الدين وأثره في الحياة
الشيخ عبد الرضا كاشف الغطاء
إذا استعرضنا الأمم السالفة وجدنا حياتها ترتكز علىدعامتين:
الدعامة الأولى:
التعاون بين افرادها إزاء الصالح العام بحيث تكون مصلحة الفرد مندكة فيه إلى حد التضحية والفناء، وأن أغلب الأمم التي نالهاالتدهور وبلغ بها مرحلته الأخيرة كان السبب الوحيد في انحطاطها تقديم المصلحة الشخصية على المصلحة النوعية، والتاريخ شاهد قوي على ما نذهب إليه، فالامبراطوريةالإسلامية كان الفرد فيها بادئ بدء مشبعاً بروح التعاون والأخوة مع باقي المسلمين باذلاً قصارى جهده لأعلاء كلمة الإسلام مضحياً بما لديه من حول وقوة وما لبث الأمر أنانحلت أواصر الأخاء بينهم وروعيت مصالح الفرد على مصلحة الأمة فوجد العدو مساغاً للدخول في ثبج هذه الامبراطورية العظمى حتى تمزقت اشلاؤها وتفككت عراها وتفرّقت شيعاً،فكل مدينة فيها أمير المؤمنين ومنبر.
هذا وإن التعاون المذكور لا يمكن أن يحصل على النمو المطلوب إلاَّ بأحد عاملين: أما بشعور الأمة وإيمانها على نحو العمومرئسيها ومرؤسها قويها وضعيفها بان صالحها العام يلزم تقديمه على الصالح الخاص وإن الفائدة الشخصية يجب أن تفنى إزاء الفائدة النوعية وهذا الشعور لا يحصل إلاَّ في الأممالحية التي زكت فيها دوحة الحياة الراقية واصطبغت بالثقافة العالية، وأما بعامل الخوف وسوء المنقلب وهذا العامل لا يؤثر أثره إلاَّ إذا استند إلى قوة غيبية يخشاهاالإنسان في سائر أحواله ويرهبها في سائر أوقاته بين الخلوات وبين الجماعات تسوقه للقيام بواجبات التعاون والأسس التي يرتكز عليها الصالح العام وهذا الخوف لا يحصل إلاَّبالإيمان بالتشريع الإلهي والتسليم بوجود جبار عظيم يطلع على السرائر والنوايا يعلم ما تخفي الصدور وما تكنه الضمائر ونحن إذا تدبرنا الأمر وجدنا إن الإيمان بالتشريعالإلهي المتكفل لهذه الناحية وغيرها من نواحي الحياة وإن العقيدة اليقينية بالعذاب الأبدي عند التخلف عنها أسهل علينا بمراتب كثيرة من أن نبذل الجهود في تربية الشعبلأحياء هذه الروح فيه، وقد شهدت بهذا الدعوة الإسلامية بادئ بدء، فقد كان رجالات الإسلام ودعاته ينمون روح الأخوة والتعاون بين أبناء الضاد من ناحية الدين بالتوعيد مرةوالوعد أخرى حتى استطاعوا أن يولدوا بينهم أخوة لا تبلغ شأوها الأخوة النسبية.
الدعامة الثانية:
كمال الفرد فإن التعاون مهما بلغ حده لا يكاد يستفيد منهالشعب والأمة ما لم تبلغ افراده حد الكمال وكمال الحد، فيسلكون المثل الأعلى في هذه الحياة الذي يضمن لهم سعادتهم المادية والادبية ويذهب بهم مذهب الحكمة والتدبير ويخلقفيهم روح التفكير بالعاقبة وهذا العامل كسابقه كما يحصل بالتربية الصالحة التي ترشده إلى الخير كذلك يحصل بالعمل بالنواميس الإلهية والقواعد الدينية فإنها تسلك به سبلالسعادة وتورده مورد الفضيلة وتنقذه من لهوات المهالك وتنجيه من ويلات الحياة، ولو رجع المرء إلى وجدانه لوجد أن الطريق الثاني أيسر حصولاً وانجع وسيلة فلو كان رجالالاصلاح ومحيو الأمم يسلكون بشعوبهم هذا المسلك ويهدونهم نحو هذا الطريق فيلقنونهم المبادئ الدينية والنواميس الإلهية الحقة لأصبحت شعوبهم بأقرب وقت ترفل بأبرادالسعادة وتتمتع بالحياة الطيبة.
اسم المجلة: الغري مكان الإصدار:النجف الأشرف
العدد: 35 تاريخ الإصدار: 4 جمادي الاول 1359هـ
الصفحة: 645 سنةالمجلة: السنة الأولى