علاقات الدبلوماسیة مع ملوک أوروبا و آثارها نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

علاقات الدبلوماسیة مع ملوک أوروبا و آثارها - نسخه متنی

أحمد مختار العبادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

العلاقات الدبلوماسية مع ملوك أوروبا وآثارها

د. أحمد مختار العبادي

1 ـ مع الدولة البيزنطية:

إذا تركنا مؤقتاً الغرب الأوروبياللاتيني واتجهنا إلى الشرق الأوروبي البيزنطي الهلنستي (99)، نجد علاقات سياسية جديدة تقوم لأول مرة بين قرطبة والقسطنطينية وتستمر طوال القرنين الثالث والرابع منالهجرة (9، 10م) ولا شك إن هذه السياسة الودية التقربية بين بيزنطة والأندلس، إن دلت على شيء فإنما تدل على المكانة الممتازة التي حظيت بها اسبانا الإسلامية في أورباالمسيحية، كما تدل ضمناً على أن كلاً من العالمين الإسلامي والمسيحي، قد بدأ يخرج عن تقاليده القديمة تحت تأثير مصالحه الخاصة التي أصبحت هي المتحكمة في سياسته وليستالاعتبارات الدينية كما كان الحال من قبل.

وتبدأ هذه العلاقات بمبادرة الامبراطور يتوفيل حينما أرسل سفارة إلى عاهل الأندلس عبدالرحمان الثاني سنة 225هـ (840م). وكانعلى رأس تلك السفارة رجل يوناني يجيد اللغة العربية اسمه قرطيوس. كما أرسل معه هدايا فاخرة ورسالة يخطب فيها وده ويسأله عقد تحالف معه ضد العباسيين الذين قضوا على ملكأجداده الأمويين بالمشرق. كما يطلب أيضاً مساعدته ضد الأغالبة في صقلية وضد الربضيين في جزيرة كريت.

ولقد استقبل عبدالرحمان الرسل استقبالاً فخماً، وقبل ا لهداياالبيزنطية ورد عليها بمثلها، كما أوفد سفارة مماثلة إلى الامبراطور البيزنطي برئاسة الشاعر يحيى الغزال وكان رجلاً طويلاً عريضاً وسيم الوجه موفور النشاط ولهذا لقببالغزال. وقد مدحه الأمير عبدالرحمن بقوله: ((جاء الغزال بحسنه وجماله)). وربما كانت هذه الصفات هي التي جعلت عبدالرحمان يختاره للسفارة بينه وبين الملوك كي يحسن وقعه علىالنفوس، ولما وصلت السفارة الأندلسية إلى القسطنطينية صحبه السفير البيزنطي عن طريق البحر، استقبلها الامبراطور البزنطي تيوفيل بالحفاوة والترحاب وتسلم منها هديةالعاهل الأندلسي ورسالته التي يرد فيها على خطابه.

والرسالة أوردها ابن حيان في كتابه (المقتبس) وهي رسالة طويلة في مجموعها وعباراتها معسولة جميلة، ولكننا لا نخرجمنها بشيء إيجابي فعال، بمعنى أن عبدالرحمان في هذه الرسالة، لم يأخذ على نفسه أي تعهد حربي يقوم به ضد أعدائه سواء في الحاضر أو المستقبل، فهم الامبراطور سخطه علىالعباسيين ويرجو من الله أن يقطع دابرهم. وكذلك الربضيون في كريت فهو يتبرأ منهم لأنهم خرجوا عن طاعته ويترك للامبراطور حرية معاقبتهم. أما الأغالبة فهو يعتذر عنمحاربتهم لأنهم يجاهدون في سبيل نصرة الإسلام.

وبعد أن أدت السفارة الأندلسية مهمتها عادت إلى قرطبة عن طريق البحر أيضاً. وقد دون يحيى الغزال مشاهداته في العاصمةالبيزنطية، وأحاديثه مع الامبراطورة بتودورا وولي العهد ميشيل .. الخ، وقد نقل ابن حبان هذا الوصف في كتابه المقتبس.

وتعتبر هذه العلاقات الدبلوماسية التي قامت لأولمرة بي قرطبة والقسطنطينية، بداية لسلسلة من الاتصالات والسفارات التي تبودلت بعد ذلك يبن الخليفة عبدالرحمان الناصر، والامبراطور قسطنطين السابع، وبين الخليفة الحكمالمستنصر وينقفور فوكاس، وبين الحاجب المنصور أبي عامر والامبراطور بازيل الثاني (976 ـ 1025م) الذي يعتبر عصره الطويل من أزهر عصور هذه الأسر المقدونية الحاكمة.

على أنموضع الأهمية هو أن هذا الاتصال السياسي قد صحبه أيضاً اتصال حضاري فالسفارة التي أرسلها قسطنطين السابع إلى خليفة الأندلس عبدالرحمان الناصر 337هـ (948م) حملت معها من جملةالهدايا نسخة خطية من الكتاب اليوناني المشهور: ((الأدوية المفردة)) الملقب بكتاب الحشائش والذي ألفه ديوسقوريدس، وهو طبيب وعشاب يوناني عاش في القرن الأول الميلادي وولدفي بلدة عين زربة قرب طرسوس جنوب آسيا الصغرى ولهذا تسمى في الكتب الأوربية Dioscorides Anzarbio.

وهذا الكتاب سبق أن ترجم إلى العربية قل ذلك الوقت بنحو قرن من الزمان في مدينةبغداد على عهد الخليفة المتوكل العباسي (232 ـ 247هـ) . غير أن المترجم له واسمه اصطفى بن باسيل، لم يترجم إلى العربية سوى جزء من أسماء الأدوية لعدم معرفته بما يقابلاليونانية فيها. ولهذا ظلت أسماء باقي العقاقير الطبية على صورتها اليونانية بحروف عربية.

وهنا يأتي دور الأندلس في سد هذا النقص وترجمة المزيد من أسماء هذه الأدويةوالنباتات الطبية من اليونانية إلى العربية. فيروى المؤرخون أن الخلفة عبدالرحمان الناصر عندما تسلم نسخة هذا الكتاب سنة 337هـ شكل لجنة علمية لترجمته إلى العربية، وكانمن بين أعضاء تلك اللجنة: طبيبه اليهودي المعروف حسداى بن شبروط وحمد النباتي، وعبدالرحمن بن الهيثم، وأبو عبدالله الصقلي، الذي كان يجيد اليونانية وله إلمام بتركيبالعقاقير. كذلك بعث الخليفة الناصر إلى صديقه قسطنطين السابع كي يرسل إيه خبيراً يونانياً في هذا العمل، فأرسل إليه سنة 340هـ الراهب نيقولا الذي ساهم بدور فعال في إنجازهذا العمل العلمي الكبير.

ولقد أثار ظهور هذه الترجمة الكاملة لكتاب ديوسقوريدس في الأندلس موجة من الحماس بين الأندلسيين الذين أقبلوا على دراسة الطب والنباتاتالطبية متخذين من هذا الكتاب مصدراً رئيسياً لهم.

وإذا كانت السفارات التي تبودلت بين الخليفة عبدالرحمن الناصر والامبراطور قسطنطين السابع قد نتج عنها هذا اللقاءالحضاري المثمر الذي أسفر عن ترجمة كتاب ديسقوريدس إلى العربية وإقبال الأندلسيين على دراسته وشرحه مع إضافات عملية جديدة في مجال الطب والصيدلة طوال القرون التالية،فإن السفارات التي تبودلت بين البلدين في عهد ولده الحكم المستنصر (350 ـ 336هـ ) قد تمخضت عنها آثار فنية معمارية لها قيمتها. إذ يؤثر عن هذا الخليفة الأندلسي إنه طلب منالعاهل البيزنطي نيقور فوكاس أن يرسل إليه خبيراً في صنع الفسيفساء كي يعمل على تزيين الزيادة المعمارية التي كان يزمع القيام بها في المسجد الأموي بقرطبة. هذا إلى جانبأعمدة الرخام التي سبق أن ساهمت بها القسطنطينية في بناء مدينة الزهرا على عهد والده وعددها مائة وأربعون سارية.

وكل هذا يدل بالطبع على تأثير أساتذة الفن البيزنطيفي بعض مباني العاصمة الأموية.

2 ـ العلاقات الدبلوماسية مع ملوك الفرنجة في غرب أوروبا:

إن سياسة التقريب التي سلكتها الدولة الأموية في الأندلس نحو بيزنطة، كانتتصاحبها سياسة عدائية نحو جيرانها الكارولنجيين ي فرنسا وألمانيا، إذ لم ينس الأندلسيون صراعهم الطويل مع هؤلاء الفرنجة أيام شارل مارتل وابنه بيين وحفيده شرلمان(قادلة) الذي حاول غزو الأندلس في حملته الفاشلة على عهد الأمير عبدالرحمان الداخل صقر قريش، ثم جاء ولده لويس التقي (198 ـ 225 = 814 ـ 840م) فسار على سياسة آبائه العدائية نحوالأندلس وبسط حمايته على برشلونة والجزر الشرقية (البليار) القريبة منها. ورأى الأمير عبدالرحمان الأوسط (206 ـ 238 = 822 ـ 852م) أن البحر هو الميدان المناسب الذي يستطيع أن يعلوفيه على خصومه الفرنجة، إذ كان يعلم أن قوتهم الحقيقية تعتمد أساساً على قواتهم البرية، ولهذا قام عبدالرحمن بحشد أساطيله على طول السواحل الشرقية، ثم أخذ يشن الغاراتعلى سواحل جنوب رنسا وعلى جزر البليار حتى قضى على قواعد المقاومة فيها مثل مرسيليا وادل وما حولهما كما سارعت جزر البليار بإعلان ولائها وتبعيتها لحكومة قرطبة سنة 634هـ(848م) بل لم يلبث أحد كبار قادة الملك الفرنسي لويس التقى أن أعلن العصيان ضده وتحالف مع الأمير عبدالرحمان وهو القائد جيوم بن برنارد ابن جيوم دوق تولوز الذي يقول فيه ابنحيان:

((وفيها (232هـ ) استأمن غليالم بن برناط بن غليالم، أحد عظام قوامس أفرنجة على الأمير عبدالرحمان بقرطبة، فأكرمه وأحسن إليه وإلى أصحابه، وصرفه معهم إلى الثغرلمغاورة الملك لذريق بن قادلة بن ببين (لويس بن شرلمان بن بيين) صاحب الفرنجة، فأثخن العدو، وأقام بمكانة ظاهراً على مَن أنقض عليهم من أمته مدة، وكتبه إلى الأمير متصلة)).

وفي خلال هذه العمليات الحربية، توفي لويس التقى Louis le Pirux وخلفه ابنه شارل الأصلع (228 ـ 264 = 845 ـ 877م) ويعرف في المصادر الأندلسية باسم قادلة أو قادلوش.

ويبدو أن ملكفرنسا الجديد رأى أنه من الخير له ولبلده أن ينهي حالة الحرب مع جيرانه الأوياء في اسبانيا. إذ يشير ابن حيان إلى سفارة أرسلها قادلوش هذا إلى عاهل الأندلس عبدالرحمنالأوسط لإقرار السلام بين البلدين، ولما توفي عبدالرحمن وخلفه ابنه محمد (238 ـ 273ه) (852 = 886م) حرص شارل الأصلع على مسالمته وكسب وده واتحافه بالهدايا.

على أن هذا السلاملم يلبث إن انفرط عقده بعد موت صاحبه محمد وقارش أو شارل الأصلع، وعادت العلاقات تسوء من جديد بين البلدين ولا سيما في عهد كل من ملك الافرنجة وامبراطور الدولة الرومانيةالمقدسة: أوتو الكبير أو الأول Otto I (هوتو في المصادر العربية) (326 ـ 363هـ = 938 ـ 973م) وخليفة الأندلس عبدالرحمان الناصر (300 ـ 350هـ = 912 ـ 961م). ولعل السببب الرئيسي في ذلك يرجع إلىالغارات البحرية التي كان يشنها المجاهدون الأندلسيون على سواحل فرنسا وإيطاليا. وعلى الرغم من أن نشاط هذه الجماعات البحرية كان من باب أعمال القرصنة الحرة التي كانتشائعة بين المسلمين والمسيحيين على السواء، فإن الامبراطور أوتو اعتبر عبدالرحمان الناصر مسؤولاً عن هذه الأعمال التي تهدد سواحل بلاده وطرق مواصلاته، ولهذا بعث إليهبرسالة شديدة اللهجة يطلب منه فيها وضع حد لهذه الأعمال. وقد رد عليه الخليفة الأموي برسالة شديدة مماثلة سنة 339هـ (950م) وبعد أعوام قليلة عاد الامبراطور أوتو الأول وبعثبرسالة أخرى إلى الخليفة الناصر على يد راهب يدعى جان دي جورز. فلما وصل الراهب إلى قرطبة، أحسن استقباله، وأنزل في قصر بقرطبة بجوار إحدى الكنائس كي يتسنى له ممارسةشعائره الدينية.

وطبقاً للتقاليد المتبعة في مثل هذه الحالات أحيط الخليفة علماً بمضمون الرسالة قبل تقديمها إليه رسمياً، ووجد الخليفة إنها تتضمن كلاماً فيه نيل منالرسول (ص) ولهذا رفض تسلمها، وطلب مقابلة الراهب بالهدية التي بعث بها الامبراطور فقط دون الرسالة. ولكن الراهب أصر على تقديم الخطاب الذي معه للخليفة تنفيذ التعليماتالامبراطور أوتو الأكبر.

واضطر الخليفة الناصر إزاء إصرار الراهب أن يرسل سفيراً من قبله إلى أوتو لحل هذا المشكل، واختار لهذه السفارة رجلاً مستغرباً يجيد العربيةواللاتينية معاً وهو رثموندو الذي يسمى أيضاً بن زيد، إذ جرت عادة المستغربين في قرطبة أن يتخذوا أسماء غربية إلى جانب أسمائهم المسيحية. واتجه السفير الأندلسي إلىمدينة فرانكفورت حيث استقبله الامبراطور اوتو واكرم وفادته وأجابه إلى كل ما اقترحه، وأرسل معه مرافقاً ثم قفل السفير ومرافقه إلى قرطبة فوصلاها سنة 956م، وبناءً علىتعليمات الامبراطور الجديدة، تخلى الراهب عن عناده وتنازل عن استصحاب الرسالة واستقبله الخليفة الناصر في احتفال كبير.

ومن الغريب أن المصادر العربية لا تذكر شيئاًعن أخبار تلك السفارات التي تبودلت بين هذين الأهلين. ابن خلدون والمقري أوردا عبارة مختصرة يذكران فيها أن ملك الافرنجة وراء جبال البرت أرسل رسولاً وهدية إلى الناصر،أما المصادر الأوروبية فقد تحدثت عن تلك السفارات في شيء من الإسهاب والتفصيل.

واستمرت هذه العلاقات السلمية قائمة بين البلدين حتى أواخر الدولة الأموية، فنسمع عنسفارات ودية متبادلة بين الحاجب المنصور بن أبي عامر والامبراطور أوتو الثالث (983 ـ 1002م) وكان هذا الامبراطور رجلاً محباً للسلام مشجعاً للعلوم ويجيد عدة لغات كالألمانيةواللاتينية واليونانية. حاول أن يستعيد عظمة الامبراطورية الرومانية المقدسة كما كانت في عهد شرلمان ولكنه فشل ومات كمداً سنة 392هـ (1002م) أي في نفس السنة التي مات فيهاالمنصور بن أبي عامر.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه السفارات المتبادلة مع ملوك الفرنجة في أوروبا أو ملوك إسبانيا المسيحية، كانت تواكبها أيضاً اتصالات حضارية بينالجانبين. فالعلماء والرسل الذين سافروا إلى تلك البلاد، كانوا في معظمهم من علماء اليهود أو النصارى المستغربين الذين يتقنون عدة لغات كاللاتينية والصبرية والعربية.وهذا مكنهم من نقل الفكر الإسلامي إلى العقل الأوروبي، كما مكنهم في الوقت نفسه من نقل بع تراثهم اللاتيني أو العبري إلى اللغة العربية كالنحو العبري، وقوانين المجامعالكنسية الكاثوليكية مما أفاد فقهاء المسلمين في حوارهم مع أهل هاتين الملتين.

من كل ما تقدم، ومن واقع هذه العلاقات الدبلوماسية والحضارية مع الدول الأوروبية نرىأن الأندلس كانت تحتل مكانة ممتازة في القارة الأوروبية شرقاً وغرباً، وأن الإسلام في الأندلس أفاد واستفاد بحكم وضعه الفريد كدولة أوروبية.

* المصدر:مجلة عالم الفكر / سبتمبر1979م


/ 1