من أجل الوعي والتوجيه
رئيس تحرير مجلة الجامعة
إن النجف الأشرف بجامعته جامعة عاصمة العلوم الدينية والمعارفالكبرى وحصن العز العلمي وهي من حيث كونها من أمتن الأوساط العلمية وأقدرها على تكوين الملكات العلمية الذي يقصد منه التفقه في علوم الدين ونشر المبادئ الفاضلة والأخلاقالكريمة بين الناس مقرونة بالإيمان الصحيح وإظهار الواجبات الدينية على وجه يليق بهذا العصر.
ولعلي لا أكشف لكم سراً لو قلت أن تفكيرنا في تأسيس مدارس دينية يدرسفيها الشباب العلوم الدينية قد جاء في محله نظراً لما يعرفه من أن سبب انحطاط البلاد بل الشرق كله هو تركه لروح الدين وتشبِّثه بالعقائد الباطلة ومدارس الدين لها الأثرفي النفوس ما لا يوجد لغيرها.
وإن كان في عصرنا الحاضر كثير ما تشيد فيه المدارس وتنعقد المحافل ويكثر فيها الزحام ولكن مع الأسف الشديد الدعوة الدينية قليلةفيها جداً والانتفاع العلمي فيها أقل وأقل على أن الأوساط العلمية في النجف يعلمون بأن الدين قوة أدبية لا يستهان بها فمتى ما تربى الشباب تربية دينية ولا شك أن يتمكنمعها من التخلق بالأخلاق العالية وفي إكمال النواقص الاجتماعية التي لا يمكن إكمالها إلا بالعقائد الحقة فيكون عضواً عاملاً في المجتمع عالماً بحقوقه وحقوقهم ومثل هذالا يتوصل إليه إلا بالدين وأهدافه وعلاقته بالإنسان ولا يكون الإنسان إنساناً إلا إذا عقل دينه وعرفه بنفسه حتى إذا أقتنع به عمل الخير النافع وما ينفع الناس فيمكث فيالأرض.
ومن تمسك بأهداف الدين وتوفرت فيه صفات النبل وتكاملت في ذاته عناصر الحق والفضيلة فعرف الله بدلائل عقله وأعتقده بقلبه ووجدانه وطبق أحكامه بعلمه وآمنإيماناً عميقاً فهو الذي لا يقف عند الرضا عن النفس حين يقوم بواجبه نحو خالقه بل يمتد إلى خدمة المجتمع الذي يعيش فيه ويعمل من الخير ما يعود على أجناس البشر وإن اختلفتألسنتهم وعاداتهم فهم من حيث البشرية سواء عند الله توحد بينهم غاية إنسانية كبرى ألا وهي وحدة الواحد الأحد والإنسان أخو الإنسان بغض النظر عن المذاهب وإنما لتحققالتعاون الإنساني لقوله تعالى [وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان].
وهذا مبدأ عام في كل المجتمعات الإسلامية فالآحاد يجب أن يتعاونوابعضهم مع بعض في دفع الكرب وفي الشدائد وفي جلب المصالح من أمور مقررة في الحقائق الإسلامية وأهداف الدين الحنيف التي هي من مقتضيات الفطرة السليمة ويستقل العقل الفطريالمجرد عن شوائب الأوهام في الحكم بصحتها من أن لهذا الوجود إلهاً واحداً تجب عبادته لقوله تعالى [وما خلقنا الجن والإنس إلا ليعبدون]، وعبادة الله ليست مقصورة علىالناحية السلبية بل تتضمن الناحية الإيجابية بأن يعبد الله عن طريق العمل الصالح النافع حتى يكون كل فرد صالحاً ينتفع به المجموع الإنساني فأن الحياة الصالحة تتأتى منالمجموع ومن المجموع يتكون الفرد فإذا صلح الفرد ووجه إلى الخير وضم بعضه إلى بعض صلح المجموع الذي يتكون منه هيكل الحياة الصالحة فيجب علينا أن تكون وجهة نظرنا جميعاًتوجيه النشئ على ضوء العقل والمعرفة بالله والتصديق بوجوده تعالى والطريق في تقوية معرفة الله هي المدارس الدينية التي يكتنفها هيئة الأساتذة وهي هيئة لا تتعرض لغيرالمظاهر العلمية والنهوض بطلابهم إلى كل ما يصبون إليه من علم وثقافة وتقدم.
وعلى الطالب الصالح أن يكون ذا وعي يتقبل من معلمه ما يلقيه عليه من دروس ومحاضراتدينية وعقائد روحية واجتماعية وآداب شرعية ومما لا يشك فيه إنسان إن التعليم إذا حسنت طرائقه نتج نتائج عملية ذات فائدة كبيرة فإذا هو لم يرفع درجة التهذيب ويؤثر التربيةالدينية ورقي الأخلاق فأنه ينمي الآداب الإسلامية والدين الإسلامي كما اعتقده أنا وغيري أنه أكبر رادع للإنسان عن الجرائم والشهوات النفسانية.
إذاً فالتوجيهالصحيح لطريق التربية والتعليم هو الدين الامر بالمعروف والناهي عن المنكر ومن أهم فروض الدين الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ففي إداء الصلاة الخمس بأوقاتهاوجماعاتها والجمعة والعيدين فعلى كل طالب من طلاب مدارسنا أن يعرف واجباته معرفة صحيحة من فضيلة وأخلاق وسلوك حسن بين الناس والصدق والإخلاص لله تعالى خصوصاً في أداءفرائضه وليست أحسن من فريضة الصلاة جماعة لوقتها وقد قال عز من قائل أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر وأصير على ما أصابك إن ذلك لمن عزم الأمور ولا تصغر خدك للناسولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور.
حقاً إن هذه الجذور الأساسية للحياة الإنسانية حياة سعيدة ومجيدة وهي أهداف جميع النبوات والديانات خاصةالإسلام عنده الاعتراف بالواحد الأحد لا يكفي ما لم تتبع هذا الاعتراف بالعمل الصالح والصبر والتحمل وحب أهل البيت عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام ويوجد الكثير منالناس يوحدون الله ويصدقون بنبوة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ويعتقدون بإمامة علي وولده الأحد عشر وشعارهم هجر الصلاة والجهل المفرط بتركهم الصلاة فقد علموا بوجوبهافرفضوا فعلها متهاونين في تعظيم الطاعة لله غير خاضعين لعظمة الله فما حال سوء خاتمة الإنسان بعد ما تنادي بهم وقفوهم أنهم مسؤلون فيسئلون عن رفض الشعائر العظيمةالدينية ويقال لهم قد علمتم بوجوبها عليكم فلم رفضتموها ولم تفعلوها والله الذي خلقكم ودبركم بل نعمه عليكم لن تحصوها ومن نعمه عليكم أن هيأ لكم هذه المدرسة أو الجامعةورعاية الأب الروحي سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء وعطف الأساتذة الكرام والسلام على من إتبع الهدى ورحمة الله وبركاته.
اسم المجلة: الجامعة مكان الإصدار: النجف الأشرف
العدد:1 تاريخ الإصدار: رمضان1388هـ
الصفحة:19 سنة المجلة: السنة الاولى