خلق حواء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

خلق حواء - نسخه متنی

أحمد محمد الشرقاوی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. أحمد محمد الشرقاوي

خلق حواء


تمهيد: وفيه يدور الحديث عن خلق آدم عليه السلام.

بين يدي الحديث عن خلق حواء عليها السلام، وهي أمالبشر يطيب لي أن أتحدث عن خلق آدم عليه السلام؛ فهو أبو البشرية وأصلها، خلقه الله تعالى ثم خلق منه حواء ومنهما كانت البشرية جمعاء.

ولقد تحدث القرآن الكريم عن خلقهعليه السلام في مواضع كثيرة ولمناسبات متعددة، والمتأمل في تلك الآيات الكريمة التي ورد الحديث فيها عن خلق آدم عليه السلام، يجدها تتناول تلك المراحل والأطوار التي مربها خلقه.

قال تعالى في سورة آل عمران: (إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) فإذا كان خلق عيسى عليهالسلام ـ من غير أب ـ آية عجيبة فإن خلق آدم عليه السلام من تراب آية عجاب، فعيسى عليه السلام خلق من غير أب وآدم عليه السلام، خلق من غير أب ومن غير أم.

وقال عز وجل فيسورة (ص): (إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ) وقال سبحانه في سورة الصافات: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْخَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ) أي من طين لزج متماسك.

قال الإمام الطبري: [طين لازب أي لاصق وإنما وصفه جل ثناؤه باللزوب لأنه تراب مخلوط بماء،والتراب إذا بماء صار طيناً لازباً].

وقال تعالى في سورة الحجر: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأ مَّسْنُونٍ) وقال سبحانه في سورة الرحمن:(خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) والصلصال هو الطين اليابس الذي يصلصل، وإذا أدخل النار أو تعرض مدة للشمس صار فخاراً، أما الحمأ فهو الطين الذي اسودوتغير من طول ملازمته الماء، والمسنون المصور، وقيل المصبوب المفرغ، أي أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذابة في قوالبها، وقيل: المسنون هو المتغير الرائحةومنه قوله تعالى (فَانظُرْ إلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) أي لم يتغير مع مضي مائة عام عليه.

وآدم عليه السلام هو أصل البشر، أما حواء: فهي فرع منه وتبعله وقصتها جزء من قصته، ولقد جاء الحديث عنها في القرآن الكريم بصورة ضمنية تبعية، وورد الحديث عن خلقها في آيات متعددة وفيما يلي بيان ذلك:

وقفة مع الآيات التي وردالحديث فيها عن خلق حواء عليها السلام:

أولاً: (يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَاوَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).

وقفة مع هذهالآية الكريمة:

بدأت سورة النساء بهذه الآية الكريمة التي استهلت بهذا الخطاب الموجه للناس جميعاً (يَأَيُّهَا النَّاسُ) وكان التوجيه الأول في هذه السورة هو دعوةالناس جميعا إلى تقوى الله عز وجل (اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) فالتقوى هي أساس كل خير، وهي عصمة ووقاية من كل سوء، والناس جميعاًمأمورون بتقوى الله عز وجل الذي خلقهم (مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) هي نفس آدم عليه السلام (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) هي حواء خلقت من أحد أضلاع آدم عليه السلام.

[و(من)في قوله تعالى (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) تفيد التبعيض؛ لأن حواء خلقت من بعض آدم عليه السلام ويجوز أن تكون (من) بيانية لأن حواء خلقت من جنس آدم، وخلقها الله من جنسهلتتحقق الألفة والوئام والمودة، والانسجام؛ لأن الجنس إلى الجنس أميل.]

وفي السنة النبوية ما يدل على أن حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام.

*روى الإمام مسلم فيصحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك عن طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها استمتعت بها وبهاعوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها'.

وصفوة القول فيما سبق أن حواء عليها السلام خلقت من ضلع من أضلاع آدم عليه السلام بكيفية لا نعلمها، وإنما نفوض علمهاإلى الله عز وجل، وقد اختلفت طبيعة المرأة عن طبيعة الرجل نظراً لاختلاف مهمة كلٍّ في الحياة، وفي الحديث السابق وصية بالنساء ودعوة إلى الصبر عليهن والترفق بهن ومراعاةطبيعتهن، ولا يعني خلق حواء من ضلع آدم أن تكون أضلاع آدم ناقصة عن أضلاع حواء ـ كما ذكر ذلك بعض المفسرين ـ وإنما الصواب أن عدد أضلاع الرجل مساوية بعدد أضلاع المرأة.

يقول الإمام فخر الدين الرازي ـ في تفسيره مفاتيح الغيب [.. الذي يقال: إن عدد أضلاع الجانب الأيسر أنقص من عدد الجانب الأيمن فيه مؤاخذة تبين عن خلاف الحس والتشريح].

ويقول الأستاذ الدكتور محمد متولي إدريس: [وليس معني ما ورد في الصحيح أن المرأة خلقت من ضلع إن جرينا على ظاهر اللفظ أن تكون أضلاع الرجل قد نقصت ضلعاً من أي ناحية،وإنما يكون المعنى: أن الله خلقها من ضلع والضلع باقية على حالها، لم تنقص شيئاً، وهذا يدل على عجيب قدرته تعالى].

*عود إلى تفسير الآية الكريمة (الآية الأولى من سورةالنساء)

وقوله تعالى: (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً) أي فرق ونشر في أرجاء الأرض منهما رجالاً كثيراً ونساء كثيرات، وفي الآية إشارة إلى اتحادأفراد الإنسان من حيث الحقيقة، وأنهما على كثرتهم رجالاً ونساء فإنهم قد نشأوا من أصل واحد، فصاروا كثيراً على ما هو ظاهر قوله تعالى: (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاًكَثِيراً وَنِسَآءً).

*يقول الإمام الطبرسي في تفسيره: [وإنما منّ علينا تعالى بأن خلقنا من نفس واحدة؛ لأنه أقرب إلى أن يعطف بعضنا على بعض ويرحم بعضنا بعضاً؛ لرجوعناإلى أصل واحد ولأن ذلك أبلغ في القدرة وأدل على العلم والحكمة].

*ويقول الإمام ابن كثير [... ولهذا ذكر الله تعالى أن أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة ليعطف بعضهم على بعضويحننهم على ضعفائهم، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر وهم مجتابواالنِّمار (أي ممزقي الثياب) ـ أي: من عريهم وفقرهم؛ قام فخطب بعد صلاة الظهر وقال في خطبته: '(يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍوَاحِدَةٍ) حتى ختم الآية ثم قال (يَأَيُّهَا الَّذِينَ أمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)' ثم حضهم على الصدقة فقال: 'تصدق رجل منديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بِشِقِّ تمرة'، قال: فجاء رجل من الأنصار بِصُرَّةٍ كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومينمن طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مُذْهَبَةٌ].

وقريب من هذه الآية الكريمة في معناها ومقاصدها نجد الآية الثالثة عشر في سورةالحجرات: (يَأيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرِ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِأَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

وفي هذه الآية الكريمة يتوجه الخطاب الإلهي إلى الناس جميعاً على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأجناسهم ببيان أنهم خلقوا منأصل واحد (مِّن ذَكَرِ وَأُنثَى) أي من آدم وحواء عليهما السلام وإذا كان الأمر كذلك: فلماذا يتفاخر الناس بأنسابهم وأحسابهم، ويتعالى بعضهم على بعض، وقد خلقوا جميعاً منأصل واحد؟!! فالكل سواء، والواجب عليهم أن يتعارفوا ويتآلفوا ويتعاطفوا فيما بينهم، وأن يعلموا أن التفاضل الحقيقي بالتقوى والعمل الصالح؛ بالمتقون هم أكرم الناس عندالله عز وجل.

وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم: 'إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم'.

ويقول المصطفى الأكرم صلى الله عليهوسلم: 'إن من أحبِّكم إليَّ وأقْرَبِكُم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنَكُم أخلاقاً، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقونوالمتفيهقون' قالوا: يا رسول الله! قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: 'المتكبرون'.

فائدة: يلاحظ الصلة الوثيقة والعلاقة الوثيقة بين الآية الأولى منسورة النساء والآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات في المطلع وفي المضمون وفي الختام: فالمطلع فيهما (يَأَيُّهَا النَّاسُ) والمضمون فيهما: هو الحديث عن أصل الخلق والدعوةإلى تقوى الله عز وجل والتراحم والتآلف بين الناس والختام في الآية الأولى (أنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).

وفي الثانية (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فرقابةالله عز وجل لعباده مبنية على علمه سبحانه بأحوالهم وخبرته ببواطنهم، فسبحان من لا تخفى عليه خافية وجل من لا تغيب عنه غائبة.

ثانياً: وفي سورة الأعراف يقول المولى عزوجل: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْبِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَت دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ أَتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).

ولقد اختلف المفسرون في المراد بالنفسالواحدة هنا، كما اختلفوا في المراد بـ (زَوْجَهَا)، فقال كثير من المفسرين: النفس الواحدة هي نفس آدم عليه السلام و(زَوْجَهَا) هي حواء عليها السلام ولكنهم اختلفوا فيتوجيه الآيات:ـ

*فقال بعضهم: إن الكلام منقطع عند قوله تعالى: (لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)، وتتمة الكلام ليس مقصوداً به آدم وحواء وإنما المقصود المشركون منذريتهما ففي الكلام التفات من الحديث عن آدم وحواء إلى الحديث عن المشركين من ذريتهما.

وقيل الكلام على حذف مضاف والتقدير: (فَلَمَّآ أَتَاهُمَا) ولداً (صَالِحَاً)جعل أولادهما شركاء فيما آتي أولادهما، ولذلك قال عز وجل: (فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، ولم يقل عما يشركان.

وقيل يجوز أن يكون الضمير في (جَعَلاَ) لآدموحواء كما هو الظاهر والكلام خارج مخرج الاستفهام الإنكاري، والكناية في (فَتَعَالَى...) إلخ للمشركين وذلك أنهم كانوا يقولون: إن آدم عليه السلام كان يعبد الأصنام ويشرككما يشركون فرد عليهم بذلك، ونظير هذا أن ينعم رجل على آخره بوجوه كثيرة من الإنعام ثم يقال لذلك المنعم: إن الذي أنعمت عليه قصد إيذاءك وإيصال الشر إليك، فيقول: فعلت فيحقه كذا وكذا وأحسنت إليه بكذا وكذا، ثم إنه يقابلني بالشر والإساءة؟!! ومراده أنه بريء من ذلك ومنفي عنه، ذكر هذا الوجه الإمام الألوسي في تفسيره.

ـ وقيل: الكلام علىظاهره، وآدم وحواء قد وقع منهما الشرك، واستدل القائلون على هذا بحديث رواه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن إبراهيم حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرةعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'لما ولدت حواء طاف بها إبليس، وكأن لا يعيش لها ولد، فقال: سمه عبد الحارث فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث فعاش وكان ذلك من وحي الشيطانوأمره'.

وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار عن عبد الصمد بن عبد الوارث به. ورواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن محمد بن المثني عن عبد الصمد به وقال هذا حديث حسن غريبلا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه، ورواه الحاكم في المستدرك من حديث عبد الصمد مرفوعاً ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولميخرجاه.

يقول الإمام ابن كثير معلقاً على هذا الحديث: [وهذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه: أحدها: أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري وقد وثقه ابن معين ولكن قال أبو حاتمالرازي: لا يحتج به، ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسين عن سمرة مرفوعاً والله أعلم.

والثاني: أنه قد روي من قول سمرة نفسه ليس مرفوعاً، كما قالابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلي حدثنا المعتمر عن أبيه بكر بن عبد الله عن سليمان التيمي عن أبي العلاء بن الشخير عن سمرة بن جندب قال: سمى آدم ابنه عبد الحارث.

الثالث:أن الحسن البصري نفسه فسر الآية بغير هذا فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعاً لما عدل عنه، قال ابن جرير، حدثنا ابن وكيع حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن (جَعَلاَ لَهُشُرَكَآءَ فِيمَآ أَتَاهُمَا) قال: كان هذا في بعض الملل ولم يكن بآدم، وحدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن ثور عن معمر قال: قال الحسن عَنَى بها ذرية آدم ومن أشركمنهم بعده. وحدثنا بشر حدثنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً فهوَّدوا ونصَّروا.

*وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنهأنه فسر الآية بذلك وهو من أحسن التفاسير، وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره ولا سيما معتقواه لله وورعه فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه عن أهل الكتاب ـ من آمن منهم ـ مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه، وغيرهما.

وتناول الإمام ابن كثيربعد ذلك الأقوال المروية، التي ورد فيها نسبة الشرك إلى آدم وحواء عليهما السلام عن بعض السلف وذكر أنها منقولة عن أهل الكتاب وفي ذلك يقول: [وهذه الآثار يظهر عليها أنهامن آثار أهل الكتاب وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم'.

ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام: فمنها ما علمناصحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما علمنا كذبه بما دل عليه خلافه من الكتاب والسنة أيضاً، ومنها ما هو مسكوت عنه فهو المأذونفي روايته بقوله صلى الله عليه وسلم: 'حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج'.

وهو الذي لا يصدق ولا يكذب لقوله صلى الله عليه وسلم: 'فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم' وهذا الأثر هو منالقسم الثاني أو الثالث] وفيه نظر فأما من حدث به من صحابي أو تابعي فإنه يراه من القسم الثالث ثم يوضح الإمام ابن كثير رأيه في هذه المسألة فيقول: وأما نحن فعلى مذهبالإمام الحسن البصري رحمه الله في هذا وأنه ليس المراد من السياق آدم وحواء وإنما المراد المشركون من ذريته ولهذا قال تعالى: (فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فذكرآدم وحواء أولاً كالتوطئة لما بعدهما من الوالدين وهو كالاستطراد من ذكر الشخص إلى ذكر الجنس كقوله تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَوَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً للِّشَّيَاطِينِ).

ومعلوم أن المصابيح التي زينت لها السماء ليست هي التي يرمي بها وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها (وهي الشهب)ولهذا نظائر في القرآن والله أعلم].

واختلف القائلون في وقوع الشرك من آدم وحواء في حقيقة هذا الشرك: وفي ذلك يقول الإمام القرطبي [... قال المفسرون: كان شركاً فيالتسمية والصفة، لا في العبودية والربوبية، وقال أهل المعاني: إنهما لم يذهبا إلى أن الحارث ربهما بتسميتهما ولدهما عبد الحارث لكنهما قصدا إلى أن الحارث كان سبب نجاةالولد فسمياه به كما يسمي الرجل نفسه عبد ضيفه على جهة الخضوع له لا على أن الضيف ربه كما قال حاتم الطائي:

وإني لعبدُ الضيفِ ما دام ثاويَا وما فَّي إلا تيك من شيمةِالعبدِ]

أقول: وكيف خفي على آدم عليه السلام وقد علمه ربه الأسماء كلها؟ وكيف كان الحارث سبباً لنجاة الولد والأقدار كلها بأمر الله؟!!.

وقيل: (جَعَلاَ لَهُشُرَكَآءَ) في طاعته ولم يكن في عبادته.

يقول الإمام النيسابوري في غرائب القرآن ورغائب الفرقان:

[إن الضمير في (جَعَلاَ) وفي (أَتَاهُمَا) لآدم وحواء إلا أنهماكانا عزما أن يجعلاه وقفاً على خدمة الله وطاعته، ثم بدا لهما فكانا ينتفعان به في مصالح الدنيا فأريد بالشرك هذا القدر وعلى هذا فإنما قال تعالى: (فَتَعَالَى اللهُعَمَّا يُشْرِكُونَ) من باب 'حسنات الأبرار سيئات المقربين'].

أقول: وهذا التأويل غير مقبول وليس له دليل، والشرك المراد هنا على ظاهره بدليل قوله تعالى:(أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ).

رأي الشيخ محمد صديق حسن خانالهندي في تفسيره فتح البيان.

وذهب صاحب فتح البيان إلى أن الشرك لم يقع من آدم لأن الأنبياء معصومون، وإنما وقع الشرك من حواء واستدل على ذلك بظاهر الحديث المروي عنسمرة، والذي تقدم ذكره، حيث أورده وعلق عليه بقوله: [وفيه دليل على أن الجاعل شركاء فيما آتاهما هو حواء دون آدم، وقوله (جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ) بصيغة التثنية لا ينافيذلك لأنه قد يسند فعل الواحد إلى الاثنين بل إلى جماعة وهو شائع في كلام العرب، وفي الكتاب العزيز من ذلك كثير. قال تعالى: (فَتَلقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) ثم قالفي هذه السورة: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا) فالمقصود هنا هو آدم وقال تعالى: (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) والمراد به الزوج فقط.

قالالفراء: وإنما ذكرهما جميعاً لاقترانهما، وقال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنهمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا) والناسي هو يوشع بن نون وليس موسى وقال تعالى: (أَلْقِيَافِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) والخطاب لواحد دون إثنين.

وقال امرؤ القيس:

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومَنزلِ

والمخاطب واحد وقد أكثر الشعراء من قولهمخليليّ، والمراد بهما واحد دون الاثنين، وعلى هذا بمعنى الآية الكريمة: جعل أحدهما له شركاء، وهي حواء].

أما عن نوعٍ الشرك فقد قال عنه صاحب فتح البيان: [وكان هذا شركاًفي التسمية ولم يكن شركاً في العبادة، وقيل: والشرك في التسمية أهون].

وهل كان آدم على علم بما فعلته حواء؟ يجيب عن ذلك صاحب فتح البيان فيقول: [ولعلها سمته بغير إذنمنه، ثم تابت بعد ذلك].

أقول: لم يقع شرك من حواء عليها السلام. وكيف يقع منها؟ وكيف تستجيب لنداء إبليس ووسوسته لها بأن تشرك بالله تعالى؟! كيف تستجيب له وهو الذيأخرجها هي وآدم عليه السلام من الجنة بوسوسته وإغوائه؟ وأين كان آدم عليه السلام حينما سمت حواء ولدها بهذا الاسم؟ وكيف تصنع حواء شيئاً من هذا دون أن تستشير نبي الله آدمالذي علمه الله الأسماء كلها؟!.

*وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا...) عام في جنس الذكروالأنثى وليس في آدم وحواء على وجه الخصوص.

يقول صاحب الانتصاف على الكشاف: [والأسلم والأقرب أن يكون المراد والله أعلم: جنس الذكر والأنثى. لا يقصد فيه إلى معين وكأنالمعني خلقكم جنساً واحداً وجعل أزواجكم منكم أيضاً لتسكنوا إليهن، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر الجنس الذي هو أنثى جرى من هذين الجنسين كيت وكيت، وإنما نسب هذهالمقالة إلى الجنس وإن كان فيهم الموحدون لأن المشركين منهم فجاز أن يضاف الكلام إلى الجنس على طريقة 'قتل بنو تميم فلاناً' والقاتل واحد منهم وليس كلهم].

*وما ذكرهصاحب الانتصاف لا يخلو من التعسف والتكلف في فهم النص القرآني، إذ يلزم منه إجراء اللفظ على غير ظاهره وحمله على أوجه بعيدة، وجمهور المفسرين يرون أن النفس الواحدة هيآدم وزوجها حواء عليهما السلام.

*وذهب بعض المفسرين إلى أن النفس الواحدة هي نفس قصي وكانت له زوجة عربية قرشية وطلب من الله تعالى الولد فرزقهما أربعة بنين فسمياأولادهما: عبد مناف وعبد شمس وعبد العزى وعبد الدار.

*وهذا القول ذكره بعض المفسرين دون تعليق عليه كالإمام النسفي والإمام النيسابوري والإمام أبي حيان الأندلسيومنهم من قواه وحسنه كالزمخشري والرازي ومنهم من ضعفه كالإمام الألوسي الذي أورد عليه ثلاثة اعتراضات هي:

[أن المخاطبين لم يخلقوا من نفس قصي لا كلهم ولا معظمهم ـ وأنزوجة قصي ليست قرشية، وإنما كانت بنت سيد مكة من خزاعة وقريش إذ ذاك متفرقون ليسوا في مكة، وأيضاً من أين العلم أنهما وعدا عند الحمل أن يكونا شاكرين لله رب العالمين، ولاكفران أشد من الكفر الذي كانا عليه؟ وما مثل من فسر بذلك إلا كمن عَمَّرَ قَصْرا فهدم مِصْرا].

والرأي الذي أختاره في هذا الموضوع: أن ذكر آدم وحواء من قبيل التوطئةللحديث عن المشركين من ذريتهما، واستهل الحديث بخلق آدم وحواء لبيان نعمة الله عز وجل على البشرية بخلقهم ومع ذلك فإن المشركين من ذرية آدم عليه السلام قد تجاهلواالحقيقة، وكفروا بهذه النعمة وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا.

يقول الإمام الطبرسي في مجمع البيان: [وقال أبو مسلم: تقدير الآية هو الذي خلقكم، والخطاب لجميعالخلق من نفس واحدة يعني آدم وحواء وجعل من تلك النفس زوجها وهي حواء، ثم انقضى الحديث عن آدم وحواء وخص بالذكر المشركين من أولاد آدم الذين سألوا ما سألوا وجعلوا لهشركاء فيما آتاهم، وقال: ويجوز أن يذكر العموم ثم يخص البعض بالذكر، ومثله كثير في الكلام، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىإِذَا كُنتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) فخاطب الجماعة بالتسيير ثم خص راكب البحر بالذكر وكذلك هذه الآية أخبرت عن جملة البشر بأنهم مخلوقون منآدم وحواء ثم عاد الذكر إلى الذي سأل الله تعالى ما سأل فلما أعطاه الله إياه جعل له شركاء في عطيته].

ثالثاً:

*وفي سورة الزمر يقول عز وجل في سياق الحديث عن دلائلقدرته ومظاهر حكمته وعزته: (خَلقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مَّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْفِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لاَ إلهَ إلاَّ هُوْ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ).

وهذه الآية معطوفة على سابقتها التي تحدثت عن خلق السموات والأرض وتكوير الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر. وجاء العطف بغير الواو لما بين الآيتين من كمال الاتصالفالآية الثانية تتمة للآية الأولى؛ وهي بيان لآيات الرحمن في خلق الإنسان وفي خلق الأنعام بعد الحديث عن آيات الله تعالى في خلق السموات والأرض، ويمكن أن تكون الآيةالثانية جواباً عن سؤال يفهم من الآية الأولى فكأن سائلاً يسأل بعد أن استمع إلى الآية الأولى التي تناولت خلق السموات والأرض ـ فيقول فماذا عن خلق الإنسان وخلق الأنعام؟وعلى هذا فبين الآيتين شبه كمال اتصال وقوله تعالى: (خَلقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) أي نفس آدم عليه السلام: (ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) حواء عليها السلام خلقهاالله من آدم عليه السلام، فالبشر جميعاً خلقوا من أصل واحد، وقوله تعالى: (وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانيَةَ أَزْوَاجٍ).

انتقال من خلق الإنسان إلى خلقالأنعام وكما أن خلق الإنسان آية عجيبة ونعمة عظيمة فكذلك خلق الأنعام آية باهرة ونعمة ظاهرة.

*وأخبر عن الأنعام بالنزول لأنها تعيش على الماء، والماء ينزل من السماءفصار التقدير كأنه أنزلها، فهو مجاز مرسل علاقته السببية، وقيل: إن الخلق يكون بأمر إلهي. والأمر الإلهي ينزل من السماء لذلك كان التعبير عن خلق الأنعام بالإنزال لأن خلقالأنعام صدر بأمر ألهي، وقيل: إن الأنعام خلقت في الجنة ثم أنزلها الله إلى الأرض.

*أقول: وهذا الرأي الأخير لا دليل عليه.

*وقال الإمام النيسابوري: وفي هذه العبارة(وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ) نوع تفخيم وتعظيم يفيد الرفعة والاستعلاء ولهذا يقال: رفع الأمر إلى الأمير وإن كان الأمير في سرب.

*وقال شارح العقيدة الطحاويةفي سر التعبير بالإنزال [والأنعام تخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور من أصلابها إلى الأرحام للإناث ولهذا يقال: أنزل، ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الأرض،ومن المعلوم أن الأنعام تعلو فحولها إناثها عند الوطء وينزل ماء الفحل من علو إلى رحم الأنثى ويلقى ولدها عند الولادة من علو إلى سفل].

وقوله تعالى: (ثَمَانيَةَأَزْوَاجٍ): من الضأن اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ومن المعز اثنين.

*إن خلق حواء من أحد أضلاع آدم دليل على تبعيتها لآدم، وتفرعها منه، فآدم عليه السلام هوالأصل وحواء فرع منه وفي خلق حواء من جنس آدم حكمة بالغة، فالجنس إلى الجنس أميل وكل منهما لا يستغني عن صاحبه، والصلة التي ينبغي أن تجمعهما هي صلة المحبة ورباط المودةوالوئام والانسجام.

*أما عن كيفية خلق حواء من أحد أضلاع آدم. فهذه حقيقة غيبية، يعلمها الخالق عز وجل، ولا علم لنا بها، وصدق الله عز وجل إذ يقول: (مَّآ أَشْهَدتُّهُمْخَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً).

*والذين ذهبوا إلى تحديد الضلع الذي خلقت منه حواء لا دليللهم على ما ذهبوا إليه حيث لم يرد في القرآن ولا في السنة أي تحديد للضلع الذي خلقت منه، والله تعالى أعلم.



* المصدر:المراة في القصصالقراني/مجلد1

/ 1