صوغ نظام التربیة و التعلیم من جدید نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

صوغ نظام التربیة و التعلیم من جدید - نسخه متنی

ابو الحسن الندوی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

أهمية نظام التربية والتعليم في الأقطار الاسلامية

ابو الحسن الندوي

صوغ نظام التربية والتعليم مِن جديد, نتائج تطبيق النظام التعليمي الغربي في الشرق الإسلامي

لايخفى علىالمطلع الخبير أن نظام التعليم روح وضمير كالكائن الحيّ له روح وضمير، إن روح نظام التعليم وضميره إنما هو ظل لعقائد واضعيه ونفسيتهم، وغايتهم من العلم ودراسة الكون،ووجهة النظر إلى الحياة، ومظهر لأخلاقهم، وذلك ما يمنح نظام التعليم شخصية مستقلة، وروحاً وضميراً بذاتها، إن هذه الروح هي التي تسري في هيكله تماماً، إنها تسري في جميعالعلوم، في الأدب والفلسفة، والتاريخ والفنون، والعلوم العمرانية، حتى في علمي الاقتصاد والسياسة بحيث يصعب تجريدها من هذه الروح، وليس في وسع كل شخص أن يميز بين الصحيحوالسقيم منها، وإنما يتيسر ذلك لرجل أوتي من قوة الاجتهاد، وملكة النقد القوية ما يستطيع به أن يميز الجزء النافع من الجزء الضار، فيكون عاملاً بمبدأ (خذ ما صفا ودع ماكدر) ويفرق بين الأصل والزائد حتى يتمكن من أخذ جوهرها وروحها.

وهذا العمل سهل في العلوم الطبيعية التطبيقية، بينما هو صعب ودقيق في نفس الوقت في الأدب والفلسفة،والعلوم العمرانية، ولا سيما إذا كانت أمة تؤمن بعقائد معينة، وتتبنى فلسفة مستقلة، وأسلوباً خاصاً للحياة، وتاريخاً مستقلاً لا يعد من ألفاظ الماضي وإنما هو منارة نورللأجيال القادمة _وتعتبر شخصية الرسول وعهده الأسوة الحسنة التي تفوق جميع القيم والمثل العليا للحياة الإنسانية، إذا كانت أمة هذه صفتها تتبنى نظام تعليم الأمة تختلففي الأساس والقيمة والمعيار، يحدث هنالك صراع مستمر لا يفارق هذه الأمة في أي مرحلة من مراحل حياتها يجر إلى بناء واحد وهدم آخر، إلى تصديق واحد وتكذيب آخر، إلى إجلالواحد وازدراء آخر، وفي مثل هذه الحال يجب أن يحدث هنالك نزاع عقلي، وتزعزع في العقيدة، وانحراف عن الدين، وأخيراً قبول القيم والأفكار الحديثة مكان القيم والأفكارالسالفة، وذلك أمر طبيعي يجب أن يحدث كأمور طبعية، لا يحول دون حدوثه حسن النية، أو القلق، ورغبة الآباء والأولياء، والاحتياطات الفرعية والخارجية، وإنما يمكن تأجيلموعده، أو إبطاء سيره على أكثر تقدير، دون تعويقه أو القضاء عليه، كما أن الشجرة إذا نشأت وتربت وفق نظامها الطبيعي تؤتي أكلها وتثمر في موعدها، أما الإنسان فبإمكانه أنلا يغرس شجرة، ولا يسهر عليها بالتعاهد والسقي، أو يعضدها إذا اكتملت وشبت، ولكن ليس بإمكانه أن يقوم في وجه شجرة مثمرة خضراء، أو يفرض عليها أن تثمر ثمر شجر آخر.

تلكهي قصة نظام التعليم الغربي، فإنه يحمل روحاً مستقلة، وضميراً منفرداً تتجلى فيه عقيدة مؤلفيه، وعقلية واضعيه، وهو نتيجة التقدم الطبعي في آلاف من السنين، وتعبير عنأفكار أهل الغرب ومجموع أقدارهم وقيمهم، فإذا طبق هذا النظام التعليمي في بلاد مسلمة، أو مجتمع إسلامي، يحدث به قبل كل شيء صراع عقلي، ثم يتدرج ذلك إلى تزعزع العقيدة،والردة الفكرية، وأخيراً إلى الردة الدينية، وذلك طبيعي لكل من يتسهدف لذلك (الاّ من عصم ربّك) وما أحسن ما كتبه أحد علماء الغرب الناقدين الذي له خبرة واسعة بنتائج نظامالتعليم الغربي في الشرق: (لقد بسطنا في الفصول الماضية بعض الأسباب المؤيدة للرأي القائل بأن الإسلام والمدنية الغربية _وهما يقومان على فكرتين في الحياة متناقضتينتماماً _ لا يمكن أن يتفقا، فإذا كان ذلك كذلك، فكيف نستطيع أن نتوقع أن تظل تنشئة أحداث المسلمين على أسس غربية، تلك التنشئة القائمة في مجموعها على التجارب الثقافيةالأوروبية وعلى مقتضياتها، خالصة من شوائب النفوذ المعادي للاسلام.

ليس ثمة ما يبرر توقعنا لذلك، وإننا إذا استثنينا بعض الأحوال النادرة، التي يتاح فيها لعقل نيرللغاية أن يتغلب على مادة التعليم، فإن التنشئة الغربية لإحداث المسلمين، ستفضي حتماً إلى زعزعة إرادتهم في أن يعتقدوا أو أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم هم ممثلوالحضارة الإلهية الخالصة التي جاء بها الإسلام، وليس ثمة من ريب في أن العقيدة الدينية آخذة في الاضمحلال بسرعة بين (المتنورين) الذين نشأوا على أسس غربية!)

ثم يقولوهو يتحدث عن أجزاء برامج التعليم الغربية المختلفة، فيتحدث عن تدريس الآداب الغربية، وتأثيرها في عقلية النشء الإسلامي:

(إن تعليم الأدب الاوروبي على الشكل الذييسود اليوم الكثير من المؤسسات الإسلامية يقود إلى جعل الإسلام غريباً في عيون الناشئة المسلمة، ومثل هذا _ولكن إلى حدّ أبعد _ يصدق على التعليل الأوروبي للتاريخ العام،إذ لايزال الموقف القديم فيه: (رومانيون وبرابرة) يظهر بجلاء، ثم إن لمثل هذا العرض في التاريخ هدفاً خفياً، ذلك أنه يدلل على أن الشعوب الغربية ومدنيتها أرقى من كل شيءجاء أو يمكن أن يجيء إلى هذا العالم، وهكذا يمكن خلق نوع من التبرير الأدبي لسعي الأوروبيين إلى السيطرة وإلى القوة المادية).

ويتكلم عن تأثير تدريس مادة التاريخ علىالنمط الغربي، فيقول:

(أما التأثير الوحيد الذي يمكن أن يتركه مثل هذا التثقيف التاريخي في عقول الأحداث من غير الشعوب الأوروبية، فإنما هو شعور هذه الشعوب بالنقصفيما يتعلق بثقافتهم الخاصة، وبماضيهم التاريخي الخاص، وبالفرص السانحة لهم في المستقبل، وهكذا يتربون تربية منظمة على احتقار ماضيهم ومستقبلهم، اللّهم إلاّ إذا كانمستقبلاً مستسلماً للمثل العليا الغربية).

وأخيراً يقول بكل حماس وصراحة.

(وإذا كان المسلمون قد أهملوا فيما مضى البحث العلمي، فانهم لايستطيعون أن ينتظروا إصلاحهذا الخطأ اليوم عن طريق قبول التعليم الغربي من غير وازع ما، ان كل تأخرنا العلمي، وكل فقرنا لا يوزنان بذلك التأثير المميت الذي سيحدثه تقليدنا الاعمى لنظام التعليمالغربي في قوى الإسلام الدينية الكامنة، إذا أردنا أن نحفظ حقيقة الإسلام على أنها عنصر ثقافي، فيجب علينما أن نحترس من الجو الفكري للمدنية الغربية، ذلك الجو الذي أصبحعلى وشك أن يتغلب على مجتمعنا وعلى ميولنا، وبتقليد عادات الغرب وزيّه في الحياة يصبح المسلمون تدريجياً مضطرين إلى الأخذ بوجهة النظر الغربية، ان تقليد المظاهرالخارجية يقود شيئاً فشيئاً إلى تقبل الميل العقلي المصاحب لذلك.

وقد تكهن بهذه النتيجة بعض مفكري الغرب الذين كانوا مسؤولين عن تطبيق هذا النظام التعليمي في بلدانالشرق، وقد كتب الكاتب الإنجليزي المعروف اللورد ميكالي (Lord Macaulay) في تقريره، وقد كان رئيس اللجنة التعليمية (عام 1835م) التي قررت جعل اللغة الإنجليزية أداة التعليم لأهلالهند بدلاً من اللغات الشرقية الأخرى، إنه يقول:

(يجب أن ننشىء جماعة تكون ترجماناً بيننا وبين ملايين من رعيتنا، وستكون هذه الجماعة هندية في اللون والدم، انجليزيةفي الذوق والرأي، واللغة والتفكير).

ويقـرر المستشرق الكبيـر (جب) (Gibb) في كتابه (وجهة الإسلام) (Wither Islam) أن التجدد والتفرنج في الشرق إنما هما خاضعان لمقياس نظامالتعليم الغربي ومدى سيطرته وتغلغله في المجتمع الإسلامي الشرقي، يقول:

(والسبيل الحقيقي للحكم على مدى التغريب (أو الفرنجة) هو أن نتبين إلى أي حد يجري التعليم علىالأسلوب الغربي، وعلى المبادىء الغربية، وعلى التفكير الغربي، والأساس الأول في كل ذلك هو أن يجري التعليم على الأسلوب الغربي، وعلى المبادىء الغربية، وعلى التفكيرالغربي.. هذا هو السبيل الوحيد ولا سبيل غيره، وقد رأينا المراحل التي مرّ بها طبع التعليم بالطابع الغربي في العالم الإسلامي، ومدى تأثيره على تفكير الزعماء المدنيينوقليل من الزعماء الدينيين).

يلاحظ جب أن النشاط التعليمي والثقافي (عن طريق المدارس العصرية والصحافة) قد ترك في المسلمين _من غير وعي منهم _ أثرا جعلهم يبدون فيمظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد، ثم يعقب على ذلك بقوله: (وذلك خاصة هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الاسلامي على حضارته من آثار).

مؤامرةدقيقة لابادة العنصر الإسلامي:

|لقد كان نظام التعليم الغربي محاولة عميقة وخفية لابادة العنصر الاسلامي والقضاء عليه|، وانتقل مفكرو الغرب من طريقتهم الممقوتةالقديمة التي كانوا يؤثرونها في إبادة الأجيال، والفتك بها إلى هذه الطريقة الجديدة التي قرّروا صوغها في قالبهم، فأسسوا لهذا الغرض مراكز كثيرة باسم الكلياتوالجامعات، وقد عبر عن هذه الحقيقة التاريخية أحسن تعبير الشاعر الاسلامي (أكبر) الاله آبادي في أسلوبه الطريف الخاص، انه يقول في بيته السائر:

(يا لبلادة فرعون الذيلم يصل تفكيره إلى تأسيس 'الكليات'، وقد كان ذلك أسهل طريق لقتل الأولاد، ولو فعل ذلك لم يلحقه العار وسوء الأحدوثة في التاريخ).

كما أوضح الفرق بين ساسة الشرق والغربفي بيت آخر يقول:

(إن أهل الشرق يقضون على العدو بشدخ رأسه، ولكن الغربي يغير طبيعته وقلبه)، وجاء إقبال بعده بعدة سنوات، وقد اكتوى بنار نظام التعليم الغربي شخصياًوخاض في دراسته، فأبدى حقيقته في أسلوب أكثر عمقاً وأبعد عن التنكيت والدعابة، يقول:

(إيّاك وأن تكون آمناً من العلم الذي تدرسه، فإنه يستطيع أن يقتل روح أمة بأسرها)إنه يعبر عن ذلك الانقلاب الهائل والتحويل الجذري الذي يحدثه نظام التربية الحديث بقوله:

(إن التعليم هو (الحامض) الذي يذيب شخصية الكائن الحي، ثم يكوّنها كما يشاء،إن هذا (الحامض) هو أشد قوة وتأثيراً من أي مادة كيمائية، هو الذي يستطيع أن يحول جبلاً شامخاً إلى كومة تراب).

إنه يرى نظام التعليم الغربي مؤامرة على الدين والخلق كمايقول:

(إن نظام التعليم الغربي، إنما هو مؤامرة على الدين والخلق والمروءة).

إن إقبال من اولئك الرجال المعدودين الذين خاضوا بحر نظام التعليم الغربي، فلم يخرجوامن قعره سالمين فقط، بل وقد جاءوا معهم بدرر كثيرة، وازدادوا إيماناً بخلود الإسلام ومضمراته الواسعة؛ وازدادوا ثقة بنفسهم، ولو كان من الصعب أن نحكم على إقبال أنه لميخضع للتعليم الغربي، والفلسفة الغربية في قليل أو كثير، وأن فهمه للدين يطابق الكتاب والسنة، وفهم السلف تماماً، ولكن الذي لا مرية فيه أنه لم ينصهر في بوتقة الغرب كماانصهر الآف من معاصريه، وحق له أن ينشد في هذه المناسبة شعره الذي معناه:

(كسرت طلسم العصر الحاضر وأبطلت مكره، التقطت الحبّة وأفلتُّ من شبكة الصيّاد، يشهد الله أنيكنت في ذلك مقلداً لإبراهيم، فقد خضت في هذه النار واثقاً بنفسي، وخرجت منها سليماً محتفظاً بشخصيتي).

أما شهادة الزعيم الإسلامي الهندي مولانا محمد علي عن التعليمالحديث وأثره، فتحمل قيمة لا تنكر، وقد تربى في بيئة مؤمنة دينية، ثم بدأ دراسته في أكبر مراكز التعليم الغربي (الجامعة الإسلامية في عليكره) في الهند، إنه يقول في ترجمةحياته:

(لقد كانت الحكومة البريطانية تحمل لواء الحياد الديني الكامل، فقد أقصت دراسة مادة الدين حتى دراسة الأخلاق تماماً من الكليات، وطبقت هذه السياسة التعليميةعملياً في ذلك، ولم يبق من المعلومات الدينية والخلقية إلاّ ما يتلقفه الطلاب بأنفسهم من الكتب الإنجليزية أو الكتب الدراسية، المؤلفة بلغات الشرق.

كما ان نظريةالتعليم التي وضعتها الحكومة للشباب الهندي، كانت (حديثة) وكانت تهدف بجميع ما فيها من عوامل هدامة إلى أن يتربى في الطالب شعور خاطىء بعلمه وكبريائه، يقضي على قداسةالرواية والحجة والاسناد بأوهامه التي يرجع تاريخها إلى ما قبل قرون، وممّا لا شك فيه أن هذا التعليم سبب إثارة دافع التحقيق والبحث عن الحقيقة مع مسايرته للزمان، غيرأنه كان هداماً في حملته على الديانة والخلاق، أما ما أعطاه بدلاً ممّا قضى عليه من (الأوهام الدينية) (كما يقول الغربيون) فلا يقوم أيضاً إلاّ على أساس من الأوهاموالعقائد الخرافية، ولكن هذه الثقافة التي يتزود بها الطالب كانت حديثة لاشك.

مصدر حركة التحرر والاباحية:

إن مؤلف (الإسلام في التاريخ الحديث) (W:C: Smlth) الذي يحملمعلومات جديدة حول نزعات العالم الإسلامي وطبقاته المختلفة، يعترف بالتأثير العقلي العميق الذي يتركه التعليم الغربي الحديث ومراكزه في العالم الإسلامي، إنه يقول وهويتحدث عن حركة التنوّر والتسامح في العالم الإسلامي (Liberalism):

(إن من أهم أسباب حركة الحرية والإباحية التي تسود اليوم في العالم الإسلامي، ومن أكبر عواملها نفوذالغرب، فقد بلغت هذه الحركة أوجها في أوربا من أواخر القرن التاسع عشر إلى الحرب العالمية الأولى، وهكذا شأن نهضة أوربا وتقدمها، وقد سافر كثير من الشباب المسلم إلىالغرب، واطلعوا على روح أوربا وقيمها وأعجبوا بها إلى حد، وينطبق هذا بخاصة على الطلاب الذين درسوا في جامعات أوربا بعدد لم يزل يزداد مع الأيام، وهم الذين سبّبوااستيراد كثير من أفكار الغرب وقيمه إلى العالم الإسلامي، وقد حازت قصب السبق في هذا المضمار تلك المعاهد الثقافية التي قامت بتربية جيل بأكمله على النمط الغربي الحديث،وكان ممّا صدّره الغرب إلى العالم الإسلامي تلك الأفكار المتعددة الجديدة التي تقع من الأهمية والدقة بمكان، والإتجاهات العقلية الدقيقة الفجة، والميول الحديثة التيكان في نشرها أوفر نصيب لنمط التعليم الغربي الحديث، ويفوقها في ذلك تأثير معاهد الغرب الحقوقية والسياسية، والاجتماعية الجديدة، ونفوذها الزائد، ومنها ما يسلّطإجباراً وما يحاول تسليطه، وبينما قام بعض المسلمين لمقاومة هذا التيار رحب به البعض الآخر، إن بعضهم قد وقع تحت تأثير هذه التربية رسمياً، وبعضهم قد رحب بهذا التياربدافع من أنفسهم، وأنتج ذلك أن كثيراً من المسلمين اعترفوا بهذه النظريات والمعاهد كحقيقة ثابتة، وخضعوا لها بالتدريج، وهكذا استمر عمل التغريب بسرعة وقوة بالغتين.

لقد جرف تيار نظام التعليم الغربي الشباب الإسلامي في البلاد العربية والعجمية (الذين كانوا زبدة أمتهم وزهرة بلادهم) وغيّر عقليتهم إلى حدّ أن عقولهم أصبحت لا تستطيعأن تسيغ الإسلام الصحيح، وأصبحوا لا يندمجون في المجتمع الإسلامي أيضاً ويصبحون جزءاً منه، ويشير إلى ذلك (إقبال) بقوله:

(إن سحر الافرنج أو فنّه أذاب الصخور وأسالهاماءً).

ظلال التفكير الغربي في الجيل المثقف الحديث:

إن الإلحاح على كون الدين قضية شخصية لا علاقة لها بالدولة والحكم، والمعاملة مع الإسلام كمعاملة الكنائسالمسيحية ونظرية فصل الدين عن الدولة، والإعتقاد بأن الدين عائق في سبيل النهضة والإكتشافات والتحقيق، وإقامة علماء الإسلام في صف ممثلي الكنيسة المسيحية الذين كانوايملكون السلطة المطلقة في العصور المتوسطة، وإعطاء المرأة حق الإسهام في جميع أمور الحياة في كفاحها، والخروج مع الرجل متكاتفة متساوية، وجعل الحجاب _في أي شكل كان _تذكاراً لنظام الحريم القديم في الشرق وعلامة استبداد الرجل بالمرأة، والقضاء عليه خطوة أولى نحو الإصلاح والتقدم والإعتقاد بأن قانون الوراثة والنكاح والطلاق اجتهادفقهاء المسلمين في العصور المتوسطة ونتيجة طبيعية للمجتمع البدائي المحدود الذي وجد في القرنين السابع والثامن الميلاديين، وإدخال التغيير والإصلاحات في ذلك المجتمعوصوغه في قالب المجتمع الغربي بتطبيق المبادىء الغربية ومعاييرها عليه، فريضة الساعة وواجب الوقت، وصرف النظر عن الربا والخمر والميسر، وعن العلاقات الجنسية المنطلقة،والايمان بالقومية والإندفاع نحو إحياء الحضارات القديمة واللغات العتيقة، والإيمان بأهمية الخط اللاتيني وفوائده، كل هذه النزعات والإتجاهات وما أشبهها التي تحتل محلالحقائق الثابتة لدى الجيل المثقف، وتعد من أمارات التنور والنهضة والتقدم، كل ذلك نتيجة نظام التعليم الغربي وبيئته الفكرية، وجوه العلمي والعقلي، وتراثه التاريخي ليسغير.

إن القادة وولاة الحكم في البلاد المسلمة، كلهم إنتاج نظام التعليم الغربي ووليد حضارته، أما الذين لم يتح لهم أن يثقفوا في بلد أوربي وينشأوا في بيئته، فإنهمتعلموا في مراكز هذا التعليم في بلادهم، وتثقفوا بها تحت إشراف ممثليه الكبار ورقابتهم، إن بعضهم تخرّجوا من الكليات الحربية التي يعنى فيها بالتعليم الغربي والتربيةالغربية عناية فائقة.

وذلك هو السرّ في أن العالم الإسلامي اليوم يتأرجح بين عقليتين، وفلسفتين، ووجهتين مختلفتين، تتصارعان دائماً، وهذا الصراع ينتهي في أغلبالأحوال بانتصار فئة هي أكثر قوة وأكثر تسلحاً، إنه صراع طبيعي، وهو إن استحق الأسف فلا يستحق الإستغراب أبداً، بل كان موضع الدهشة والإستغراب إذا لم ينشأ هذا الصراع،ولم توجد هذه النزعة إلى التجدد و (التغريب).

الحاجة إلى موضوع جديد:

وحل هذه المشكلة _مهما تعقد وطال واحتاج إلى الصبر والمثابرة _ ليس إلاّ أن يصاغ هذا النظامالتعليمي صوغاً جديداً، ويلاءم بعقائد الأمة المسلمة ومقومات حياتها وأهدافها وحاجاتها، ويخرج من جميع مواده روح المادية والتمرد على الله والثورة على القيم الخلقيةوالروحية، وتعبد الجسم والمادة، وينفخ فيه روح التقوى والإنابة إلى الله، وتقدير الآخرة، والعطف على الإنسانية كلها، فمن اللغة والآداب إلى الفلسفة وعلم النفس، ومنالعلوم العمرانية إلى علوم الإقتصاد والسياسة لا تسيطر على كل ذلك إلا روح واحدة، تُقصى استيلاء الغرب العقلي وتكفر بإمامته وسيادته، وتجعل علومه ونظرياته موضوع الفحصوالدراسة الجريئة، ويوضح ماذا جنى نفوذ الغرب وسيطرته على الإنسانية والمدنية، وتدرس علومه بشجاعة وحرية، وتعتبر كمواد خامة (Raw Material) نصنع منه مايوافق حاجاتناورغباتنا، وعقيدتنا وثقافتنا.

إن هذا العمل ولو كانت في طريقه عقبات وعراقيل ولو تأخرت نتائجه، ولكنه حلّ وحيد للموجة الطاغية التي قد اكتسحت العالم الإسلامي منأقصاه إلى أقصاه، موجة التجدد والتغرب التي تتحدى الكيان الفكري للإسلام وجهازه الإجتماعي، وظلت تهدد حياته وبقاءه، ونتيجة لذلك، أصبحت عاطفة الشعوب المسلمة وتضحياتهاوجهودها وإخلاصها ووفاؤها (التي هي السبب المباشر الأساسي في إنشاء الحكومات الإسلامية، وتحرير البلاد المستعمرة) وقوداً حقيراً في نار التجدد والتغرب، وأصبحت الجماهيرالمسلمة، السليمة المخلصة، المتحمسة الصامتة قطعاناً من الغنم يحكم في رقابها هؤلاء القادة والولاة، وتساق إلى أيّ هدف في صمت وهدوء.

لقد كان السرّ في نجاح الحكمالانجليزي في الهند، واستمرار طبقة الضباط، والموظفين الكبار والحكام الذين ربوا تربية غربية خالصة، ونشأوا على الطاعة والنظام أنهم وضعوا نظام هذه البلاد، ومارسوهمائة سنة حسب رغبة ولاتهم الأجانب، وفكرتهم وثقافتهم، فالطريق إلى تغيير إتجاه البلاد الإسلامية والعودة بها إلى الحياة الإسلامية أن يُهتم بتعليم هذه الطبقة الإسلام،وتربيتها على أسس الإسلام، فإنها الطبقة التي تتحكم في البلاد، وأن نصلح نظام التعليم الذي يخرج هؤلاء الأشخاص.

هذا التغيير الجذري لنظام التعليم وتكوينه الإسلاميأمر لا غنى عنه، ولكنه يحتاج إلى وقت طويل، ويحتاج إلى مواهب ومؤهلات عظيمة، ووسائل كثيرة.

مأساة العالم الإسلامي الكبرى:

ومن المآسي التي تحير العقل وتجرح القلبأن تظل الأقطار الإسلامية وحدها في فوضى تعليمية، وغموض والتباس، بل في تناقض ومصارعة بين العقائد والحقائق التي تؤمن بها، والغايات والأهداف التي خلقت لأجلها،والرسالة والدعوة التي تحتضنها، وبين نظام التعليم الذي تطبقه والنظريات التي تستوردها، والأساتذة الذين لا يؤمنون بها، وعلى الأقل لاينشطون في تدعيمها وتنميتها، ولاتفكر في التطبيق بين العقيدة التي تتمسك بها، وبين التعليم الذي تنفق عليه أكبر جزء من امكانياتها ووسائلها مع أنها كانت بحملها الرسالة الأخيرة، والأمل الاخيرللانسانية، أجدر بهذا التطبيق وأحرص على إزالة جميع العناصر التي تجني على شخصيتها، ومقوّمات حياتها، ومستقبل أجيالها، وأغير على عقيدتها ودينها من الشعوب الغربية بمافيها من الشيوعية والرأسمالية، والتي تتناولها دائماً بالتغيير والتحوير، وتعيش هذه الأقطار الإسلامية متطفلة على مائدة الأمم الأجنبية والنظم الداخلية، تقتبس منهاوقد تطبقها بحذافيرها، ولم تفكر إلى الآن في إخضاع جهاز التعليم لرسالتها السماوية وعقائدها الثابتة، وعلومها المعصومة عن الخطأ والضلال، وإزالة جميع العقبات في سبيلهذا الوئام، والتعاون بين العلم والدين، وتصارعه القوى المضادة والموجهون المتنافرون ويسيطر عليها الفصام النكد بين العلم والدين، والصراع المستميت بين الحقائقالغيبية والمحسوسات المادية، وبين الإيمان والشك، وبين الإسلام والنفاق، وبين الخلق والثبات، والإستغلال والإنتهازية.

نداء الوقت وحاجة العالم المعاصر:

وقدشعر بضرورة ذلك بعض علماء الغرب المنصفين، فقال أحد كبار أساتذة الإسلاميات في أمريكا (Charles L. Gedder) في كلمته التي ألقاها في 13 مايو عام 1966م في كراتشي: (ان الإسلام يملك جميعالخصائص التي يستطيع أن تنشر السلام والإنسجام في العالم، ان الغرب يؤمل من المسلمين الذين يحملون الدين الذي أنزله الله، وكان لهم ماضٍ مجيد مشرق أن يقدموا مبادىءالحياة وفلسفتها إلى الغرب، وبذلك يستطيعون أن يحملوا راية السلام التي عينت لهم في عالم الغد).

وذلك لا يكون إلا بإنشاء الجيل المؤمن المثقف، الذي يجمع بين العقيدةوالعلم، ويؤمن بخلود رسالته وصلاحيتها لكل عصر ومصر، وانها هي المنقذة للعالم من النهاية الأليمة التي ترتقبه، ومن المستنقع الذي يتردى فيه.

وذلك لا يمكن كما لا يخفىإلاّ بوجود نظام للتربية والتعليم ، يقوم على تطبيق بين العقيدة والثقافة، وبين قوة العاطفة وإشراق الروح، والتهاب جذوة الإيمان وبين العلم الواسع والفكر النيّر،ومعرفة أحدث ما وصلت إليه الأجيال البشرية من تجربة وإكتشاف.

ولابد من بدء عملية تطوير المناهج لهذا الغرض، وسبك منهج تعليمي جديد، يتغلغل في أحشائه الإيمان بالله،ويسيطر على جميع فروعه وجزئياته، في الأوساط العلمية في الشرق.

إنه مشروع ضخم، يتطلب ثورة في التفكير، ومغامرة في المساعي والجهود ومثابرة تنهك القوى وتستنفدالمجهود، ولكنه عمل تجديدي في أعمال الإصلاح والتربية، وأكبر خدمة للاسلام والمسلمين في هذا العصر، والذي يقوم به يستحق شكر الأجيال القادمة، وأردد قول بديع الزمانالهمذاني، وأقول: (انه فتح تتضاءل أمامه الفتوح، وتثني عليه الملائكة والروح) والعالم الإسلامي يتطلع إلى العملاق الذي يقوم بهذا العمل الذي يؤثر في مصير هذه الأمة بمالا يؤثر غيره.

المصدر:نحو التربية الاسلامية الحُرّة في الحكومات والبلاد الاسلامية


/ 1