عرب (عربان) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عرب (عربان) - نسخه متنی

محمد عبدالرحمن مرحبا

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. محمد عبدالرحمن مرحبا

العرب (عَرَبان)


إن عرب ما قبل الاسلام هم غير عرب الاسلام. لذلك فالعرب (عَرَبان) إذا صح التعبير. فإن عرب ما قبلالاسلام ليسوا في نظري هم نفس العرب بعد أن غزا الاسلام مشاعرهم ووجداناتهم واتخذوا منه منهجاً وفكراً وسلوكاً وعقيدة. لقد تبدل القوم غير القوم، فأصبحوا وقد اعتنقوهشيئاً آخر لم يكونوه من قبل، هذا مع ان هياكلهم العظيمة وجميع مقوماتهم البيولوجية والفسيولوجية والوراثية لم يطرأ عليها تغيير يُذكر.

ان الفرق بين (العَرَبَيْن) هوفرق في ثروة الأفكار وثورة الأفكار، كالفرق بين إنائين أحدهما فارغ والآخر ممتلئ أو شيء من هذا القبيل، أو كالفرق بين بئر معطّلة أصبح ماؤها غوراً، وبئر تفجرت عيوناًينبجس منها ماء معين. هل يستويان مثلاً؟ لكن على حين أن الفرق بين البئر المعطلة التي جف ماؤها والبئر التي يتدفق منها الماء وينساب جداول وأنهاراً يُدرك بالعين الباصرة،فإن الفرق بين (العَرَبَين) لا يدركه إلا بعض البصائر النادرة. بل هيهات أن يدركه إلا بعد الكثير من الفحوص والتحليلات القادرة. فعرب الاسلام هم عرب ما قبل الاسلام بحكمبادي الرأي والسحنة الظاهرة، ولكنهما عالمان مختلفان أحدهما أرض قفر والآخر واحات عامرة. هكذا تفعل الأفكار في العقول السادرة!

لقد نفذ الدين الجديد إلى الأغوارالعميقة، التي ينتهي عندها فعل البيولوجيا ويبدأ فعل السيكولوجيا. هنالك يُصنع الانسان وهنالك يكمن جوهر الانسان وهناك تتبلور حقيقة الانسان. هنالك لا تجدي قوانينالبيولوجيا ولا تغني عن أصحابها شيئاً، مهما ابيضّت وجوه ومهما اسودّت وجوه، ومهما اتسعت أحجام الجماجم أو ضاقت، ومهما كانت فئة الدم، ومهما صفت أو اختلطت بغيرها منالدماء. لقد تغلغل الاسلام في أغوار، ومسّ شغافاً، ووصل إلى تخوم وأبعاد هيهات أن تبلغها البيولوجيا والفسيولوجيا، إنها من حيِّز السيكولوجيا لا شريك لها فيه ولا نديد.فوريت الزناد، وتفجرت الطاقات، وظهرت الآيات البينات! ولم يكن ذلك لمزية في العرب لم تسنح لغيرهم من الأمم والشعوب. وإلا وقعنا في عنصرية بغيضة طالما نددنا بها وأعلناالنكير عليها.

وسنرى إلى أي حد لم يكن العرب الجاهليون هم أنفسهم عرب الدعوة. الناس هم الناس إذا أردت ظاهر الناس، ولكن الناس غير الناس إذا أردت حقيقة الناس: الرؤىغير الرؤى، والتطلعات غير التطلعات، والتبعات غير التبعات، والآمال غير الآمال، وكذا الأهداف والغايات والحقوق والواجبات، وكذا النظر إلى الكون والانسان والحياة ومابعد الممات.. هذا هو الانسان وهذا هو ما يختلف فيه الانسان عن الانسان حتى الأخوين التوأمين يختلفان في الرؤى والأحلام والنظر إلى خالق الأكوان، فما ظنك بالأباعد من بنيآدم المختلفين في الزمان والمكان؟ الأجسام هي الأجسام وعالم الأعيان هو عالم الأعيان، ولكن الخلاف إنما يكمن في عالم الأذهان، أفتشككون بعد هذا فيما طرأ على تاريخ شبهالجزيرة العربية في صدر الاسلام من أطوار وتطورات، وتساوونه بتاريخها فيما خلا من الدهر وفات؟ لعمري وعمرك إنها لإحدى الكبريات! مسافات شاسعة تفصل بين الناس والناسوتفرق بين الناس والناس. إلا شتان بين الناس، ناس بلا أهداف ولا غايات غير غزو الناس للناس، وافتعال المعارك مع الناس، وإثارة النعرات وتبديد شمل الناس للناس، في سبيللقمة الخبز وتأمين معيشة الناس وتحقيق الحاجات المادية العاجلة للناس ـ وناس تبدلوا غير الناس، وتبدلت معهم الأهداف والغايات والمثل، هكذا هكذا يكون الناس، وإلا فبطنالأرض خير من ظهرها لهم ولسائر الناس. فبئس الناس قبل ثورة الناس، ونِعمَ الناس ونعَمتْ ثورة الناس! وهجمت الأفكار والمبادئ واقتحمت عرين الناس، وعقدوا الرهان عليهاوصحت عزيمة الناس، وجاءت المهمات والتبعات والحقوق والواجبات لتقويم إعوجاج الناس وتصحيح مسيرة الناس وملء فراغ حياة الناس وأعقبتها الآمال والأحلام والوعود لتمد فيحياة الناس، وتكثف وتغني وتعمق وجود الناس، ولتزيد كذلك في أحجام الناس، وتمنحهم أبعاداً وتفتح لهم آفاقاً وعوالم لم تخطر على بال الناس، وتستبدل بما رثّ وهان ما يحييويجدد نشاط الناس، ويفجر المواهب والطاقات المستكنة في أعماق الناس، ويشحن القوى والمشاعر بكل ما يستجيش حوافز الناس. تالله هنا يكمن السر في بينونة الناس عن الناس!الأرض هي الأرض والأجسام هي الأجسام والمناخ هو المناخ ولكن الناس ليسوا الناس! أرأيتَ كيف يختلف الناس عن الناس؟ هكذا تفعل الأفكار في الناس إذا اخترقت وجدان الناسوأعمق أعماق كيان الناس، لتغير ما بالناس وتجعل الناس غير الناس!!

إن هذا لا ينطبق على (العَرَبَيْن) فقط، عرب ما قبل الاسلام وعرب الاسلام، بل هو ينطبق أيضاً على عرباليوم وعرب الأمس. ما الفرق بينهما؟ هناك أيضاً (عَرَبان): عرب يتسكعون في الطرقات وعرب يبنون الطرقات، عرب فرحوا بما أوتوا ورضوا بالقعود، وعرب انتفضوا وأبوا إلاالتحليق ومطاولة النجوم! عندما كنا صناع أفكار حفظنا الذمام وحفظنا الديار، وعندما فرّطنا في الأفكار انتهكت الذمام وانتهكت الديار. فإنما الفرق إذن فرق في القدرة أوعدم القدرة على صناعة الأفكار. ولا يقتصر ذلك على العرب وحدهم، بل هو يسري كذلك وبالمقدار ذاته ـ على جميع الأمم والشعوب التي كانت ثم صارت. ما الفرق بين البرابرة جرمانالأمس وأخلافهم الألمان الحاليين؟ قوم بربرتهم خصاصة الأفكار واشتدت بهم فاقة الأفكار، وقوم عرتهم رعشة الأفكار وهذبت طباعهم الأفكار، حتى غدوا من أرباب الأفكار!

إيتوني بأي فرق يذكر في السحنة أو الأرض أو العرق أو المناخ بين الفايكونغ القدماء وبين أحفادهم الاسكنديناف الحاليين غير فرق شح الأفكار وغزارة الأفكار. لقد مسختهمقلة الأفكار ثم بعثتهم وفرة الأفكار. أسطورة أصبحت حقيقة واقعة بفضل الأفكار وفائض الطاقة أنتجتها مكتشفات الأفكار. لقد امتلأ الرأس فامتلأ الجيب فدبت العافية، فتبدلتأشكال الحياة. هذه هي القصة من أولها إلى آخرها. الاقتصاد لا يصنع صاحبه، صاحبه هو الذي يصنعه، ثم يرتد أثر الصنعة على الصانع. انه لا يصنع صاحبه ولا يرتد أثره على صاحبهإلا بعد أن يصنعه صاحبه، وهو لا يصنعه إلا إذا صح عقله، واكتملت مواهبه وتفجرت طاقاته، وكان مثلاً يحتذى في ضخ الأفكار وصناعة الأفكار. فجميع الطرق تؤدي إلى الأفكار فإذاكنت تملك أفكاراً فقد ملكت العالم..

* * *

وغنيّ عن البيان أن هذه التغيرات الشاملة لا تنطبق فقط على اليونان والعرب والألمان والاسكنديناف وحدهم، وإنما هي تنطبقأيضاً على جميع الأمم والشعوب في كل زمان ومكان، على تفاوت في ذلك بطبيعة الحال، تبعاً لقوة الأفكار المجتاحة واللحظة التاريخية التي حصل فيها الاجتياح. فالبشر إنما همأوعية متحركة بالأفكار، أي مجموعة من المعاني والرموز والهموم والهواجس والمخاوف والأوهام والأخيلة والمثل والمقاصد والغايات تثيرهم وتغزو مشاعرهم. الأفكار كالسهام،فإن الفرد عندما تعروه فكرة في حالات معينة من الإشراق والتنبه واليقظة والإثارة والانفتاح ـ ولا سيما في عصور التحول ـ فان ثورة حقيقية تنشب في رأسه. لقد اتخذت هذهالفكرة طريقها في المفاوز والأدغال ومضت إلى الشغاف حيث تفعل الأفاعيل. لقد نفذت إلى الأغوار السحيقة حيث الحل والعقد وحيث يُصنع القرار. فتختل توازنات وتتزعزع ارتباطاتوتُدك حصون وتُشق مسارب ودروب تتيح للفكرة الجديدة أن تستقر في قرار مكين. وهناك تفعل فعلها بعد أن تُدرس وتمحص وتقدم تقارير وافية عنها من قبل خبراء مختصين بشحناتالأفكار فيحيلونها على الأجهزة الفنية في الدماغ، وهي الأجهزة المسؤولة عن تنفيذ ما يتخذ من قرارات وتوصيات. انسان جديد ـ أو يكاد ـ برز إلى الوجود. والأمر مرهون بقوةالفكرة الجديدة وحجمها وقدرتها على الصيال والنزال، حتى تشق طريقها إلى مستقرها بين لداتها وأترابها من الأفكار وأشباه الأفكار. لقد دخلت في نظام جديد من الأفكاروعلاقات جديدة، فسرى إليها من هذا النظام نصيب، كما سرى إليه منها نصيب، وتفاعلت عناصر البناء كله واختلط النصيب بالنصيب، وغلب أحد النصيبين النصيب. وكل ذلك يتوقف علىطابع الفكرة المهاجمة وطبيعتها ومكانها في النظام العام المتفجر أو الرتيب، وبيئتها العقلية الجديدة وما تعج به في كل علم عجيب، وعلائقها مع غيرها من الأفكار وجملةالبناء الفكري المهتز العصيب. لقد عرفت طريقها وموقعها من تلقائها بنظام محكم فذ أريب، يستوقف النظر ويحير العقل الفطن اللبيب. لقد دالت أفكار وتشتت أفكار، وتولدتأفكار، وأجهضت أفكار واشتعل اللهيب، ووضعت الحرب أوزارها أخيراً وفتر اللهيب، وفي كل يوم يتجدد لهيب ويفتر لهيب!

والأمر شبيه هنا إلى حد ما ـ وأقول (إلى حد ما) كيلايؤخذ هذا التمثيل حرفياً لأنه غير دقيق إذ الأمور هنا أكثر تعقيداً ـ بنزع كلية مريضة من البدن وزرع كلية سليمة في مكانها. فقد يرفضها البدن وقد يقبلها، وهو لا يقبلها إلابعد عمليات طويلة معقدة يثيرها جهاز المناعة حتى يستقر على رأي حاسم فيها. وكذلك الأفكار لها جهازها المناعي الخاص.

وعلى كل حال، لقد خرج الفرد ـ بعد هدوء العاصفة ـكيوم ولدته أمه أو شيئاً من هذا القبيل، فكلما استقوت عليه الأفكار اندفع في تيار الأفكار، فإذا به يتطلع إلى آفاق غير تلك التي كان يتطلع إليها، ويتحول إلى مفاهيموشعارات وعقائد يهيم بها، إلى حد الجنون، فإذا به بين عشية وضحاها يغير ولاءه وعلاقاته وارتباطاته حتى يغدو شخصاً آخر. ولقد حدث الكثير من ذلك في أيام النبي نفسه، عندماكان الأب يثب على ابنه والابن على أبيه، وحيث اكن يفر المرء من أمه وأبيه وصاحبته التي تؤوبه، وكانت الزوج تنكر زوجها وتأتمر به لتقتله وتتقرب بدمه إلى الله. والمثل علىذلك الإخوان الشقيقان نشآ في بيت واحد فانتمى أحدهما إلى حزب وانتمى الثاني إلى حزب آخر. وحدثت القطيعة بينهما. إن كلاً منهما لا ينفك يعيب أخاه ويحقره ويربأ بنفسه عن أنيتردى إلى مثل ما تردى إليه أخوه. هذا ما يحدثه اختلاف الأفكار بين الأخوين الشقيقين، فما ظنك بما يحدث بين الأباعد؟ وهذا أيضاً ما كان يفرق بين الأب وابنه، بين الزوجوزوجه، بين الأخ وأخيه في مكة عندما بدأ محمد دعوته كما ذكرنا. حتى لقد وصفوا القرآن بأنه قول ساحر. ولابد أن الكثيرين منا قد لاحظوا هذه الظاهرة في لبنان بلد الشيعوالأحزاب والطوائف والمذاهب والأقليات الدينية والعرقية. فهو تربة خصبة لكل ما يثير ويفرق ويشجع على اقتتال الأخوة. فكل فريق مشحون بطائفة من الأفكار مغايرة للفريقالآخر، ثم جاءت المصالح الحزبية والطائفية والسياسية والاستعمارية لتصبّ الزيت على النار. فكان ما كان مما لست أذكره من هذه الحرب الأهلية الشريرة التي استمرت ستة عشرعاماً. وإذا كان لبنان له عذره لأنه بلد متخلف ينتمي إلى العالم الثالث، فما عذر بلد كبريطانيا التي لم تستطع، ولعلها لا تريد أن تضع حداً للخلاف الطائفي أيضاً بينالكاثوليك والبروتستانت في المملكة المتحدة؟ حروب الأفكار أقوى من حروب المصالح، فإذا انضمت المصالح إلى الأفكار، فآذِنْ بعد ذلك بالخراب والدمار!

المصدر : الفكرالعربي في مخاضه الكبير

/ 1