منهج الرأي في التفسير
د. محمد حسين الصغير والمراد به هو التفسير بالاستحسان والترجيح الظني، أو الميل النفسي لاتباع الهوى، ولا يعنيذلك الاجتهاد أو الاستنباط القائم على أساس من الكتاب والسنة النبوية فإن ذلك من التفسير بالمأثور على وجه من الوجوه.
وقد روى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلمأنه قال: 'من فسر القرآن برأيه وأصاب الحق، فقد أخطأ'.
وكره جماعة من التابعين وفقهاء المدينة القول في القرآن بالرأي: 'كسعيد بن المسيب، وعبيدة السلماني، ونافع، ومحمدبن القاسم، وسالم بن عبد الله، وغيرهم. وروى عن عائشة أنها قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفسر القرآن إلا بعد أن يأتي به جبرئيل'.
فإذا كان النبي صلى اللهعليه وآله وسلم بمقتضى هذه الرواية لا يفسر القرآن إلا بعد الإيحاء بمعناه من قبل الله تعالى. فالأجدر بمن تبعه من المسلمين أن يتحرجوا عن التفسير بالرأي لما في ذلك منالجرأة على الله.
قال ابن تيمية: 'فأمّا تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام'، ولهذا توقف جماعة من السلف الصالح عن تفسير ما لا علم لهم به، فعن ابن عباس: 'من قال في القرآنبغير علم فليتبوأ مقعده من النار'.
وقد روي أن أبا بكر (رض) سئل عن قوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً) فقال 'أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لاأعلم'.
وهذا التحرج منبعه وأصله: أن المراد بالتفسير هو إيضاح إرادة الله والكشف عن إثباتها في كتابه العزيز، وهذا ما لا يصح إلا بالأثر الصحيح، أو بالظواهر الدالةعلى صحة هذا النص، والرأي لا يحقق ذلك.
وقد أوضح الزركشي أدلة عدم جواز التفسير بالرأي بقوله:
'ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل لقولهتعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ).
وقوله تعالى: (وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
وقوله تعالى: (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَانُزِّلَ إِلَيْهِمْ).
فأضاف البيان إليهم. إلا أن هناك حديثاً بنسب إلى النبي هو:
'القرآن ذلول ذو وجوه محتملة، فاحملوه على أحسن وجوهه'. والحديث إذا قطع بصحته فيهدلالة ظاهرة على جواز الاستنباط والاجتهاد في كتاب الله تعالى، لأن أعمال الرأي بحسب القرائن الحالية والمقالية المتصلة والمنفصلة، وإخضاعها إلى المتبادر العرفي مندلالة الألفاظ لا يعد من التفسير بالرأي، نعم الاستقلال بالفتوى، ووضع التأويل من قبل النفس وبحسب الظن والهوى، دون الرجوع إلى مستند من النبي وآله. أو الاستبداد بالفهمالقرآني بعيداً عن ظواهر القرآن الكريم، والعمل بخلاف ما تدل عليه يعتبر من التفسير بالرأي المنهى عنه، لا سيما إذا ضم إليه المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا اللهوالراسخون في العلم، فقيل فيه بما يشتهى، لهذا حمل أبو الليث النهي عن التفسير بالرأي إلى المتشابه من القرآن لا على القرآن جميعه. وقد انقسم العلماء إلى فريقينبالنسبة للتفسير بالرأي، فقد تشدد فيه قوم ـ كما أسلفنا ـ فلم يجرؤوا على تفسير القرآن بالرأي، وأن كانوا علماء في الأدلة الفقهية أو النحوية أو الأخبار أو الآثار وحدبواعلى المأثور فحسب، ووقف الآخر موقفاً مجانباً لهذا الفريق، فأجازوا لأنفسهم ولغيرهم ممن ملك قياد اللغة والأدب، واطلع على علوم القرآن والشريعة، أن يفسروا القرآن، إلاأنهم خلطوا حينذاك بين التفسير بالرأي، وبين الاجتهاد القائم على أساس الاجتهاد.
ولهذا نجد الذهبي قد خلط بين الأمرين فذهب إلى أن التفسير بالرأي لو كان محرماً لوجبأن يحرم الاجتهاد ويستغنى عن العقل.
على أن كثيراً من التفاسير المعتبرة كأسرار التأويل للبيضاوي، ولباب التأويل في معاني التنزيل للخازن، والبحر المحيط لأبي حيان،وإرشاد العقل السليم لأبي السعود، وروح المعاني للالوسي تعتمد التفسير إلا أن أغلب ما ورد فيها من رأي متوهم؛ يقود في أرجح الأحوال إلى الاجتهاد القائم على أساسالموازين الشرعية.
المصدر : المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق