زواج بشع نسخه متنی

زواج بشع

الشيخ عبد الحليم كاشف الغطاء

موسى ال جواد رجل مزارع غني الحال يسكن في بلدة السماوة مع زوجته وبناتهالثلاث وولديه. وهو ينتسب الى عائلة علوية لها سمعة حسنة ومنزلة رفيعة بين الفلاحين والقرويين ينظرون اليها نظرة تقديس واحترام ويرجعون الى عقلائها في مهام امورهمالدينية والعرفية وقد يقسمون بهم وبنذر من لهم النذور وكانت (زهرة) كبرى بناته فتاة هيفاء القوام سفعاء اللون شماء الانف لمياء الشفتين شقراء العينين يناهز عمرها ثمانيعشرة سنة. وكان قد خطبها بعض الافراد من سكان البلدة غير ان ذويها لم يوافقوا لان اولئك الافراد كانوا من عائلة احط منهم قدرا واقل شرفا.

في احد الايام تختلي فاطمةببنتها وتقول لها: ان السيد كاظم من اقربائك رجل تقي صالح حسن الاخلاق يسكن الديوانية قد طلبك من والدك ورضيناه لك زوجافاجابت الفتاة اني لست ارغب في الزواج مطلقا ويشقعلي فراقك وفراق والدي وافضل البقاء في ظل عزكما ولكن الام تعلم ان شان جميع الفتيات ان يتظاهروا بالتمنع وعدم القبول عندما يعرض عليهن الزواج فقالت لها: هذا امر لا بد انيكون.

وبعد بضعة ايام امتطت الفتاة السيارة مع بعض اقربائها لتزف الى عريسها وما كادت تستقر على مقعد السيارة حتى اضطربت في نفسها الوساوس واختلجت الهواجس وبداتتسائل نفسها ما عسى ان يكون هذا العريس الذي لم اره من قبل ولم اسمع عنه بخير او شر هل اتلاءم مع اهله؟ اينزل علي ضرة بعد ذلك ام اني ساعجبه فيحرص علي؟ هل يكون قراني هذاقرانا سعيدا ام مشؤما؟ ثم تصل السيارة الى المحل المقصود بسلام وتجمع زهرة بالانسان الذي اختاره الوالدان شريكا لحياتها. فتجد شخصا قصير القامة هزيل الجسم شاحب اللونضيق الجبهة صغير العينين قبيح الانف لا تدل ملامحه بانه ينطوي على شيء من الذكاء فشحوبه وهزله مظهران من مظاهر الخمول والفتور ولكن هذا ما قدر لها ولا تستطيع ان تصنع شيئاأو تبدي رأياً وعللت نفسها بحصول الالفة على مرور الايام ومضت برهة من الزمن ولم ترزق منه مولوداولم تشعر بحب قلبي له لان صاحبها لم يتصف باي ميزة من المزايا المغريةكجمال الوجه وحسن الصوت وقوة البدن ورجاحة العقل وخفة الطبع واخذت تمل حياتها الجافة التي لا تمر فيها ساعة من ساعات السرور والحبور ولازمتها الكآبة والسامة ورأت انزواجها هذا لا يختلف عن العنوسة في شيء بل تفضل عليه مع ما فيها من الم وكبت.

في يوم ما ذهبت زهرة الى السوق لشراء بعض المنسوجات والسلع وبينما تتردد من مخزن الىاخر وقفت عند بائع سلع فراعها جماله وقده الرشيق وجسمه النشيط اسفرت قليلا لتجلب نظره فبادرها بالمزاح وسامحها بالاسعار ولكنها لم تتبذل له في الحديث وعادت الى البيتصاخبة النفس ملتهبة الشعور واجفة القلب وقد انطبع في مخيلتها صورة ذلك الفتى الفاتن وجلست في غرفتها حائرة واجمة؛ اتلبي نداء الحب الملح فتصافح يد ذلك الشاب وتهبه نفسهالتمرح بجنبه وتسرح في ميدان الانس والسرور بقربه وتروي ظماها وتبرد غلتها وتمتع نفسها وجسدها؟ وقد يفتضح امرها وينكشف سرها؟ ام تكبح جماح هواها؛ وتكظم عواطفها، وتستسلملما كتب لها؛ وهذا عذاب تطول مدته، ولا تطيق تحمله، واخيرا صممت ان لا تكون جبانة وتطلق عنان هواها وتفك من اغلالها قليلا. وحققت رغبتها وتكرر اللقاء وارتاب اهل زوجها منوضعها الجديد واخذوا يراقبون سيرتها وتحولت الريبة الى يقين عندما رأتها أخت الزوج تخرج من بيت مجهول تفصحوا عنه فاذا هو بيت الحبيب المنهم ووصل الخبر الى اهل الفتاةفقدم الديوانية والدتها واخواها وتعاهد الجميع فيما بينهم على ان يخدعوها ويستدرجوها في الحديث. ويسترقوا منها دفينة الامر ولا ياتونها بالغلظة والشدة وبالاخير قالوالها: انت مخيرة بين احد الامرين اما ان تتركي زوجك وترجعي الينا او نذهب معك الى كربلاء لتتوبي وتحلفي بالعباس انك لا تعودي الى شيء من سيرتك هذي فقبلت الشرط الثاني. وفياليوم التالي احضرت السيارة وبدلا من ان تتوجه الى جهة كربلاء اتخذت طريقا مجهولا في البقاع القفراء ولم يعد يسمع احد عن زهرة خبراً.

اسم المجلة: الهاتف مكان الاصدار: النجف الاشرف

العدد: 218 تاريخ الاصدار: 23ربيع الثاني 1359 هـ

الصفحة: 14 سنة المجلة: السنة السادسة