شیخ جعفر الکبیر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شیخ جعفر الکبیر - نسخه متنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الشيخ جعفر الكبير

الشيخ جعفر الكبير

المقدمة

الحديث عن الشيخ جعفر الكبير، حديثٌ طريفٌ وماتعٌ، فهو حديث عن شخصية قيادية كبيرةٍ،تركت اثرها البارز في مجرى الحوادث الخطيرة التي عاشتها الأمة، فهو من كبار رجال العلم المخلصين له، والذابّين عنه، عمل جاهداً لتذليل العقبات امام طلبته، وبذل البذولالسخية لدفعهم الى حلقات الدرس، واستمرارهم فيها، تلك علامة واضحة في شخصية هذا المعلّم المربي.

أما العلامة البارزة الثانية فهي إقدامه وحزمه وعزمه، وعدمإصغائه لمحاولات التخذيل والتهوين، فهو رجل قُدمة، لم يقف مكتوف الأيدي منتظراً ما ستفعله الدولة العثمانية لصد غزوات الوهابيين على النجف كذلك لم ينتظر نتائج الجدلالفقهي العقيم بين مَنْ يقول بوجوب إخلاء البلد، والقائلين بوجوب البقاء فيه، والدفاع عنه وإنما أخذ الأمر على مسؤوليته ناهضاً بأعبائه، غير هيّاب ولا واهن ولا متردد.ووقف بحزم وصبر أمام غزو مدمر لا يرقب في مسلم إلاً ولا ذمة.

أما العلامة البارزة الثالثة فهي قدرته الفائقة على الحوار وهو يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة متسلحاًبخلفية علمية ورصيد معرفي كبير، ومعتمداً الصدق والوضوح والصراحة والموضوعية، وكانت شخصيته الأيجابية المنفتحة السمحة قد جعلت منه رجل حوار ناجح ومفاوضاً من الطرازالرفيع، وتنكشف تلك المواهب بشكل جلي في كتابيه ((الحق المبين)) الذي شرح فيه وجهات نظره في مسألة الخلاف بين الأصوليين والأخباريين والذي مدَّ فيه الصلات الودية بينهماحتى قال: (فالمجتهد إخباري عند التحقيق. والأخباري مجتهد بعد النظر الدقيق، ففضلاء الطرفين بلطف الله ناجون..الخ) وليس بعد هذا القول ما يرتق به الخلاف، أما الكتابالثاني، فهو ((منهج الرشاد)) الذي بسط فيه وجهات نظره في المسائل الخلافية مع أمير الدرعية ومن ورائه من فقهاء ملّته، وكان لا يفتأ يخاطبه بكلمة ' يا أخي ' وأشباهها، حتىأساء بعضهم فهم مرامي الشيخ ومقاصده فطالته تهمهم ونبزهم الذي كالوه دون إمعان وتدبّر، في حين لم يخدش الشيخ مناظريه بكلمة واحدة رغم طول الرسالة واستغراقها مواضيعخلافية عديدة، ولم ينسبه الى ما يجرحه أو يخدشه.

أما العلامة البارزة الرابعة: فهي علاقته بالسلطة القائمة يومئذٍ، فإن من نتائج الصراع الأصولي ــ الأخباري الذيإحتدم في تلك الحقبة ظهور الرغبة عند علماء بعض الطرفين في جرّ السلطان الى هذا المعترك العقائدي وإستمالته، أو تحييده على الأقل، ومِن هنا يمكن فهم رغبة الشيخ جعفرالكبير في إقامة العلاقات مع السلاطين المعاصرين له، وأن كانت الحِدة تقتضي القول أن الميرزا الأخباري كان السابق إلى هذه الحلبة بل وكان لا يأبه أن يلعب وظيفة العرّافأو المتنبيء في البلاط. لقاء بسط يده ونشر نفوذه إلى حيث يريد أن يصل من هدف، بينما نرى الشيخ جعفر يتصرف مع السلطان كسلطة دينية عُليا، تترفع عن تبوء المناصب لكنها تُصدرالأوامر بدبلوماسية عالية، ولباقة مهذبة حتى وصلت تصرفات الشيخ في البلاط الرسمي حد التدخل في بعض الشؤون الشخصية والعائلية المحرجة للسلطان فضلاً عن تدخلاته في مجالاتالحكم والإدارة.

ومن الحتم أن السلطان كان يفهم ما يجري حوله من محاولات الإستمالة والإحتواء التي يمارسها الطرفان المتصارعان وأنه كان يفتح عينه وأذنه على كل مايجري في داخل سلطنته وخارجها، ولعل من مصلحته أن يستمر ذلك الصراع ولا يهدأ، ولا ندري كم كان له في ذلك الصراع من الأثر والتأثير.

أما العلامة البارزة الخامسة: فهيعلاقاته الأنسانية ومشاعره التي تفيض رحمة للناس أجمعين، وحنوه على الفقراء، ودأبه على رعايتهم والأهتمام بهم، ومحاولته توفير لقمة العيش لكل إنسان بل توفير فرصةالحياة الكريمة لكل الناس، ونجد تلك المشاعر الأنسانية النبيلة في مناحي سيرته الطويلة، فهو يصارح أحد السلاطين الذي رام التعرف على امنيته لقضائها، بأن السلطان غيرقادر على تحقيق تلك الأمنية، لأن أمنيته أن يشبع كل فقير في الدنيا، ولم نعرف أن أحداً من ولاة الأمر في ذلك العهد قد صرّح بشيء مثل هذا حتى ولو مجرد تصريح. على أن أمانيالشيخ لم تكن مجرد رغبات مكبوتة في زوايا الوجدان أو خواطر تعتمل بين همسات الطموح فلقد تحدث عنه مؤرخوا سيرته انه كثيراً ما كان يرفع ردائه ويتردد بين صفوف المصلينجامعاً ما تجود به أياديهم نافقاً ذلك المال من ساعته على الفقراء والمعوزين.

كانت مشاعره الإنسانية من الوضوح والرسوخ ما تجد لها أمثلة كثيرة ومتنوعة وفي جميعمراحل حياته الحافلة بالعطاء، فالشيخ مهموم بمشاكل الإنسان والمجتمع لأنه كان متحفزاً لخوض معركة الحياة الحرة الكريمة.

هذه هي صورة الشيخ جعفر الكبير التيرشحت بعد قراءة مستفيضة لسيرته وهو هي الملكات النفسية والقدرات الشخصية التي شخصها هذا البحث المتواضع ..إنه المعلم المربي، والمحاور البارع والمفاوض المتمرس والمجاهدوالإنسان.

هذه المؤهلات النفسية والشخصية دخل الشيخ جعفر عصره من أوسع أبوابه، فكم وكم أخذ من ذلك العصر.

العصر

يقول الروائي الأنكليزي تشارلزديكنز في بداية رائعته ((قصة مدينتين)) وهو يصف العصر الذي كتب فيه روايته: (كان أحسن الأزمان، وكان أسوء الأزمان، كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة، كان عهد الأيمان، وكانعهد الجحود كان زمن النور، وكان زمن الظلمة، كان ربيع الأمل، وكان شقاء القنوط..).

بشيء من التخفيف من حدة هذه العبارات يمكن القول أن هذه الأوصاف تصدق بمقدار ماعلى عصر الشيخ جعفر، فأما أنه أحسن الأزمان، وأنه عصر الحكمة، وأنه عهد الأيمان، وأنه زمن النور فذلك يظهر جليّاً من خلال ظاهرتين بارزتين ومتلازمتين:

الأولى:ظهور هذا الحشد الضخم من العلماء الكبار الذين أثروا الدراسات العلمية بتآليفهم ومناظراتهم، وأصالة درسهم، وعمق محاضراتهم، ومتانة اسلوبهم وغزارة علمهم، فلقد إجتمع فيهذا العصر أئمة العلماء، كالشيخ 'الوحيد' صاحب الدرس الأصولي العتيد، والسيد محمد مهدي آل بحر العلوم صاحب ' الفوائد الرجالية' ومنظومة 'الدرة البهية' والشيخ جعفر الكبير،صاحب 'كشف الغطاء' والشيخ محمد حسن النجفي صاحب 'جواهر الكلام'، والشيخ الزاهد الورع حسين نجف والسيد محمد جواد العاملي الشقرائي صاحب 'مفتاح الكرامة' و'قاعدة الأشتغال'وغيرهم كثير يطول الإحصاء بمحصيهم.

وأما الظاهرة الثانية والتي تلازم الظاهرة الأولى وقد تنبع منها، فهي شيوع المدارس التي تحتضن النافرين الى النجف من طلبةالعلوم الشرعية الوافدين إليها من بقاع شتى ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، إضافة إلى طلبة العلوم من أبناء النجف وما جاورها من القصبات والمدن، حتىإذا ضاقت المدرسة، أستحدثت مدرسة وسطى، وربما تتبعها مدرسة صغرى على أن ذلك الجهد الجهيد لم يكن بدعم من السلطة العثمانية ولا مباركتها، ولا استدراراً لخيرات البلدوتوظيفها، ولم يكن كذلك عن يسرٍ ورفاه، فالفقر هناك كانت له وقاحة وعُرامة تفوق حد الوصف، لقد تمّ ما تمّ بجهود ثُلةٍ من أبطال العلم وفرسان الفضيلة اللذين أعطوا كُلأعمارهم وما يملكون بأصرار عجيب ودون انتظار منةٍ ولا مباركة من أحد، لقد كانوا رعاةً أمناء، ومعلمين ومربين كبار، شعروا بمسؤولية العلم وحفظوا امانته بوقت كانت الدولة((العلية)) تبيع المناصب لمن يدفع وكان مما يحمد لهذا النفر الحميد رغبتهم الثابتة في النأي بعيداً بالعلم عن التأثيرات الخارجية، والأستقلال به وبمناهجه عن كل طامعٍبأستغلاله بعيداً عن الروح العلمية الصافية النظيفة.

ومن محاسن هذا العصر بروز ظاهرة ((المرجعية الجماعية)) أو شيء قريب من هذا الوصف إذا نأى عنه فهو لا ينأىبعيداً فلقد كان أمر التقليد محصوراً بالشيخ جعفر الكبير فلم يكن عالماً مقلّداً سواه، وكان السيد بحر العلوم يأمر أهله وعياله بتقليده ــ أي الشيخ جعفر ــ وجُعلالإتمام بالناس للشيخ حسين نجف فلم يكن إماماً سواه في جميع تلك البلد، وكان العلماء جميعاً ــ حتى السيد والشيخ ــ يصليان خلفه وكانت صلاة الجماعة تقام في المسجد الهنديوهو جامع البلد حيث لم تكن الصلاة في الصحن معروفةً قبلُ.

بيد أن دواعي الموضوعية تُلزِمُ أن لا نُسرِف في ذكر المحاسن حَدَّ تنكب جادة الحياد، حيث لابد منالتذكير بأمور منها، إستمرار وعُورة العبارة الفقهية حيث لم تشهد هذه الحِقبة تيسير الفقه وتمكين الناس من فهمه، أما المناهج الدراسية فكانت ضمن مواصفات تلك المرحلةالزمنية وكانت على كثير من المحافظة والجمود، حتى أن الكثير من الشيوخ كان .. يحذر أو بعبارة أخرى يبتعد عن الرأي المستقل والذوق الخاص، وكان الميل واضحاً إلى كتابةالتقريرات والشروح وربما كتابة الحواشي على الحواشي، وقلَّ عند جُلِّهم التوسعُ والتفريعُ، بل إكتفى بعضهم بإنتقاء بعض المتون الفقهية والإبتعاد عن حلبة الحياةوجَلَبتِها حُباً للعافية، وإيثاراً للسلامة.

على أن تلكم الهَناتِ الهينات والتي لا يبرأُ منها عصرُ، لا تقدح في حُسن ذلك الزَمن، ولا تسيء إلى حكمته، ولاتلثمُ نوره.

أما أنه أسوء الأزمان، وكان عصر الحماقة، وكان عهد الجحود، وكان زمن الظلمة فذلك يظهر جلياً في رصد حوادث الزمن الذي تفشّت فيه الفتن والأضطراباتوكانت أكثر تلك الفتن وأشدها أذى ما وقع بين الأصوليين والإخباريين ولقد كانت فتنة غبراء ذات دواخن كما يقول جرير إقتحمتها العامة من الناس فأنزلقوا في رغوتها، ثمتخاوضوا أوحالها حتى إعضوضل الخطب، ولم يكن غير العامة أحسن حالاً من غيرهم فلقد تزاحمت الإفتاءات من الطرفين هذا لا يجوز الصلاة خلف ذاك، وهذا ينجس ذاك، غير التراشقبالسباب والشتائم واللعون، حتى كاد الشيطان ينده الفتنة من عقالها واستنزلهم حفيرا لا قرار فيه، وذهبت عبثاً محاولات رتق الفتن التي نهض بها من شعر بالمسؤولية منالعلماء، فلقد كتب الشيخ جعفر في كتابه الحق المبين ما نصه: ((لا نزاع بيننا في أصول الدين ولا مانع لدينا من الرجوع إلى الطرفين في معرفة حكم رب العالمين)).

ولم يكنالخلاف بين الطرفين إلا خلاف رأي بين مدرستين، ترى المدرسة الأخبارية إسقاط دليلي العقل والأجماع من الأدلة الأربعة المذكورة في كتب أصول الفقه والتي يعتمد عليها الفقيهفي إستنباط الأحكام الشرعية والتي يضاف إليها دليلي الكتاب والسنة إضافة إلى العقل والإجماع وخلاف الرأي هذا يتطلّب حصره في دائرة العلماء وفي حلقات الدرس والمناشدةوبعيداً عن أهواء وأوهام العامة.

وكان من أسواء ذلك الزمن وظلمته ظهور هذه الفتنة العوراء التي نسي الناس فيها أنهم أمة واحدة.

ثم أستتبعت هذه الفتنة،شدة ومحنة، يوم هدد الوهابي بأجتياح مدينة النجف وتدميرها، وإستباحت حرماتها وكان ليل المحنة طويلاً مقرفاً، فلقد تكررت الهجمات وزادت نكراً حتى ضاقت الأرض بما رحبتوضاقت على الناس أنفسهم، وتداعى أهل البلد علماء وعامة لتدارس الحال، والوقوف على جليته، فأنقسم العلماء بينهم، منهم من يرى وجوب إخلاء المدينة أمام الغزاة تقديماًلأدلة حفظ النفس، وآخرون يرون وجوب البقاء فيها والدفاع عنها تقديماً لأدلة حفظ بيضة الأسلام وكان على هذا الرأي الأخير ثلة من كبار العلماء منهم الشيخ جعفر الكبير،والشيخ حسين نجف، والشيخ خضر شلال، والشيخ مهدي ملا كتاب، والسيد محمد جواد العاملي وغيرهم، إلا أن الحق يستدعينا القول أن مساعي الشيخ جعفر لا يكابلها مسعى سواه، ولعلمن المناسب أن نتعرف بشيء من الأيجاز والأختصار على تلك الجهود.

1ــ تبادل الشيخ مع أمير الدرعية الرسائل التي حاول فيها مد جسور التفاهم والثقة والصداقة بينالطرفين وكان لا يفتأ مخاطبته بكلمة 'يا أخي' ونحوها حتى ساء فهمها البعض وظنوا فيها الظنون، ناسين محاولات الشيخ كسب الوقت لصالح تحصين المدينة وتوفير فرص الدفاع عنها،والإطلاع على كتاب (منهج الرشاد) الذي بعثه الشيخ جعفر إلى أمير الدرعية يغنينا عن كل تفصيل.

2ــ أرسل لهم الهدايا الثمينة ليكف أكف الغزاة ويدفع غوائلهم.

3ــ حفر الشيخ في بيته ' سرداباً ' ينزل في الأرض أربعين درجة لحماية العوائل وتأمين مؤنها ولا يزال هذا السرداب قائماً حتى الآن ويسمى 'سرداب الوهابي'.

4ــ نقلخزائن الحضرة الحيدرية إلى بغداد.

5ــ شراء الأسلحة، وتدريب المقاتلين عليها، وتشكيل قوة دفاعية من شباب النجف أخذت أسم (الزكرت) ورعايتها وتفقدها وتوفيرالمستلزمات لعوائلها.

6ــ تحصين السور، وغلق الأبواب، وتوزيع المقاتلين والمرابطين بشكل يؤمن حماية المدينة.

7ــ مكاتبة السيد محمود الرحباوي الذي كانالغزاة يتخذون من منطقته منطلقاً لشن الغارات على النجف ومطالبته بإخبار النجفيين عند قدوم الغزاة، ولكن السيد المذكور رفض التعاون مع النجفيين.

لقد صمدت مدينةالنجف بوجه ذلك الغزو الجموح الذي تراوحت هجماته بين (5-6) دفعات، وأن إرتفع بهذا الرقم بعض من أرخ لهذه الحوادث حتى بلغ بها أكثر من عشر هجمات. كانت فيها عوائل النجفيينعرضة للقتل والتنكيل والسلب والنهب بدون رحمة، ولولا مساعي الشيخ جعفر وإخوانه لما كان مصير مدينة النجف أحسن حالاً من مدينة كربلاء التي دمرها الغزاة وعاثوا بهاوبأهلها تقتيلاً وتنكيلاً.

أجل لقد كان فرسان الدفاع عن البلد وحماته هم أنفسهم أبطال العلم وقادته...

وكانت ثالثة الأثافي حادثة الزكرت والشمرت.

تعني كلمة (زقرت) أو (زقرتي) من كان مسؤولاً عن نفسه فقط ولا مسؤولية له عن غيره، وهو تعبير لا يزال إستعماله قائماً في اللهجة العراقية المحلية، وتسمى بهذه التسمية نفرمن شباب النجف اللذين نهضوا بمسؤولية الدفاع عن المدينة وحمايتها ضد الغارات المعادية، واللذين تدربوا على السلاح بأمر الشيخ جعفر الكبير ورعايته.

إما (الشمرت)فهي كلمة مصحفة من كلمة شمردل التي تعني الشجاع.

وخلاصة الموضوع هو: أن هناك خلافاً بين الشيخ جعفر والسيد الرحباوي بسبب موقف السيد من الغارات التي تستهدفالنجف، ولأسباب أخرى أيضاً، وحيث أن الرحباوي قُتل في قصره في منطقة الرحبة بشكل غامض ألقى ألقى أخواله من آل 'الملالي' وهم سدنة الحضرة الحيدرية، مسؤولية القتل علىالشيخ جعفر وجماعته، وتبادل الطرفان التهم والقذف، ثمَّ سرعان ما تطور الخلاف إلى نزاع مسلحٍ زاد في عُرامته تحالف جماعات أخرى مع كل طرف.

لقد أنقلب هذا النزاعالعنيف إلى (حرب أهلية) بكل ما لهذه العبارة من أبعاد دموية مشؤومة، تسابق فيها الطرفان في الصعود إلى الحصون العالية من مساجد ومنائرٍ، وتبادلا إطلاق النار بشكل عشوائيمما ذهب ضحيته الكثيرُ من الناس ومن مختلف الطبقات، وأنتهكت فيه حرمة الكثير من أهل العلم والفضل حتى تعذّر على الناس الخروج من بيوتهم إلا بعد توقف القتال وتعطّلتالأسواق، وتوقف الدرس العلمي أو كاد، وغادر النجف العديد من أهل العلم والورع والدين بعد إنتهاب دورهم وإنتهاك حرمتهم.

ذلك هو الزمن الذي عاش فيه الشيخ جعفر وذلكهو عصره، فهل كان أحسن الأزمان؟ أم كان أسوء الأزمان؟ وهل كان عهد الأيمان؟ أم كان عهد الجحود؟ وهل كان زمن النور؟ أم كان زمن الظلمة؟..

ربّما كان ذلك كلّه.. ..


والآن، آن لنا أن نلتقي الشيخ جعفر الكبير لنتعرّف إليه.

فهو الأمام الأكبر، شيخ المشتغلين بالفقه، هزَّ جذع نخلة العلم إليه، فتساقط من دُرر الفضل عليه ما'كشف به الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء'، حتى ألقت إليه هذه الصناعة زمام الإنقياد والطاعة، فأشاد للعلم دولة، زهت بالمآثر البهية، والمباهج الزكية، كان هو عُرابةرايتها وهو بعد هذا أبو الأئمة الفقهاء العلماء، الأكباش الأربعة، الذين كثر طوافهم بين أركان العلم والجهاد، وسعى ساعيهم بين صفا العلم ومروة الفضل. أسرج أنوار الفقاهة(هاديهم) وأشاد صروح العلم (مهديهم) فكانوا بين هادٍ ومُهدٍ .. ثُمَّ جاء دورُ (عليهم) فحفظ تصانيف أهل الشريعة في (حصون منيعة) فتضوعتْ من تلك التصانيف البهية (العبقاتالعنبرية) والله يرزق فضله من يشاء، والعاقبة للتقوى.

اسمه ولقبه وشهرته

هو الشيخ جعفر بن الشيخ خضر بن الشيخ يحيى المالكي الجناجي النجفي المشهوربالشيخ 'جعفر الكبير' أما المالكي فهو نسبٌ إلى الفارس المعروف مالك بن الحرث النخعي، صاحب أمير المؤمنين الأمام علي بن أبي طالب (A)، وصاحب العهد المشهور، والشيخ منالعشيرة المعروفة ' آل علي' وهي طائفة كبيرة لا زال بعضهم يسكن ضواحي الشامية، وبعضهم في نواحي الحلة، وأما الجناجي أو الجنيجاوي فهو نسب إلى قرية جناجة أو جناجيّة إحدىالقُرى الصغيرة الواقعة في ضواحي الحلة وكان تسمى قناقيا وحيث أن الشيخ وُلِدَ ودرس ومات في النجف إشتهر هذا اللقب، وبعد تأليفه لسِفرهِ الفقهي الجليل (كشف الغطاء عنمبهمات الشريعة الغرّاء) عُرفَ بهِ، وصار إسم الكتاب إسماً للكاتب، ثم حملته أسرة بكاملها عرفوا به ' آل كاشف الغطاء'، وانتسب فرع من هذه الأسرة إلى الشيخ جعفر فتسمّوا بهوحملوا أسمه وتلقبوا بـ(الجعفري) والشيخ جعفر بحقٍ نبتٌ عراقي أصيل، وغرسٌ عربي أثيل.

وتشتبك هذه الأسرة العربية الكريمة بصلات نسب ووشائج رحم بثلاث عوائل علميةتجمعها أرومة واحدة بل عمومة واحدة هم: آل الشيخ راضي، وآل الخضري، وآل عليوي كما تمتد علاقات الأسرة داخل النجف وخارجها، بل داخل العراق وخارجه، وترتبط معها بروابطالمصاهرة والخؤولة.

الولادة

وُلدَ الشيخ جعفر سنة 1156هـ في مدينة النجف الأشرف مثوى إمام الأئمة وعاصمة العلم والفضيلة، ونشأ في بيت علمٍ سامق وفي كنفوالده الشيخ خضر الذي أحسن تربيته، وألقمه مقدمات العلوم الدينية، ولم تتوسع مصادر ترجمته في ذكر تفاصيل نشأته وشبابه، ولكن المظنون أنها لا تختلف كثيراً عن نشأة أترابهمن أبناء الأسر العلمية والدينية المعروفة بسمتها الوقور وما تأخذ به نفسها من الشدة والحرج.

شيوخه

تتلمذَ الشيخ جعفر لوالده الشيخ خضر حيث درَسَ عليهالمقدمات، أما أبرز شيوخه فهم: الشيخ محمد مهدي الفتوني العاملي، والشيخ محمد تقي الدورقي والسيد صادق الفحام الفقيه الشاعر، وكانت رحلته إلى كربلاء وتتلمذه بالشيخالأصولي 'الوحيد البهبهاني' لها الأثر الأكبر في مساره العلمي كما كانت علاقته بالسيد محمد مهدي بحر العلوم وسماعه منه أو حضوره حلقة درسه التي قد لم يستمر طويلاً، لهاالأثر الكبير الواضح في حياة الشيخ.

تلاميذه

أخذ عن الشيخ الكبير، خلق كثير من العلماء والفقهاء، فلقد أسطف جلوساً تحت منبر درسه الكثير الكثير منالطلبة الذين لمعَ نجمهم بعدئذٍ وحسبُه منهم: الشيخ الجليل محمد حسن صاحب الجواهر، ورأس الأسرة البارزة ' آل الجواهري' والتي ثُنيتْ له الوسادة وانتهت إليه زعامة الحوزةالعلمية ورئاستُهما العامة، والسيد صدر الدين العاملي، والسيد محسن الأعرجي صاحب 'المحصول'، والسيد محمد جواد العاملي الشقرائي صاحب 'مفتاح الكرامة' والقزوينيين السيدباقر والسيد حسن، والزاهد العابد الورع الشيخ حسين نجف والشيخ قاسم محي الدين والشيخ عبد الحسين الأعسم، أضافة إلى اولاده الأربعة وأصهاره الأربعة، وجمعٍ غفيرٍ منعلّية العلماء طرّزتْ أسماءهم المجامع الرجالية وكتب السير والتراجم.

ولقد كان الشيخ يدأب على طلبته يرعاهم كما يرعى أولاده ويسهر على العناية بهم ومن شواهد تلكالعناية:

1ــ أن الشيخ في أغلب السنين والأعوام يرهن داره، وينفق ما يحصل عليه من المال على الفقراء من الطلبة، فإذا جاءه مالٌ أسترجع داره.

2ــ كان يؤجرنفسه للعبادة كالصلاة والصيام ويصرف ما يحصل عليه من العوائد على الفقراء والمعوزين من طلابه ومريديه حتى ذكروا أن الشيخ أجّرَّ نفسه للعبادة ثلاثين سنة.

3ــ كانيشتري الدور لسكناهم مع عوائلهم.

4ــ كان يبذل لهم نفقات الأعراس.

5ــ كان يقضي عنهم ديونهم، ويسعى في قضاء حوائجهم.

6ــ كان بعضهم ويرشدهم ويحملهمعلى السيرة اللائقة بطلبة العلم فحين رأى أحد طلابه ملتحفاً بعباءةٍ ثمينة مطرزة بـ(الأبريسم والكلبدون) بعثها أليه أهله، قال له: إن أهلك رغبوا في لباسك هذا فليأخذوكإلى بلدهم، فأنهم أرسلوك مسترشداً لا مستغوياً، فأخرج قبل أن تُخرجْ، ثمَّ لمّا رأى الخجل بادياً عليه قال له: يا ولدي إذا نظر الطلبةُ إلى ما أنتَ عليه، مالتْ نفوسهم إلىذلك اللباس وهم ذو فاقةٍ والإفلاس فتركن النفوس إلى شيطانها، فيضيع العلمُ ولا يبقى منه سوى الرسم.

مؤلفاته

1ــ كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء.


مطبوع وقد ألّفه في إحدى سفراته ولم يكن عنده من الكتب الفقيه سوى متن من متون الفقه وهو في هذه المقدرة العلمية يشترك مع علم كبير من أعلام فقهاء المسلمين وهوالشهيد السعيد محمد جمال الدين مكي العاملي المعروف بـ(الشهيد الأول) الذ ألف كتابه الفقهي البارز 'اللمعة الدمشقية' في مدة سبعة أيام ولم يكن بحوزته من المراجع الفقهيةغير 'المختصر النافع للمحقق الحلي' وبين ظروف ومآثر الرجلين الشيخ جعفر والشيخ محمد بن مكي الكثير من التشابه مما يستحق وقفة متأنية.

2ــ مختصر كشف الغطاء.

3ــ شرح أبواب المكاسب من قواعد العلاّمة.

4ــ كتاب في الطهارة وهو شرح على الشرايع.

5ــ شرح على المصابيح الذي هو منثور الدرة للسيد بحر العلوم.

6ــ شرح هداية السيد بحر العلوم في الفقه خرج منه كتاب الطهارة.

7ــ رسالة التحقيق والتنقير في المقادير.

8ــ شرح على القواعد.

9ــ رسالة عملية فيالطهارة والصلاة سماها بغية الطالب.

10ــ رسالة مناسك الحج.

11ــ رسالة في أصول الدين.

12ــ كتاب الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الأخباريينــ مطبوع ــ.

13ــ كتاب كشف الغطاء عن معايب ميرزا محمد عدو العلماء.

14ــ كتاب منهج الرشاد لمن أراد السداد ــ مطبوع ــ وقد طبع أخيراً ملحقاً بكتاب'العبقات العنبرية' للشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء وتحقيق الدكتور جودت القزويني.

15ــ نسب له الشيخ محمد علي الأعسم كتاباً في الجهاد.

16ــ نُسب له كتابٌفي الأصول، أسمه غاية المأمول.

17ــ ذُكر له في نجوم السماء رسالتين.

ملكاته

أشار مؤرخوا سيرة الشيخ إلى قوة حافظته وقدرته على إستظهار المطولاتمن النصوص فلقد ذكروا أنه يحفظ على خاطره جميع الكتب السماوية من أنجيل وزبور وتوراة وغير ذلك بجميع آياتها وفصولها، وأنه قد وظّف تلك الحافظة في مباحثه التي عقدها فيالبصرة حيث شدَّ رحاله إليها عند بلوغه أحبار اليهود ورهبان النصارى إستمالوا إليهم فئة من المسلمين حتى أفسدوا عليهم دينهم وصار الشيخ يجالس أولئك الأحبار والرهبانويحادثهم بألسنتهم وكتبهم، ولم يكن الشيخ جعفر بدعاً في هذه الحافظة فكتب التراث تسجل أسماء عديدة لما وهبهم الله قوة الحافظة فنقول على سبيل المثال لا الحصر أن أبراهيمبن سيار المعتزلي المتوفي سنة 231هـ كان يحفظ التوراة والأنجيل والزبور وتفسيرها مع كثرة حفظته الأشعار والأخبار .. كما ذكر د. عبد الستار الراوي في كتابه ثورة العقل عندالمعتزلة، ص70، أما ما نقلته النقول عن أبي العلاء المعري فقد تخرج عن حدود الإمكان ويكفي أن نتذكر قول من قال أن المعري ما سمع شيئاً ونسيه.

وإلى قوة حافظة الشيخجعفر نضيف سرعة بديهيته، فهو من أهل الجواب الحاضر والرد السريع الناجز، دون أعمال للفكر وتكليف للعقل فلقد أجاب من سأله عن دليل حرمة النبش؟ قائلاً ما دلَّ على وجوبالدفن ..

وأجاب من سأل عن حرمة مسّ المحدث لأسم الله بقوله: إذ لم يكن على وجوب تعظيم المحرمات دليل، فما الدليل على خلاف ذلك؟ إلى غير ذلك الكثير والطريف.

مكتبته

ورَّقَ الشيخ له ولأسرته وطلابه مكتبةً صار لها فيما بعد صيتاً علمياً كبيراً، تناوبتْ عليها غِراف كلِّ صديان خمصان من أهل العلم، وطلاب البحثوالتدقيق كانت في تلك المكتبة آثار علميةٌ ثمينةٌ، جلب الشيخ جلّها في أسفاره ورحلاته المكرورة إلى الحجاز وأيران، ولم يزل بعض تلك المخطوطات والكتب موجوداً حتى يومالناس هذا في مكتبة حفيده الشيخ علي آل كاشف الغطاء، وإن ما يقتضي التنويه أن للأسرة اليوم أكثر من مكتبة واحدة جمعت قماطيرها أمّات الكتب ويتيمات المخطوطات في سائرالعلوم والآداب والفنون.

أسفاره ورحلاته

كان الشيخ جوّالاً جوّاباً، نهج على الأقدام والمواثبة، وكانت أسفاره متعددة الأغراض، فلقد سافر مرتين لأداءفريضة الحج، كانت الأولى سنة 1186هـ ــ 1772هـ وقد أرّخها شعراً السيد صادق الفحام:

وبذلت أقصى الجهد في تأريخه


نلتَ المنى بمنى، وجئتَ حميدا



أما سفرته الثانية إلى الحج فقد كانت سنة 1199هـ ــ 1785هـ.

وسافر إلى أيران سفرتين الأولى سنة 1212هـ ــ 1805م، وقد أرّخَ الشيخ محمد علي الأعسم هاتينالسفرتين:

الأولى:

وحين حلّ بها، نادى مؤرخها


شيراز من وصب الأرجاس طهرها



والثانية:

بَلْ ألقِ عصاك، وقمْأرّخ


قد عاد الشيخ إلى النجف



وهنا إلتقى الشيخ جعفر ميرزا محمد الأخباري وجرى بين الرجلين ما جرى، أما داخل العراق فرحلته العلميةإلى كربلاء معروفة مشهورة حيث ترافقَ مع ثلةٍ من العلماء للدرس على الشيخ الوحيد الذي رفع قواعد الدرس الأصولي واعلا بناءه.

ولم تكن سفرات الشيخ ورحلاتهالمذكورة في مصادر ترجمته بالكثرة التي تستدعي إثارة النقدات عليه بذريعة أن الشيخ ترك البحث والدرس وصار ملازماً للأسفار والسياحة، (وإنما هذا عمل العجائز، وحِرفةعاجز) وإن كان قد يصح الإحتمال أن مدة تلك السفرات كانت طويلة مديدة، والحق أن هذا القدح غير قادح فلقد جاءت تلكم المَسْيَحة والجولان بعد أن بلغ الشيخ من العلم مبلغالعلماء الكبار والفقهاء والروّاد حتى كثُر الماتحون من بحر علمه وفضله.

تواضعه وزهده

كان الشيخ شديد التواضع والخِفض واللين وفاقد التجبر والتكبر، ومنتواضعه ما كان يصرح به جهارا في وصف حاله، قال: كُنت جعيفراً فصرت جعفرا، ثم الشيخ جعفر، ثم شيخ مشايخ المسلمين.

وكان يأكل من الطعام ما جشب ومن اللباس ما خشن سيراًعلى سيرة السلف الصالح، كما كان يخفض جناحه للفقراء والمعوزين من طلبة العلوم الدينية خاصة حيث يسعى في قضاء حوائجهم وتيسير عسرهم. أما عبادته، فلقد كتب كاتبوا سيرتهقائلين إذا كان الثلث الأخير من الليل أخذ بالبكاء والمناجاة سراً وجهراً، وتضرّعاً وخيفةً وهو يعفر جسده في التراب ويكرر قوله: (يا جعفر يا جعيفر يا قليل الحياء، يا كثيرالشقاء).

معركة الخميس

وهي جولات شعرية تعاكظ فيها العلماء الشعراء الصلحاء متبارين في ساحات الأدب جوّالين في مضامير الشعر، فكان نتاجهم (نقائض) تحاكينقائض فرزدق وجرير إلا أن العفة لُحمتهُا، وطهارةُ الروحِ سُداها، والودادَ مِدادُها، وخفةَ الروحِ نهجُها.

يقف في مقدمة رجال هذه (المعركة) الشيخ جعفر الكبير،ويقف على الجانب الآخر الشيخ محمد بن يوسف آل أبي جامع الحارثي الهمداني وهو من اعيان أسرة آل محي الدين والذي تربطه بالسيد محمد زين الدين المشهور بالسيد محمد زيني مودةأكيدةٌ كانت سبباً في منازعة الشيخ جعفر وإثارة عجاجة هذه المعركة الودية.

ويبدو أن الشيخ محمد آل أبي جامع هو الذي نصَّبَ ميدان المداعبة، وحرّك مشاعر التعريضبالشيخ جعفر بقبوله مخاطباً السيد محمد زيني:

بِما بيننا مِنْ خالص الودِّ لا نسلو


وغير أحاديث الصبابة لا نتلو



فأجابهالشيخ جعفر موجهاً كلامهُ للشيخ محمد زيني:

فدع عنكَ شيخاً يدعي صفو وده


فما كلُ مَنْ يرعى الأخلاء جعفرا



يريكَ بأيام الخميسمودةً


وفي سائر الأيام ينسخُ ما يرى



ويرد الشيخ محمد آل أبي جامع:

أمستجلباً ودَّ الرجال بمنطقهِ


أراكأُلهِمتَ الطماعةَ أصغرا



ترومُ محالاً في طِلابكَ رتبةً


بها خصني الباري وأكرم مَنْ برى



وتكون هذه المساجلةالشعرية الأخوانية مدعاةً لمشاركة شعراء آخرين، وحين تحتاج هذه المعركة الشعرية إلى قاضٍ يستقضي القوم السيد محمد مهدي بحر العلوم الذي ينتصر للشيخ محمد آل أبي جامعقائلاً:

أتاك كوحي الله أزهر أنورا


قضاءٌ فتى باريه للحكم قد برى



فتىً لم يخفْ في الله لومةَ لائمٍ


إذا ما رأى عزماًوأنكر مُنكرا



'محمدٌ' يا ذا المجد لا تكثرتْ ولا


يُروَّعنَ منكَ العتب شيخٌ تذمَّرا



فما هي إلا من مكائده التي


عُرفنَ بهِ مُذْ كان أصغر أكبرا



وأنك أولى الناس كهلاً ويافعاً


بحبكَ نجلَ الطاهرين المطهرا



كفى بالخميس اليومللود عاضداً


يردَّ خميسَ الحرب أشعث أغبرا



وليس ببدعٍ ذاك فالخلطاءُ كمْ


جرى بينهم في ودِّهم مثل ما جرى



ثم خاطب الشيخ جعفر قائلاً:

فما هو إلا النفسُ مني وإنها


تُخالفُ إذا أبدتْ خِلافاً بأن يرى



فأجابه الشيخ جعفر معترضاًومتسائلاً:

إذا كنتُ نفساً منكَ أُدعى ومهجةً


فكيف اداني الكيدَ أصغرَ أكبرا



ويدخل العديد من الشعراء في هذه (المعركة)القلمية التي يختتمها الشيخ محمد رضا النحوي بقصيدة طويلة تتسم بالتوفيق والحث على المصالحة:

فنلنا بسوقِ الشوق ربحاً معجّلاً


فيا نعمَ ما بعناويا نعمَ من شرى



أدامهما الرحمنُ لي ولمعشري


وللناس طراً ما حديثهما طرا



ومعركة الخميس قمينة أن يفرد لها بحثٌخاص.

الشاعر

شعر الشيخ معدود في شعر الفقهاء ورتب في طبقتهم وهو إلى النظم أقرب إليه منهُ إلى الشعر المطبوع، وإنما قال الشعر بعض الفقهاء حيازةًللكمالات وجمعاً للملكات.

وأكثر شعر الشيخ قاله في مديح ورثاء السيد بحر العلوم الذي كان خصيصاً به وخليطاً له من قبل أن يتسايرا طريق العلم وتزاملا درس (الوحيد)في كربلاء.

فمن قصيدة له في الثناء على السيد بحر العلوم:

لساني عن أحصاء فضلك قاصرٌ


وفكري عن إدراكي كنهك حاسرٌ



جمعتَ منالأفضال كلَ فضيلةٍ


فلا فضلَ إلا عن جنابك صادرُ



يكلفني صحبي نشيدَ مديحك


لزعمهم أني على ذاك قادرُ


فقلتُ لهمْ هيهات لستُ بقائلٍ


لشمسِ الضحى يا شمس نوركِ ظاهرُ



ولهُ في رثاءهِ:

إن قلبي لا يستطيع إصطبارا


وقراري أبى الغداةَ القرارا



غشيَ الناس حادثٌ فترى الناسَ


سكارى وما هم بسكارى



ومنها:

ثُلِمَ الدينُثُلمةً مالها سدُ


وأولى العلومَ جُراحا جبارا



لمصاب العلاّمة العلم (المهدي)


من (بحر علمهِ) لا يجارا



وهي قصيدة طويلة.

ولقدَ ذكرَ الأستاذ عن الخاقاني شعراً كثيراً للشيخ جعفر أودعه في كتابه شعراء الغري.

وفاته

توفي الشيخ جعفر الكبير في مدينةالنجف الأشرف يوم الأربعاء قبل الظهر في أواخر شهر رجب 1228هـ ــ 1813م ودفنَ في مقبرة أعدها لنفسه محاذيةً للمسجد المعروف اليوم بمسجد آل كاشف الغطاء، وأصبحت المقبرةبعدئذٍ مقبرة العائلة حيث ضمّت رفات كثير من أولاده وأحفاده.

وقد أرّخَ بعض الشعراء عام وفاتهِ بقولهِ:

ومذ ذُقتُ طعمَ الموت قلتُ مؤرخاً


لعلَ حياتي بعدَ جعفرَ علقمُ



وقد رثاهُ عدة من الشعراء وندبهُ الكثير من العلماء وبكاهُ العديد من الفضلاء.

وممن رثاهُ الشيخ حسن قفطانوالسيد علي أمين العاملي، والشيخ محمود بن أسماعيل الظالمي وغيرهم.

الخاتمة

وفي ختام هذا البحث الموجز نسجل الملاحظات التالية:

1ــ لقد أنطلقالشيخ جعفر الكبير في تحمّل مسؤوليته الشرعية من فهم واضح لمرامي الشريعة في بناء حياة نظيفة تسودها المحبة والمساواة والعدل، وكان حريصاً على النهوض بأعباء ذلكالتكليف الشرعي دون إعارة كثير أهتمام لردود الفعل القائمة على التأويلات والتحوطات العرفية والتي تنتهي ــ حتماً ــ إلى التثبيط والتوهيم.

2ــ كان الشيخ منصناع القرار الحاسم في الموقف الخطير ومن الناهضين بأعباء ذلك القرار طالما أنه كان منسجماً مع التكليف الشرعي والموقف الأخلاقي وهو في ثباته وصبره ورباط جأشه يستلهم كلالقوى الفاعلة والمؤثرة لأنجاز مسؤوليته.

3ــ لقد كان الشيخ من البناة المهرة لمجود الأمة ومن الأمناء الحفظة لكيانها العلمي والأخلاقي بل وأن جهاده وجهودهالعلمية هي من الأرهاصات المؤسسة للمشاعر الوطني الأستقلالية والتي تمثل بواكيراً لكل جهد حر نزيه أريد به الخير لهذا البلد الأمين وأهله، وأن من الحق القول: أن أئمةالعلم هم أئمة الوطنية أيضاً.

المصادر

1ــ ماضي النجف وحاضرها، المرحوم الشيخ جعفر محبوبة.

2ــ العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية، المرحومالشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء تحقيق د. جودت القزويني.

3ــ منهج الرشاد لمن أراد السداد للشيخ جعفر الكبير.

4ــ الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئةالأخباريين للشيخ جعفر الكبير.

/ 1