعياء الذين صارت مكانتهم مشبوهة من جرّاء انعدام قانون وراثةثابت. ففي كل آن، كانت انقلابات بلاطيّة لا تعدُّ ولا تحصى، تطيح بالسلطان وتُقيم مكانه سلطاناً آخر؛ فلم يعد هناك تواصل عملي وإداري في جهاز الامبراطورية العملاق. كماأنّ الإنحلال الأخلاقي كان قد أصاب الأمة أيضاً. فازدياد الثروات وما ينجم عنها من يسارٍ وبذخ وكسل، ومن تَسّرٍ وبغاء، ومن إفراطٍ في الرقص والغناء، وفي الموسيقىوالشراب، كان لهما أثرهما البالغ على صعيد الطبقة الحاكمة. كان دمُ الفاتحين قد تميّع وتموه في دم المغزوّين. لقد كانت ديناميكية العرب وخصالهم وخصائص رجولتهم في حالةانحلال.

فوق ذلك، كان الاتحاد القائم على وحدة اللغة والعقيدة، يميل إلى الانحلال؛ فحين استذكرت شتى الشعوب استقلالها المفقود وتناقضاتها وحقدها على السلطةالمركزية، كان لا مفرّ لها من التسمم والتعادي والانجرار إلى المعارك الداخلية. ومثال ذلك أنّ الفرس، الأوفياء لذكرى مجدهم الغابر، لم يعودوا راغبين في الولاء للنظامالجديد. وكانت سورية تنتظر دائماً القائد الوطني الذي يمكنه تخليصها من ربقة العباسيين، وكان البربر قد احتفظوا بشعور قبلي عميق الجذور؛ ولدى العرب أنفسهم ظلّ قائماًشعور انقسامي قديم بين عرب الشمال وعرب الجنوب. حتى أنّ العقيدة الدينية التي كانت قد صنعت الوحدة في الأمس، راحت تترنح تحت ضربات الهرطقات والزندقات. حتى أن الخلافة لمتنجُ من انقسامات أهل السنة (اليمين) وأهل الشيعة (اليسار). فالشيعة كانوا يؤيدون قضيّة 'العلويين' ضحايا العباسيين. وكانت أهميتهم ودورهم السياسي كبيرين دائماً على مرالأزمان؛ وكان المذهب الشيعي الإسماعيلي قد ذهب إلى حد إقامة خلافة شرعية وحرّة، خلافة الفاطميين في مصر، بينما كان المذهب الشيعي الزيدي وراء قيام الإمارة البويهيةشرق الفرات. كذلك، كان لا بد من أن يحسب حساب القرمطيّة، المعتزلة، الصوفيّة ومذاهب أخرى كثيرة، فلسفية أو دينيّة. والواقع أنّ كل تلك الحركات أدّت إلى تفاقم الانقساماتالسياسية والجغرافية؛ فتراءى الإسلامُ عاجزاً عن جمع المؤمنين في جماعة متماسكة ومتناغمة.

وعلى منوال الانقسامات المذهبية والعقيدية، راحت العوامل الاقتصاديةتضغط بكل أثقالها على التفكك الاجتماعي والأخلاق. وعلى التوالي، صار المشرقُ جنّة عدنٍ أو صحراء، حسبما يكون مروياً أو غير مروي. لكنما إعداد قنوات الري كان يستلزمتنظيماً ورعايةً متواصلة، لا يمكن لغير الدولة توفيرها. ولما صارت الأعمال سيئة التصور، سيئة الإدارة وسيئة التنفيذ، اقتربت المجاعةُ وتفاقم الفيضان والأمراضالمُعدية. هناك أربعون داءً وبيلاً حلّ في بلاد الإسلام على مدى القرون الأربعة الأولى، وقضى على الكثير من سكانها. إلاّ أن تلك الأوبئة لم تصب النظام الضريبي الذي كانيتفاقم باضطراد مع تفاقم خطورة الأحوال؛ فكان كل مليكٍ يجرّد رعيته من أملاكها ومحاصيلها بلا خجل. كانت تلك التجاوزات عرفاً يومياً، وصارت قانوناً مع الأيام. فلم يعد ثمةشيء يشجع الإنتاج، وبدأت تنهار الزراعة والصناعة، وكان كل ذلك يلحق الضرر بالخزينة، التي سرعان ما وجدت نفسها عاجزةً عن تمويل صناديق الدولة.

عندما لا يعود الاقتصادُقادراً على تحمّل الحكم، ينحل الحكم ويتعيّش من البقايا، فتكثر المضارباتُ وترتفع الأسعار، وتندلع الثورة.



المصدر: الحضارة العربية

/ 1