الصوت وماهيته
والفرق بين الض، والظ، وما يلحق بذلك من الفوائد
بقلم الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء
-8-
((فصلفي كيفية امتثال الأمر الشرعي المتعلق بكلمة مشتملة على أحد الحرفين))
بعد ان عرفت موضع الاتحاد والفرق بين هذين الحرفين وعلمت ما اقتضاه الدليل العقلي في ذلكفلو امرنا أمراً شرعياً بالنطق بلفظه مشتملة على احد الحرفين اما لكونهما جزءاً من ذكر واجب او قرائه واجبة او مستحبين فهنا مقامان:
((الأول)) ان نقطع بان الحرفالذي اشتملت عليه الكلمة هو ذو مخرج الحرف المسمى بالظاء او بالضاد أي ان وضع اللفظ مشروط بخصوصية المخرج الخاص وبانا مكلفون باخراجه من ذلك المخرج بعد الالزام الشرعيالمتعلق باتيان الكلمة المشتملة على ذلك على نهجها العربي الذي لا يمكن امتثاله الا بالتلفظ بها كذلك، فالعمل على ما قطعنا به ولا نتعداه ولا يكفي هذا القطع ما لم يحصللنا قطع ثان بان المخرج المعين الخاص هو المخرج الضادي أو الطائي أي المسمى بأحدهما. ومنشأ القطع اما ان يكون تسالم شيوخ علوم الأدب العربي وأئمة اللغة على ذلك ونقلهم له،وقلنا بان كلامهم ونقلهم حجة لا بد من الأخذ بها، واما لأن القراء الذين صحت لنا القراءة بقراءتهم علم منهم انه عند النطق به يخرجونه من المخرج الكذائي ويكون هذا منشأللقطعين ولا يحضرني الآن منشأ لهذا القطع غير الذي ذكرناه.
((الثاني)) لو لم يحصل لنا هذان القطعان أو حصل الأول فقط، فالواجب علينا في كيفية النطق به أن نعرض تلكالكلمة التي أمرنا بتلاوتها على العرب المستقيمي اللسان هي وأمثالها من الكلمات التي تشتمل على أحد الحرفين قطعاً بخصوصه فما انطلقت به ألسنتهم على صرف طباعهم ونطقت بهأفواههم وادته لهجتهم الجبلية فلا شك في صدق امتثال الأمر بتلك الكلمة باثبات مثله اذا صدق عليه في عرفهم انه قد نطق به كغيره من سائر الحروف وبهذا كلف المسلمون في صدرالاسلام، فوسوسة كثير من الناس في الضاد وتكلفهم معرفة اخراجه من مخرجه انما نشأت من جهال ادعوا التضلع في علم التجويد واقتفى اثرهم من صعب عليه ان ينطق لسانه باللغةالعربية ككثير من الأعاجم والا فمتى كان اللسان عربياً مستقيماً خرج الحرف من مخرجه قهراً بلا كلفة ولا صعوبة وصعب اخراجه من غيره، وبالجملة فالسير على ما ذكروه منالمخارج وقسموه ومحاولة جعل ذلك قانوناً لتأدية الحروف وقسطاساً للنطق بها ولامتثال الأوامر المتعلقة فيها لا وجه له قطعاً كما أنه لا اشكال في ان المخارج التي ذكروهاتقريبية لا تحقيقية ولا يعرفها على التحقيق الا من اودع اللسان قوة البيان وميزه بذلك عن الحيوان، نعم، يمكن ان تنفع تلك التقسيمات التقريبية في بعض الأمور والأحوال.ومما لا شك فيه انه يصدق عرفاً انه نطق نطقاً صحيحاً عربياً بما اشتمل على احد الحرفين من أي مخرج اخرجه بعد ما عرفت من اتحادهما ذاتاً وان تعدد المخرج لا يضر في تلكالوحدة على ما اوضحناه واعتبار احد المخرجين بخصوصه لغة أو شرعاً مما يعسر الاطلاع عليه والتهمة في نقله واضحة واجتهاد الناقل لا يكون حجة وكل ما جاء من ذلك القبيل فهوتخرص وتخييل.
تقرير الأصل في المسألة الشرعية
اذا لم يحصل لنا القطع بأن الحرف الكذائي الذي اشتملت عليه الكلمة هو ذو المخرج الكذائي الذي عرفت الواجبعلينا من كيفية ادائه ونطقه وشككنا في ذلك وفيما يجب علينا من اخراجه من أي مخرج من المخرجين فان تساوى الاحتمالان فالتخيير اذا لم يمكن الجمع، وان احتملنا التعين لأحدالمخرجين دخلت المسألة في دوران الأمر بين التخيير والتعين، وليس له التكرار احتياطاً في الصلاة للعلم الاجمالي بكونه مكلفاً باخراجه من أحدهما لأن احدهما يكون ملحقاًبكلام الآدميين فلا تصح معه الصلاة وكيفما كان فالعقدة منحلة والاشكال منجلي لأنك قد عرفت الواجب علينا شرعاً في صورة القطع بأحد الحرفين من كيفية النطق والتأدية ففيصورة الشك كذلك.
الضاد السنية والضاد الشيعية
لم يزل العلماء في شك من التمييز بين الضاد والظاء تأدية ونطقاً، وقد قال بعضهم انها تحتاج إلى رياضة طويلةوإدعى آخر انها لا يعرفها الا الجهابذة النقاد، وقال بعضهم بأن ألتباس المنهج من تقارب المخرج، وبين علماء الشيعة والسنة معركة علمية تقادم عهدها وتطاول أمدها في كيفيةالنطق بالضاد وان ايهما أفصح الضاد الحجازية العراقية التي هي شيعية او الضاد المصرية الشامية التي هي سنية، ولهم على ذلك ادلة وشواهد، وعن بعضهم ان النطق بالضاد قريبةمن الذال ليس من طريقة أهل السنة المتبعة انما هو من طريقة الطائفة المبتدعة.
خاتمة الكتاب او نظرة في اللغة العربية
ان الاستاذ الماهر(ابن فارس) فيكتابه(مقاييس اللغة) فيما أعلم، هو اول من تنبه إلى ان اللغة العربية في زمانه منشعبة عن اصول معدودة من دون ان يفهمنا انها كيف انشعبت وان هذه الأصول عربية أم لا؟ انماتصور لها معنى واحد ترجع اليه جميعها وقد أرجعها في كتابه هذا اليها وابدع، وقد سبق لي وصف مسهب لهذا السفر النفيس نشرته في مجلة لغة العرب البغدادية وقد طلبته احدىالمطابع المصرية بعد الاطلاع على ذلك المقال وحالت دون اجابة طلبها حوائل، وما جادت به قريحة ابن فارس لا يستطاع أكثر منه في زمانه وهو من أمهات المعاجم العربية ولم يطبعلحد الآن وما رأيت منه سوى نسخة واحدة باقية إلى الآن في مكتبة الشيخ الكبير العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء، وقد عالج نفس الموضوع السيد يوسف مطران دمشق في مقدمة كتاب(التمرنة) المطبوع سنة (1886م) وقد ألفت بها نظر القراء لذلك ببيان اجمالي هو غاية ما يلزم باعتبار ان ما يكتبه في هذا الموضوع مقدمة لكتاب في علمي النحو والصرف وزاد على ابنفارس بما ذكره من مأخذ بعض الألفاظ العربية من لغات غيرها وبذلك نبه قراءه للنظر في اصول اللغة العربية وما تشترك فيه جملة من اللغات فيها. وللدكتور (بورتر) استاذ التاريخفي الكلية الانجليزية السورية في تفرع اللغات وتشعبها مقال علمي نشره سنة(1315هـ) درس فيه الموضوع في مطلق اللغات واللغة العربية في جملتها وحذى حذوه جرجي زيدان في كتابه(الفلسفة اللغوية) وفي كتابه (تاريخ آداب اللغة العربية) المطبوع سنة(1902م) توسع في الموضوع فيما يخص اللغة العربية واجرى عليها أحكام كائن حي نام خاضع لنواميس الارتقاءوقد ضمنه بحثاً فلسفياً تاريخياً فيما طرأ على الفاظ اللغة العربية وتراكيبها من الدثور والتجدد ويمكننا تجديد هذا البحث في سائر اللغات وفي كل جيل يمر على أي لغةباعتبار انها لا تزال في تجدد ودثور.
هذا اهم ما وقفت عليه فيما حرر في هذا الموضوع باللغة العربية عدى ما قرأناه من فصول استطردها المؤلفون استطراداً، ونذكرللقاريء خلاصة الخلاصة كألمام بالموضوع نلحق بها المباحث السابقة استيفاء لتلك المباحث وتتميماً لها من هذه الجهة.
انبأنا القرآن الكريم ان ابا البشر قد ألهم منقبل العناية الربانية وجهزه الابداع الالهي بما ميزه عن سائر انواع الحيوان بلغة أو لغات (فان الآية الكريمة غير واضحة الدلالة من هذه الجهة فلا تنافي مقالة القائلينبتوحيد أصل اللغات) استطاع التفاهم بها ابنائه في التعبير عن مقاصدهم قال عز من قائل (وعلم آدم الاسماء كلها) الاية، اما ما عداهم من سائر انواع الحيوان فهو عاطل غير مشموللتلك العناية الا ما يكون من قبيل الحكاية والصدى لشبه ناقص في جهازه الصوتي مثل ما نسمعه من الآلة الحاكية من دون ان يكون لها او لبعضها لغة كلغات الانسان من احطهالاعلاها في سلم الارتقاء لغة منضبطة بقواعد وضوابط مقررة تتفاهم بها في التعبير عن خواطرها وانطلاق السنة بعضها ببعض لغات البشر حركة غير اختيارية ولو كانت في موضعها فيحالة التفاهم البشري ذلك لأنها دبت عليها في تلك الأحوال، ومن الممكن ان يكون لها بينها لغات لا نعلمها.
يدعي علماء اللغات ان ابا اللغات وامها واحدة في أول الأمرثم نمت وتفرعت واختلفت وتباينت مثلما نشاهده في لهجات لغاتنا الحاضرة فكل لهجة سوف تصبح لغة قائمة بنفسها مستقلة عن اختها فطيمة ضرعها وهي خاضعة لاحكام النشوء والارتقاءالطبيعية، واني لا احسب لهذا الاحتمال قيمة علمية ما لم يتأيد بشواهد بينات، ولم لا يكون الامر على عكس ذلك؟ وان اللغات كانت أكثر من لغات البشر الحاضرة أضعافاً مضاعفةثم انكمثت وتداخلت وسوف تتداخل حتى تكون لغة واحدة وكونها لم تصل الينا ولم تحصها تواريخنا لا يصلح شاهداً للنفي (وغرض الخدر ثم الخدر) من ان يدمج في القواعد العربية ما هومن قبيل الظن والخيال.
قالوا، ثم ان تلك اللغة توالدت وتشعبت بالانقسام وتفرعت كما تفرع الناطقون بها ونقطعوا اسباطاً في طول الارض وعرضها، وان لغات الاممالمتمدنة اطول أعماراً واصبر على مكافحة الطوارئ الطبيعية وهي مصونة بأشعارها واسفارها وكلما رسخت قدم امة في المدينة طال عمر لغتها وهي حافظة لشبابها ونشاطها.
ولا يصح شاهد ولا يوجب قناعة علمية لتلك الدعوى، إنا اذا حللنا أي لغة تحليلاً كيماوياً لغوياً وفككنا بين عناصر مفرداتها ووجدناها كمركبات تخل إلى بسائط إلى أبسط منهاوهكذا ينتهي الأمر إلى ألفاظ لا تتجاوز الخمسمائة كما يقولون.
فأنه من الجائز ان يكون ذلك لمشابهة الاصوات لا لاتحادها ولماذا لا يكون الحال من مبدئه ان كل أمةانطلقت ألسنتها بما يشابه لأمة الاخرى في بعض أصواتها اللفظية ويكون ذلك من قبيل الترادف والتوارد في وضع الألفاظ لا من قبيل الاشتراك فليس لنا ان نستنسخ بمجرد الاتفاقوالتجانس ان كل لغات العالم الحاضرة نشأت من فروع قليلة هذه الفروع نشأت من لغة واحدة.
اسم المجلة:المرشد مكان الاصدار: بغداد
العدد:9 تاريخ الاصدار:1 جمادى االثاني 1348هـ
الصفحة:387 سنة المجلة: السنة الرابعة