السيد محمد حسين فضل الله
الثقافة الجنسية
|إن الاسلام فتح للمسلمين جميعاً أبواب الثقافة الجنسية من خلالالمفردات القرآنية التي تتحدث عن العلاقة الجنسية بما يشبه الصراحة|، حتى أن التعبير القرآني الذي هو تعبير لغوي عن الزواج يوحي بالمعنى الجنسي أكثر من ايحائه بمعنىالعقد وهو كلمة (النكاح). وإذا أردنا أن ندرس السنّة الشريفة فإننا نجد أن هناك أحاديث عن المسائل الجنسية سواء ما يتعلق بعلاقة الرجل بأمرأته في مستحباتها وأحكامهاوالأجواء المحيطة بها. حتى أن هناك تصريحاً في أكثر من حديث بالأعضاء الجنسية بشكل طبيعي لا يشعر فيه الانسان أن مجتمع الرسالة كان يرى في ذلك شيئاً منافياً للأخلاق. وربما نجد بعض الاحاديث النبوية الشريفة التي يدور فيها حوار بين النبي (صلى الله عليه وآله) وبين من جاء يقرّ بالزنا على نفسه، فنلاحظ أن السؤال الأخير الذي وجّه للزانييتمحور حول العملية الجنسية بلفظ قد يخجل الناس الآن من التصريح به.
وهكذا نجد الحديث عن ذلك في المسائل التي تتصل بالمرأة من حيث الحيض والاستحاضة والنفاس، والمسائلالتي تتصل بالرجل من حيث الجنابة وغيرها.
وعندما ندرس كتب الفقهاء والأبواب الفقهية التي لها علاقة بالجنس، نجد أن هناك حديثاً صريحاً واضحاً في خصوصيات المسألةالجنسية سواء في الأعضاء الجنسية أو العمل الجنسي، أو في بعض الاوضاع المتصلة بهذا العمل.
وهكذا نجد أن العلماء السابقين يتحدثون في كتبهم عن الجنس فيما ينقل مننوادر ونكت ومِلح وما إلى ذلك حديثاً قد يعتبره المجتمع الآن حديثاً غير أخلاقي، كما نجد في بعض الكتب القديمة التي ألفها علماء أطهار زهّاد تشتمل على بعض الأبواب التيتتحدث عن الكيفيات غير العادية وغير المألوفة في العملية الجنسية، على أساس أنهم يفكّرون أن كتابة مثل هذه قد تجعل الأزواج يتثقفون ثقافة جنسية يستطيعون من خلالها تلبيةرغباتهم ورغبات زوجاتهم الطبيعية بحيث لا يحتاجون إلى تلبية تلك الرغبات خارج نطاق الحياة الزوجية.
ومن هنا نستطيع أن نؤكد بأن الاسلام يتبنى الثقافة الجنسية من خلالارتباطها بالأحكام الشرعية المستحبة أو الواجبة أو المحرّمة التي تتصل بهذا الجانب من حياة الانسان، لكننا عندما ندرس هذه القضية فإننا نركز عليها من ناحية المبدأ لنؤكدبأنها ليست في دائرة التحريم بل في دائرة التحليل.
ولكن تطور الاوضاع الثقافية والاجتماعية قد يخلق بعض السلبيات في الثقافة الجنسية أو في لون معيّن من ألوانها، لاسيما إذا كانت الأجواء المحيطة بحركة الثقافة في وعي الشاب أو الطفل تؤدي إلى نتائج سلبية على اعتبار أنها تثير التجربة غير الواعية لدى الطفل أو الشاب بالدرجة التيينحرف فيها عن الخط الاسلامي.
وعلى هذا الأساس، فلابد من دراسة المسألة بالكثير من الدقة والحذر لمعرفة الاجواء التي تحيط بهذه الدراسة من حيث دراسة شخصية الانسانالتي تستهدفها، أو الأجواء التي تتحرك في حياته. أنّ التطور المعاصر ليس هو الذي بدأ الثقافة الجنسية، بل ان الاسلام سبق العصر بكل المفردات التي تحدثنا عنها.
أمامسألة تثقيف الجيل الطالع في هذا الاتجاه، فلابد من التخطيط لذلك، من حيث طبيعة الأساليب والمفردات والأجواء بحيث يغلب الطابع العلمي على المنهج الثقافي بعيداً عن كلعناصر الإثارة، وذلك من خلال التأكيد للطفل أو الشاب بأن أعضاءه الجنسية ليست شيئاً غريباً عن حياته، بل هي شيء طبيعي جداً لا يبعث على الغرابة أو العار أو العيب أو ماشاكل ذلك، ولكنّ هناك أحكاماً شرعية اقتضت سترها وتحريكها في دائرة معينة وكما يريد الله أن يحركها فيها، تماماً كما تحدثه عن أعضاءه الاخرى التي تحدثه ايضاً عنالمحرمات فيها بأن لا يأكل هذا ولا ينظر إلى هذا..
إلاّ أن المسألة تحتاج قبل هذا إلى جو ملائم، وعلينا أن نخطط لايجاد هذا الجو لأن كثيراً من الاوضاع الاجتماعية قدتعتبر هذا عملاً أو ثقافة غير أخلاقية، فإذا استطعنا أن نخطط لذلك فإننا نتمكن من توجيه الجيل الناشىء إلى الثقافة الجنسية بطريقة علمية موضوعية حتى في مسألة الولادة،ومن أين يأتي الجنين، فلا بد لنا أن نصارحهم بذلك ولكن بطريقة تخطط لمراحل التوعية في هذا المجال.
إنّ طبيعة هذه الامور قد تغري بعض الاطفال بالتجربة، كما لاحظنا أنبعض الاطفال عندما يشاهدون بعض الافلام في التلفزيون فإنهم يبادرون إلى تطبيقها عملياً وقد يسيئون ذلك، وهكذا نجد أن البعض ممن يقرأ القصص الجنسية أو يشاهد الأفلامالجنسية فقد ينطلق بفعل الإثارة لكي يعيش هذه التجربة بشكل منحرف، في الوقت الذي تكون الأجواء الداخلية في نفسه والخارجية فيما حوله مثيرة بحيث تدفعه إلى الانفتاح علىالتجربة عندما يتثقف بها، ان الاوضاع الإعلامية التي يتحرك فيها الواقع، والتي دخلت كل بيت من خلال التلفزيون أو الصحافة، أو الأوضاع الواقعية والأجواء التي يشاهدهاالشاب أو الطفل على البحر أو غيره، أصبحت تعطي الانسان ثقافة جنسية بحيث يتفوق فيها على أبيه وأُمه من حيث كثرة المفردات التي يمتلكها.
وهناك طرفة عن بعض النساءاللواتي كنّ يحاورن بعضهن، فقد قالت امرأة لاُخرى: إن ابنتي قد وصلت الى سن البلوغ، فكيف أتحدث معها في هذه المسائل التي تتصل بالبلوغ والجنس، فأجابت الاخرى بأن توحياليها بأنك تعرفين ما تعرف هي، لأنها قد تعرف أكثر مما تعرفين.
فمسألة الثقافة الجنسية قد تكون حاجة ملحّة في الواقع المعاصر لأنها تقدم للشباب والشابات بطريقةالأفلام والكتب الرخيصة من دون أية ضوابط أو حدود، فقد يكون من الضروري للعاملين في خط التوعية الاسلامية ضمن تخطيط معين حتى ينقذوا الجيل من الثقافة الجنسية المنحرفة.
المصدر : دنيا الشباب