الدليل الشرعي اللفظي
محمد باقر الصدر إثبات الصدورلكي نعمل بكلام بوصفه دليلاً شرعياً لابد من إثبات صدوره منالمعصوم وذلك بأحد الطرق التالية:
( الأول ) التواتر وذلك بأن ينقله عدد كبيرمن الرواة وكل خبر من هذا العدد الكبير يشكل احتمالاً للقضية وقرينه لاثباتها وبتراكمالاحتمالات والقرائن يحصل اليقين بصدور الكلام,وحجية التواتر قائمة على أساس افاداته للعلم ولاتحتاح حجيته الى جعل وتعبد شرعي.
( الثاني ) الإجماع والشهرة وتوضيح أنااذا لاحظنا فتوى الفقيه الواحد بوجوب الخمس في المعادن مثلاً.نجد انها تشكل قرينة إثبات ناقصة على وجود دليل لفظي مسبق يدل على هذا الوجوب لأن فتوى الفقيه تجعلنا نحتملتفسيرين لها :
أحدهما أن يكون قد استند في فتواه الى دليل لفظي مثلاً بصورة صحيحة,والآخر أن يكون مخطئاً في فتواه.
وما دمنا نحتمل فيها هذين التفسيرين معاً فهيقرينة إثبات ناقص,فاذا أضفنا اليها فتوى فقيه آخر بوجوب الخمس في المعادن ايضاً,كبر احتمال وجود دليل لفظي يدل على الحكم نتيجة لاجتماع قرينتين ناقصتين,وحين ينضم الىالفقيهين فقيه ثالث نزداد ميلاً الى الاعتقاد بوجود هذا الدليل اللفظي وهكذا نزداد ميلاً الى الاعتقاد بذلك كلما ازداد عدد الفقهاء بوجوب الخمس في المعادن,فاذا كانالفقهاء قد اتفقوا جميعاً على هذه الفتوى سمي ذلك ( إجماعاً ),واذا كانوا يشكلون الأكثرية فقط سمي ذلك 'شهرة'.
فالإجماع والشهرة طريقان لاكتشاف وجود الدليل اللفظي فيجملة من الاحيان.
وحكم الإجماع والشهرة من ناحية أصولية أنه متى حصل العلم بالدليل الشرعي بسبب الإجماع أو الشهرة وجب الأخذ بذلك في عملية الاستنباط,وأصبح الاجماعوالشهرة حجة,واذا لم يحصل العلم بسبب الاجماع أو الشهرة,فلااعتبار بهما,إذ لايفيدان حينئذ إلا الظن ولا دليل على حجية هذا الظن شرعاً فالأصل عدم حجيته,لأن هذا هو الأصل فيكل ظن.
( الثالث ) سيرة المتشرعة,وهي السلوك العام للمتدينين في عصر المعصومين من قيبل اتفاقهم على إقامة صلاة الظهر في يوم الجمعة بدلاً عن صلاة الجمعة,أو على عدم دفعالخمس من الميراث.
وهذا السلوك العام اذا حللناه الى مفرداته,ولاحظنا سلوك كل واحد بصورة مستقلة,نجد أن سلوك الفرد المتدين الواحد في عصر التشريع,يعتبر قرينة إثباتناقصة على صدور بيان شرعي يقرر ذلك السلوك,ونحتمل في نفس الوقت أيضاً الخطأ والغفلة وحتى التسامح.
( فإذا عرفنا أن فردين في عصر التشريع كانا يسلكان نفس السلوكويصليان الظهر مثلاً في يوم الجمعة ازدادت قوة الاثبات.وهكذا تكبر قوة الإثبات حتى تصل الى درجة كبيرة,عندما نعرف أن ذلك السلوك كان سلوكاً عاماً يتبعه جمهرة المتدينينفي عصر التشريع,) إذ يبدو من المؤكد حينئذ أن سلوك هؤلاء جميعاً لم ينشأ عن خطأ أو غفلة أو تسامح,لأن الخطأ والغفلة أو التسامح قد يقع فيه هذا أو ذاك,وليس من المحتمل أن يقعفيه جمهرة المتدينين في عصر التشريع جميعاً.
وهكذا نعرف أن السلوك العام مستند الى بيان شرعي يدل على إمكان إقامة الظهر في يوم الجمعة,وعدم وجوب الخمس في الميراث.وهيفي الغالب تؤدي الى الجزم بالبيان الشرعي ضمن شروط لامجال لتفصيلها الآن.
ومتى كانت كذلك فهي حجة,وأما اذا لم يحصل منها الجزم فلا اعتبار بها لعدم الدليل على الحجيةحينئذ.
وهذه الطرق الثلاث كلها مبنية على تراكم الاحتمالات وتجمع القرائن.
( الرابع ) خبر الواحد الثقة ونعبر بخبر الواحد عن كل خبر لايفيد العلم,وحكمه أنه اذا كانالمخبر ثقة أخذ به وكان حجة وإلا فلا,وهذه الحجية ثابتة شرعاً لاعقلاً لانها لاتقوم على أساس حصول القطع,بل على أساس أمر الشارع بإتباع خبر الثقة,فقد دلت أدلة شرعية عديدةعلى ذلك. ومن تلك الأدلة آية النبأ وهي قوله تعالى : ' يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ...'
الآية ,فانه يشتمل على جملة شرطية وهي تدل منطوقاً على إناطةوجوب التبين في حالة مجيء النبأ من قبل غير الفاسق,وليس ذلك إلا لحجيته فيستفاد من الآية الكريمة حجية خبر العادل الثقة.
ويدل على حجية خبره ايضاً ان سيرة المتشرعةوالعقلاء عموماً على الاتكال عليه,ونستكشف من انعقاد سيرة المتشرعة على ذلك واستقرار عمل اصحاب الأئمة والرواة عليه أن حجيته متلقاة لهم من قبل الشارع وفقاً لما تقدم منحديث عن سيرة المتشرعة,وكيفية الاستدلال بها.
المصدر: دروس في علم الأصول.