د. محمد حسين الصغير
الآداب النفسية للتفسير
والمراد بالآداب النفسية مجموعة الصفات والملكات التي يتنامى بها الكمال الذاتي في تهذيبالنفس وصيانتها عن الزيغ والانحراف بحيث يطمئن معها الى الجانب الروحي عند الانسان فضلاً عما يتمتع به من حيطة وحذر، وما يناسب ذلك إصلاح السريرة، ولزوم الطاعة ونقاءالضمير، مما يهيء للنفس التدبر في القرآن، والتفكر في أسراره، من صحة في الاعتقاد، وإخلاص في النية، وتفويض الأمور الى اللّه، وطلب العون منه في مجال المعرفة والكشفوالأستزادة العلمية.
إن ما يكون بهذا السبيل يمكن إجمال معالمه بالمؤشرات الآتية على سبيل المثال والنموذج لا الحصر والاستقصاء.
أ- صحة الاعتقاد:
وهذا أمرضروري تمليه طبيعة الإيمان بأن القرآن هو الكتاب المنزل على نبيه المرسل دون زيادة أو نقصان، والنظر اليه بمنظور مقدس، ليكون الباحث في مضامينه مفسراً جادّاً، تنبعثعقيدته من داخل النفس الانسانية فيصبح ما يخطه يمينه نابعاً من صميم ضميره، حقيقة لاتقبل جدلاً، وعقيدة لا يداخلها ريب، يعمل بهديها ويستضاء بألقها. أما الغوغائية فيالتفسير والتي لا تمت الى العقيدة بصلة الوعي الهادف فهي نوع من الهذر والثرثرة يعبر بهما عن ثقافة سطحية تعتمد التحريف تارة، والتضليل تارة أخرى، ويكون همها خلط الحابلبالنابل، وهدفها إلقاء الحبل على الغارب، دون أداء أمانة او تحمل مسؤولية، وهنا يكمن الخطر الهدام الذي يهدد تراث الأمية ويستهدف مجدها الشامخ، لهذا يجب مراعاة ذلك بلمجابهته بالتحرز من كيد المنحرفين، وجملة من شبهات المستشرقين، وكثير من حملات ذوي العاهات النفسية والفكرية ممن يديفون السم بالعسل.
ب- الأخلاص والتفويض:
وإذاكان الاعتقاد خالصاً من كل شائبة، جاء إخلاص النية مكملاً للنفس الانسانية من كل نقيصة، لا سيما اذا إقترن الاخلاص بالتوكل على اللّه والتفويض اليه، بتخليص النفس منالآفات والدواعي، وليتسم العمل بصحة الخاطر والفطرة، ونقاء القلب والسريرة، وأبرز مظاهر ذلك الحريجة في الدين، الورع عن المعاصي، والزهد في الدنيا، والتوجه نحو اللّهفي السرّاء والضراء، وهذا ما يهب الانسان من المواهب معيناً لاينضب، فقد ورد في الأثر: «العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء»على أن يكون هذا القلب مجانباً لهواه،متبعاً لأمر مولاه، متفقهاً في الكتاب للّه، يعمل بعلمه، ويعلمه غيره، فعن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال: «من تعلم العلم، وعمل به، وعلم للّه: دعي في ملكوتالسماوات عظيماً، فقيل: تعلم للّه وعمل للّه وعلم للّه».
ج- التدبر والتفكر:
التدبر في آيات القرآن، والتفكر بمعانيه ومراميه، من أبرز سمات المفسر الهادف، فكلآيات القرآن تدعو الى التدبر، وكل معانيه تستأهل التفكر، وبهما يستعصم المفسر من الخطأ في التفسير، ويتحرز عن الاسفاف في التقرير، فتكون أحكامه عن بصيرة، وتصدر أراؤه عندراية، إذ طبيعة التدبر الواعي والتفكر الجاد مصاحبة التأمل واليقظة والترصد، وكل أولئك مؤشرات دقيقة تستفرع الجهد، وتتحكم في الاجتهاد، وإذا استفرغ المفسر جهده، وأقامعلى الاجتهاد حقائق ما يتوصل اليه، كانت النتائج أكثر أصالة، والآراء أسد تصويباً، ووصل التفسير الى الكشف مراد اللّه.
علم الموهبة:
وقد رجح السيوطي (ت:911) هجري أنيتمتع المفسر نفسياً بعلم الموهبة، وهو ليس من العلوم المكتسبة، ولا من الفنون التعليمية المحصلة، وانما المراد به الفيض الرباني والعلم الديني استناداً الى قولهتعالى: {وعملنهُ من لدنَّا عِلماً} واليه الاشارة بحديث: «من عمل بما علم، ورثه اللّه علم مالم يعلم» وهو بهذا علم يورثه اللّه تعالى لمن عمل بما علم.
ولعل المراد بعلمالموهبة: الايحاءات التي تعترض خاطر الانسان وتحتشد في ذهنه، فيصيبها في تفسيره دون تلقيها من أحد، أو أكتسابها من جهة، بل هي إنقداح بالفكر، وبداهة من الفطرة تشق طريقهاالى النفس إستئناساً بشفافيتها ونقائها، ويكون مصدر ذلك حينئذ هو اللّه تعالى بالموهبة والايحاء، لا بالكسب والمعرفة، ولا يتأتى ذلك لكل فرد، ولا يفوز به الا الصفوةالمختارة في كل جيل، وملاك ذلك هو الصفاء الروحي والتوجه نحو الله.
المصدر : المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم بين النظريةوالتطبيق