معاني الحروف أو نظريات في الكفاية
الشيخ علي كاشف الغطاء
إن التراكيب الكلامية لما كانت عبارة عنمعاني يربط بعضها ببعض ويضم قسماً منها لقسم كانت حكمة الوضع كما تقتضي الوضع لتلك المعاني تقتضي أن تضع لتلك الإرتباطات الخاصة ألفاظاً لإختلاف تلك الارتباطات ذاتاًفبعضها بنحو ظرفية أحد المعنيين للآخر وبعضها بنحو مجاوزة أحدهما عن الآخر وبعضها بنحو ملكية أحدهما للآخر فالظرفية إذا لوحظت معناً مستقلاً مرتبطاً بالغير كانت معناًأسمياً كما في قولنا(الظرف يحتاج إلى مظروف) وأن لوحظت ربطاً بين معينين ونسبة خاصة كانت معنى حرفياً كما في قولنا( الماء في القدح) وملخص القول إن بعض المعاني الكلية قبلتحقق فعلية الانضمام بها لما كانت تغاير سنخ وجودها بعده وجب الوضع لها في الحالين والمعنى في الحالة الأولى مستقل إسمي وفي الحالة الثانية ربطي حرفي نظير النسبةالقائمة بين الموضوع والمحمول. وبهذا ظهر وجه ما إشتهر من إتصاف المعاني الحرفية بالجزئية حيث إن الوجود الربطي يكون جزئياً لا محالة لكون الشيء ما لم يتشخص لم يوجد وإنكانت هذه الإرتباطات تتبع متعلقاتها فإن كانت لها أفراد خارجية كانت لها افراد كذلك وإلا فلا فجزيئتها إنما هي بإعتبار إن الغرض المقصود منها وهو الضم والتركيب يوجبتحققها في غيرها وبعد تحققها في غيرها لا يمكن أن يكون تحقق آخر لها ولو وجد فهو تحقق آخر لها كما أن منطق الواقع يقتضي أن لا تتصف بالكلية والجزئية لأنهما من عوارضالمعقولات الأولية فالشيء ما لم يلحظ بنفسه لا يوصف بالكلية والجزئية والإرتباطات لا تلحظ بنفسها لكونها وجودات ربطية محضة. ثم إن صاحب الكفاية(رحمه الله) أورد علىالمشهور القائلين بأن معاني الحروف جزئيات بما حاصله إن الخصوصية الموجبة لجزئية المعنى الحرفي إن كانت موجبة لجزئيته في الخارج فهو معلوم العدم وإن كانت موجبة لجزئيتهفي الذهن بإعتبار إن المعنى الحرفي مقيد بأللحاظ الآلي المقتضي لصيرورته جزئياً ذهنياً فهو باطل لأنه موجب لتكرر اللحاظ أولاً وإمتناع الإمتثال ثانياً والتفكيك بينالأسماء وبين الحروف في أخذ اللحاظ في الثاني دون الأول بلا وجود مفكك ثالثاً ولكن يمكن أن يقال على صاحب الكفاية إن التقيد بالوجود الخارجي لا محذور فيه بالمعنى الذيقدمناه حيث أن ما نراه من تعدد الفرد في الأعيان إنما هو من توابع المتنسبين حيث يكونان عامين وإلا فلا فرق بين قولنا(كن في الدار) وقولنا(كن في مكانك)وأما ما أورده أولاًففيه إنما يلزم اللحاظ للمستعمل فيه إذا لم يكن هو أمراً لحاظياً وإلا لم يحتج إلى لحاظ آخر نظير ما يقال في إختيارية الإرادة وعلمية العلم وأما ما أورده ثانياًففيه(أولاً) إن اللحاظ لو كان مأخوذاً فيه كان آلياً فيكون مصب التكليف ومتعلقة هو نفس الأمر الخارجي لا لحاظة فيكون معنى(سر من البصرة) الأمر بالسير الملحوظ إبتدائيته منالبصرة تطير ما إذا قلت أضرب الرجل المعهود بيني وبينك فإن العهد يكون آلياً لمتعلق التكليف وهو الرجل الخارجي(وثانياً) لو سلمنا ذلك جدلاً فالمأخوذ بنحو القيد في الحرفهو لحاظ المستعمل الذي هو المولى وهو موجود حال الاستعمال والقيد إذا وجد فالمطلوب يكون هو المطلق. فإذا قال لك أعطني الماء إذا رأيتني جالساً: وقد يجلس المولى فيكونالمطلوب هو نفس إعطاء الماء أو قال لك صلي متستراً ثم إن المولى ألقى عليك الستر فإن المطلوب يكون نفس الصلاة وفيما نحن فيه القيد هو لحاظ المستعمل قد كان حاصلاً فيكونالمطلوب هو الابتداء الخارجي بالسير من البصرة لا الابتداء الخارجي المتصور للمستقبل لكون تصوره قد حصل.
وأما ما أورده ثالثاً ففيه إن للواضع الاختبار في أن يضعأحدهما بقيد اللحاظ والآخر لا مقيداً به مع أنه لو فرض من المعنى كان المطلوب لحاظه آلياً فلا بد من وضع اللفظ له كذلك دون المعنى الإسمي فلا سبيل للقياس والاستحسان فيكيفية الوضع ثم أنه(رحمه الله) إختار إن معنى الإسم والحرف واحد والفرق بينهما إن الاسم وضع ليراد منه معناه بما هو وفي نفسه والحرف وضع ليراد منه معناه لا كذلك وفيه أولاًأن يصح استعمال الأسماء في معاني الحروف لأن الأسماء وضعت للمعاني غير مقيدة بشيء فلا بد أن يصح أن تستعمل فيما لوحظ إستقلالياً أو آلياً وليس أحد يلزم بذلك (وثانياً) إنأراد الفرق بينهما في غرض الواضع وإن إتحدا في المعنى فهو باطل لكون الفعل واحداً فيهما وهو وضع اللفظ لنفس المعنى ومع إتحاد الفعل فيهما كيف يختلف الغرض والقابليةللإستعمال مع أنه بعد حصول العلقة الوصفية يصح الاستعمال وليس على المستعملين أن يتقيدوا بغرض الواضع وإن أراد الاشتراط فإن كان الشرط يرجع إلى تقيد الموضوع له بذلك فهوعين ما أورد عليه سابقاً وإن كان الشرط على المستعملين بعد جعل الوضع فهر نظير الفرض والطلب المستقل ليس على المستعملين العمل به.
اسم المجلة: الغري مكان الإصدار: النجف الأشرف
العدد:1 تاريخ الإصدار: 18 رجب 1374هـ
الصفحة: 4 سنة المجلة: السنة السابعة عشر