بین ولادة ومی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بین ولادة ومی - نسخه متنی

عبد علی کاشف الغطاء

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بين ولادة ومي

الشيخ عبد علي كاشف الغطاء

للمتحدث في مختلف النواحي العلمية أو التاريخية غاية واحدة هي الحقيقة، وإذا ماسعى إليها ينبغي أن يجرد نفسه على قدر استطاعته من كل غرض نفسي ليحضى بالحقيقة كما هي عن طريق العقل المجرد، إذ أن الطريقة التي يجب أن يجري عليها عقلية عمومية لا نفسيةشعورية.

فإذا ما تناول الكاتب أو المتكلم شخصية تاريخية مرموقة يجدر به أن يستخلص نزعاتها خالية من التلفيق والخيال، مجردة من كل أنواع الالتباس والمغالطة،سليمة من التصورات والمعتقدات البعيدة عن الواقع.

ونحن حين نتكلم عن شخصية ذات مكانة سامية في عالم الاجتماع والأدب، أنما ننتقي شخصية المرأة الطموحة التي شقتطريقها الوعرة، فمثلت على مسرح التاريخ حتى صارت حديث العصر ومفخرة الزمن، تلك هي ولادة بنت المستكفي بالله التي عاشت في القرن الخامس للهجرة والتي حفلت كتب الأدبوالتاريخ بمآثرها الاجتماعية وتراثها الأدبي، كما تفنن شعراء الأندلس في إخراج حياتها ومجالسها الأدبية التي تتجلى فيها الألمعية فتكشف لك عن روح أدبية يملأ عبيرهاالعاطر أجواء كل مجلس، فكانت فنانة تفتن الناس بلباقتها، وكانت شاعرة مرهفة الحس يسحرها الغزل ويستميلها النسيب.

لحاظكم تجرحنا في الحشا ولحظكم يجرحنا فيالخلود جرح بجرح فجعلوا ذا بذا فما الذي أوجب جرح الخلود.

وكانت خطيبة مصقعة تثير الاحساس وتبث روح الحماس في الناس، وقد دعت إلى تحرير المرأة من القيود والمساوئومجالسة الرجال ومناظرتهم في شتّى أنواع الأدب والإصلاح الاجتماعي، فكانت مجالسها تحفل بالأدباء وتزخر بالشعراء الذين ينظرون إليها نظرة المنافس الخطير، فكانتتطارحهم الغزل والنسيب بل حتى الشعر الحماسي الذي يثير النفوس ويعلمها معنى الكرامة والشهامة والايثار، كما تخوض وإياهم مختلف البحوث الاصلاحية، فكانت حديث الناس فيعصرها فقد بلغت من العظمة أوجهاً ومن الشهرة اجلها، فكانت مدرسة سيارة ومدرسة ثابتة. لقصد المجتمعات لتحض الناس على التحرر من قيود الجهل إلى ميدان العلم وساحة العمل.

وكانت صاحبة مدرسة في الأدب النسوي، قصدها كثير من نساء عصرها فأخذن عنها مختلف العلوم والثقافة، وتعلمن روح التعاون وحب الاصلاح، فقد حذى حذوها كثير من نساءالأندلس، فكن يقلدنها في كل شيء حتى في نظم الغزل والدعابة الأدبية أمثال حمدونة بنت زياد وتهمة القرطبية وغيرهما.

فعاشت هذه المرأة طيلة حياتها مناضلة مجاهدةفي سبيل إصلاح بني قومها بكل ما أوتيت من قوة في البيان وثبات في الجنان، ولم تتزوج قط، فقد كرّست حياتها لخدمة الأدب والمجتمع، ومع اختلاطها بالرجال واحتكاكها بمجالسهموأنديتهم فقد عاشت كما قال المؤرخون عفيفة نزيهة ما انزلقت إلى ماثمه ولا نزعت إلى ريبة حتى وفاتها، هذا الدور الذي لعبته ولادة في عصرها فخلفت للتاريخ فصولاً عن حياتهاالذهبية المملوئة بالفخر والمجد والكرامة.

وهذه ولادة العصر الحديث واعني بها الآنسة(مي) الخالدة، فأنها وان كانت كأختها أديبة مصقولة المواهب، مفكرة سليمةالمبدأ، تستلهم من وحي العقل قبل أن تركن إلى التقليد، تتجلى فيها روح الفتاة الوثابة فهي ذات شعور واسع واحساس دقيق ونظرة شاملة للحياة من نواحيها المختلفة لذلك نشأتمحبة للأدب والأدباء مكثرة من مجالستهم ومبادلتهم آرائهم الاجتماعية والثقافية فكانت مجالسها حافلة بكبارهم، وتختلف عن ولادة بأنها منوعة الثقافة تجمع بين الأدبينالغربي والشرقي، وقد برعت في كلا النوعين من الأدب براعة جعلتها تنازع كبار الأدباء منـزلتهم الرفيعة في عالم البيان، فكانت صاحبة مواهب ممتازة رشحتها لأن تقبض على زمامالأدب النسوي فهي بحق كولمبس الأدب العربي كما عبر عنها أحد الكتاب، فعاشت في خلال الأربعين سنة الماضية تقود الحركة الثقافية النسوية وتدعو إلى التحرر الفكري ما جعلهاترقى أوج المجد والعظمة، فلم تكد تفرط من العقد الثالث من عمرها الا بضعة سنوات حتى كانت مؤلفاتها في الأدب والاجتماع وألوان العلوم والفنون محط أنظار الأدباء ومهوىاطلاع الكتاب والقارئين، لذلك عاشت وماتت ولا تزال آثارها خالدة خلود الزمن وشهرتها ذائعة. فهي حديث المجتمعات والاندية الادبية.

فهي خليقة بان تشد على ساعدالنهضة الادبية النسوية وأن تقود حركتهن الفكرية وتحريرهن من الجهالة واظهارهن في عالم الوجود يرفلن بحلل العلم وبهاء الادب.

وقد احتكت بكثير من الكتاب وتاثرتبآرائهم امثال مصطفى صادق الرافعي وعدلي يكن باشا وجبران خليل جبران وغبرهم فكانت توجه لهم الانتقادات الصريحة وتظهر لهم مساوئهم وحسناتهم بصورة جلية واضحة غير مباليةبقدحهم او مدحهم، وكان أحبهم إلى نفسها المرحوم جبران خليل جبران إذ كانت تمجده وتعظمه معتقدة بانه الوحيد بين الكتاب الذين يقدمون الحقائق المجردة، والذين ينظرون إلىما وراء الأفق نظر الفلاسفة الذين انطوت نفوسهم على التحليل والتجريد فهو في نظرها مصور فنان تتمثل فيه روح الفن السحري.

ومن درس ما كتبت الآنسة(مي) يجده يدل علىذوق أدبي ممتاز واسلوب فريد في نوعه مستقل في نهجه، فشهرتها ترتكز على دراستها لنفسية المجتمع حيث جعلته المحور الذي تدور عليه مؤلفاتها، لذلك كان لها اثر بيّن في الادبالعربي وصورة عامة تنطبق على الحياة الانسانية.

هذه(مي) وتلك(ولادة) اللتان اثبتتا للمرأة في القديم والحديث بانها صورة طبق الأصل من الرجل قادرة على مغالبةالضعف متمكنة على مكافحة ارزاء الحياة ومشاقها بالصدر الرحب وقوة العزيمة حتى تكون من مهد النوابغ ومعين الأدمغة المتقدة ذكاء في كل عصور التاريخ.


اسم المجلة: الشعاع مكان الاصدار: النجف الأشرف

العدد:13-14 تاريخ الاصدار:30محرم 1368هـ

الصفحة:355 سنة المجلة: السنة الأولى

/ 1