الشيخ حسين الحلي
السرقفلية (الخلو)
ماهي السرقفلية؟
ليست كلمة _السرقفلية _ عربية بل هي كلمة فارسية ترمز الى ماتعارففي ايامنا الاخيرة بان يتنازل المستأجر عما تحت تصرفه من إيجار المحل الذي يشغله الى الآخر، ويتقاضى ازاء هذه العملية مقداراً من المال يتفق عليه الطرفان وربما سمي ذلكفي اللغة الدارجة _الخلو _ وهو مأخوذ من تخلية ماتحت اليد الى الغير. وهي على أنواع:
النوع الأول من السرقفلية:
مايكون الاتفاق فيه واقعاً بين المستأجر القديموالجديد فيتنازل الأول عما تحت تصرفه الى الثاني وفي قبال هذا التنازل يدفع المستأجر الجديد المبلغ المتفق عليه إلى المستأجر القديم. وبهذا يكون المالك في مجنب عنالمعاملة والاستفادة منها.
ولا بد لنا _والحالة هذه _ من معرفة الوجه الشرعي في أخذ المال والتصرف به من قبل من كان المحل تحت تصرفه أولاً، وكيفية إعطاء المال من قبلالمستأجر الجديد.
وأخيراً لابد لنا من تحديد موقف المالك من هذا التنازل من شخص قد استأجر ما هو ملك له وقبول المستأجر الجديد وهل بإمكانه الوقوف في طريق هذه المعاملةأولا؟
أخذ المال بأزاء السرقفلية:
وفي صدد المحاولة لتصحيح مثل هذه المعاملة من الطرفين والمالك في معزل يرى البعض بأن هذا المقدار من التنازل من المستأجر القديمإلى غيره حق من حقوقه لأن تصرف المحل بيده طيلة مدة العقد. وهو في الوقت نفسه من الشروط الضمنية ولا مجال للمالك أن يمنعه من استعمال حقه وعدم الوفاء بذلك الشرط الضمني. ويمثلون للشروط الضمنية والتي لا يجوز التخلف فيها _مثلاً _ بما لو باع شخص كتابه لآخر بدينار فلا مجال للمشتري من أخذ الكتاب من البائع واحتساب المبلغ ديناً بذمته، ذلكلأن نقدية الثمن بازاء المثمن شرط ضمني لجريان العرف على التسليم، ولأن إطلاق العقد يقتضي ذلك على وجه يكون الانصراف اليه كقرينة نوعية على أخذه في متن العقد ويكون ذلكالتعارف مغنياً عن إدخاله في صريح الإنشاء العقدي، فلا يجوز التأخر عن دفع الثمن إلى البائع بل لابد من تسليمه نقداً، وفيما نحن فيه كذلك فقد جرى العرف في أيامنا هذه علىأن من كان قد استأجر محلاً من آخر لايخرجه المالك إلا برضائه ولا يتخلف المالك عن عقد الإيجار معه بعد انتهاء مدة الايجار مراعاة لأحقيته في الإيجار عرفاً، وهذا المقدارمن الحق العرفي يكون صالحاً للنقل الى الغير بصلح ونحوه، بل يكون نفس هذا الحق مالاً من الأموال يقبل المعاوضة عليه ويكون من آثاره تحقيق الاستطاعة والانتقال إلى الورثةكبقية الأموال التي تورث.
ولكن هذا الرأي غير صحيح.
باعتبار أن هذا المقدار من الحق من حقوق المستأجر بدرجة أن المالك يكون ملزماً باجابته على الاجارة لو أراد ذلكبعد انتهاء المدة _أمر يتوقف على الدليل ما دام لم يثبت عند العرف أن ذلك من قبيل الحقوق العائدة إلى المستأجر ولا بد للمالك عندها من الإجابة وعدم التخلف، وأقصى ما فيالبين أنه قد جرت العادة العرفية على أن المالك لايتصدى لإخراج مستأجره بل يدعه وطبعه مراعاة لأسبقيته طالما لم يخل بشروط العقد ولكن عدم تصديه لإخراجه لا يكون موجباًلأن يكون عدم إخراجه من الشروط الضمنية التي يجب الوفاء بها من قبل المالك.
ومن البعيد جداً أن يكون المؤجر حين عقد الإيجار يقصد إنشاء هذا الحق للمستأجر.
وعلى فرضأن العرف يرى أن ذلك حقاً فانما هو من الحقوق والأحكام الثانوية التابعة لحصول الإجازة بحيث تتحقق بعد حصولها في الخارج فتكون في مرتبة متأخرة عن العقد وإنشائه. وهذالايتم للنقض الذي يرد عليه فإنا لو أردنا أن نأخذ مثل هذا التباني العرفي بنظر الاعتبار كشرط من الشروط الضمنية كما هو الحال في موضوع تسليم نقد البلد في المعاملةالواقعة بين الطرفين، أو التسليم والتسلم فلا بد من أن نعتبر خدمة الزوجة في بيت زوجها كربة بيت فلا يجوز _حينئذ _ التخلف عن ذلك ولا أخذ الأجرة عليه لو أرادت ذلك في حين أنالزوجة حرة في خدمة بيتها والشارع المقدس لم يوجب عليها ذلك إنما فضل منها في ترتيب بيتها.
ولو فتحنا باب النقض لجأنا بكثير من الامثلة إليه.
هذا لو خرجنا الشرطالمذكور على نحو شرط النتيجة بحيث يكون للمستأجر البقاء في المحل بالأجرة المقررة من دون أن يؤجره المالك من جديد. وهكذا الحال لو قلنا: بأن المستفاد من هذا الشرط الضمنيهو أن المالك يؤجر المحل على المستأجر لو أراد أن يستأجره منه ويخرج الشرط على نحو شرط السبب فهذا المقدار أيضاً ليس بكاف لتصحيح المعاملة. لأنا نقول:
إن هذا لو كانفانه لايتعدى أن يكون شرطاً من الشروط وللمستأجر قابلية أسقاطه بأن لا يستأجر المحل منه في السنة الثانية، أما نقله إلى الغير كحق من الحقوق سواء كان مجاناً، أو بعوض. منصلح ونحوه فهذا مما لا دليل عليه، ولو فرضنا أن المستأجر القديم اشترط بنحو الشرط الصريح على المالك بأن له الحق في تجديد عقد الايجار معه عند حلول الموعد وانتهاء مدةالايجار فان هذا الشرط يلزم على المالك إجابته في هذه الجهة، أما أن المستأجر يتنازل عن المحل الى غيره بأن يأخذ في قبال تنازله مبلغاً من المال فهذا مما لم يكن مستفاداًمن ذلك الشرط الصريح فكيف به لو كان ضمنياً وعلى فرض تسليمه.
إذاً فلا مجال لتصحيح أخذ المال وإعطائه إلا أن ينزل الأخذ المذكور على الهبة بنحو يشترط الواهب _والذي هوالمستأجر الجديد _ على المستأجر القديم أن لايزاحمه في استيجار المحل في المستقبل وهذا أمر سائغ لا بأس فيه فان للانسان أن يهب آخر مقداراً من المال ويشترط عليه أن لايزاحمه في شراء الدار الفلانية، أو الحاجة الفلانية وما شاكل. أو نجعل ذلك من قبيل الهبة المعوضة والعوض هو مجرد عدم المزاحمة والتخلي عن الاقدام على استيجار المحل. وبهذا المضمون وردت الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام.
حيث دلت على صحة أخذ المال عوضاً عن انتقال الشخص عن المنزل فيسأله الراوي عن الرجل يرشو الرشوة على أنيتحول عن منزله فيسكنه قال _عليه السلام _ لا باس به.
وربما نزلنا ذلك على الجعالة بأن يدفع المستأجر الجديد مقداراً من المال كجعالة الى المستأجر القديم على أنلايزاحمه في هذا الاستيجار. ويكفي في الجعالة أن لا يعمل شيئاً ولا يشترط أن يكون بازائها عمل من الأعمال بل نفس عدم الاقدام على الايجار هو أمر معتبر عندهم ويدفع بازائهالجعل.
وهناك طريق ثالث لتصحيح أخذ المال وهو تخريج هذه الاتفاقية بين المستأجرين الجديد والقديم على الصلح بأن يتصالح الطرفان على أن يدفع المستأجر الجديد إلىالمستأجر القديم مبلغاً من المال بشرط عدم مزاحمة هذا الطرف للمستأجر الجديد في استيجار المحل.
موقف المالك من السرقفلية:
هذا كله من ناحية المستأجرين الجديدوالقديم، وكيفية دفع الاول المال إلى الثاني، وصلاحية أخذ الثاني منه.
أما حال المالك في وسط هذه المعاملة التي عقدت بغير إذنه فهل له المنع منها، أو لا بد من الرضوخوالقبول؟
أما ما تقدم من الرواية الواردة: فيمن يرشو المال ليتحول عن المنزل والتي تصرح بنفي البائس، فانها لا تدل على نفي البائس باعطاء المال بإزاء أن يتحول الآخرعن الدار، وأما نفوذ ذلك الاتفاق على المالك فلا دلالة للاخبار عليه.
والخلاصة:
أن قبض المال على سبيل (السرقفلية) وان كان صحيحاً للمستأجر القديم إلا أن هذهالمعاملة لا تنفذ على المالك بل للمالك تمام الحق في التصرف بأمواله إن شاء أجاز الاجارة الجديدة وان شاء منع، فان الناس مسلطون على أموالهم والمفروض عدم ما يحد من هذهالسلطة.
أما الوجوه المذكورة فانما هي لتصحح لنا أخذ المال من المستأجر الجديد إلى القديم وعدم المانع منه فقط. أما المالك فهو حر.
النوع الثاني من السرقفلية: ومن أقسام السرقفلية ما شاع أخيراً في أيامنا الحاضرة من أن المالك هو الذي يستلم هذه السرقفلية من المستأجر بعد أن تنبه كثير من الملاك إلى أن موضوع السرقفلية أمر عرفيشائع في الأسواق، فبدلاً من ان يتمتع بهذا المال غيره فهو أحق به _فمثلاً _ يأخذ المالك مائتي دينار كسرقفلية، وخمسين دينار كايجار سنوي، والفرق بين هذا النوع والنوعالاول واضح. ذلك لأن المالك في النوع الأول بعيد عن المعاملة الجديدة بين المستأجر الجديد والقديم أما في هذا النوع فهو قد قبض مبلغاً من المال حين ايجاره للمحل من أولالأمر.
فما هو الحكم في هذا المبلغ المأخوذ من المستأجر الأول؟
وهل للمالك المنع من إيجار المحل لمستأجر جديد من قبل المستأجر القديم الذي قبض منه السرقفلية أوليس له ذلك؟
المستأجر والسرقفلية:
ويختلف حال المستأجر 'فمرة' يؤجر المحل على غيره مع أخذ زيادة على ما دفعه إلى المالك 'وثانية' يأخذ نفس المبلغ المدفوع وهو فيمفروض المثال مائتا دينار.
أما لو أخذ زيادة على ما دفعه كأن يأخذ المستأجر القديم ثلاثمائة دينار من المستأجر الجديد فتجري في المائة دينار الاضافية جميع الوجوهالمتقدمة في القسم الاول من السرقفلية من الهبة، أو الجعالة، أو الصلح.
وأما نفس المبلغ المدفوع لو أخذه من المستأجر الجديد فلا طريق لنا لتصحيح هذا الاخذ إلا علىالحوالة، لأن للمستأجر القديم هذا المبلغ في ذمة المالك وهو مائتا دينار وحيث يأخذ المستأجر القديم المبلغ من المستأجر الجديد فهو يحوله بالمبلغ على المالك، وهكذا يفعلكل مستأجر سابق مع المستأجر اللاحق. وفي الحقيقة أن لكل مستأجر يشغل المحل مبلغاً قدره مائتا دينار بذمة المالك فهو حين خروجه من المحل مخير بين الرجوع فيه الى المالكليتسلمه منه، أو ليتسلمه من المستأجر الجديد ويحوله على المالك لأخذ ما له بذمته.
كل هذا وللمالك كامل الحرية في ملكه لو شاء أجاز الاجارة وبقي المبلغ بذمته للمستأجرالجديد وإلا دفع المبلغ وأخرج المستأجر الجديد لأن الناس مسلطون على أموالهم.
وقد يقال: بأن مالك المحل لايمكنه من الوقوف في طريق هذه المعاملة الجديدة بينالمستأجرين الجديد والقديم وذلك لان أخذه للمال من المستأجر الاول هو في الحقيقة تخويل له بالايجار لمن يريد عند تركه للمحل ويكون هذا شرطاً ضمنياً في اثناء العقد ولاوجه لمنع المالك بتقريب: أن الناس مسلطون على أموالهم، لأن السلطنة في مفروض هذا العقد محدودة طبقاً للشرط الضمني الذي قبل به وسجله على نفسه في ضمن عقد الايجار. والجواب عن هذا الاعتراض _بأنا سبق وأن أغلقنا باب هذا النوع من الشروط الضمنية كما عرفت تفصيله في بيان القسم الأول من السرقفلية لان المالك قد أخذ المال من المستأجرقرضة بذمته وإزاء هذه القرضة منحه حق الأسبقية والجلوس في المحل، حيث يتنافس عليه المستأجرون، وأما بعد ذلك فيكون للمستأجر الحق بايجار المحل لمن يشاء فهذا غير مستفادمن العقد بحيث يسجل المالك على نفسه أن لا يخرج من يؤجر عليه المحل بعد تركه للمحل.
نعم لو كان العرف في بلدة يرون ذلك بحيث يكون قبض المالك للسرقفلية في الحقيقة اذناًمنه للمستأجر باعطائه الحرية في الايجار لمن يريد كأن يكون هذا المعنى شرطاً ضمنياً في نظرهم فان المؤمنين عند شروطهم ولا بد من الامضاء.
وهناك طريقة تصحح هذا النوعمن السرقفلية بحيث يكون المالك ملزماً بامضاء الاجارة الجديدة من المستأجر القديم لو أراد ترك المحل تلك الطريقة تنحصر في الالتفات بابراز الشرط في ضمن العقد كأن يصرحبه وان كان التصريح به يكون على نحوين: في أحدهما يكون باطلاً، وفي الآخر يكون صحيحاً. أما صورة البطلان فهي:
فيما لو أخذ منحه هذا الحق من صلاحيات الايجار للغير شرطاًللقرض والذي هو شرط في نفس العقد، لأن المالك حين ايجاره للمحل إلى المستأجر الاول اشترط عليه باقراضه المبلغ المذكور وهو مائتا دينار، وهنا لو التفت المستأجر وأخذ شرطمنحه صلاحية الايجار لمن يريد في ضمن عقد القرض كان هذا الشرط باطلاً كأن يقول المالك للمستأجر: أجرتك المحل بخمسين ديناراً سنوياً واشترط عليك إقراضي مائتي دينار ما دمتجالساً في المحل _فيقبل المستأجر الاجارة المذكورة بقوله. قبلت. ووفاء بالشرط المذكور يقرضه المبلغ ويشترط عليه في ضمن عقد القرض الجديد بأن له كامل الحرية في ايجار المحللمن يشاء فلو قبل المالك هذا الشرط لكان باطلاً لأنه شرط يجر نفعاً للمقرض وهو ملحق بالربا كما تقدم بيان بطلان مثل هذا.
وأما صورة الصحة فهي كما لو أوقع المستأجرونالايجار على النحو التالي:
كأن يقول المالك للمستأجر _أجرتك المحل بخمسين دينار سنوياً وشرطت عليك أن تقرضني مائتي دينار وفي الوقت نفسه فقد شرطت على نفسي بأن لاأمنعك من ايجار المحل لمن تشاء عند انتهاء مدتك أو قبلها _ فيكون هذا الشرط الذي يعود نفعه الى المستأجر شرطاً في عقد الاجارة لا في عقد القرض وإنما أخذ هذا الشرط ونفسالقرض شرطاً في عقد الاجارة فلا مانع منه من هذه الجهة.
ولكن هذا كما عرفت مخرج على التصريح بهذا الشرط، أما لو لم يصرح به وبقي الموضوع موكولاً إلى كونه من شروطالتباني _كما لايبعد كون السرقفلية في هذه الايام المخرجة على هذا القسم الثاني من هذا النوع من الشروط حيث لم يصرح بمنح صلاحية ايجار المحل للمستأجر بل يوكل إلى التباني_فقد تقدم الإشكال فيه، وان المالك يبقى مسلطاً على ماله وله الحق في فسخ الاجارة الجديدة ودفع ما بذمته إلى من أخذت منه السرقفلية.
المصدر : بحوثفقهية قدمه السيد عز الدين بحر العلوم