أحمد حامد
السيدة زينب.. بنت علي .. شهيدة المجزرة الوحشية في كربلاء..!!
'الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه ورسوله، وطهرنا من الرجستطهيرا، إنما ينضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا، والحمد لله'. السيدة زينب
هي: زينب بنت علي بن أبي طالب، أمها فاطمة بنت محمد رسول الله إلى الناس كافة.
أخواها:الشهيدان العظيمان: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
أختها: أم كلثوم، ولدت بعدها.
عاشت زينب، تنهل من الأم الزهراء، بنت محمد كل القيم والأخلاق، والمبادىء،ونهلت من الأب العظيم، بلاغته، التي ما جاراه فيها أحد حتى اليوم، وإلى أن تقوم الساعة.
كبرت زينب بين أحضان الأبوين، الهاشميين العظيمين، فاكتسبت عزة النفس، وقوةالشخصية، وحدة الذكاء، مع جمال أخاذ خصها الله به.
كانت قريبة إلى قلب أبيها، كما كانت أمها فاطمة، قريبة إلى قلب أبيها.
كان خطابها من الكثرة، حيث يريد الكلمصاهرة علي بن أبي طالب، لكنه كان يريد لها زوجا، يحبه، ويحبها في نفس الوقت وكما رفض الرسول تزويج فاطمة إلا لمن يحبه، فكان زوجها حبيبه علي بن أبي طالب.
وكان أيضازوج زينب بنت علي، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أعز الناس، وأقربهم إلى قلب علي، وكان زواج عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، من ابنة عمه علي بن أبي طالب، زواجا هانئا سعيدا،أثمر من البنين أربعة هم:
علي _ محمد _ عون الأكبر _ وعباس.
ومن البنات: أم كلثوم
عاشت زينب ترعى الزوج وتسهر على الأولاد، وتعايش الأحداث الكبار الجسام، تتحركحولها، فقد شهدت خلافة أبي بكر تنتقل إلى عمر بن الخطاب ثم إلى عثمان بن عفان الذي ما أن قتل حتى كبرت الحوادث، وتضخمت فقد خرجت عائشة بنت أبي بكر، تكره الناس على قتالقاتل عثمان، وكانت ترى أنه علي بن أبي طالب، الذي ما نسيت له موقفه في الفصل في الشائعة التي أطلقت عليها، حيث طلب من رسول الله تطليقها، علاوة على أن علياً بن أبي طالب،كان زوج فاطمة بنت محمد، الذي اثر ابنته بحب غير عادي، فكانت غيرتها منها غيرة غير عادية، تفوق غيرتها من الضرائر اللاتي ملأن بيت محمد.
وقد شهدت زينب بنت علي بن أبيطالب، أبا يدخل عليها محمولا، ينزف جرحه الدامي دما سخينا، يخرج من قلبها، فظلت إلى جواره تحاول إنقاذه، إلا أن روح علي الطاهرة، قد فاضت إلى بارئها بعد أقل من يومين منطعنة الفاجر 'بن ملجم.. لعنة الله عليه وعلى من حرضه'.
وعاشت زينب بنت علي، في حزن وأسى، لفقدها الأحباب الواحد تلو الآخر، فقبل سنين ذهب الجد الرسول، وبعده ذهبت ابنتهفاطمة أمها، وأخيراً ذهب الأب بطعنة غدر فاجرة.
أي قلب، وأي عقل يتحمل ما تحملته بنت الزهراء، ابنة علي، شقيقة الحسن والحسين، اللذين تركهما الأب، لمناورات لم تكن فيحسبان أحد منهما، حيث تنازل الأخ الأكبر الحسن بن علي، عن الخلافة لمعاوية، رغم حب الناس أن يخلف الحسن أباه، لكنه رأى مخالب الشر، تبرز لمعاوية فأراد أن يحقن الدماء،فترك الحسن الخلافة لمعاوية، على وعد أن يتولاها الحسين بعد معاوية، ولكن مات الحسن مسموما بيد زوجته، حتى لا يرى ما سيحدث فيما بعد.
واكتمل عند زينب بنت الزهراء،الحزن، بمقتل الحسن وهاجت في قلبها وعقلها ذكرى الجد، والأم والأب، وهي تودع الحسن ثرى البقيع.
وبقى الحسين في عيون زينب وفي قلبها، تريد أن تراه في بيت الخلافة، إلاأن معاوية بن هند، أراد أن تكون الخلافة لابنه 'يزيد' فدعا معاوية بن أبي سفيان، الناس لمبايعة ابنه من بعده.
ولم يوافق الحسين بن علي، على هذه البيعة ولكن أنّى للحق أنيكون له صدى، وطبول الباطل تدق، وأبواق التآمر تعزف كيلا يدخل الحسين بن علي دار الخلافة، بعد معاوية.
وراحت زينب أخت الحسين بن علي، ترقب أخاها يتصرف برجولة، دون أنيخطىء في حق أحد. وترك المدينة، ورافقت ركبه إلى أن وصل مكة، يرافقه أهل بيته، وكانت زينب مع ركب أخيها تسير، لا تدري إلى أين يأخذ أخاها هذا الركب، هل إلى خلافة دموية أمإلى نهاية دموية.
وما أن حط ركب الحسين بن علي، حتى جاءه المبايعون من الكوفة يؤكدون له وقفتهم معه، وكان أمير الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري، قد جمع الآلاف لمبايعةالحسين، وحمل رسله إلى الحسين البشرى بذلك، لذا تحرك ركب الحسين بن علي، مرة ثانية في اتجاه الكوفة، رغم تحذيرات الناصحين، وعلى رأسهم عبد الله بن جعفر زوج شقيقته زينب،بالا يذهب إلى العراق.
لكن الحسين بن علي، ظل على إصراره، مستخيرا الله في كل خطواته.
وتحرك الركب الحسيني، وترك عبد الله بن جعفر، زوجته زينب، وأولادهما، معالركب وتخلف هو. واتجه الحسين وأخته زينب إلى العراق.
وما كان الحسين يدري، أن أمير الكوفة الذي أرسل له المبايعة قد عزل، ليحل محله أعوان يزيد بن معاوية.
والتقىالحسين، في الطريق بأعرابيين قالا له:
يا ابن رسول الله، إن قلوب الناس معك وسيوفهم عليك، فارجع وكاد الحسين أن يعود بركبه، حينما علم بمقتل مناصريه ومؤيديه، ابن عمهمسلم بن عقيل وصاحبه هانىء بن عروة، إلا أن صحبه من بني عقيل، أصروا على استكمال المسيرة إلى المجهول.
وسار الركب الحسيني، الهويني، على طريق غير مأمون العواقب،فأمير الكوفة، صار من أنصار يزيد بن معاوية، وبدأ الدم يسيل على مقدم الحسين بن علي، لكنه وصحبه، آلوا على أنفسهم ألا يعودوا وأن يستمر الركب في سيره، إلى أن يفعل الله مايشاء بهم جميعاً.
وظهر على الطريق ألف فارس، يقودهم 'الحر بن يزيد' عينه أمير الكوفة عبيد الله بن زياد، وحمله رسالة إلى قائد الركب القادم إلى الكوفة، فأوقف رسول أميرالكوفة الحسين وركبه.
ولما أراد الحسين التحرك بركبه، حذره قائد الألف فارس، وكاد الحسين أن يقاتله، لولا أن 'الحر بن يزيد' قال له:
'إني لم أومر بقتالك. إنما أمرتألا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فاتخذ طريقا لا تدخلك الكوفة، ولا تردك إلى المدينة، حتى أكتب إلى عبيد الله بن زياد، أمير الكوفة، وتكتب أنت إلى الخليفة يزيد بنمعاوية، فلعل الله يأتي بأمر يرزقني فيه العافية، من أن أبتلى بشيء من أمرك'.
وتحدث الحسين بن علي، إلى الفرسان الذين وقفوا حول قائدهم الذي سكت.. فقال الحسين لهم: 'أتتني رسلكم وكتبكم ببيعتكم، فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، وإن لم تفعلوا، ونفضتم عهدي، وخلعتم بيعتي، فلعمري، لقد فعلتموها بأبي، وأخي وابن عمي مسلم بن عقيل،والمغرور من اغتر بكم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم.
ورد عليه 'الحر بن يزيد' قائد الفرسان قائلاً:
إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتلتلتقتلن.
ولم يعر الحسين التهديد بالقتل أي اهتمام.
ولقد شهدت زينب بنت علي شقيقها يتراشق بالكلمات مع الألف فارس وقائدهم، الذي كاد أن يذوب خجلا وهو ينفذ أوامرأمير الكوفة الذي أرسله على رأس الفرسان. فأشفقت على أخيها وأهله، وانتابتها حسرة فقد الأهل جميعا أمام عينيها، وشعرت بظلام العالم، يحيط بها من كل جانب، فلم تغمض لهاعين في ليل الظلم الذي أطبق على النفوس التي ما راعت الدين حق رعايته، وتكالبت على الخلافة دون وازع من ضمير، يحرك فيهم نخوة، تعيدهم إلى الصواب.
وتحرك ركب الحسين،يحيط به الألف فارس وقائدهم، في إتجاه الكوفة، وجاء رسول من أمير الكوفة، برسالة إلى قائد الفرسان، يقول له فيها:
[أما بعد، فجعجع بالحسين _أي _ 'أكثر من الكلام معه،واجعله يضيق به، وبالطريق الوعر الضيق الذي تأخذه عليه'، حين يبلغك كتابي، فلا تنزله إلا في العراء، في غير حصن، وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك، ولا يفارقك، حتىيأتيني بإنفاذ أمري'.
ونفذ الحر بن يزيد قائد الألف فارس، رسالة عبيد الله بن زياد، أمير الكوفة، وعمل بكل ما في الرسالة، ومنع عن الحسين وركبه الوصول إلى الماء،فقضوا ليلهم، في ظمأ شديد، ليس إلى الماء، ولكن إلى الحق الذي أضاعته شهوة الخلافة والحكم، التي زرعها معاوية وولده يزيد.
وما أن انبلج الصبح، حتى كان على الطريق عمربن سعد بن أبي وقاص، يقود جيشا قوامه أربعة آلاف مقاتل.
جاءته رسالة من عمر بن سعد بن أبي وقاص، تسأله: ما الذي جاء؟! ويرد عليها الحسين بن علي، في صدق ويقول:
كتبإليّ، أهل مصركم هذا، أن أقدم عليهم، أما إذا كرهوني، فإني أنصرف عنهم.
وعلى الفور، كان رد الحسين بن علي، أمام يزيد بن معاوية، فسعد وفرح لأن الحسين، يريد أن يفلتبحياته وحياة ركبه من موت محقق.
وكان رد يزيد بن معاوية، إلى قائد جيشه المرابط، أمام ركب الحسين، ردا قاسيا وصل الحسين، فلم يوافق عليه.
إذ طلب يزيد بن معاوية، أنيبايعه الحسين، وإن رفض يمنع عنه الماء.
وقامت أول معركة بين الحسين، ورجال عمر بن سعد بن وقاص، الذين أوقفهم على الماء لمنع الحسين وركبه منه.
لكن الحسين، أبى أنيعطش رجاله، وكانت المعركة الأولى، التي شرب فيها الركب الماء وأدخر منها ما يريد.
كل هذه الأحداث الدامية، تشهدها زينب بنت علي شقيقة الحسين، وما كانت تملك من أمرأخيها الحسين إلا حبه وطاعته، داعية له أن يحفظه الله من شر ابن معاوية، الذي أوصاه أبوه قبل موته قائلاً: إني لست أخاف عليك إلا من ثلاثة: أولهم الحسين بن علي، وعبد اللهبن عمر، وعبد الله بن الزبير.
وراح يزيد يعمل بوصية أبيه معاوية بن هند، فهذا هو الحسين بن علي، قد جاء في رهط من أهله، ليخذله المرتشون، بالبيعة، التي بايعوه إياها،إلى أن أحتدم الحصار للحسين وأهله، فكان القتال على السقيا من العطش، بداية الدم الذي توقعته زينب شقيقة الحسين، التي دعت الله، أن يحقن الحسين دماء المسلمين، فلا تسيلمنهم نقطة دم واحدة، رغبة في خلافة، لا شك زائلة.
واستجاب الله لدعاء زينب بنت علي، فألهم الحسين رسالة حملها مبعوثه إلى القوم الذين جاءوا لحربه، وقد كانوا قبل ذلك،يبايعونه، وكانت الرسالة واضحة وصريحة، ليس بها ضعف، ولا استكانة، ولكن فيها حقن دماء المسلمين، أمام الخديعة التي وجد عليها القوم.
والرسالة كانت تخيرهم في الآتي:أن يرجع إلى الحجاز من حيث جاء.
أو أن يمضوا به إلى يزيد بن معاوية.
أو أن يسيروا به إلى أي ثغر من ثغور المسلمين، فيكون رجلا من أهله، له مالهم، وعليه ما عليهم. لكن أنّى لشهوة سلطة الحكم، أن تفهم قيمة حقن دماء المسلمين، من رجل أراد أن يعلو ويرتفع ويسمو، بأخلاق جده رسول الله، وحكمة أبيه على بن أبي طالب، إلى مستوى لم يفهمهقاصرو الفهم، عابدوا السلطة وكرسيها الزائل.
وجاءت الأوامر إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص، أن يضرب بالآلاف المسلحة التي يقودها، أن يمثّل بالحسين وصحبه، وأن يجعل الخيلتطأ صدره وظهره بعد قتله.
وشعرت زينب بنت علي، بالكارثة التي ستحدث حينما رأت الجيش قادم يعفر الطريق، إلى حيث يجلس الحسين الحبيب. فاقتربت منه تحذره من الآلافالقادمين إليه، فقال لها في هدوء شديد: إني رأيت رسول الله في المنام يقول لي: إنك تروح إلينا.
والتاعت زينب، لقرب منية أخيها الحسين، الذي طلب من أخيه العباس، أنيستطلع أمر الجيش الزاحف. وعرف أنه قتال لا محالة. فبعث برسالة إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص، يطلب منهم الانصراف هذه الليلة.
وجاء بالرسالة: 'لعلنا نصلي الليلة لربنا،وندعوه ونستغفره، فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله.
وتأجل القتال بالفعل. ووقف الحسين في أصحابه يقول:
إني لا أعلم أصحابا أوفى، ولا خير من أصحابي، ولا أهل بيتأبر، ولا أوصل، من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيرا.
وقال الحسين: ألا وإني قد أذنت لكم جميعا، فانطلقوا في حل ليس عليكم من ذمام.
هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا _أيمركبا _ ، وليأخذ كل رجل منكم، برجل من أهل بيتي، ثم تفرقوا في البلاد حتى يفرج الله، فإن القوم يطلبونني، ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري'.
وكان ردهم على الحسين: معاذالله والشهر الحرام، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم. أنا تركنا سيدنا وابن سيدنا وعمادنا، تركناه غرضا للنبل وذريعة للسباع، وفررنا عنه رغبة في الحياة، معاذ الله، بلنحيا بحياتك، ونموت معك.
وسأل منهم سائل: 'أنحن نتخلى عنك، ولم نعذر إلى الله في أداء حقك؟! أما والله لا أفارقك، حتى أكسر في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي، ما ثبت قائمةبيدي، والله لو لم يكن معي سلاحي، لقذفتهم بالحجارة، دونك حتى أموت معك'.
فأبكى الحسين والحاضرين جميعا، كما أبكى السامعات، وعلى رأسهن زينب بنت علي، التي فارق النومعينيها، وأغرقت في تفكير أرهبها منه، دنو أجل الحسين فصاحت بأعلى صوت خنقة الحزن عندها واثكلاه. واحزناه. ليت الموت أعدمني الحياة.. اليوم مات رسول الله، وأمي فاطمةالزهراء. وأبي علي، وأخي الحسن.
وذهب الحسين إليها، حزينا على حزنها، يهدىء من روعها قائلا: لا يذهبن بحلمك الشيطان.
لكنها، كلما نظرت إليه، امتلأت رعبا وحزنالفقده، فتقول: واثكلاه. ليت الموت أعدمني الحياة.
فقال لها الحسين: اتق الله، وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء، هالكإلا وجهه. أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة.
ثم قال كأنه يمهد لها فداحة الخطب القادم: إني أقسم عليك، فأبري قسمي:
'لاتشُقي عليّ جيبا. ولا تخمشي عليّ وجها، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت'.
ولما هدأت بعض الشيء، أخذها إلى خيمة ولده علي، لتسكن عنده هذه الليلة التي ظهرتبوادر السوء من بدايتها، حتى جاء الصبح، ليلتقي جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص، الذي قوامه أربعة آلاف مقاتل، بسلاحهم، ليواجهوا بكل هذا العدد والعدة، جيش الحسين بن علي،الذي لم يزد على السبعين صاحب للحسين بن علي.
ووقف الحسين بن علي على رأس السبعين صاحباً، في مواجهة الآلاف الأربعة على رأسهم، عمر بن سعد بن أبي وقاص، فمسح ابن عليالجيش المتأهب للقتال قبالته، وقال يريد إلى آخر لحظة، أن يحقن دماء المسلمين:
'إنسبوني، فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم، فعاتبوها، وانظروا، هل يصلح، ويحل لكمقتلي، وانتهاك حرمتي. ألست ابن بنت نبيكم، وابن وصيه وابن عمه، وأولى المؤمنين بالله!، أوليس حمزة سيد الشهداء، عم أبي!، أوليس جعفر الشهيد الطيار في الجنة عمي!، أو لميبلغكم قول مستفيض، أن رسول الله قال لي ولأخي 'أنتما سيدا شباب أهل الجنة، وقرة عين أهل السنة!!. أما في هذا حاجز، يحجزكم عن سفك دمي!!.
إن كنتم في شك مما أقول، أو تشكونفي أني ابن بنت نبيكم، فوالله، ما بين المشرق والمغرب، ابن بنت نبي غيري.
أتطلبون بقتيل منكم قتلته، أو بمال استهلكته، أو بقصاص من جراحة' ولما لم يرد عليه أحد منالوقوف، يستمعون إليه، كأن على رؤسهم الطير، راح الحسين، ينادي بأعلى صوته، على أسماء بعض الواقفين في قيادة الجيش الكوفي، وقال: 'ألم تكتبوا إليّ: أن قد أينعت الثمار،وأخضر الجناب، وطمت الجمام. إنما تقدم على جند لك مجند، فأقبل'.
ولم يرد أحد على قائد السبعين صاحب، إلا أن 'الحر بن يزيد' تحدث إلى قائده عمر بن سعد بن أبي وقاص، بأنيعدل عن قتال الحسين وسفك دمه، فما كان من قائد الحر بن يزيد إلا أن أطرق وقال: 'والله لو كان الأمر إليّ لفعلت ولكن أميرك أبى ذلك'.
وسكت 'الحر بن يزيد'، ولكز فرسه،متجها به إلى الحسين قائلاً:
'والله إني أخّيّر نفسي بين الجنة والنار. ولا أختار على الجنة شيئا، لو قطعت وحرقت، وقال للحسين: جعلني الله فداءك يا ابن رسول الله أناصاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، والله ما ظننت أن القوم يردون عليك، ما عرضت عليهم أبدا، ووالله، لو ظننت أنهم لا يقبلون منكالذي سألتهم، ما ركبتها منك، وإني قد جئتك تائبا ربي مما كان مني، مواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك.
واتجه الحر بن يزيد بحديثه، إلى الجيش الذي إنفصل عنه منذ لحظاتليقول:
'يا أهل الكوفة، لأمكم الهبل والعبر، أدعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، وأحطتم به، ومنعتموه منالتوجه في بلاد الله العريضة، فأصبح كالأسير، لا يملك لنفسه نفعا، ولا يدفع عنها ضرا، ومنعتموه ومن معه، من ماء الفرات الجاري، الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصرانيوتتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، وهو وأهله قد صرعهم العطش، بئس ما خلفتم محمدا في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا'.
وما أن انتهى 'الحر بن يزيد' منحديثه، وهو يقف بجوار الحسين، حتى انهالت السهام عليه وعلى الحسين، فافتدى الحسين، من السهام القادمة من المخادعين، فأصابته واستشهد الرجل الذي تمرد على الخيانةوالخديعة، ودارت وهي المعركة غير المتكافئة، بين جيش بالآلاف، وجيش آخر لم يزد عدد رجاله على السبعين رجلا إلا قليلا، ومع ذلك، أبلى رجال الحسين بن علي بلاء، توقعه فرسانجيش الكوفة، لعلمهم أن الله يقاتل مع الذين آمنوا، وكانوا هم قد خرجوا عن الإيمان، بالخديعة الكبرى، الذي نصبوها شركا، للإيقاع بالحسين بن علي وأهله، ليقضوا عليهم،ويتمتع يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأهله، وصحبه بالخلافة والحكم دون سواهم.
ولم تخر قوى رجال الحسين بن علي أبدا، فقد صمدوا وصبروا، وقاتلوا، إلى أن قتلوا الواحدتلو الآخر، وزينب تشهد ما يحدث بقلب مفجوع، وعقل مخلوع، فأبناؤها، وأبناء أخويها، تتمزق أجسادهم بسيوف جيش الكوفة، على أرض كربلاء دون وازع من دين، أو أخلاق فقد أعمىالحقد حملة السلاح، وأعمت الرشوة قلوبهم وعقولهم، فراحوا يقتلون أهل الحسين، تقتيلا، مليئا بالغل والغيرة، رغم قلة عددهم.
أي قلب وأي عقل، استوعبا هذا الذي حدث أمامالعينين، لتعيش صاحبتهما لحظة واحدة، إلا إذا كان الله، يسكن زينب بنت علي. فهالها ما حدث، لكنها أبداً ما تحولت لحظة واحدة، عن ذكر الله، الساكن فيها، كما كان يسكنالزهراء أمها، بنت رسول الله.
إن الله الذي يسكن زينب بنت علي، هو هو الذي سكن الحسين بن علي، وجعله صابرا، على قتل أبنائه وتمزيقهم، وهو الذي جعله يبقى وحيدا، بعدفناء أهله، مصابا بجروح عديدة، ليصيح بأعلى ما أسكنه الله من قوة، وجراحه تنزف دمه الطاهر الزكي، ليقول:
'أعلى قتلى تجتمعون! أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عبادالله، الله أسخط عليكم لقتله مني. وأيم الله، إني لأرجو أن يكرمني الله، بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون، أما والله لو قتلتموني لألقي الله بأسكم بينكم، وسفكدماءكم، ثم لا يرضي بذلك منكم، حتى يضاعف لكم العذاب الأليم'.
وتوالت الضربات الحاقدة، على جسد الحسين بن علي، فهذه ضربة سيف على كتفه الشريف قطعت وفصلت يده، وأخرىأتت عيه، حتى جاء من لا قلب ولا عقل له، ولا حياء عنده، ليفصل رأسه الشريف عن جسده الطاهر، وكان هذا الآثم يدعى 'شمر بن جوشن'، الذي اعتقد أنه سيملك من الأموال ما لا يستطيعالعد، ليعيث فسادا على فساده، لكن قوبلت فعلته النكراء بالصد، الذي لم يكن يتوقع.
وسكتت أطهر الأنفاس، باستشهاد الحسين بن علي، إلا من نفس طاهر لزينب الشقيقة الثكلى،التي راحت تتنفس رائحة الدم الزكي، يغطي أرض كربلاء.
وكان العاشر من المحرم، أسود أيام التاريخ للعام الواحد والستين للهجرة. حيث شهدت زينب بنت فاطمة بنت رسول الله،المجزرة الوحشية ولم تتمالك نفسها، لهول ما رأت من تمزيق الحبيب الشهيد الشقيق الحسين، فانطلقت تقول: يا محمداه!.. يا محمداه.. صلى عليك ملائكة السماء. هذا الحسن بالعراء،مزمل الدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه. هذه بناتك سبايا، وذريتك مقتلة، تسفى عليها الصبا'.
ظلت زينب بنت علي بن أبي طالب، تردد بصوتها المحزون، يا محمداه. يا محمداه.وهي على رأس السبايا، يدخلن الكوفة، فما أن رآها الناس على حالها، حتى أصابهم الحزن، فبكوا في خزي مما حدث للحسين وأهله، ومما يحدث لبنت الزهراء، فصاحت فيهم زينب، قائلة:
يا أهل الكوفة، أتبكون!. فلا سكنت العبرة، ولا هدأت الرنة. إنما مثلكم، مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون إيمانكم دخلا بينكم، ألا ساء ما تزرون'.
أيوالله، فابكوا كثيرا، واضحكوا قليلا، فقد ذهبتم بعارها وشنارها، فلن ترحضوها بغسل أبدا، وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، ومدار حجتكم، ومنار محجتكم،وهو سيد شباب أهل الجنة!، لقد أتيتم بها خرقاء، شوهاء. أتعجبون لو أمطرت دما!، ألا ساء ما سولت لكم أنفسكم، أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
ودخلت دار الأميربالكوفة، وكثيرا ما كانت تجلس على البعد لترى أباها علي بن أبي طالب، يجلس في قاعة الدار الكبرى، وأولادها حول جدهم، يتعلمون منه، كيف يتعامل مع الناس.
وتحاملت زينببنت علي، على نفسها وهي تعود بذاكرتها، تتذاكر بها، تلك الأيام التي ولت بمقتل الأب، فما عادت ترى إلا القتلى من ذويها حتى ما عاد لها رجل يقتل.
تحاملت بكل الإباءوالشمم، رغم ما تعانيه من حزن يكفي العالم كله، ودخلت قاعة الدار الكبرى، لتجد الجالس على كرسي أبيها، هو قاتل أخيها في حرب ما كان لها ضرورة.
وكان أمير الكوفة عبيدالله بن زياد، هو ذاك الجالس.
فنظر عبيد الله بن زياد إليها، وما كان يعرفها، فسألها: من أنت؟
ولما لم ترد كرر عليها: من هذه الجالسة؟! ولم ترد زينب بنت محمد، فكررسؤاله، فلم ترد أيضاً وردت عليه إحدى الجالسات قائلة:
هذه زينب بنت فاطمة بن محمد.
فقال عبيد الله بن يزيد والغيظ يملأ قلبه لشموخها وترفعها عليه:
الحمد للهالذي فضحكم وقتلكم، وأكذب أحدوثتكم.
ونظرت إليه زينب بنت علي بن أبي طالب، نظرات احتقار إلى أمير الكوفة تكاد تقتله:
الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه ورسوله، وطهرنامن الرجس تطهيرا، إنما يفضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا، والحمد لله.
قال أمير الكوفة: كيف رأيت صنع الله بأهلك؟
قالت أخت الحسين: كتب عليهم القتل فبرزوا إلىمضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتختصمون عنده.
وقال في غيظ وشماتة: قد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك.
وقالت زينب ببلاغة: لعمري، لقد قتلتكهلي، وأبرت أهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن يشفك هذا، فقد اشتفيت.
قال مغتاظا: هذه سجّاعة. لقد كان أبوها، سجّاعا، شاعراً.
وردت عليه في جدية ورزانة: ماللمرأة والسجّاعة وإن لي عن السجّاعة لشغلاً.
وشعر أمير الكوفة أن بنت علي تحدثه بأنفة وكبرياء، فأراد أن يكسر فيها هذه الشمخة العلوية، فأمر رجاله أن يضعوا رؤوسقتلة كربلاء، على أطباق يطوفون بها الكوفة، قبل أن يذهبوا بها إلى مقر الخلافة بدمشق، ليراها يزيد بن معاوية، برفقة الأسرى والسبايا.
وأرسل عبيد الله بن زياد، أميرالكوفة، برأس الحسين، ورؤوس أصحابه وزينب وعلي بن الحسين الذي أنقذته زينب من قتل محقق اراده له أمير الكوفة، لولا أنها احتضنته وطلبت أن تقتل معه وهي تقول له:
يا ابنزياد، حسبك منا. أما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منا أحداً؟ وتحرك ركب السبايا الأسرى، ورؤوس الشهداء إلى دمشق، حيث الخليفة يزيد بن معاوية، في انتظار القادمين من الكوفة،وأسكن الله عقل وقلب زينب بنت علي، وهي ترى رؤوس الشهداء في الطريق إلى مقر يزيد.
ووضع القادمون، رأس سيد الشهداء، أمام يزيد بن معاوية، في حضور أشراف الشام ووجهائها،فأمسك بعصا في يده، وراح يعبث برأس الحسين، ويضع العصى في فمه، ويذكّر الحضور بما كان يقوله الحسين عن أهله.
فقال له 'أبو برزة الأسلمي' مستاء من حركة القضيب في ثغر رأسالحسين.
أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين؟! لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذا، ربما رأيت رسول الله يرشفه.
أما أنك يا يزيد، تجىء يوم القيامة وابن زياد شفيعك، ويجىء هذا ومحمدشفيعه، ثم قام فولّى.
فقل يزيد: والله يا حسين، لو كنت أنا صاحبك ما قتلتك.
ودخل نساء الشهيد العظيم عليه، ورأسه بين يديه، فقالت له فاطمة بنت الحسين: بنات رسولالله، سبايا، يا يزيد.
فقال يا ابنة أخي، أنا لهذا كنت أكره.
ولما راح يعبث في رأس الحسين أمامهن، بكت النساء، إلا زينب شقيقة الشهيد العظيم التي راحت تعطي ليزيدبن معاوية دروساً في احترام وتقدير آل بيت النبي، فقالت ببلاغتها المعهودة.
أظننت يا يزيد أنه حين أخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء، فأصبحنا نساق كما تساقالأسارى، أن بنا هوانا على الله، وأن بك عليه كرامة! وتوهمت أن هذا لعظيم خطرك فشمخت بأنفك حين رأيت الدنيا مستوثقة لك، والأمور متسقة عليك أمن العدل يا ابن الطلقاءتخديرك بناتك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله وآله كالأسارى، قد هتكت ستورهن، مكتئبات تجري بهن الأباعر، وتحدو بهن الأعادي من بلد إلى بلد، لا يراقبن ولا يؤوين، يتشوفهنالقريب والبعيد، ليس معهن قريب من رجالهن.
أتقول، ليت أشياخي ببدر شهدوا، غير متأثم، ولا مستعصم وأنت تنكت ثنايا، أبي عبد الله، بمخصرتك؟! ولم لا وقد نكات القرحة،واستأصلت الشأفة بإهراقك هذه الدماء الطاهرة، دماء نجوم الأرض، من آل عبد المطلب. ولتردن على الله وشيكا، مواردهم، وعند ذلك تولد، كما لو كنت أبكم أعمى.
أيزيد والله،ما فريت إلا في جلدك، ولا حززت إلا في لحمك، وستر على رسول الله، وآله، برغمك، ولتجدن عترته ولحمه من حوله في حظيرة القدس، يوم يجمع شملهم من الشعث، وستعلم أنت ومن بوّأكومكنك من رقاب المؤمنين، إذا كان الحكم ربنا والخصم جدنا، وجوارحك، شاهدة عليك أينا أشر مكانا وأضعف جندا، فلئن اتخذتنا في هذه الحياة مغنما، لتجدننا عليك مغرما، حين لاتجد إلا ما قدمت يداك تستصرخ بابن مرجانة 'عبيد الله بن زياد' ويستصرخ بك، وتتعاوى أتباعك عند الميزان وقد وجدت أفضل زاد تزودت به، قتل ذرية محمد، فو الله ما أتقيت غيرالله، وما شكوت إلا لله، فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لايرحض عنك، عار ما أتيت إلينا أبدا.
وانتهت بنت فاطمة الزهراء. والجلوس يستمعون إلى أنفاس يزيد بنمعاوية، تقطع الصمت الذي ران على المجلس، بعد أن لقنته درساً في الدين والأخلاق والقيم التي فرت منه لشهوة الخلافة والحكم.
وبان على وجه ابن معاوية تأثره وغيظه في وقتواحد، فأشار إلى أن تخرج زينب بنت علي والنساء معها، إلى داره.
وتركت زينب بنت الزهراء، دار ابن معاوية ومعها علي بن الحسين وبقية أهلها ذاهبون إلى المدينة، فطلبت أنتنزل بكربلاء، حيث سالت الدماء الطاهرة، وقطعت الأجساد النبوية واستجيب لها فمكثت بها، ثلاثة أيام، تجتر الألم والحزن، والمشهد المفجع، لتعود بعد ذلك إلى المدينة،فتخرج المدينة عن بكرة أبيها، يملأ النساء والرجال والصبيان، الحزن على استشهاد الرجال ويتلقى عبد الله بن جعفر، العزاء في الحسين وفي أولاده معه.
واشتد الحزن علىزينب بنت علي وكان كل فرد بالمدينة يؤازرها فما سكتت أبداً عن ذكر أخيها الشهيد العظيم، وكل من استشهد معه وراحت تؤلّب على يزيد بن معاوية القلوب، بما تقول وما قالت له،ولما علم ابن معاوية، أن زينب بنت الزهراء ما زالت تقول كما قالت له، خشى على نفسه، أن تثأر لأخيها وأهلها، فكلف الوالي بالمدينة الذهاب اليها لتخرج من المدينة إلى أيمكان تحب أن تعيش فيه، فلما أبلغها الوالي مطلب يزيد بن معاوية قالت غاضبة في عصبية: قد علم والله ما صار إلينا، قتل خيرنا وسيق الباقون كما تساق الأنعام وحملنا علىالأقتاب، فو الله، لاخرجنا، وإن أريقت دماؤنا.
وخشيت الهاشميات على بنت فاطمة بنت محمد بطش ابن معاوية ورحن يواسينها ويمهدن لها خروجا كريما، إلى أن تحدثت إليها،زينب أخت مسلم بن عقيل بن أبي طالب، أول الشهداء بالكوفة،
فقالت: يا ابنة عمي قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوأها حيث نشاء وسيجز الله الظالمين. إرحلي إلى بلدآمن.
عز على زينب بنت فاطمة بنت محمد، ترك المدينة.
التي يواري ثراها، الاحباب الذين فارقوا الحياة لكنها بعد تفكير وتأمل، اتخذت قرارها العاقل، الحكيم، بتركالمدينة، حتى لا يفنى الباقون من بنات الحسن والحسين، وما بقى من أطفال، للأسرة العلوية التي ذاقت صنوف القهر والعذاب ووصلت إلى حد التقتيل، للخلاص منهم ليفرغ المكان منالحق، للطغاة الذين أعمتهم شهوة الخلافة والحكم والسلطان.
وتحرك ركب الزهراء، تاركا المدينة بكل من فيها، من رجال لن ينساهم التاريخ إلى أن تقوم الساعة وبكلالذكريات ألقت بنت فاطمة، نظرة وداع مليئة بالشجن، والحب، والذكريات والتاريخ، قاصدة أرض الكنانة _مصر _ التي ما أن عرف أهلها أن بنت علي بن أبي طالب، أختارتها، مكاناآمنا، تركنُ فيه الجسد الذي تعب من كثرة الترحال، في كل بلاد الحجاز، حتى صفوا لاستقبالها على مشارف الطريق.
وفتح المصريون قلوبهم لاستقبال ركب زينب بنت علي بن أبيطالب، التي حطت رحالها بالقرب من بلبيس شرقية، إلى أن خف إليها أمير مصر 'مسلمة بن مخلد الأنصاري الخزرجي' الذي دعاها، وركبها لتعيش في قصر له.. معززة مكرمة.
وبحكمتهاورجاحة عقلها، قبلت زينب عرض أمير مصر، لتعيش بالقصر الذي أهداه لها، فهي تعرف مقدار حب المصريين لآل البيت. ودخلت مصر في شعبان من العام الواحد والستين للهجرة. وأحاطها المصريون، بحب ما كانت لتجده إلا في مصر.
وصار قصرها في قلب مصر مقصد الزوار، من كل بلاد مصر، والعالم العربي جاءوها ليجالسونها ويتباركون بالقرب منها. وعاشت زينب بنت فاطمة أخت الحسن والحسين في قلب مصر عاما كاملاً صابرة، عابدة تداوي القلب الحزين بالصلاة وعبادة الله وتهدىء من جراح الثكلى بذكر الله إلى أن أراد اللهللجسد بكل ما يحمل من آلام وأحزان، أن يستريح، فأسلمت زينب بنت علي بن أبي طالب، الروح في العام الثاني والستين للهجرة، ليدفن الجسد الطاهر في نفس المكان الذي كانت تعيشبه ويصير المكان معروفاً باسمها في قلب القاهرة علامة طيبة من علامات الحب، لآل البيت الطاهرين الطيبين، يقصده المسلمون من مصر، ومن كل مكان في العالم، تهفو إليه القلوبللتعطر بذكرى آل البيت. ليتذكرون، رحلة القلب الكبير، الذي عاش مذبحة كربلاء، لينام في ثرى مصر الآمنة المستقرة ليزداد أمن مصر واستقرارها لوجود الجسد الطاهر في ثراها.
المصدر : قمم نسائية في الاسلام