بين الشرق والغرب
الشيخ عبد الرضا كاشف الغطاء
ما لهذه الظلمة الحالكة العابسة، تمتد على الغرب البائس فلايلتمع في أفقه ضياء ولا يشع في سمائه نور؟
ما لهذه الجهالة العمياء تتغلغل في كل جزء من أجزاء الغرب الشقي فينعدم معها كل ما أبتدعه من أسباب الحضارة ودواعيالمدنية؟
ما هذه المعركة المخيفة الهائلة الزاخرة بشتى أساليب الموت والدمار والجائشة بأفظع وأبشع ما وصل إليه الإنسان لإبادة الإنسان؟
ما هذا الصراعالعنيف الحاد يصلاه الغرب فريقين قويين وليس وراءه من نتيجة إلا إنه سينجاب فيما بعد عن فناء في الجيل وسينحسر في المستقبل عن اضمحلال في الحضارة الإنسانية وتلاش فيالمدنية التي تعب العقل البشري في خلقها وتكوينها؟
كل ذلك آثار المادية الشائمة التي تحتل من نفوس الغربيين اليوم أرفع منزلة وأسمى مكان هذه المادية الوضيعةالتي لا تنطوي على أية فكرة من فكر الخير أو أي معنى من معاني الحق والرحمة والتي جرت هذا الجزء الكبير من العالم إلى تطاحن شديد هائل في سبيل الإستعمار والسيطرة والتملك.
هذا هو الغرب، أما الشرق فهو مهد الديانات ومدرج الأنبياء، في ثراه المقدس نشأ موسى وعيسى وأحمد وظهرت اليهودية وانبثقت النصرانية وشع الإسلام؛ وعلى آديمةالجميل الفاتن خطرت الروح مزهوة فخورة وتغلغلت في التعاليم السماوية العالية ففاضت النفوس بالرحمة والخير والحق وجاشت القلوب بشتى عواطف الأخاء والبر وامتلأت بأحاسيسالإنسانية الشريفة النبيلة هذا هو الشرق الوادع الآمن يكاد يكون اليوم مثلاً أعلى للحياة الصادقة الصحيحة فهل ضمنت هذه المدنية التي يفاخر بها الغرب والشرق وهذهالحضارة التي يعتز ويتباهى بها حياة آمنة مطمئنة لا تدوي فيها القنابل الصارخة ولا ترتفع في أجوائها الغازات المسمومة وهل تكفلت له المادة التي أحبها وعشقها سلاماًوأماناً يعيش بينهما عيشة أقل ما يقال بها إن فيها دعة وفيها رفاهية.
لسوف يظل الغرب في غمرة من القلق والاضطراب والحيرة ما دام يقدس المادة ويحلها المحل العاليفي نفسه ولسوف يظل في حرب طاحنة ضروس ما دام استعمار الشعوب شغله الشاغل وما دام استعمار الأمم وامتصاص دمائها وسلبها حريتها دستوره الذي لا يحيد عنه إلا أن تلتمع فيآفاقه المضلمة قبسة من روحانية الشرق.
اسم المجلة: الغري مكان الإصدار:النجف الأشرف
العدد:45 تاريخ الإصدار: 13رمضان1359هـ
الصفحة:809 سنة المجلة: السنةالثانية