شعور العملی الأحکام الشرعیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شعور العملی الأحکام الشرعیة - نسخه متنی

حسن حنفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. حسن حنفي

الشعور العملي (الأحكام الشرعية)


بعد تأكد الشعور التاريخي من صحة النصوص، وبعد تأكد الشعور التأملي من صحة الفهم والتفسير،يأتي الشعور العملي أخيراً لتنفيذ الأحكام، وتطبيق الأوامر والنواهي، وتحويل الوحي إلى فعل في العالم وإلى حركة في التاريخ. ويعتبره الأصوليون 'النمرة'. ونظراً لأهميته،فإنهم يضعونه في بداية العلم ثم يقومون بعد ذلك بتحليل كيفية الاستثمار وشروط المستثمر والمستثمَر منه. ويسمونه 'الأحكام الشرعية'. ويقسّمونها تقسيماً رباعياً: الحاكموهو الشارع، والمحكوم عليه وهو المكلف، والمحكوم فيه وهو الفعل، ونفس الحكم وهو الأمر والنهي. وقد استمر الحال كذلك الى أن أتى الشاطبي (790ه‍) في 'الموافقات في أصولالشريعة' وفصّل الشعور العملي وجعله اكثر من نصف العلم، وأخذ التقسيم الرباعي على نحو جديد إثنين إثنين: الأحكام والمقاصد. وتنقسم الأحكام إلى أحكام التكليف وأحكامالوضع، كما تنقسم المقاصد إلى مقاصد الشارع ومقاصد المكلف. فأحكام التكليف هي أفعال الانسان في العالم طبقاً لمستويات الفعل وطاقات الانسان وقدرته على التمثل والمقاومةوالتضحية، في حين أن أحكام الوضع هي الأحكام الموضوعة في العالم قبل أن يتمثلها الإنسان، والتي ترتكز على أسس موضوعية وليس على مجرد التعبير عن الإرادة الالهية، أوالاهواء والانفعالات الذاتية. أما مقاصد الشارع فتعني الوحي باعتباره قصداً إلهياً يتجه إلى الإنسان ويقوم على أسس وضعية، وهو الدفاع عن المصالح العامة. ثم يتحول هذاالقصد العام الشامل إلى قصد انساني في مقاصد المكلف ويصبح النية على الفعل والباعث على السلوك.

والحكم اصطلاحاً يعني خطاب الشرع بأعمال المكلفين ولا حكم للشارع بدونهذا الخطاب، خلافاً للمعتزلة الذين يوجبون الحكم بالعقل، فالأفعال لديهم تنقسم الى حسنة وقبيحة، فمنها ما يدرك بضرورة العقل، ومنها ما يدرك بنظر العقل، ومنها ما يدركبالسمع، وهي مسألة تدخل في علم أصول الدين في موضوع الحسن والقبح. ولا يجب شكر المنعم عقلاً قبل ورود الحكم الشرعي، خلافاً للمعتزلة الذين يوجبونه بالعقل، وهي أيضاًمسألة كلامية عارية عن علم أصول الفقه. وقد ذهبت جماعة من المعتزلة الى أن الأفعال قبل ورود الشرع على الاباحة، وقال آخرون على الحظر، وتوقف فريق ثالث، وهي عند الاشاعرةبلا حكم بدليل الاستصحاب والبراءة الأصلية.

وقد اتفق علماء الأصول على أن أحكام التكليف خمسة: الواجب والمحظور والمباح والمندوب والمكروه. وهي منطقية للأفعال، لأنخطاب الشرع يرد إما باقتضاء الفعل أو الترك أو التخيير بين الفعل والترك، فاقتضاء الفعل هو الأمر، فإن اقترن به الإشعار بالعقاب على الترك فهو الواجب، وإن لم يقترن فهوالمندوب. واقتضاء الترك هو الحظر، فإن اقترن به الإشعار بالعقاب على الفعل فهو المحظور، وإن لم يقترن فهو المكروه. أما إن ورد بالتخيير، فهو المباح.

ويسمى الواجبأيضاً الفرض، وهو الفعل الذي يثاب المكلف على فعله ويعاقب على تركه. وينقسم الى معين ومبهم بين أقسام محصورة ويسمى واجباً مخيراً، خلافاً للمعتزلة التي أنكرت الايجاب معالتخيير. كما ينقسم بالإضافة الى الوقت، الى مضيق وموسع، خلافاً للبعض الذي أنكر الوجوب مع التوسيع، وما لا يتم الواجب إلا به يكون واجباً، إذا تعلق باختيار العبد وكانشرطاً شرعياً أو حسياً، ولا يكون واجباً إذا كان لا دخل لقدرة العبد فيه. فإذا زاد الواجب الذي لا يتقدر بحد محدود، كانت الزيادة ندباً عند البعض، واجباً عند البعض الآخر.فإذا فسخ الواجب فإنه لا يصير مباحاً بل يرجع إلى ما كان عليه قبل الوجوب.

أما المحظور ويسمى أيضاً الحرام، فإنه الفعل الذي يعاقب المكلف على فعله ويثاب على تركه علىعكس الواجب، وهو أمر مطلق بالترك، ويقال عنه أيضاً المعصية والذنب والمزجور عنه والمتوعد عليه والقبيح، ويكتفي الأصوليون بهذا التعريف ولا يفيضون في مسائله كما يفيضونفي الواجب، نظراً لأنه يشتمل على نفس المسائل ولكن في ترك الفعل.

فإذا كان الحرام ضد الواجب، استحال أن يكون الشيء الواحد واجباً حراماً، طاعة معصية خاصة في الواحدبالعدد، وإن لم يكن في الواحد بالنوع. ولذلك ثارت مسألة 'الصلاة في الدار المغصوبة' وعدم جوازها عند القائلين بالنوع الواحد. كما ثارت مسألة هل الأمر بالشيء نهي عن ضدهونفي ذلك لاختلاف الصيغة ولاختلاف المعنى القائم في النفس.

والمندوب هو الفعل الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، أو هو الفعل الذي فعله خير من تركه، والفاعل مأمور به،لأن الأمر اقتضاء وطلب على عكس المباح.

والمكروه هو الفعل الذي لا يعاقب فاعله ويثاب تاركه، أو هو الفعل الذي تركه خير من فعله، ويقال عند الفقهاء على عدة معانٍمتفاوتة، مثل المحظور أو المحرم عند الشافعي أو ما نهى عنه نهي تنزيه أو ترك ما هو الأولى أو ما وقعت فيه الريبة والشبهة. وكما أن الحرام ضد الواجب فالمكروه ضد المندوب،وكما أن الحرام والواجب لا يكونان في فعل واحد، فكذلك المكروه والمندوب.

والمباح هو الفعل الذي لا يثاب ولا يعاقب فاعله أو تاركه، أو هو الفعل الذي يستوي فيه فعلهوتركه. وخوفاً من الحاقه بأفعال الصبي والطفل والمجنون والبهيمة، أو أيضاً بأفعال الله التي يتساوى فيها العقل والترك دون أن يُسمى ذلك مباحاً قيل في حده إنه الفعل الذيورد الاذن من الشرع بفعله وتركه غير مقرون بذم فاعله ومدحه ولا بذم تاركه ومدحه، أو هو الفعل الذي لا ضرر عليه ولا نفع في تركه أو فعله. وقد أنكرته بعض المعتزلة لأنه يعنيرفع الحرج عن الفعل والترك، وذلك ثابت قبل السمع ولم يفعل الشرع شيئاً، وما لم يثبت تحريمه ولا وجوبه بقي على النفي الأصلي. ولكنه عند الاشاعرة، النفي الأصلي شيء وورودحكم الشرع بالاباحة حكم شرعي يرفع الحرج والذي يسميه بعض الفقهاء مرتبة العفو. وقد جعل البعض المباح أمراً بالمباح ضد الصوفية الذين يتخلون عنه طواعية. والحقيقة أن هذهالأحكام الخمسة تدل على أفعال الانسان المطلقة بين الايجاب والسلب، ثم أفعاله الاختيارية بين الإيجاب والسلب كذلك، ثم أفعاله الطبيعية حيث تكون الشرعية في مجرد الأفعالوحركتها في الطبيعة وهو المباح.

هذه الأحكام الخمسة هي الركن الأول في الحكم، وهو أهم الأركان الأربعة. فالركن الثاني هو الحاكم أي الشارع، ويكتفي علماء أصول الفقهبهذه التسمية حتى لا يدخلوا في مسائل حكم أصول الدين، حتى أنهم لا يستعملون لفظ الله. والركن الثالث هو المحكوم عليه وهو المكلف، وشرطه أن يكون عاقلاً يفهم الخطاب. وتكليفالناس والغافل والصبي والمجنون محال. أما شرط وجود المأمور ووجود كلام الله في الأزل، فإنها مسألة كلامية عارية عن أصول الفقه. والركن الرابع هو المحكوم فيه، وهو الفعلالاختياري، ويشترط صحة حدوثه، وجواز كونه مكتسباً للعبد، وكونه معلوماً للمأمور، وكون ايقاعه طاعة، وهو اكثر العبادات، وهي كلها مسائل كلامية تتعلق بخلق الأفعال.

أما أحكام الوضع، وهي التي تشير إلى بناء الأحكام موضوعياً في العالم ليس بفعل الإنسان، ولكن كما بناها الشارع، فهي خمسة أيضاً: السبب، والشرط، والمانع، والصحةوالبطلان، والعزيمة والرخصة.

فالسبب هو الذي أضاف الحاكم الحكم الشرعي له، كعلامة ودليل للتعرف على الحكم، خاصة بعد انقطاع الوحي مثل الاضطرار كسبب لاباحة الميتة.وأطلقه الفقهاء على أربعة معان: المباشر، وعلة العلة، وذات العلة مع تخلف وصفها، والموجب. أما الصلة بين السبب والمسبّب فهي مسألة كلامية فلسفية لا تدخل في أصول الفقهوتثير موضوع الحتمية والاحتمال في الطبيعة، وخطورة عدم ربط الاسباب بالمسببات وما قد يسبب ذلك من عدم الثقة بقوانين الطبيعة وبأفعال النفس. أما الحتمية فإنها اكثر مدعاةلهذه الثقة في المستقبل على تحقيق الفعل، إذا ما تم الأخذ بالاسباب. فإذا قيل إن مشروعية الاسباب لا تستلزم مشروعية المسببات حدث عدم الاطمئنان. وكان الفاعل أقرب إلىالتوكل. أما إذا تم الربط بينهما فيكون ذلك داعية على الاقدام والرجاء.

والشرط هو ما كان وصفاً مكملاً لمشروطه فيما اقتضاه مثل الإحصان مكمل لوصف الزاني، والمقصودهنا الشرط الشرعي وليس الشرط العقلي أو العادي، والشرط صفة للمشروط ومكمل له وليس جزءاً منه. ولا يكفي السبب وحده في وقوع المسبب، بل لا بد أيضاً من حصول الشرط.

والمانع هو ما يرفع الحكم. وقد يكون رافعاً للطلب أصلاً مثل الجنون، أو رافعاً لأصل الطلب مثل الحيض والنفاس، أو رافعاً للحكم بحيث يصبح مخيراً كالأنوثة بالنسبةللعيدين والجمعة، أو رافعاً للإثم بمخالفة الطلب مثل الرخص التي تمنع من إنختام الفعل. ولا يطلب من المكلف تحصيل المانع ولا دفعه من حيث هو مانع، كما لا يجوز التحيللاسقاط حكم السبب بفعل المانع. والصحة والبطلان يمثلان شرعية الفعل. فالصحة يراد بها آثار العمل في الدنيا وأثارها في الآخرة على السواء. وعكسها البطلان، أي عدم ترتبآثار الفعل عليه في الدنيا وفي الآخرة. وغياب القصد والنية على الفعل، أحد أسباب بطلانه. أما إذا اختلفت نسبة الفعل إلى الزمان فإنه لا يبطل بل يكون اداء، إذا تم في وقته،وقضاء، إذا تم خارج وقته، وإعادة إذا حدث في الفعل الأول خلل.

والعزيمة والرخصة يمثلان الطاقة على الفعل في صورتها المثلى، وهي العزيمة، أو في صورتها الواهنة، وهيالرخصة. فالعزم يعني القصد، والعزيمة في الشرع هو ما لزم العباد بإيجاب الشارع. والرخصة تعني اليسر والسهولة، وفي الشرع ما وسع للمكلف في فعله لعذر وعجز عنه مع قيام السببالمحرّم. وحكم الرخصة الاباحة، وعند البعض الوجوب، لأن التيسير أمر مفروض، والعذر الواحد يعتبر في شخص دون شخص، وإباحة الرخصة تعني دفع الحرج وليس التخيير.

وهنا تكشفأحكام الوضع الخمسة عن أن الأحكام الشرعية ليست أحكاماً صورية، تطبق في أي زمان وفي أي ظرف بل أوضاع إجتماعية على الفقيه أن يستقصيها قبل أن يطبق الحكم، فإذا غاب السبب أوالشرط أو حضر المانع، رفع الحكم.

أما مقاصد الشارع فأربعة: وضع الشريعة ابتداء، ووضع الشريعة للأفهام، ووضع الشريعة للتكليف، ووضع الشريعة للإمتثال. ويعني وضعالشريعة ابتداء السبب الأولى الذي لأجله وضعت الشريعة، وهو حفظ مصالح العباد عاجلاً أو آجلاً. والمصالح إما ضرورية أو حاجية أو تحسينية، وكل منها يكمل الآخر. فالضرورياتأصل الحاجيات والتحسينات، ويلزم من اختلالها اختلال الاثنين الآخرين، ولكن لا يلزم من اختلالهما اختلال الضروري. والضروريات هي مصالح العباد الخمس التي يذكرهاالأصوليون أحياناً في الاستصلاح في طرق البحث عن العلة، وهي المحافظة على الدين، والحياة، والعقل، والعرض، والمال. ويكون الحفاظ عليها بتثبيت وجودها ودرء الأخطار عنها.وقد يختلف بعض اسمائها مثل الحياة أو النفس، العرض أو النسل، كما قد يختلف الترتيب حسب العلاقة الداخلية لها وطبقاً لأهميتها. فالحياة أولها، لأنه لا دين ولا عقل ولا عرضولا مال بدون الحياة. ثم تظهر الحياة في الدين أي الحقيقة المطلقة، وفي العقل وسيلة إدراك هذه الحقيقة، كما تظهر في الدعامتين الماديتين لها وهي القوة البشرية المعنوية،أي النسل، والقوة المادية في المال. وليس في الدنيا مصلحة محضة ولا مفسدة محضة، ومقصود الشارع ما غلب منهما. فإذا تعارضا، نظر في التساوي والتراجيح. والمقاصد الشرعية لاتنخرم بل هي كلية أبدية. وهي ليست تابعة لأهواء النفوس، بل أن الشريعة أتت لإخراج الشعور من حيز الهوى إلى حيز الموضوعية. فالمصلحة والضرر ليسا إضافيين كما يقول الرازي،ويمكن من استقراء الشريعة معرفة ضابط للمصلحة والمفسدة، وعدم تركها بلا ضابط رداً لاعتراض العرافي ومنعاً عند الاشاعرة من القول بالعقل كضابط للمصلحة والمفسدة. وانتخلف الحكم أو الحكمة في بعض الجزئيات، لا يقدم في كلية المقاصد مثل العقوبات المشرعة للإزدجار. ولما كانت الأحكام مبنية على المصالح عند المصوبة والمخطئة جميعاً، كانتالشريعة معصومة من الضياع، وكان الحفاظ على الكليات هو أساس الحفاظ على الجزئيات.

أما وضع الشريعة للافهام، فإن ذلك يعني مخاطبتها للعقل حتى تتحول إلى اقتناع داخلي،وتعبير عن طبيعة المكلف، وليست مجرد أمر خارجي يتم تنفيذه طاعة للشارع. فالشريعة عربية تُفهم على أسلوب العرب. واللغة العربية تشارك باقي الألسنة في المعاني الأولية،ولكنها تتفرّد بمعانٍ ثانوية. فإذا أمكن ترجمة الأولى إلى لسان آخر، فإنه لا يمكن ترجمة الثانية. والشريعة أمية لا تخرج عما ألفه الأميون، تقوم على الطبيعة والفطرةوتتأسس في الجبلّة. فليست غاية القرآن إعطاء مباحث علمية أو اعطاء أصول العلوم كلها، كما يدعي البعض، بل اعمال النظر، وتوخي الوضوح، وتوجيه الانسان نحو الطبيعة لمعرفةقوانينها والسيطرة عليها. وما كان مضاداً لذلك رفضه القرآن، من خرافة وجهل، كما هو الحال في علوم الفأل والطير، والقيافة، والزجر، والكهانة، وخط الرمل، والضرب بالحصى فيالجاهلية. وما كان متفقاً معه، مثل علم النجوم، وعلوم الأنواء، وعلم التاريخ، وعلوم الطب، وفنون البلاغة، قبله القرآن.

أما وضع الشريعة للتكليف فيعني أن الشريعة لاتكلف بما لا يطاق، وأنها وضعت طبقاً للقدرة الانسانية، ممكنة التحقيق. فالقدرة شرط التكليف. ولا تكليف بالأوصاف الجبلية كشهوة الطعام، لأنه لا تمايز فيها، أماالانفعالات التي تتردد بين الجبلي والكسبي، كالشجاعة والحب والغضب والأناة، فإنها أقرب إلى الجبلي، لا يتم التكليف بها بل بآثارها ومبادئها. وكذلك الأمر في سائر أحوالالباطن، فإنها خارج التكليف لأنها خارج القدرة. ويمتنع التكليف بالشاق، فالمشقة على أربعة أنواع: الأول مشقة ما لا يطاق وهي مانعة من التكليف، والثاني المشقة الخارجةعلى المعتاد وهي أيضاً مانعة من التكليف، والثالث المشقة الزائدة على المعتاد وهي غير مانعة من التكليف ولا مقصودة منه، ويتفاوت فيها المكلفون حسب الأهلية وحسبالعزيمة، وحتى يُترك للانسان مجال التسابق نحو الخير والمنافسة في تحقيق المقاصد الشرعية. ولكن للمكلف قصد العمل الشاق وليس المشقة ذاتها، كما أن ليس له الدخول فيالمشقة باختياره. والحرج مرفوع على من لا يقدر خوفاً من الضرر أو الملل، فمن خف عليه ما يثقل على غيره أبيح احتماله أو خوفاً من تعطيل الأعمال الشرعية الأخرى، فأما من أمنذلك فلا بأس عليه أن يبلغ جهده في العبادة. والرابع مشقة مخالفة الهوى وهي المقصودة بالتكليف. والتكاليف جارية على الحد الأوسط، فإن مالت بالمكلف إلى أحد الطرفين، فإنمايكون ذلك لكي تنقل المكلف من الطرف الاخر إلى الطرف الوسط. كذلك يجوز التشديد والزجر لمن غلب عليه الانحلال في الدين، كما يجوز التخفيف والترخيص لمن غلب عليه التشدد.

أما وضع الشريعة للامتثال فإن ذلك يعني إخراج المكلف من حيز الهوى إلى حيز الوجود الموضوعي الثابت. لذلك يبطل العمل المبني على الهوى، حتى ولو كان الفعل محموداً، لأنهقد يؤدي إلى المذموم. ومتبع الهوى، كالمرائي يتخذ الأحكام آلة لتحقيق أغراضه. والمقاصد الشرعية ضربان: أصلية وتابعة. فالأصلية لا يُراعى فيها حظ المكلف، سواء كانت عينيةأم كفائية، لأنها تحقق المصالح الضرورية العامة للجميع. والتابعة هي التي روعي فيها حظ المكلف مثل الاستمتاع بالمباحات. والتابعة خادمة للأصلية وليست مستقلة عنها. ومنسنن التشريع ألا يؤكد الطلب فيما يوافق الحظوظ، كالأكل والشرب اتكالاً على الجبلة، وأن يؤكد الطلب إذا خالف حظ النفس، كالعبادة والنظر في مصالح الغير. فإذا ما روعي فيهالحظ ولكن تجرد عنه المكلف بالنية، فإن حكمه يكون حكم المجرد شرعاً، ويكون المكلف قد سابق في الفضل. ولكن إذا روعيت المقاصد الأصلية في العمل فلا إشكال في صحته، بل يكونقصدها أقرب إلى الاخلاص. وبهذا القصد يصير العمل عبادة وان كان عادة، ويصير المندوب واجباً والمكروه حراماً، وهو أجمع لمقاصد الشارع فيكون الثواب أجزل للأتقياءالأصفياء. أما كبائر الذنوب فإنها في مخالفة المقاصد الأصلية وكبار الطاعات تكون في مراعاة تلك المقاصد. أما إذا روعيت المقاصد التابعة وحدها أو مع الأصلية، فإن ذلك قديقدح في الاخلاص حسب نوع الحظوظ. عادة أو عبادة، دنيوية أو أخروية. فالقصد الأخروي بالعبادة غير قادح فيها، أما قصد الحظ الدنيوي على الامتثال، فإنه قد يقدح في القصد.وأما قصد الحظ الدنيوي بالعادات فهو جائز وصحيح. ومقصود الشارع من العمل المداومة عليه وتكراره، وهو ما يحاول الصوفية فعله بالأوراد. ومع ذلك فالشريعة موضوعة بحسبالمكلفين عامة، وليست لفئة خاصة مثل الصوفية الذي زعموا أنه يباح لهم ما لا يباح لغيرهم، وأن لهم شريعة خاصة غير شريعة العامة. بل ان الرسول نفسه لم يختص بشريعة خاصة،فمزاياه ومناقبه عامة للأمة كما أن أحكامه عامة لهم أيضاً ما لم ترد على الخصوص. ولذلك ليس للكرامات أصل في المعجزات ولا يجوز العمل بمقتضاها. والشريعة هي المرجع الأولوالأخير في أحكام الباطن والظاهر، وكل ما يُسمى بالمكاشفات يُعرض على الشريعة أولاً.

فإذا ما تم تحديد مقاصد الشارع الأربعة، وهي المقاصد الكلية للوحي، فإنها تتوجهجميعاً وتصب في مقاصد المكلف والتي يطلق عليها حينئذ النية. فالأعمال بالنيات، والمطلوب من المكلف موافقة قصده لقصد الشارع، وكل عمل قُصد به غير ما قصد الشارع فهو باطل.فإذا ما قصد أحد المخالفة فوافق في العمل فعمله باطل، أما إذا قصد الموافقة فخالف في العمل فعمله صحيح. ولا يجوز الاتيان بفعل فيه مصلحة للنفس واضرار بالغير. وليس لأحد أنيقوم بمصالح غيره العينية الا عند الضرورة. ومن كلف القيام بمصالح غيره وجب على المسلمين القيام بمصالحه، ويكون ذلك من بيت المال. فإذا قام المكلف بالمصلحة العامة وكانفي ذلك إضرار بنفسه، فإنه يؤثر العام على الخاص عند البعض، والخاص على العام عند البعض الاخر، وذلك لأن المفسدة قد تلغي بجانب المصلحة العظمى. وللمكلف قصد مصالح الشرعيقيناً وله أيضاً ما قد يقصده الشرع ظناً والأحوط امتثال الشرع بالقصد. والحِيَل ممنوعة بالكتاب والسنة والإجماع، والتحيل هو قلب أحكام الأفعال المقصود بها في الشرعمعان وسائل إلى قلب تلك الأحكام. فالحيل مفوتة للمصالح المقصودة من التشريع، أما الحيل التي لا تناقض مصلحة شرعية، فقد جوزها البعض مثل النطق بكلمة الكفر إكراهاً عليها.

فإذا ما تم تنفيذ مقاصد الوحي وتحويلها إلى مقاصد المكلف، ثم تنفيذ الإرادة الالهية من خلال الإرادة الانسانية وأصبح الفعل الالهي ممتداً في الفعل الانساني، وأمكنأن يصبح الوحي نظاماً مثالياً للعالم من خلال فعل المكلف، وبالتالي تتحقق خلافة الله في الأرض من خلال المكلّف. وعلى هذا النحو يكون علم أصول الفقه هو علم 'التنزيل' الذييستنبط الأحكام الشرعية ويتجه من الله إلى الانسان، على عكس علوم 'التأويل' كما يشرحها الصوفية الذين يريدون الرجوع من الانسان إلى الله. وفي هذه الحالة يكون علم أصولالفقه هو العلم الذي يعطي للمسلمين ما يحتاجون اليه في عالمهم هذا، وفي عصرهم هذا، من العودة إلى السيطرة على مقدّراتهم فيصبحون بحق خلفاء الله في الأرض.



المصدر : موسوعة الحضارات العربية الاسلامية / ج 2

/ 1