الذكر وأهميته والموقف منه
د. أسعد السحمراني إن الخاصة من عباد الله تعالى المخلصين إذا ما فرغوا من أداء فرائضهم أتبعوا ذلك بالنوافل،ومن أبرز النوافل ذكر الله تعالى وتسبيحه وحمده، بحيث لا يتحرك الانسان إلا بما يرضي الله، ولا يحرك لسانه إلا بذكره مما يولد اطمئناناً في النفس، ولذة روحية لا تعادلهالذة.
ومن خصوصيات العباد الذاكرين عدم الانشغال بسوى الاتجاه إلى الله بكامل الهمة، وهذا ما جاء به وصفهم في القرآن الكريم: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)النور/ 37.
والذكر حسب تعريف ابن منظور في لسان العرب: ذكر الشرف والصيت. ورجل ذكير: جيد الذكر والحفظ. والذكر في التنزيل وفق الآية: (وإنه لذكر لك ولقومك)، أي القرآن شرفلك ولهم. وقوله الله تعالى: (ورفعنا لك ذكره)، أي شرفك.
والذكر: الصلاة لله والدعاء إليه والثناء عليه. وقيل: الذكر الصلاة، والذكر قراءة القرآن، والذكر التسبيح،والذكر الدعاء، والذكر الشكر، والذكر الطاعة.
وقد تكرر ذكر (الذكر) في الحديث، ويراد به تمجيد الله وتقديسه وتسبيحه وتهليله والثناء عليه بجميع محامده. ولذلك يقال:فلان يذكر الله، أي يصفه بالعظمة ويثني عليه ويوحده. وربما لهذا عرّف الله تعالى سورة الفاتحة بأنها أم الكتاب، فهي تحوي الحمد والثناء والتوحيد والإقرار بالعبودية لله.ولهذا جاء عن النبي (ص) أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، ففيها التوحيد والتنزيه للذات الإلهية عن كل تصور قد يخالط أوهام بعض الناس.
أما في دائرة المعارف الاسلاميةفلقد جاء تعريف الذكر بالقلب أن معناه: إحضار الشيء في الذهن. والذكر باللسان ومعناه: التلفظ بالشيء. وتنطق هذه الكلمة في الاصطلاح الديني (ذكر) وهي تمجيد الله بعباراتمحددة معينة تردد بحسب ترتيب الشعائر، ويكون ترديدها جهراً أو سراً. وهذا المعنى يمكن أن نأخذه من تلمس معنى الآية الكريمة: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً* وسبحوه بكرة وأصيلاً) الأحزاب/ 41 ـ 42.
إن في هذه الآية أمر من الله تعالى لعباده بأن يذكروه ويشكروه، وأن يكثروا من ذلك على ما أنعم عليهم. ولقد جعل الله تعالى فريضةالذكر بخلاف باقي الفرائض الاسلامية بلا تحديد، وذلك لسهولة ممارسة الذكر على العباد، فكل عمل وقول يكون في مرضاة الله وسبيله هو ذكر.
وهو بلا حد رحمة بالانسان لعظمالأجر فيه. وفي قول لابن عباس رضي الله عنهما: إن الذكر حق على كل مكلف، ولم يعف أحد من ترك ذكر الله إلا مَن غلب على عقله. ولكن من شروط الذكر أن يقترن بالإخلاص، فالذكر هوإخلاص واستدامة في القلب في كل الأحوال.
لقد جاء الأمر بالذكر المقترن بالإخلاص في أكثر من آية قرآنية، وكانت في صيغة الأمر أو الحض على ذلك، أو في إطار الوعد بالثوابالكبير، من هذه الآيات قول الله تعالى: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) البقرة/ 152.
حملت هذه الآية دعوة من الله لعباده كي يذكروه بالطاعة والسمع، والإنابةإليه، حتى يذكرهم سبحانه بالمغفرة والثواب. فالذكر بهذا المعنى هو طاعة الله، ومَن لم يطع الله لا فائدة من ذكره حتى لو أكثر بلسانه قراءة القرآن والتسبيح والتهليل. ليس الذكر إذن ترداد باللسان فحسب، وإنما أصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور، والتيقظ به. وسمي الذكر باللسان ذكراً لأنه دلالة على الذكر القلبي، وما من عبد ذكر اللهمخلصاً له إلا ذكره الله عزوجل برحمته.
إن الذكر المترافق مع أداء الفرائض هو أفضل أنواع السلوك كي ينال الانسان مرضاة الله، والذكر الذي يقوم على الإخلاص القلبييحصن الانسان من الانحراف، ويقوي حالة الضبط الذاتي، فمن كان ذاكراً لله لا يخالفه. ومن موجبات الذكر المحصن للانسان من الزيغ أن يقترن بالعلم، وتفريغ القلب إلا من اللهتعالى، عندها يحصل الانسان على مقام مفضل فيه على سواه وفق ما جاء في الآية: (ولذكر الله أكبر) العنكبوت/ 45.
والذين يذكرون الله عن إخلاص وعلم، يترافق ذكرهم مع تفكر فيآيات الله ومخلوقاته، فيكون الذكر سبيلاً لكي يعرفوا كمال قدرة الله، وإحكام صنعه للعالم، وبهذا تحصل التذكرة لأولي الألباب فيزيدهم ذلك إيماناً، فتسكن قلوبهم،وتستأنس بتوحيد الله فتطمئن. فالذكر هو مفتاح الحال عند الصوفيين، وهو عند كل المسلمين السبيل إلى اطمئنان القلب بما تأمل وعرف الذاكر من آيات الله عن بصيرة، وفي ذلك جاءقول الله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد/ 28.
قد يكون من أسباب حصول الاطمئنان القلبي للذاكرين ما جاء من أحاديث نبويةتعد الذاكرين بمقام هام عند ربهم، ومنها أن الذكر يقود إلى الحصول على رياض الجنة في اليوم الآخر، فلقد روى أنس بن مالك عن رسول الله (ص) أنه قال: (إذا مررتم برياض الجنةفارتعوا. قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر).
كيف لا يكون ذكر الله سبيلاً لدخول رياض الجنة، وقد جاء الوعد صريحاً للذاكرين بأنهم سيكتبون عند الله معالمرضيين المكرمين، وأنه تعالى سيشملهم برحمته، ورحمته هي الثواب والمكافأة، وفي هذا الباب روى أبو سعيد الخدري وأبو هريرة عن رسول الله (ص) أنه قال: (لا يقعد قوم يذكرونالله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة،وذكرهم الله سبحانه فيمن عنده).
وإذا كان الذكر يشمل كافة أعمال العبد التي تكون في مرضاة الله إلا أنالذكر كما تعارف عليه المسلمون يقصد به تسبيح الله وحمده، وترديد عبارات معينة في التوحيد كترديد عبارة (لا إله إلا الله) مرات عديدة، أو الصلاة على النبي (ص) عدداً معيناًمن المرات، وهكذا يكون لكل ذاكر وفق طريقته نمط محدد من الذكر، ولكن الجامع المشترك هو الحض على الذكر الذي جاء في تحديده ما رواه سمرة بن جندب: (ان رسول الله (ص) قال: أحبالكلام إلى الله أربع، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت).
وفي حديث نبوي متفق عليه، جاء عن فضل الذكر والتسبيح: (مَن قال سبحانالله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر).
إن الذاكر قد ينفعل أثناء أدائه للذكر، فيكون في حالة وجدانية خاصة لا يشاركه فيها أحد ويشترط عليه فيمثل هذه الحال أن لا يصدر منه أو عنه ألفاظ أو حركات فيها تجاوز للضوابط الشرعية، وحدود الله، وأن لا يتحول الانفعال والوجدان الخاص والحالة الروحية، إلى شطحات تسيءللغاية المرجوة من العبادة والذكر.
فالذكر يجب أن يكون مقترناً بالتفكر وتمالك النفس ليكون فيه اعتبار للانسان من تفكره في قدرة الله تعالى. والذكر المنضبط هو ماصورته الآية الكريمة: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) آل عمران/ 191.
*المصدر : التصوف (مشؤه ومصطلحاته)