مصاعب التعامل مع الغیب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مصاعب التعامل مع الغیب - نسخه متنی

علی محمد الکورانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

معنى النسيان

علي الكوراني

مصاعب التعامل مع الغيب

الاولى: صعوبة ناشئة من طبيعة النفس البشرية، وهي وجود الفارق الموضوعي بين إحساس النفسبالشهادة وإحساسها بالغيب، فإن من طبيعة أنفسنا أنّ إحساسها بالأشياء يتفاوت شدة وضعفاً تفاوتاً كبيراً، فلئن كان من السهل عليّ أن أحس بمن حولي من الناس والأشياء وبمايخصني من حاجاتي اليومية وأعيش أيامي في أفقها.. فإن من الصعب أن أصعد بنفسي إلى مستوى أوسع فأعيش في أيامي الإحساس بأناس البلاد الإسلامية وأشيائها وحاجاتنا البعيدة..وأصعب من ذلك أن اعيش في أيامي الإحساس بأناس الأرض وأشيائها وحاجاتهم.. وأصعب من الجميع أن أعيش أفق الغيب والشهادة فأحس في ايامي أني جزء من عالمين كبيرة مشهودة وغيرمشهودة ثم أتحرك لحاجاتي وأهدافي على هذا المستوى بهداية رب العالمين عز وجل.

الصعوبة الثانية: صعوبة ناشئة من عالم الشهادة وهي إلهاء الحياة الدنيا وإشغالها الناسوصرفها إياهم عن الإحساس بالغيب والتعامل معه.

فمن الواضح أن النسا بحاجة إلى إقامة حياتهم الدنيا في الأرض، وعليهم لذلك أني يبذلوا جهداً ووقتاً مع أشياء الأرضوشؤونها، عليهم: مهمة السكن، واللباس والغذاء، والراحة، وإبقاء النسل.. بما يقتضيه كل ذلك.

وهذه المهام مع أنها ضرورة لإقامة حياة الناس فهي تحتوي على خطورة إلهائهموصرفهم عن علاقاتهم بعالم الغيب وحاجاتهم الآنية والمستقبلة فيه بل وتحتوي على خطورة الإلهاء والصرف حتى عن الحاجات البعيدة في إعمار الدنيا نفسها. كل ذلك لأن في أمورالحياة القريبة جواذب وملهيات تأخذ من نفس الإنسان ووقته أكثر مما يجب.

يبدأ الإنسان اولاً بالسعي وراء الضروري من هذه الحاجات حتى إذا استكمل ذلك أخذ يسعى وراءالرفاهية، فإذا استكمل رفاهيته أخذ يسعى وراء (المتعة والراحة) في كل سبيل، ثم لا ينقضي سعيه ولا ينتهي جهده ولا تنفذ أغراضه..

وكثيراً ما تتحول المسألة إلى مأساةحينما تسيطر على مجتمع الناس مغريات معينة فإذا بهم يعيشون لها وحدها ويدأبون ليلهم ونهارهم من أجلها حتى لترى أحدهم: صفقة مال، أو صنم ملبس، أو قطعة جنس، أو وجبة طعام،لا يعرف من وجوده غيرها ولا يحس بسواها!

هذا إذا استطاع الإنسان أن يستكمل ضروراته، أما اذا عجز عنها _كما هو شأن أكثر أهل الأرض _ فهو الجزع والحرص على الحياة يستوليانعلى نفسه وجهده ويصرفانه عن أية علاقات له بغير العيش الآني مع الغيب والشهادة..

الصعوبة الثالثة: صعوبة ناشئة من طبيعة عالم الغيب، هذا العالم الخفي في وضوحه، الواضحفي خفائه!

نقرأ في القرآن الكريم طلب قوم موسى من رسولهم على نبينا وآله وعليه السلام أن يروا الله جهرة، ونقرأ أمثلة عن معاصري الرسول الأعظم (ص).

ولعلك تساءلت فيالصغر أو صادفت في حياتك من يتساءل:

لماذا لا يظهر الله تعالى لعباده إن كان يرى بالعين، أو يعطيهم حاسة لإدراك وجوده بشكل واضح إن لم يكن سبحانه مادة ترى بالعين؟

أو تساءلت: لماذا لم يخلقنا الله تعالى بشكل نستطيع معه رؤية الملائكة والجنة والنار والتحرك في كونه الواسع الفسيح؟

أو تساءلت: لماذا صبر الله سبحانه على مسألته معالبشر طوال هذه المدة ووضع لهم مشروع النبوات المجهد على قلة إنتاج هذا المشروع؟

ولم يستعمل سبحانه آيات قاطعة الدلالة وهو عز وجل القائل (ولو نشاء نزلنا عليهم آيةفظلت أعناقهم لها خاضعين)؟ (الشعراء/4)

هذه التساؤلات تكاد تكون ظاهرة عامة تجيش في ضمير البشر ثم لا تهدأ إلا بمعرفة الحكمة البالغة من تكوين عوالم الغيب بهذا الشكلالمستور.

حقا ان من معاجز الله جلت قدرته أن يصنع مخلوقا ويمده بالحياة آنا فآنا ثم يعطيه القدرة على أن لا يعرفه تعالى !

إن مسألة الغيب لا تشبهها مسألة، ومحنةالفكر والشعور البشري فيها لا تشبهها محنة..

من طبيعة الغيب المغطى المستور تكمن هذه الصعوبة، حتى لتجد أكثر المؤمنين بالغيب يتمنون لو كشف لأعينهم غطاؤه لكي يتحوليقينهم العقلي الى يقين حسي. والقليل منهم الذين يختارون أن يبقى الغيب على غطائه لإيمانهم بأن التعامل مع الغيب المغطى أنفع في تكامل النفس البشرية من التعامل معالمكشوف المحسوس.

على ضوء هذا، هل يكفي للمبدأ أن يكشف في قاعدته الفكرية للناس عن علاقتهم القائمة مع الغيب، أم لا بد له أن يدخل هذه العلاقة في حساب نظامهالاجتماعي؟

وهل يكفي للمبدأ أن يدخل العلاقة مع الغيب في تشريعاته الإجتماعية، أم لا بد له _بسبب المصاعب الموضوعية الآنفة _ أن يضع تشريعاً معيناً لخدمة هذه العلاقةوخدمة النظام الذي أدخلها في حسابه.

إن من البديهي لأي مبدأ يعي وجود الغيب العريض وعلاقة الناس به أن لا يكتفي بمجرد بيان الحقيقة للناس كواقع فلسفي يؤمن به، وأن يفيبمقتضيات هذه العلاقة المصيرية وفاءاً تشريعياً عملياً.

وبهذا يتضح مدى الخطأ في موقف العقائد والمذاهب الاجتماعية التي تهمل علاقة الإنسان وحاجاته الفعليةوالمقبلة مع الغيب، كما يتضح مدى الخطأ في موقف المذاهب التي تهمل مقاصد الإنسان الحياتية في العيش والرفاه وإعمار الأرض.. إن كلا الموقفين ينطويان على الغباء والتغابي.والموقف الثالث هو الذي وقفه الإسلام حينما أخذ باعتباره معا مقاصد الإنسان في الحياة، وحاجاته الفعلية والمقبلة مع الغيب..

ففي قاعدته الفكرية حدد الإسلام مفهومهعن حياة الإنسان وأهدافها في الأرض كما كشف عن وجود الغيب وعلاقته بحياة الإنسان ومستقبله كشفاً كافياً.

وفي نظامه الإجتماعي أدخل في حسابه علاقة الإنسان بالأرضوعلاقته بالغيب فجاء نظاماً وافياً بكل حاجات الإنسان وعلاقاته.

ثم قام بوضع تشريع تربوي يومي من شأنه أن يجعل الإنسان في مستوى مسؤلياته وعلاقاته بالشهادة والغيب،وهو تشريع الصلاة..

وهل أبلغ في جعل الغيب واقعاً يحسه الناس ويدركون ضرورة التعامل معه من عملية واعية خاشعة تبنى لأجلها المساجد وتترك لتلبيتها الاعمال ويتطهرلأجلها بالماء، ثم تؤدي باستمرار بين آن وآن..

عمل تربوي موقوت يقف بموجبه الناس بين يدي رب العالمين سبحانه يستشعرون وجوده ونعمائه ويستشرفون غيبه الآتي ويستهدونهالطريق في كونه المشهود والغائب..

إن الصلاة هي الاصرار الواعي مع النفس البشرية من أجل أن تتحرر من الاستغراق في المتاع القريب وتوسع من افقها لتكون نفساً على مستوىالكون، على مستوى علاقاتها وحاجاتها الفعلية والمستقبلية مع الأرض ومع الغيب الكبير الطبيعي منه وغير الطبيعي تبارك وتعالى.

من يؤمن بالغيب وعلاقته به ثم لا يجعللنفسه في يومه عملا من شأنه أن يضعه في أفق إيمانه.. فهو إنسان متناقض.

وأي شيء يفي بالتحسيس على الغيب كالصلاة.. هذه الدقائق العميقة الثرية، الميسرة لكل مستوياتالناس...

المصدر: فلسفة الصلاة


/ 1