د. أحمد محمود صبحي
مافيه تكلف وشطط في التفسير
1_ محاولة تجريد القرآن من الغيب ليتسق مع روح العلم:
في مجلته، 'تهذيب الأخلاق' يقولالسير أحمد خان: 'كي لا يكون الإسلام عقبة في سبيل التحضر ينبغي أن يكون على اتساق مع العلم، ذلك أن القرآن كلام الله The Word of God والطبيعة عمله، The Work of God، فلا تعارض بينكلمته وفعله، ولا يقبل الإسلام غيبيات تنطوي على خرق قوانين الطبيعة المعبر عنها في القرآن الكريم بـ 'سنة الله' (فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلا..)(فاطر: 42)، فلا تتدخل القدرة الإلهية في صورة وحي سماوي أو معجزة أو استجابة لدعوة نبي أو ولي، لأن في ذلك خرقاً لنواميس الطبيعة، أما الوحي فمن نبع داخلي يتخيله النبيإلهياً علوياً وذلك منه إسقاط حسب تعبير علم النفس، فكما أشار الله إلى وحي الأنبياء أشار إلى وحي للنحل، وما الوحي إلى النحل إلا ما هو معروف في علم النفس بالغريزة، كذلكالوحي إلى الانبياء في مصدر داخلي، وما الفارق بينهما إلا في الدرجة لا في الطبيعة.
ولا مجال للمعجزات على نحو يفيد خرق قوانين الطبيعة، لأن الله خلق العالم على نحوتام من الدقة والنظام دون اختلال، ولا يتدخل الله في نواميس الكون باسم المعجزات أو العناية الإلهية.
وما ذكر الملائكة في القرآن إلا تعبير عن الإمكانيات اللامحدودةلله في الخلق وتسيير العالم وفق قوانين يعمل الإنسان على اكتشافها بالعقل، وأما الشيطان فهو رمز لقوى الشر، وما الإنسان إلا مَلَك وشيطان، إذ تجتمع فيه دوافع الخيروالشر.
الإسلام دين الفطرة: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم) (الروم:30)، فالدين القيم هو دين الفطرة أو دينالطبيعة أي دين بلا أسرار ولا غيبيات.
تعقيب:
شايع السير أحمد خان مذهب الدين الطبيعي Deism الذي شاع في أوربا في القرن الثامن عشر ليجرد المسيحية من الأسراروالغيبيات وليتسق في زعمه مع روح العلم، ولا حاجة بنا إلى الرد عليه لأنه لا سبيل إلى إنكار الغيب فهو من أصول الإيمان، وقد ورد في أول سورة البقرة، بل ذكره الله قبلالصلاة وقبل الزكاة وهما من أركان الدين (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون..) (البقرة:3)، ولكنه الشعور بالدونية تجاه الفكر الأوربي ساقه إلى هذاالشطط في تطويع الإسلام لروح العلم.
2_ ومع أن القرآن لم ينزله الله لشرح مسائل العلوم، وأن ما يذكر فيه من آيات كونية فللتنبيه على حكمة الله، فقد زل وجرفه تيار النزعةالعلمية. حين فسر الجن بالجراثيم المسببة للأمراض في تفسيره لسورة البقرة، وحين حاول أن يطوع الآية الأولى من سورة النساء لتتسق مع نظرية دارون وحين فسر (الطير الأبابيل)في سورة الفيل بالجدري والطاعون.
بين بين: تحميل الآيات تفسيرات علمية:
نشأة الكون: بين التفسير العلمي والمعنى القرآني:
بعد أن يعرض الأستاذ حنفي أحمد وسائلالبحوث العلمية في مجال علم الفلك واكتشاف السدم والمجرات، وأبعاد القمر والسيارات والمجرات عن الأرض ودرجات حرارة كل منها، وبحوث نيوتن عنها ، ثم تركيب الذرة وتحطيمهاثم النظريات الفلكية الحديثة عن نشوء الأجرام وأصل العالم المادي، والنظريات المختلفة في تفسير هذه النشأة، وظروف تكوين الأرض وطبقاتها، وعن الماء فوق سطحها والغلافالجوي المحيط بها، وعن الظواهر الجوية كالبرق والرعد والصواعق، ثم عوامل التعرية لسطح الأرض وتكوين السيول والأنهار وعيون الماء وعن التقلصات المستمرة في باطن الأرضوما يترتب عليها من براكين وزلازل يشير إلى الآيات المتعلقة بـ (خلق سبع سموات ومن الأرضين مثلهن) (الطلاق:11)، (نوح:15،16) (وان ذلك قد تم في ستة أيام) (الأعراف:54)، و(السجدة:4،5)وإلى إيضاح المفسرين لهذه الآيات والتأويلات المختلفة لمعنى 'اليوم' يتوقف عند آيتين تشيران إشارة واضحة إلى نشأة الكون: (أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتارتقاً ففتقناهما...) (الأنبياء:30)، ثم يبين أن أول ما خلق الله من المادة الدخانية _أي الغازية _ الأجرام في سبع طبقات أو سماوات متماسكة ملتحمة ثم جزأ الله المادة الدخانيةالمفككة إلى سبع كتل أو طباق كل منها متماسك الأجزاء ثم فتقها إلى أجرام بأقدار النجوم، وأنه تعالى سوى المادة الدخانية أي جعلها مستوية لا عوج فيها ولا تفاوت ولا يكونذلك إلا في الجسم الكريّ، وأن الأرضين خلقت مماثلة للسماوات السبع، وأن الأرض خلقت من الشمس كما خلقت الكواكب والأقمار من النجوم، أما أن (الله رفع السموات بغير عمدترونها..) (الرعد:2)، ففيه إشارة إلى قوانين الجاذبية التي تحكم الصلة بين الأجرام في مداراتها حتى لا تصطدم، وإنما يتم التسخير الإلهي بموجب قوانين الحركة أو الجاذبية. من الموجز السابق يتبين كيف حملت الآيات أكثر مما تحتمل من نظريات علمية ومن تفسير ظواهر كونية، وأن الإشارات الموجزة في القرآن الكريم إلى نشأة الكون تنوء بهذهالتفصيلات.
موضوعات وفاق واتساق:
*'العلم يفسر ظواهر كونية ذكرها القرآن ولم يستوعبها قدامة المفسرين: (في القرآن تلميح وفي العلم تصريح)'.
*'العلم يوضح كيف أنالمترادفات في الظواهر الكونية المذكورة في القرآن ليست متماثلات: (إثراء العلم للغة)'.
*'العلم يصحح أخطاء قدامى المفسرين'.
*'التناظر في المنهج: بين كلام الله فيقرآنه وبديع صنعه في خلقه'.
العلم يفسر ظواهر كونية ذكرها القرآن ولم يستوعبها قدامى المفسرين:
قال تعالى: (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد فيالسماء). (الأنعام: 125).
'لم يدرك السابقون ما يلازم الصعود إلى الفضاء من ضيق الصدر أو الاختناق بسبب نقص الأوكسجين'.
وقال: سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبتالأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) (يس:39).
مع أن الآية صريحة في أن النبات أزواج من ذكر وأنثى فقد ظن الأقدمون أن ذلك مقصور على الإنسان والحيوان، ففي تفسير الآية منسورة يس يقول المفسر: الله خلق الأصناف والأشكال من الأشياء والحيوان على مشاكله الذكر والأنثى وكذلك النخل والحبوب أشكال والتين والكرم وعدهما أشكال فبدّل بلفظ: 'أزواج'لفظ: 'اشكال' حين أتى إلى ذكر النبات، مع أنه لو فسر القرآن بالقرآن لاهتدى إلى أن النبات من ذكر وأنثى لقوله تعالى: (وأرسلنا الرياح لواقح) (الحجر:22)، ولكن قدامى المفسرين لميدركوا دور الرياح في تلقيح النبات قصر فهمهم على أن المعنى: (.. أجرينا الرياح لواقح أي ملقحة السحاب محملة بالمطر).
وهكذا كان يمكن أن يكون القرآن هادياً لقدامىالمفسرين في معرفة حقائق علمية في علوم الفلك والحيوان والنبات ولكنهم وقفوا عند معلومات عصرهم وحاولوا أن يفسروا القرآن في ضوئها ففاتهم علم كثير.
المصدر : هاؤم اقرأوا كتابيه