حول فلسطين
الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء [حديث لسماحة الإمام كاشف الغطاء مع وفد مجلس التعليم الأمريكي في النجف]
حضر مندوب مجلة الغري لدى سماحة الإمام كاشف الغطاء وطلب منه أن يتفضل عليه بالحديث الذي جرى بينه وبين وفد مجلس التعليم الأمريكي فألقى عليه هذه الكلمات وقال أيده اللههذا ما بقي بخاطري من تلك المراجعة ولعله فاتنا الكثير منها. الغري
زارنا ونحن في شريعة الكوفة منتصف ذي القعدة اواخر أيلول رجل امريكي من بعثة التربيةوالتعليم ومعه جماعة فيهم الاستاذ متي عقراوي وبعد التعريف منه لصاحبه والترحيب منا به ذكر انه يريد الاطلاع والسؤال منا عن سير التدريس في المدارس الدينية في النجفومناهج التعليم فيها وكان العقراوي هو المترجم بيننا فقلت قل له اننا قد اكلنا من هذه الاحاديث حتى شبعنا وتخمنا فقد جاءتنا اوائل تشكيل الحكومة العراقية لجنة(منرو)وحضروا عندنا في مكتبنا الخاص وأخذوا من وقتنا أكثر من ساعتين وكتبوا عنا تقريرات واقتراحات ثم لم تجد لها أثراً الى يومنا هذا ثم لم تزل تتوالى علينا البعثات والوفود منالانكليز وامريكا حتى جاءنا في أواسط هذه الحرب المستر هملي وزوجته واستنزفوا ما عندنا من ارشادات واشارات وتعاليم ومناهج حتى كتبوا ما يقارب من كراسة وكثيرون من أمثالهؤلاء فماذا استفدنا واي عمل جدي وجدنا.فقال ان لجنة(منرو) أخذت منكم معلومات وقدمت الى الحكومة تقريرها ومناهجها التي وجدتها هي الصالحة ولكن حكومتكم لم تعمل بها فقلتله إذاً يلزم على أي لجنة تريد النظر في هذه القضية ان تتوثق من الحكومة فان اعطتها عهداً بالتنفيذ أخذت بالتحري والتفتيش والبحث والسؤال ثم قلت له ان عندنا حديثاً أهموموضوعاً أعظم وهو حديث فلسطين الذي لا أجد قضية معضلة تهم العالم العربي والعالم الاسلامي بل والدول كلها مثل هذه المعضلة وكنا نعلق الآمال على الولايات المتحدة بماأنها أعظم امة أو دولة تتظاهر بالعدل وتنتصر للشعوب الضعيفة والأمم المظلومة وتزعم أنها قد ضحت بالملايين من النفوس والاموال لصيانة الحريات فآنسنا رشداً وقلنا هذهدولة الهدى والنور قد آذنت بالظهور وسوف تأخذ لنا بحقنا وتدفع عنا ظالمنا ولم يبق ريب ان الأمة الأمريكية قد علم أواسطها فضلاً عن أعاليها كما علم ذلك عامة الامم انالصهيونية لاحق لها في فلسطين وأنها حق العرب فقط من عهد البابليين وزمن(حمورابي) الى يومنا هذا وما دخلت في حوزة اليهود الابرهة قليلة أيام ملوك بني إسرائيل ثم انتزعهاالرومان ثم استردها العرب منهم ولا تزال منذ أربعة عشر قرن في أيديهم واليهود نزلاء عند العرب ليس لهم الا حائط المبكى يبكون عنده ويعرفون كما كانوا يعترفون بأنهم لاحقلهم ولا علاقة لادينية ولا قومية ولا تاريخية والعرب أربابها وأصحابها قبل الصهيونية وبعدها بل وقبل اليهود عموماً. نعم وفي هذه الحرب الطاحنة دخلت العرب والمسلمونقاطبة في صفوف الحلفاء وساعدوهم بكل ما في وسعهم من المساعدة يترقبون ساعة النصر بفارغ الصبر رجاء أن يعاملوهم بالوفاء وحسن الجزاء ويأخذوا بأيديهم في كبت عدوهم ودفعبغيه وعدوانه واذا بالرئيس(ترومان) يكشر لهم عن نابه وينتصر للظالم على المظلوم ويتجاهر بذلك من غير خشية ولا مراقبة فقال بعد اشباع هذا الموضوع وإلفائه حقه:إني خرجت منامريكا منذ ثلاثة أشهر ولا علم لي بهذه الشؤون ولا هي من وظيفتي فاني من رجال التربية والتعليم ومبعوث من تلك اللجنة فقلت له قد عرفت ذلك كله وانما فاوضتك بهذا الحديثراجياً أن تحمل رسالتي وتؤدي أمانتي كرسول مؤتمن فترفع إلى رجالات أمريكا كتاباً تذكر فيه ما حاصله اني قد اجتمعت في العراق بعالم من علماء المسلمين وقد رغب إلى رغبةشديدة في ابلاغكم مقالته وبث شكواه وجعلها أمانة في عنقي ولو استطعت ابلاغها إلى(ترومان) كنت صنعت معروفاً تستحق الشكر عليه فقال ان (ترومان) رجل سياسي محض لا يريد الا أنيقوى حزبه ويكثر أتباعه حتى يطول بقاؤه على دست الحكم ويفوز بالانتخابات في كل دورة ولعله وجد في الصهيونية حزباً نشيطاً متمدناً فهو يريد أن يقربهم ويتحبب إليهم فقلت لهإذا كان(ترومان) يريد أن يتحبب الى القوم ويعطف عليهم فالواجب أن يضعهم في أحضانه ويخلي لهم أرضاً في بلاده ويرمي بهم مع الهنود الحمر كي يمدنوهم لا أن يرمى بهم الى أرضفلسطين التي ربما لا تزيد على كفاية أهلها العرب وهم غير محتاجين الى المدينة الصهيونية المشومة وعلى كل حال فاني أحملك هذه الأمانة كي تنشرها في بلادك وتبلغها الىحكومتك كتباً ومشافهة،فأنعم بالقبول ولكن على أن نعطيه البيان عن مناهج التعليم في المدارس الدينية في النجف فأفدناه بنبذة وافية بهذا الموضوع وأنهلناه من غيره حتىأرتوى بما لا مجال لذكره في هذه الكلمة التي لا يهمنا منها سوى ما يتعلق بفلسطين المنكوبة التي ما زالت في هذه المحنة منذ زهاء خمسين عاماً وما زلت منذ خمسة عشر عاماً أهيفبدعوة العرب والمسلمين الى نهضة جبارة تكون الحاسمة لدسائس السياسة الغاشمة وعسى الله أن يمنحهم نصراً مكيناً وفتحاً مبيناً وما النصر الا من عند الله ولكن لمن صدقتعزيمته وأخلص لله عز شأنه وان تنصروا الله ينصركم ان الله لقوي عزيز.
اسم المجلة: الغري مكان الاصدار:النجف الأشرف
العدد:3 تأريخ الاصدار:8ذي الحجة 1364هـ
الصفحة:11 سنة المجلة:السنة السابعة