الحب الالهي : الفكرة جذورها وامتدادها
د0 محمد احمد عبد القادر |ان مسألة الحب الالهي تنتمي الى المسائل المتعلقةبالتصوف والتي تمتد جذورها من الاسلام نفسه0 واذا كان ثمة تشابه في تناول هذه المسألة في صنوف أخرى من التصوف , الا أن هذا التشابه الظاهري لا يرقى الى أن يكون دليلاً علىأن جذور هذه المسألة مستمدة من خارج الاسلام0 فالذي يتأمل هذه النظرية لاول وهلة يلاحظ أن أصولها أسلامية ومستقاة من آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول العظيم (ص)|0 ولقد أنبثق ظهور مثل هذه النظرية من خلال مطالعة زهاد المسلمين وصوفيتهم لآيات القران الكريم, وملاحظتهم أن هناك نوعين من صفات الله تعالى تزخر بهما الآيات القرآنية0أما النوع الاول من تلك الصفات فهي التي أصطلح على تسميتها بصفات (الجلال) وهي التي تتحدث عن الخالق سبحانه بوصفه (مرهوبا) مثل وصفه تعالى بأنه : جبار , متكبر, قهار, معز, مذل,سريع الحساب, منتقم وما الى ذلك من تلك الصفات0
وحرى بالذكر أن مثل هذه الصفات تبعث في نفس الانسان نوعاً من الخوف والرهبة - وهذا معنى من معاني ذكرها في القرآن , ممايجعل دافع الخوف والرهبة هو المسيطر على الانسان في تعبده الا أن هناك نوعاً أخر من الصفات التي تبرز جانب (الجمال) في الله تعالى مثل تلك الآيات التي يصف الله سبحانه نفسهفيها بأنه : الرحمن-الرحيم-اللطيف-الودود-الغفور وغير ذلك0 ومن شأن هذه الايات التي يصف الله تعالى فيها نفسه بصفات الجمال من رحمة بعباده ومحبة لهم وشفقة عليهم وغفرانلذنوبهم وذكر لما أعده للمؤمنين الابرار في الدار الاخرة من ضروب النعيم , من شأن ذلك كله أن يجعل الله سبحانه (مرغوبا ومحبوبا) في نظر عباده0
ان مثل تلك (الزاوية) التيينظر من خلالها العابدون الى الله تعالى تبعث في النفوس نوعاً من السكينة والطمأنينة والمحبة والرغبة0 ومن هذه الزاوية الثانية في التعبد أنبثقت فكرة الحب الالهي فيالتصوف الاسلامي0
وهكذا ظهر في التصوف الاسلامي في صورته الخالصة نزعتان تتمثل النزعة الاولى في المسلم الزاهد الذي نظر الى الله تعالى نظرته الى قوة هائلة قاهرةقادرة على كل شئ, مهيمنة على كل شئ, مريد لكل شئ, لا يجري شئ في الوجود الا بأمر الله تعالى وطوع ارادته : يبطش بمن شاء, ويعذب من يشاء, ويغفر لمن يشاء0
ولقد ترتب على تلكالنظرة أن نظر هؤلاء الزهاد الى العالم نظرتهم الى شئ بغيض حقير يجب الفرار منه وعدم الركون اليه, وعدم الاغتباط بأمر من أموره ولو كان ذلك الامر لذة الطاعة0 يقول داودالطائي (ت 165ه):صم على الدنيا واجعل فطرك الموت وفر من الناس فرارك من السبع '0 ويقول الفضيل بن عياض (ت 187ه) : لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي ولا احاسب عليها لكنت أتقذرهاكما يتقذر أحدكم الجيفة أذا مر بها أن تصيب ثوبه0
من أجل ذلك نلاحظ انه غلب على هؤلاء الزهاد الحزن والكمد والخوف والبكاء, وشاع في نفوسهم التشاؤم0 اما النزعة الثانيةفتتمثل في صوفية اخرين اعتبروا أن أهم الالوهية ليست هي الارادة المسيطرة على كل شئ , بل الجمال المطلق والحب المطلق المنبثين في سائر أنحاء الوجود0 والعالم في نظر هؤلاءبالاضافة الى كونه مظهراً من مظاهر الارادة الالهية فأنه فوق ذلك مرآة ينعكس على صفحتها الجمال الالهي , وصورة يتجلى فيهاالحب الالهي0 والله تعالى الذي صوره اوائل الزهادبصورة (المعبود) الذي يجب أن يذل له العبد ويخشاه , صورة هؤلاء بصورة (المحبوب) الذي يحبه العبد ويناجيه ويستأنس بقربه ويطمئن الى جواره , ويشاهد جماله في قلبه وفي كل ما ظهرفي الوجود من آثاره0 أما ما جاء في القران والحديث من نصوص واضحة الدلالة على محبة الله لعباده ومحبة عباده له, فمن ذلك ما جاء في شأنه تعالى يحب ويحب مثل قوله تعالى ' يحبهمويحبونه ' (المائدة-54) , قوله تعالى : ' والذين آمنوا أشد حبا لله ' (البقرة-165) وقوله تعالى : ' ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين ' (البقرة-190) وقوله : 'قل ان كنتم تحبون الله ' (آلعمران-13) وقوله : ' ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله ' (البقرة-165) وقوله : ' وألقيت عليك محبة مني ' (طه-39)0
ووصف سبحانه نفسه بأنه ' الغفور الودود '(البروج-14) وبأنه قريب من عبده اذا دعاه , وأنه اقرب الى الانسان من حبل الوريد وغير ذلك من الايات التي تفيض عطفا وحنانا ورحمة بالعباد 0 بل انه تعالى اراد ان يكون حبهلعباده حظاً مشتركاً بينهم جميعا لا تستأثر به أمة دون أخرى ولا طائفة دون أخرى , فقال سبحانه في معرض لوم اليهود والنصارى :' وقالت اليهود والنصارى نحن ابناء الله واحباؤه, قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق ' (المائدة-18)0
ومن الاحاديث الصحيحة التي يكثر الصوفية من روايتها والتعلق عليها , الحديث القدسي الذي يقول فيه رب العزة ' لايزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه, فأذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به , وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي عليها 00 ' هكذا نلاحظ ان نظرية الحبالالهي في التصوف الاسلامي عميقة الجذور اسلاميا, واذا كان ثمة تشابه بينها وبين مثيل لها في أديان او فلسفات اخرى , فلا يعد ذلك دليلا على التأثر الاسلامي بمثل تلكالنظريات الخارجية , على الاقل في مرحلة التصوف الخالص الذي نتحدث عنه0
أما عن ماهية هذا (الحب الالهي) فلقد اختلفت مواقف المسلمين بصدده , حيث أنكرت بعض الفرقالاسلامية أن يحب الله ويحب على الحقيقة تنزيها منهم لكمال الله تعالى , ويذكرون ان ما جاء في الشرع بهذا الصدد لا يعدو ان يكون ضربا من المجاز0 اذ أن المحبة لها من اللوازمما لا يليق بالجناب الالهي كالشوق والانس والمناجاة والمشاهدة وتبادل اللذة ونحو ذلك من صفات المخلوقات التي يجب ان يتنزه الله تعالى عنها0 وذهب هؤلاء الى تأويل المحبةبأنها من العبد لله هي طاعته تعالى ودوام خدمته , وهي من الله للعبد كلاءته ورحمته , أو قالوا كما ذهب بعض المتكلمين ان المحبة هي احدى الصفات التي وصف الله سبحانه نفسه بهافي مثل قوله ' يحبهم ويحبونه ' وهو ما يجب الاعتقاد بها دون النظر في ماهيتها وكيفيتها 0
ومن الصوفية من كان اكثر تحفظا وأدنى الى مذاهب المتكلمين مثل الهجويري الذييفسر المحبة من الله تعالى للعبد بأنها صفة من صفات الله تعالى كالرضا والرحمة ونحو ذلك ومعناها عنايته تعالى بالعبد ومجازاته له في الدنيا والاخرة , وعصمته اياه منالذنوب والاثام ومنحه اياه رفيع المقامات والاحوال0 أما المحبة من العبد لله تعالى فهي صفة او معنى يظهر في قلب العبد بصورة التعظيم والاجلال للمحبوب , بحيث يطلب رضاهدائماً ويجزع من بعده , ويأنس بذكره تعالى ويستوحش من ذكر غيره , ويقطع جميع علائقه بالخلق ويتجه بكليته نحو ساحة الحق0
ويرى الفريق الاكبر من الصوفية أن معاني الحبومستلزماته ليست من البشاعة ماتجعلهاتؤول , اذ أن الحب امر قائم بدلالة النص دون حاجة الى الدخول في متاهات جدلية0
فاذا كان الاشاعرة مثلا يتصورون العلاقة بين الخالقوالمخلوق ليست الا أحاطة علم وارادة وحرية من التصرف في الملك من الخالق تجاه المخلوق, وكذلك لا يمكن ان تتصور العلاقة عند المعتزلة (العدليين) الا عدلا من الخالق تجاهالمخلوق, فأن الصوفية لا يمكن ان تتصور عندهم مثل تلك العلاقة الا حبا من الخالق0 ثم الا يدل تعريف الصلاة-وهي المدخل الذي يلاقي من خلاله الانسان ربه - عندهم على مثل ذلكالمعنى اذ ان الصلاة عند الصوفية هي ' مناجاة قلبية بين العبد والرب '0
ومن ثم فأن الصوفية الذين تبنوا نظرية الحب الالهي لم يلجئهم الامر الى تأويل المحبة بانهاالمواظبة على طاعة الله وخدمته, اذ أن هذه الاخيرة عندهم هي فرع للمحبة وليست مرادفة لها , وفي ذلك تقول رابعة العدوية :
تعصي الاله وانت تظهر حبه 00 هذا لعمري في الفعالبديع
لو كان حبك صادقا لأطعته 00 ان المحب لمن احب يطيع
واذا كان فريق من الفقهاء قد انكر هذا الحب الالهي لما يلزم عنه من التشخيص والتجسيم , فأن الكثير من الفقهاءقد اباح-بعد ذلك- نوعا من الحب لا يتجه الى موضوع مشخص , بل الى فكرة او مثال يرمز اليه بموضوع محسوس , وكان هذا النوع من الحب أشبه ما يكون بالحب العذري0 وكان نتيجة لاعترافالفقهاء لهذا الحب أن التمس الصوفية فيه تأييدا لمذهبهم في الحب الالهي المجرد عن التشخيص والتجسيم اذ أن في هذا الحب تنزيها لذات المحبوب 0
ولقد تغلغلت نظرية الحبالالهي حتى شملت كل جوانب التصوف الخالص, وارتبطت بتجارب الصوفية فكراً وسلوكاً0 وسوف أذكر على سبيل المثال نموذجين لصوفية القرن الثالث الهجري, ذلك العصر الذي يعتبرهالمؤرخون أزهى عصور التصوف او لنقل هو العصر الذهبي للتصوف الاسلامي البحت 0
أما النموذج الاول فهو الحارث المحاسبي وكان من الصوفية الذين حافظوا فيما يسلكون وفيمايقولون على الاصول الاسلامية حيث دعى الى نبذ كل امر من شأنه البدعة او الخروج على تلك الاصول0 ومن أشهر أقواله في هذا الصدد : ' من طبع على البدعة متى يشبع فيه الحق ؟ '0 سئل المحاسبي من بعض اصحابه عن المحبة الاصلية فقال : انها حب الايمان, ذلك أن الله تعالى قد شهد للمؤمنين بالحب فقال ' والذين آمنوا أشد حبا لله ' (البقرة-160) فنور الشوق مننور المحبة, وزيادته من حب الوداد , فاذا أسرج الله ذلك السراج في قلب عبد من عباده لم يتوهج في فجاج القلب الا أستضاء به 0 وليس يطفئ ذلك السراج الا النظر الى الاعمال بعينالامان فاذا أمن على العمل من عدوه, لم يجد لأظهاره وحشة السلب فيحل العجب وتشرد النفس مع الدعوى وتحل العقوبات من المولى0 وحقيق على من أودعه الله وديعة من حبه فدفع عناننفسه الى سلطان الامان أن يسرع به السلب الى الافتقاد0
ولعل هذه العبارات التي ذكرها المحاسبي تتم عن نزعة ملامتية واضحة قوامها عدم الاطمئنان الى الاعمال مهما عظمتوبلغت من الصلاح ' أن تحبط أعمالكم وانتم لا تشعرون ' (الحجرات-2)0 واذا كان التصوف -بشكل او باخر- متضمنا مسحة ملاميتية فان ذلك لكون النفس محتاجة دائما الى اللوم المستمرحتى ترتدع في نوازعها وتقلع عن شهواتها0 ومغزى ما ذكره المحاسبي أن الشعور بالامان وحسن الظن بالاعمال يولد في النفس عجبا (والعجب آفة من آفات النفس) ويدفعها الى الدعوى0ومن أمن على عمله واطمأن اليه صدئت نفسه وقام العمل -وهو الوسيلة- حجابا بينه وبين ربه , فلا يشعر عند اظهاره لعمله ومباهاته به بوحشة السلب - أي وحشة حرمان الله تعالى له منحبه وكرامته0 فاذا أمعن العبد في عجبه ودعواه , انقلب ذلك السلب المؤقت سلبا دائما , وهو ما يقصده المحاسبي بكلمة (الافتقاد)0
ويذكر المحاسبي أن ضرورة مجاهدة النفس (وهوالجهاد الاكبر) هي الطريق المتأتي بالعبد الى محبة الله تعالى0 واذا حضرت النفس بجنودها من شهوات ورغبات وكان في القلب أثر من آثار المحبة الالهية والقربة , عكرت صفاءالقلب ومحت منه ذلك الاثر0 فالمحبة لله اذن لا تصفو ولا تخلص الا اذا تحرر القلب الصوفي من مزاحمة نوازع القلب0 ويتأدى المحاسبي من ذلك الى أن المحبة لله تعالى انما هيثمرة الجهاد النفسي والجسماني0 والمحبة عند الصوفي انما هي محور كل شئ في حياته, وهي الوسيلة التي يستشعر من خلالها أن الله تعالى معه في كل أمر من أموره0
يقولالمحاسبي : فلذلك قيل الحب هو الشوق لانك لا تشتاق الا الى حبيب0 فلا فرق بين الحب والشوق اذا كان الشوق فرعاً من فروع الحب الأصلي0 وقيل ان الحب يعرف بشواهده على ابدانالمحبين وفي ألفاظهم وكثرة الفوائد عندهم لدوام الاتصال بحبيبهم0 فاذا ظهرت الفوائد عرفوها بالحب لله0 ليس للحب شبح ماثل ولا صورة فيعرف بجبلته وصورته وانما يعرف المحببأخلاقه وكثرة الفوائد التي يجريها الله على لسانه بحسن الدلالة عليع وما يوحى الى قلبه0 فكلما ثبتت الفوائد في قلبه , نطق اللسان بفروعها فالفوائد من الله واصلة الى قلوبمحبيه0 فأين شواهد المحبة لله شدة النحول بدوام الفكر وطول السهر بسخاء النفس بالطاعة , وشدة المبادرة خوف المعاجلة والمنطق بالمحبة على قدر نور الفائدة , فلذلك قيل انعلامة الحب لله حلول الفوائد من الله بقلب من أختصه الله بمحبته0
فالمحبة عند الصوفية اذن هي التي اذا غلبت على الانسان ملكت عليه كل شئ وبصرته بكل شئ فالمعرفة متوقفةاذا على المحبة الالهية وأساسهما معا كما يقول الصوفية بطن بطن جائع وبدن عار, كناية عن الاخلاص في المحبة لله وعدم الانشغال عن ذكره بما سواه0
اما النموذج الثانيالذي نتخذه مثالا لتناول الحب الالهي في التصوف الخالص فهو ابو القاسم الجنيد بن محمد شيخ الطريقة وهو الذي وصل به التصوف الاسلامي في القرن الثالث الهجري الى قمته, وهومن أعمق صوفية هذا القرن آثارا واكثرهم اخلاصا وتمسكا بالاصول الاسلامية في كل ما يقول وما يسلك0 ومن اقواله في هذا الصدد : ' الطرق كلها مسدودة على الخلق000 الا من اقتفىاثر الرسول (ص) واتبع سنته ولزم طريقته , فان طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه '0
وقال ابو عمرو الزجاجي : سألت الجنيد عن المحبة, فقال : تريد الاشارة ؟ قلت : لا , قال : تريدالدعوى ؟ قلت : لا قال : فأي شئ تريد ؟ قلت : عين المحبة0 فقال : أن تحب ما يحب الله تعالى في عباده , وتكره ما يكره الله تعالى في عباده0
ولا يمكن فهم نظرية الجنيد في المحبةالالهية بمعزل عن نظريات اخرى له مثل نظريته في التوحيد0 فيرى الجنيد أن ارواح البشر آمنت منذ الازل بالله تعالى وأقرت بتوحيده وهي لم تزل بعد في عالم الذر وقبل أن يخلقالله العالم والاجسام المادية التي هبطت تلك الارواح اليها , وأن هذا هو التوحيد الكامل الخالص لانه صدر عن ارواح مطهرة مجردة عن أعراض البدن وآفاته0 موجودة لا بوجودهاالمتعين الخاص , بل وجود الحق ذاته 0
ولقد أنزل الله سبحانه هذه الارواح من عليائها الى عالمنا هذا وألبسها ابدانها قصدا للبلاء والاختبار , فشغل بعضها بأغراض الدنياونسى أصله وموطنه , وحن بعضها الى العودة الى ذلك الاصل وجعل غايته الوفاء بذلك الميثاق الذي أخذه الله عليه, والرجوع الى تلك الحال التي كان عليها قبل أن يوجد في هذاالعالم0 فاذا تم لهذه الارواح ما أرادت , وحدت الله تعالى التوحيد الكامل الخالص - أو ما يقاربه- وفنيت عن وجودها الزمني وبقيت بالله وحده 0 وفي هذا الفناء في الحق يتحققمعنى الحب له 0 اذ الفناء عن الذات المتعينة هو عين المحبة لمن تبقى الذات حية فيه ولا تشهد سواه0
ان جوهر التصوف عند الجنيد هو الفناء عن الذات والبقاء بالله تعالى, أوهو الوصول الى حال يكون فيها الحق سمع العبد وبصره على حد تعبير الحديث القدسي0 وفي هذه الحال يصبح الوجود الذاتي المتعين وجودا أتم وأكمل عن طريق البقاء بالله وفي الله0ولكنها حال لا تدوم , فان العبد يعود بعدها الى حال من الصحو الصوفي يشعر فيها باثنينية المحب والمحبوب, فيستأنف الحنين الى محبوبه من جديد ويشتاق الى الاتصال به0
يقولالجنيد في وصف المحب صاحب هذا الحال : ' عبد ذاهب عن نفسه , متصل بذكر ربه , قائم بأداء حقوقه , ناظر اليه بقلبه0 أحرق قلبه أنوار هويته وصفاء شربه من كأس وده , وانكشف له الجبارمن استار غيبه0 فاذا تكلم فبالله, وان نطق فمن الله , وان تحرك فبأمر الله, وان سكت فمع الله ولله ومع الله '0
المصدر : الفكر الاسلامي بين الابتداعوالابداع