عرب بعد الإسلام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عرب بعد الإسلام - نسخه متنی

وهبة الزحیلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. وهبة الزحيلي

العرب بعد الإسلام


لا شك بأن الإسلام قد أثر تأثيراً مباشراً ومتنوعاً في العرب، سواء من الناحية الدينية، أوالاجتماعية، أو السياسية، أو الأدبية أو الأخلاقية، فكان له الفضل في إعداد أمة حضارية جديدة، وبناء شخصية قوية متكاملة أدت دوراً بنّاء في تاريخ الإنسانية، وما تزالالآمال معقودة عليها في أن تتحرك حركة عنيفة تتخلص بها من كل عوامل الضعف، وتعيد للبشرية تحقيق الحلم العذب الذي تتطلع إليه الأنظار، ويطمح في تحقيقه والوصول إليه أولوالغيرة والإخلاص والإنصاف.

وأعرض أهم هذه الآثار إجمالاً في ضوء مقارنتها بماضي العرب، لتكون شاهد إثبات واقعي من التاريخ، وحافز بناء مجد حديث لأمة سقطت صرعىلتيارات متعددة وحملات مشككة، فصارت لا تجمع بينها رابطة معينة، ولا تجذبها مقومات محددة، أو حضارة عريقة، وكادت تفقد ثقتها بنفسها بسبب مؤثرات المخططات العالمية. فلميعد هنالك أمل إلا في الإسلام، بعد أن جرب ساستنا عدة ألوان بديلة عن الإسلام، فسقطوا في هوة سحيقة من الخيبة والفشل والتعثر. والإسلام بمبادئه الخالدة لم يُنسخ بداهةولم يستنفد أغراضه بعد، وإنما ما زال مصدر هداية، ومطلع نور، وموئل حضارة، إذا تدرع أهلة بالصبر وتحلوا بالجهاد والحزم، وتسربلوا بالنشاط والحركة، والعمل والتضحية،وصمموا على تصحيح الأخطاء، وتغيير المفاهيم الراكدة بسبب الاستعمار والأفكار المصاحبة له والباقية بعده، ونفضوا غبار الوهم، وانتزعوا ثقة الناس بهم، واعتمدوا علىأنفسهم، وتخلصوا من كابوس الارتماء في أحضان غيرهم، وأوقفوا حدة الترف، وسيل البذخ والإسراف في بعض قصور العروش والإمارات والوزارت.

1- الآثار الدينية:

إن أوضحأثر للإسلام في العرب هو التأثير الديني، سواء في مجال العقيدة أو العبادة أو الحياة العملية.

أ_ ففي العقيدة: أبدل الله العرب بوثنية الجاهلية التي هي وكر الخرافاتوالأباطيل مبدأ التوحيد، والإيمان بالرسالة الإلهية، واليوم الآخر، بصراحة لا وسيط ولا شفيع فيها.

في مبدأ الأمر كان العربي في الجاهلية يرى أن الأصنام واسطةالشفاعة والقربى إلى الله: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، ولا يكاد يتصور الحظوة عند الله بالقبول مباشرة، قياساً على أوضاع العالم، فصار بالإسلام يدرك أن اللهوحده هو رب السماوات العلا الذي بيده كل شيء، وأنه ليس مع الله آلهة أخرى. وجميع المخلوقات سواء بالنسبة إلى الله، فتلاشت النظرة الطبقية وسمت الكرامة الإنسانية،وأحسَّت النفوس بالعزة، وارتقت العقول، وارتفعت الوجدانات، وسخرت من أفكار الجاهلية التي كانت تصنع الإله أحياناً من تمر، فإذا جاعوا أكلوه، أو تخضع لأصنام من حجر لاتدفع عن نفسها ضرراً ولا تجلب لأحد خيراً. أي أن ديانة العرب كانت سطحية بدائية ليس لها سلطان على نفوسهم، ولا تأثيراً لها في أخلاقهم وسلوكهم، فصارت بالإسلام مشتملة علىمعرفة عميقة ذات تأثير على النفس والجوارح والأخلاق والاجتماع والحياة كلها.

ولم يكن العربي يدرك أن مهمة الأنبياء والرسل الجوهرية واحدة وهي الدعوة إلى وحدة الإلهوعدم الشرك به إلى بمجيء الإسلام الذي أعلن ذلك بوضوح: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين، ولاتتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه).

وكان بعض العرب ينكر البعث وهم الدهريون القائلون: (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر)، ويشكبعضهم في إمكان القدرة الإلهية إعادة الأجسام إلى الحياة بعد الموت، قال تعالى: (ضرب لنا مثلاً ونسي خلقه، قال: من يحيي العظام وهي رميم، قل: يحييها الذي أنشأها أول مرةوهو بكل خلق عليم)، فصار الناس بالإسلام يدركون ضرورة الإيمان باليوم الآخر لإقامة العدالة بمثوبة الطائع، وعقوبة العاصي. واهتمام المسلمون بالعمل المخلص في سبيل الله،وصار همّهم الآخرة وبغيتهم الجنة ـ دار الخلود، فهانت الحياة في أنظارهم، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم حق الجهاد، وقاوموا الصعاب وذللوا المخاطر، وتفانوا فيإرضاء الله ورسوله: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة، ولما يأتكم مثل الذين من قبلكم، مستهم البأساء والضراء، وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله، إلا أننصر الله قريب).

وأصبح الإيمان بالبعث يوم القيامة، وما فيه من حساب وجزاء وتقويم لأعمال الإنسان هو ركيزة تفكير المسلم، ومطمح نظره وغاية أمله لتحقيق الفوز برضاالله مالك يوم الدين، بعد أن كان هم العربي هو قضاء الحياة الدنيا مترعة باللذات والمغانم والمكاسب مما أحدث بين صراعاً عنيفاً، وغارات متوالية من أحل النهب والسلبوالظفر بأوفر نصيب من الكلأ والمتاع، وكسب السمعة والشهرة وإذاعة الصيت. أما في الإسلام فصار الخوف من الله تعالى ميزان الأعمال: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعملمثقال ذرة شراً يره).

ولم يهمل الإسلام في تقرير عقيدته حكم العقل وأصالة التفكير، وإنما على العكس جعل العقل سبيلاً للإيمان وحكماً للإيمان وحكماً في الدين، فلايكون المرء مؤمناً إلا إذا عقل دينه وعرفه بنفسه حتى اقتنع به، وقد كرر القرآن مئات المرات الدعوة إلى وجوب النظر في الكون للاهتداء إلى الإيمان ببارئه، وتدبر سنته وتأملعجائبه، ليكون الإيمان عن عقل ووعي وبينة، كما قال الشيخ محمد عبده.

ب_ وفي العبادة: صار للعرب وغيرهم عبادات منتظمة تؤدي في أوقات محددة وفي أحوال معينة، بعد أن كانوافاقدي النظام في الحياة، فلا قانون يرجع إليه، إلا مشيئة رئيس القبيلة ومحض عقله وتجاربه وخبراته. وإذا أدوا عبادة كالحج مثلاً كانت مشوهة مزرية كالطواف حول الكعبةعراة، وكتقديم القرابين للأصنام، أو استشارتها بالأقداح وزجر الطير لمعرفة ويمن العمل أو شؤمه، ونحو ذلك.

فشرع الإسلام عبادات له مقرى معقول وهدف إنساني صحيح،فالصلاة بطهارة بدن وخشوع قلب ووعي عقل صلة الوصل بالله التي تزود المصلي بالعون الإلهي، وتحرره من سلطان المادة، وسيطرة الشهوة، وتملأ النفس برقابة قوية لله تعالى.

والصوم وسيلة فعالة لتقوية الروح والإرادة وتعلم الصبر وتحمل المشاق والتغلب على مصاعب الحياة.

والحج بمناسكه وشعائره الصحيحة سبيل التعارف والتآلف وجمع الكلمةووحدة الصف، ورمز التخلص من أهواء الشيطان ووساوسه، والتزام جادة الإخلاص لله في كل عمل.

والزكاة طريق المحبة والترابط والتعاون، والترفع عن الشح والبخل، واعتيادالبذل والسخاء بانتظام، وتفضيل المصلحة العامة، وتوزيع الثروة العامة بين الجميع، وتحقيق التكافل الاجتماعي، والأخذ بيد الضعيف ليعود إلى المشاركة الإيجابية في العملوالبناء، أو لإقامة نوع من التأمين الجماعي ضد العجز والفقر الطارئ الذي قد يتعرض له كل إنسان في المجتمع.

ج‍_ وفي الحياة العملية: ارتفع شأن العرب وَسَما مجدهموابتدأت مدنيتهم بالدستور والنظام الإلهي الذي ظهر فيهم، وهو القرآن الذي غذى أرواحهم، وربى نفوسهم بالإيمان وقادهم إلى العمل الصالح، وأنشأ منهم رجالاً صاروا في عقلهموعدلهم وعلمهم وتمثلهم الحياة الفاضلة سادة الناس وقدوة العالم على ممر الدهور والقرون.

وكان هذا القرآن مدداً فكرياً زاخراً في نقاشهم أهل الشرك والأهواء، أو فيحجاج اليهود ومجادلتهم الذين استكثروا على العرب الأميين بعثة رسول منهم، وهم الشعب المختار وأصفياء الله.

ولم يضن هذا القرآن على الأمة الجديدة الناشئة بكل ماتتطلع إليه من عزة ومجد، وبناء شخصية مستقلة متكاملة، فرفدها بمقومات الحياة الصحيحة وأرشدها إلى كيفية إقامة دوحة المجد، وعلمها أصول الجهاد والتضحية والكفاح، وأخذبيدها في المعارك الفاصلة التي فرقت بين الحق والباطل. وكان من أبرز مظاهر استقلال الشخصية الذاتية تحول القبلة في الصلاة عن بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة: (قد نرى تقلبوجهك في السماء، فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره، وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم، وما الله بغافل عمايعملون).

ومن أجل تأصيل وحدة اتجاه العالم الإسلامي إلى قبلة واحدة خاصة بالمسلمين لا مجال فيها للتشكيك، أو الإصغاء إلى محاولات اليهود فتنة الناس عن دينهم المستقل،تابع القرآن الرد على هؤلاء اليهود الذين امتلؤوا غيظاً وحقداً، وانطلقوا يخططون المكائد، ويصنعون المؤامرات ويثبطون عزائم أهل الإيمان الجديد، فقال الله تعالى مبيناًحقيقة نواياهم، وكذبهم في تصديق الرسول فيما لو رجع إلى قبلتهم: (سيقول السفهاء من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، قل: لله المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلىصراط مستقيم). وأكد القرآن إصراره على القبلة الجديدة، وموقف أهل الكتاب المعاندين المستكبرين عن قبول دعوة الحق، فقال الله عز وجل: (ولئن أتيت الذين أتوا الكتاب بكل آيةما تبعوا قبلتك، وما أنت بتابع قبلتهم، وما بعضهم بتابع قبلة بعض، ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم، إنك إذاً لمن الظالمين).

وشمخ العربي المسلم بأنفه حينماأحس بأن تاريخاً قديماً قد انتهى، وبدأ تاريخ جديد بالإسلام الذي وضع أصول الحضارة، وبيَّن أنها ليست مقصورة على الشعوب الأخرى، وأن المسلمين هم الآن بما تحلوا به من صبروعزيمة وجد واجتهاد، هم شمس الحضارة وسدنتها ورعاتها إلى الأبد.

2-الآثار الاجتماعية:

الإسلام منهج كل للحياة ولا ينفصل جزء من مبادئه عن الجزء الآخر، وإنما يكملهويساعده على تحقيق الهدف العام، فما التدين في الحقيقة إلا وسيلة بناءة لإقامة المجتمع الفاضل، وما النظم الاجتماعية إلا حارسة أمينة لأصول الدين، وقيم الأخلاق،ويتبيّن هذا فيما شرعه الإسلام من أنظمة تمس المجتمع، وهي أحكام المعاملات.

كانت معاملات العرب في الجاهلية مشتملة على الغبن والغرر والاستغلال وأكل المال بالباطلوالظلم ومصادمة الرضا، وعدم الاستقرار والإخلال بالالتزامات والعهود، والمساس ببعض الحقوق الطبيعية كحق الحياة والحرية.

فقام الإسلام بتنظيم المعاملات وبيانأحكام العقود والتصرفات والجنايات والعقوبات وغيرها مما يقصد به تنظيم علاقات الناس بعضهم مع بعض، سواء أكانوا أفراداً أم جماعات، بالإضافة إلى تنظيم الأحكامالاعتقادية التي تتعلق بما يجب على المكلف اعتقاده في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتنظيم الأحكام الخلقية التي تتعلق بما يجب على الإنسان أن يتحلى به منالفضائل، ويتخلى عنه من الرذائل. وتحديد أحكام العبادات المفروضة من صلاة وصيام وزكاة وحج ونذر ويمين ونحوها مما يقصد به تنظيم علاقة الإنسان بربه.

هذا الشمول فيبيان علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبمجتمعه هو الذي أمتاز به الإسلام عن غيره من النظم الوضعية والديانات الأخرى، وهو الذي تضمنه القرآن.

أما أحكام المعاملات فتتناولما يلي:

1-أحكام الأحوال الشخصية: وهي التي تتعلق بالأسرة من بدء تكوينها ويقصد بها علاقة الزوجين والأقارب بعضهم مع بعض. فوضعت أحكام الزواج والطلاق والنفقةوالميراث، على أساس من العدل، والحفاظ على روابط الود والألفة والمحبة، ومنعت أنواع الزواج المصادمة للأخلاق التي أشرت إليها سابقاً، ومن أخصها تحريم المحرمات منالنساء، وكل ما يؤدي إلى السفاح واختلاط الأنساب ومنع الزواج بأكثر من أربع نسوة.

ووضعت بعض الآداب والفضائل التي تنظم أواصر القرابة أو علاقات المجتمع كالاستئذانعند دخول البيوت، ومنع الخلوة بأحد من أقارب الزوجين الأباعد، كبقية الأجانب على المرأة، وغض البصر، وإفشاء السلام ورد التحية بمثلها أو بأحسن منها، والحجاب الشرعيللنساء الحرائر البالغات ونحو ذلك.

2- الأحكام المدنية: وهي التي تتعلق بمعاملات الأفراد ومبادلاتهم من بيع وإيجار ورهن وارتهان وكفالة وشركة ومداينة ووفاءبالالتزام. ويقصد بها تنظيم علاقات الأفراد المالية وحفظ حق من له حق. فأقيم العقد على مبدأ الرضائية، قال الله سبحانه: (يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكمبالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)، وحرم الله الربا منعاً من الاستغلال، ونشراً لمبادئ المحبة والتعاون والتراحم وحثاً على التعاون بين الناس، والحد من شهوة جمعالمال والتكالب على الدنيا. قال الله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) (يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربمن الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون) وحث الإسلام على كتابة عقود القرض ونحوها وتوثيقها بالإشهاد والرهن: (يا أيها الذين أمنوا إذاتداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه). ونظم الفقهاء وجوه الانتفاع بالحقوق وأقيمت علاقات الجوار وغيرها على مبدأ 'لا ضرر ولا ضرار في الإسلام'.

3- الأحكام الجنائية: وهيالتي تتعلق بما يصدر من المكلف (أي البالغ العاقل) من جرائم وما يستحقه عليها من عقوبة، ويقصد بها حفظ حياة الناس أموالهم وأعراضهم وحقوقهم وتحديد علاقة المجني عليهبالجاني وبالأمة.

فحرم القرآن سفك الدماء: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) وحوربت عادة الأخذ بالثأر التي كانت شائعة في الجاهلية، وجعل تطبيق العقاب إلىالحاكم أو نائبه: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، وحث الشرع على العفو: (يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى: الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثىبالأنثى، فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان) وشرعت الحدود (العقوبات المقدرة شرعاً) على جرائم الزنى والسرقة والقذف وقطع الطريق وشرب المسكرات.وفوض الشرع الحاكم بتقدير العقوبات الزاجرة الملائمة لحال الجاني وظروف الجريمة في المعاصي أو الذنوب أو الجرائم الأخرى، وهي المعروفة بالتعزيرات.

وفتح الله بابالتوبة لمن ندم من العصاة وأصر على التزام أحكام الإسلام.

ووضعت العقوبات البدلية عن بعض العقوبات البدنية كالدية والتعويض المادي: (ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبةمؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدَّقوا).

4-أحكام المرافعات والإجراءات المدنية أو الجنائية: وهي التي تتعلق بالقضاء والشهادة واليمين. ويقصد بها تنظيمالإجراءات لإقامة ميزان العدالة بين الناس. قال الله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيماً (إن الله يأمركم أنتؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى) (يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسطشهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) (وأشهدوا ذوى عدل منكم) (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكمبما عقدتم الأيمان).

5-الأحكام الدستورية: وهي التي تتعلق بنظام الحكم وأصوله، ويقصد بها تحديد علاقة الحاكم بالمحكوم، وتقرير ما للأفراد والجماعات من حقوق. والمبدأالإسلامي العام في ذلك: (وأمرهم شورى بينهم) (وشاورهم في الأمر) وترك تفصيل كيفية تطبيق هذا المبدأ لعقول العلماء بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان.

واعتبر الحكم فيالإسلام غرماً لا غنماً: 'إنها ـ أي الإمارة ـ أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها '(1). والطاعة الواجبة للحاكم تكون في المعروف: 'لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق' ومسؤولية الحاكم تقوم على أساس القاعدة الشرعية: 'التصرف على الرعية منوط بالمصلحة' أي المصلحة العامة، وهي مستمدة من الأحاديث النبوية: 'مامن عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت وهو غاش رعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة' 'ما من أمير يلي أمور المسلمين، ثم لم يجهد لهم وينصح لهم كنصحه وجهده لنفسه، إلا لميدخل معهم الجنة'.

6-الأحكام الدولية: وهي التي تتعلق بمعاملة الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول وهي القانون الدولي العام، وبمعاملة غير المسلمين المواطنين في داخلالدولة الإسلامية، وهي القانون الدولي الخاص. ويقصد بهذه الإحكام تحديد علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول في السلم والحرب، وتحديد علاقة المسلمين بغيرهم في بلادالدولة الإسلامية.

وأساس هذه العلاقات السلم: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) وعدم العدوان: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله يحبالمعتدين) والمودة بالقسط والعدل: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين) والجهاد عندالعدوان على الدولة الإسلامية أو الدعوة في سبيل الله، أو الدعاة أو المستضعفين: (وجاهدوا في الله حق جهاده) (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) (قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (انفروا خفافاً وثقالاًوجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل) (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجالوالنساء والولدان).

واهتم الإسلام في هذه العلاقات، سواء كانت عامة أو خاصة بالعهد والميثاق ووفاء الالتزام: (يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود) (وأوفوا بعهد اللهإذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً) (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) (إلا الذين عاهدتم منالمشركين، ثم لم ينقصوكم شيئاً، ولم يظاهروا عليكم أحداً، فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم، إن الله يحب المتقين).

7- الأحكام الاقتصادية والمالية: وهي التي تتعلق بحقوقالأفراد المالية والتزاماتهم في نظام المال وحقوق الدولة وواجباتها وتنظيم موارد الخزينة. ويقصد بها تنظيم العلاقات المالية بين الأغنياء والفقراء، وبين الدولةوالأفراد.

وهذه تشمل أموال الدولة العامة والخاصة كغنائم الحرب والأنفال والعشور والخراج، ومعادن الأرض وموارد الطبيعة، وأموال المجتمع كالزكاة والصدقات والنذوروالقروض والضرائب المفروضة على الأغنياء عند الحاجة إلى الدفاع عن البلاد وخلو بيت المال، وأموال الأسرة كالنفقات والمواريث والوصايا، وأموال الأفراد كأرباح التجارةوالإجارة والشركات، وكل مرافق الاستغلال والإنتاج والعقوبات المالية كالكفارات والديات والفديات.

وفي كل ما ذكر توجد آيات قرآنية أو أحاديث نبوية، أو أحكاماجتهادية سليمة الاستنباط والمأخذ من مصدري الشريعة الأصليين؛ لأن بيان الشرع إما عام يعرض القواعد العامة والمبادئ الأساسية، أو خاص يفصل الأحكام تفصيلاً كاملاًكالميراث. وفي حال العموم والإجمال يترك أمر التفصيل لعلماء الأمة ليقرروا ما يتناسب مع تحقيق المصالح والحاجات، وما تمليه ضرورات التطور، ومراعاة البيئات في كل عصرومصر. فيتحقق خلود الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وتتهيأ قرائح العلماء وأذهان المجتهدين للبحث فيما جد من الأمور والقضايا، مما ينبئ عن تكريم الله لهذهالأمة، وعدم إهمال عقولها، وحضها على التفكير والاستنباط وحل مشكلات الحياة، ووضع الخطط السليمة لحياة أفضل ومستقبل باسم مشرق.

الهامش

ــــــــــــــ

(1)نصالحديث هو ما أخرجه مسلم وأحمد عن أبي ذر'قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليهفيها' 'قال النووي: هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية، ولا سيما لمن كان فيه ضعيف، وهو من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل، فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يومالقيامة، وأما من كان أهلاً وعدل فيها، فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار، ولكن الدخول فيها خطر عظيم، ولذلك امتنع الأكابر منها'.

(نيل الأوطار: 8/267 وما بعدها، 273، طالحلبي).



المصدر : نظام الإسلام

/ 1