السر في غموض التاريخ
الشيخ على كاشف الغطاء لا زال التاريخ في العصور الحاضرة في غموض وكون رغم ما قام به جمع منمهرة العلماء المتبحرين في درس نظرياته وفحصها وشحذوا القرائح في نقدها وردها وكم صادفوا عناء في أخذها من منابعها ومصادرها وقد كانت أجنبية عن بعضهم بجميع جهاتهاونواحيها في لغتها وأدبتها ومنهج التفكير فيها.
ولعل سر الغموض في هذا الموضوع ومصدر تضارب الأفكار فيه بل وفي كل أمر ليس من مشاهدات النواظر ولا من مدركاتالمشاعر هو أن نحاول معرفة الحقيقة والقناعة العلمية عن طريق الظروف والأحوال التي مرّت بنا بأعمال القياس والمقارنة بينها وبين ما سبق عليها ولن نقتنع بالمنقول منهامهما أتصف الناقل بالثقة والتتبع وطالما كانت هذه المحاولة للاستنتاج العقلي من هذا الطريق سيراً للوراء ومعاكسة للحقيقة الواقعية وبه نعيد عن الغاية للغاية وهذا ماكنا نلمسه في كتب المصرين في الآونة الأخيرة كما أن الجمود على النقل كما فعله بعض أرباب السير والتاريخ وقوع في مهامة الجهل وإنحراف عن النهج المستقيم وهذا ما كنا نقرأهفي روايات التاريخ وأساطيره في مثل بدائع الزهور ونحوه. وهناك سر آخر ألا وهو العقيدة الارتكازية الموروثة من الآباء والأمهات أو التي أولدتها البيئة الإجتماعية فأنهاقد تحور الآراء والأفكار فيفسر صاحبها الحوادث التأريخية على حسب مقتضاها وربما أوجب ذلك تساهله في بعض المقدمات الإستنتاجية لمعرفة الواقع وبذلك يتوارى وجه الواقع عنهوتصبح الحقيقة بين طيات الخفاء والكتمان. وهذا ما دعى جملة من علماء تاريخ الإسلام أن لا يعطوا صورة واضحة عن بعض الفرق الإسلامية ويلصقوا بها التهم الباطلة ومن هذا البابما صنعه بعض المستشرقين في تاريخ الإسلام وشرح حوادثه والماهر من العلماء في هذا المظمار هو من إستطاع التوفيق بين النقل الموثوق والإستنتاج العقلي ذي المقدمات الرصينةالمحكمة مع التخلص من قيود العقيدة الإرتكازية على أن يكون له النقل زيت سراج ولولب جهاز.
وقد أفسد التاريخ في العصور الحاضرة وكلف الباعث عناية الجدل هو العنادالذي إستحوذ على بعض قراء هذه الدراسة التاريخية ممن إحتاشوا مطارقهم على غير إسلوب علمي وتحمسوا لآراء نسبوها لأعلام أعجمية ضخّموا ألقابها فبهت بها العرب بادي بدءورجف منها التاريخ ريثما يظهر الحق ويزهق الباطل وبعد إن درست تلك الآراء على ضوء الإستقراء والعقل وأخذت من معادنها وجد أن أربابها قد ذكروها على سبيل الإحتمالوالتخمين من قبيل أن الأمر ما لم تشك فيه فلا تكون على يقين منه فإنعكست شكوك هؤلاء وإستحالت تردداتهم إلى أذهان هذه العصبة إلى التكلم بها على سبيل الجزم واليقين غيرمكترثين ولا مبالين بزعزعة أركان ما إحتفضت به أدمغة المحدثين وأرباب السير قروناً متطاولة فسمموا أفكار الطبقة الوارثة لتلك الآراء المحكمة الرصينة وإرتاحت ضمائرهملتفكيك عرى أدب تمشي قروناً متطاولة مع الزمن.
إسم المجلة: الغري مكان الإصدار:النجف الأشرف
العدد:3 تاريخ الإصدار:29 رمضان 1374هـ
الصفحة:8 سنة المجلة: السنة السابعة عشر