رد على من اعتراض: في منع عشرة الفرح للمولود النبوي (صلى الله عليه وآلهوسلم)
الشيخ عبد الرضا كاشف الغطاء نشر لمعالي العلامة الحجة السيد هبة الدين الحسيني اقتراح ذو شأن في الاستقلال الأغر سنة 1936م وفي مجلة الهدفسنة 1356هـ وكذا في سائر صحفنا العراقية ما خلاصته إن الروايات في مولد النبوي الشريف (صلى الله عليه وآله وسلم) لما اختلفت وكانت الأقوام المسلمة بحاجة إلى تمديد أياماحتفالاتها إلى أكثر من اليوم واليومين فمن المستحسن أن نقرر عشرة أيام لأفراح المولود الشريف تبدأ من ربيع الأول وتختم في الثامن عشر لغرض الجمع بين الروايات والأقوالوتأليف شمل القائلين بها والعلم بنيل الثواب والبركة بهذا العمل وقد نال هذا الاقتراح البديع في بابه استحسان الأمة عامة حتى غدت الجمعيات الاسلامية ببغداد تقيمالحفلات على هذا النمط وليس في هذا الاقتراح غمطاً لحق قوم ولا ترجيحاً لقول أو طرحاً لأثر، كلا، ولا غرابة فقد اعتاد المسيحيون على اتخاذ عشرة أيام للافراح بميلاد السيدالمسيح (عليه السلام).
إلاَّ أن الأمة المتحفزة إلى الرقي لابد وأن يعترض في سبيلها معارض كلما قام فيها مصلح بعمل نافع أو رأي ناضج فما لبثت نشرات العلامة المذكورتتلى إلى أن اعترض في سبيلها معترض نشر في جريدة الاستقلال الغراء يوم السبت ثاني عشر ربيع الأول سنة 1359هـ الموافق عشرين نيسان من هذه السنة (1940هـ) مقالته بامضاء (الموحد)يرمى فيها السيد الاستاذ بثلم الوحدة لنقله الروايات المختلفة اثناء الاقتراح، ويا حبذا لو تجلى للملأ باسمه الصريح وكشف الستار عن سمعته وشخصيته حتى نعرفه هل هو منأولى الشأن (كما تحدى) فنرجع إليه ونتذكر من سوابقه التأريخية أنه موحد الأمة (كما يدعي).
أما السيد الاستاذ فأمره جلي وسوابقه الحسنى وسوابق آبائه الغر أوضح منشمس الضحى في بلاد الرافدين، ولقد اشتهر بالدعوة إلى التوحيد والاصلاح منذ اربعين سنة وكرس حياته لجمع الكلمة وتاليف الأمة تحت راية العلم والاصلاح، وتلك مجلته (العلم)التي هتفت قبل ثلاثين سنة بتوحيد الكلمة ونشرت لواء الثقافة العصرية عدا خطبه المرشدة إلى الوحدة الاسلامية ومؤلفاته التي صيغت لتوحيد أهل التوحيد يعرفه أبناء (الضاد)كما يعرفون ابائهم وعدا عن تضحيته في مواقفه التي أبلى فيها بلاء حسناً في الحروب وفي سبيل الدفاع عن الخلافة الاسلامية والذود عن حياض النهضة العربية، واستقلال حكومتناالتي نتمتع اليوم في ضلها الوارف.
أفيرمي مثله بثلم الوحدة (أيها الموحد)؟ أم غير هبة الدين أولى بالدين وبجده الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!.
يزعمصاحبنا (الموحد) أن في نقل الأقوال المختلفة تفرقة، وقد تغافل عن كتب السير التي استمرت على ذكر الروايات المختلفة في كل واقعة ولم يطلع على كتب الفقهاء المشحونة بنقلالأقوال المتضاربة ونسى نفسه إذ ذكر اختلاف الأقوال في المولد الشريف عدة مواضع من مقالته، فلو كان نقل الاختلاف تفرقة فقد أصار حضرته من المفرقين بعد أن كان (الموحد). ومن غريب أمر (الموحد) أنه استخف بما سوى القول (بالثاني عشر) بالأقوال حتى عدها شذوذاً عن الإجماع، والحالة..! إن الحلبي علي بن أحمد الشافعي ذكر في سيرته ج1 ص68 ما نصه:قيل (لثمان مضت من ربيع الأول)، قال ابن دحيه، وهو الذي لا يصح غيره، وعليه أجمع أهل التاريخ، وقال القطب القسطلاني هو اختيار أكثر أهل الحديث. كالحميدي وشيخه (ابن حزم) فهليعد مثل هذا القول شذوذاً وغيره أحرى بهذه الوصمة.
وأغرب من هذا تعزيز (الموحد) اختيار اليوم الثاني عشر برواية ابن هشام، عن ابن اسحاق ولم يعلم تضعيف شيوخ الحديثلا ابن اسحاق.
ففي السيرة الحلبية المنوّه عنها ج1 ص68 ما نصه:
الأول: أي -القول بالثاني عشر- قال فيه ابن دحيه ذكره ابن اسحاق مقطوعاً دون اسناد وذلك لا يصحأصلاً ولو اسنده ابن اسحق لم يقبل منه لتجريح أهل العلم له: فقد قال كل من أبن المديني وابن المعين، إن ابن اسحق ليس بحجة ووصفه مالك (رضي الله عنه) بالكذب، فقال: وما ابناسحق إلاَّ رجل من الدجاجلة أخرجنا من المدينة..إلى آخره. هذا عمدة ما استند إليه (الموحد) وكان الأجمل به أن يقنع في تأييد السيد الاستاذ للقول (بالثاني عشر) حيثاستظهر بهذا القول باختيار أكبر المؤرخين له اعني المسعودي في مروج الذهب مع أكبر المحدثين، أعني به الكلبني البغدادي في جامعه الكافي.
ونحن على صورة اجمالية لانرى في منشور معالي العلامة الحسيني نقضاً لرواية ولا ابراماً لرأي سوى الحث والترغيب من معاليه لإقامة الفرحة النبوية تستمر عشرة ليالي ابتداؤها مساء اليوم الثامن (وهوقول جماعة كأبن دحيه وابن حزم وشارح البخاري) وانتهاؤها ليلة (الثامن عشر) وهو (قول ابن ابي شيبة وجماعة) وهذا اقتراح جامع نافع خلو من شائبة أو شائنة، ونستغرب من الموحدشدة معارضته المثيرة للهمج والمسممة العقلية السذج واثارته عجاجة التفرقة في الصحف العراقية، بقوله ما نصه: إن كلامنا للصحيفتين الغريبتين اللتين نشرتا المقالتين فلايتعدى النصيحة لهما بأن يجتنبا عن نشر الأبحاث الدينية الإسلامية الخاصة التي يجب أن تترك إلى ذوي الشأن من أهلها الذين هم أحق بها منهما.
في حين إن الصحفالعراقية لا تختص بنزعة ولا على صحيفة منها طابع خاص تتمايز به.
وكان معالي العلامة الحسيني مشير إلى هذا الاقتراح لأستقلال الأغر 3 نيسان 1936م الموافق 11 محرم 1355هـوفي مجلة الهدف ج10 ص7 لسنة 1356هـ سلف، فأين كان حينذاك (الموحد) ولماذا غدى ضرته ههنا مفرقاً بين الصحف تارة وبين أولي الشأن أخرى، وهل يسعه أن يتعدى في أولي الشأن عن فضيلةالشيخ عبد الله الزنجاني، أو عن سماحة الشهرستاني في حل مشكلاته الإسلامية وجمع الكلمة التوحيدية، وإليك أيها القارئ نص ما قالته جريدة الاستقلال الغراء بشأن معاليالعلامة في عددها الممتاز 1355هـ ونصها: حجة الإسلام معالي الاستاذ هبة الدين الحسيني من اعلام رجال الدين في العصر الحاضر. وهو حجة في العلم والدين والفلسفة تنمعن ذلك آثاره النفيسة ومؤلفاته القيمة التي كشف لها القناع عن قضايا كثيرة فأعترفت له الأمة الإسلامية بالفضل وقد اتحفنا معاليه بهذا البحث التاريخي الدقيق الذي أشبعهبالحقائق العالية والمعلومات العميقة التي لا تتيسر إلاَّ لمن أوتي العلم الشامل والمعرفة الجزيلة كمعالي الحجة الشهرستاني..إلى آخره.
فمهما لاحت في مقالة حضرة(الموحد) غيرته الدينية التي ربما يعذر من أجلها في نقده الأدبي إلاَّ أنه لا يعذر قط في رميه لحامل راية التوحيد معالي الشهرستاني بترويج القول بالميلاد في تاسع ربيعالأول (الأمر الذي أقام الموحد وأقعده) في حين إن سماحته بعيد عن هذا كل البعد ولو فرض اختياره لليوم التاسع فليس ذلك بالأمر المريع لمن له خبرة علمية أو دينية وهذه اساتذةمصر (اليوم) لا يختارون للمولد النبوي الشريف غير (الثامن أو التاسع) من ربيع الأول كالمؤرخ التبنوني في الرحلة الحجازية ص265 وحسن ابراهيم في تاريخ الإسلام السياسي ج1وغيرهما. ومن الصدف الحسني إن وردتنا مجلة الأزهر التي هي لسان حال علماء الأزهر الشريف ومظهر الثقافة الدينية في المجتمع الإسلامي وفي جزئها لهذا الشهر الأنور مقالةغراء بقلم مديرها للعلامة الشيخ فريد وجدي صاحب التصانيف المشهورة يصرح في الصفحة الـ148 بولادة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في تاسع ربيع الأول ويرسل هذا القول إرسالالمسلمات ولا يذكر غيره. وقد ألف من قبل هؤلاء ناظر المعارف المصرية محمود باشا الفلكي رسالة مشهورة خصيصة بأثبات المولد النبوي (صلى الله عليه وله وسلم) في تاسع ربيعالأول مدلياً فيها بالدلائل الفنية التي لا ترد والمأثورات الإسلامية التي لا تقبل الشك إلاَّ من قبل أشخاص يرجحون الشهرة على أقوال أهل الخبرة.
هذا ما آتينا بهبياناً للحقيقة ودفعاً للأوهام وإن عاد (الموحد) بعد هذا البيان عدنا.
اسم المجلة: الغري مكان الإصدار: النجف الأشرف
العدد: 32 تاريخ الإصدار: 7 ربيع الثاني 1359هـ
الصفحة: 597 سنة المجلة: السنة الأولى