نقد أخلاقنا
الشيخ عبد الحليم كاشف الغطاء
الخلق في الفرد حالة نفسية ثابتة لحد ما قد عمل على تكوينها التربية والعادةوالظروف الاجتماعية والطبيعية وقد تساعد الوراثة على تكون بعض الاخلاق بطريقة خفية. ويعرّفه البعض بتغلب ميل من الميول على الانسان باستمرار، فالكريم هو الذي يتغلبعليه الميل إلى الاعطاء. وأهم الاخلاق الصدق والشجاعة والعفة والجد والتبصر.
لا اريد أن افصل في مقالي النظريات في أخلاق الانسان أي في الخير والشر والعواملالمؤثرة في تكوين الاخلاق.
ولكن أحاول أمراً آخر، هو تعيين أهم نقائصنا الاخلاقية تعييناً يتصف بدقة التمييز. فأحاول تعيين هذه النقائض وبيان أسبابها بصورةمختصرة ليستفيد من ذلك الآباء والمربون والقراّء..
لقد كتب الكثير من عيوبنا الاخلاقية ولكن معظم ما كتب لا يخرج عن حد التذمر والتهويل ولا يستند على البحثوالدرس. فتدني الاخلاق عندنا مبالغ فيه كثيراً ومن الانصاف ان نذكر ما لنا وما علينا. فاعتقد أنه لا يزال أثر الاخلاق العربية الحميدة باقياً في النفوس كالشجاعة والصدقوالكرم والاباء والوفاء والتضحية والقناعة. ولكن أعتقد إننا في حاجة إلى بعض الاخلاق التي تقتضيها المدنية الحديثة وطبيعة العصر الحاضر كالتفكير السليم والجد في العملوالمثابرة وحسن التنظيم والتصميم والشعور بالمسؤلية. وهي التي سوف اهتم بشرحها. ان قضية الاحتفاظ باخلاقنا الحميدة مع اقتباس بعض الاخلاق الغربية الحسنة والابتعاد فينفس الوقت عن روح القلق والطمع والتهالك على الرفاه والمتع المادية السائدة في المدنية الغربية أمر له خطورته وأهميته. وفيما يلي أهم النقائص التي ينبغي أن نلتفت اليهاونعني بتلافيها فيها:
1- الخوف من التفكير:
لقد وهب الانسان عقلاً راقياً يستفيد منه ويستخدمه في أعماله وحياته ويساعده في الوقاية من الوقوع في الاخطاءوالاخطار مع هذا نجد الانسان يفضل الشرود والذهول والخمود الذهني ولا يكلف نفسه عناء التفكير والتروي والتأمل قبل الاقدام على العمل. ولا يتدبر العواقب ويندفع في أعمالهمع عواطفه وحوافزه الآنية. ان سر وقوع الانسان في الخطأ والخطر يكون على الغالب هذا الانسياق مع الانفعالات والعواطف الجامحة وعدم افساح المجال للتفكير. يخاف كثير منالناس التفكير ويحسبونه مضراً بصحة الجسم مع ان العمل الفكري الهاديء الموزع في أوقات مختلفة ليس فيه أي ضرر على الصحة ولا يقاس بتاتاً بالانفعالات الهائجة المضرة للجسمكالخوف والغضب والحزن والندم. ولذا نجد الفرد لا يحلل المواقف التي يواجهها ولا القضايا او وجهات النظر التي تعرض له. والتلميذ لا يدقق في فهم الدرس ليوفر على نفسهالتكرار الممل الذي لا يوصل إلى نتيجة. ولنفس السبب كثير من الناس لا يقبل على المطالعة والدرس لانه أمر غير مرغوب فيه بنظرهم وقد يلجأ بعض الافراد إلى التفكير عند الوقوعفي أزمة وفي ساعات حرجة، وفي هذه الحالة يضطرب الفرد ويختل تفكيره فينبغي له ان لا يبت في حكم لمعالجة الموقف الجديد الا بعد أن يهدأ ويحلل الموقف تحليلاً دقيقاً. علىالفرد سواء في معالجة شئونه الشخصية أو مشاكله مع الاخرين أو في دراسة الحقائق العلمية ان يفكر بهدوء ودقة. ونقصد بالهدوء ان لا ينفعل الشخص ولا يتهيج. ودقة التفكير تحصلبالبحث عن الحقائق المتعلقة بالموضوع ومعرفتها والانتقال من المقدمات إلى النتائج ومن الجزئيات إلى الكليات. ويطلق على هذا النحو من التفكير في الوقت الحاضر بالاسلوبالعلمي الذي يعود الفضل إليه في تقدم العلوم.
2- الخوف من العمل:
المقصود بالعمل غالباً العمل الذي تتغلب عليه الحركة والجهد العضلي او الذي يشترك فيهعنصر الحركة والتفكير مثل عمل الطبيب والمدرس والمحامي والمهندس والموسيقي. العمل غاية بنفسه لأن الانسان عندما يكون نشيطاً صحيح الجسم يرغب في العمل ويتضايق مع الخمولوالسكون كما يرغب في الراحة والنوم بعد العناء والتعب. وهو وسيلة أيضاً لوصول الفرد إلى غايته والتعبير عن نفسه وخدمة المجتمع. ولا شك ان هناك قسماً من الناس لا يرغب فيترك العمل حتى لو اتبع له ذلك. فالمشتري العصامي لا تشجعه ثروته على ترك العمل بل على الاستمرار في العمل وتقدير قيمة العمل. ومع ذلك لدينا قسم كبير لا يعي قيمة العملوعياً تاماً.
وهؤلاء الناس صنفان: صنف كان أهلهم قد أعزوهم ودللوهم كثيراً في وقت الطفولة أي تربوا تربية فاسدة فعندما يكبرون يرومون بصورة غير واعية ان تكونحياتهم هينة سهلة. ومع الاسف بالنظر لكثرة وفيات الأطفال عندنا ولجهل الابوين باصول التربية النفسية فان تدليل الطفل شائع عندنا؛ وصنف يظن أن السعادة في الراحة، وانالعمل أمر مزعج مضر بالصحة. وفي الحقيقة ان العمل يصرف الفرد عن الوساوس والافكار السوداء ويبعث السرور. ويدخل ضمن هذا الصنف على العموم، الناس الذين أزعجهم الكد في سبيلالعيش وطلب الرزق. ولن يغير العمل الفرد اذا كان موزعاً تتخلله الفترات وملائماً لمواهب الفرد ومقدرته. وينبغي الانتباه إلى ان المهم في العمل الاقدام عليه والمثلالانكليزي يقول((ان ابتدأت بالعمل فقد انجزت نصفه)) ثم المثابرة لاكمال العمل الذي ابتدأت به.
3- عدم العناية بالتنظيم:
ان ما نلاحظه في العالم من روعةوجمال راجع إلى النظام الذي يسود فيه ويظهر النظام في الطبيعة عن طريق التشابه والتقارب والتناسق والتناظر والتعاقب والتدرج وغيرها من الكيفيات. قلت اننا في الغالب نخافمن التفكير ونخاف من العمل. ومن المهم أيضاً أن اسلوب تفكيرنا غير منتظم والتفكير المشوش يقود إلى التشويش في العمل. فينبغي أن نفكر تفكيراً منتظماً عميقاً شاملاً كينستطيع بفكرنا ان نخترق الحجب والاستار بحثاً عن الحقيقة والنتائج. وان كان التنظيم المنتظم يحتاج إلى جهد عقلي وكد ذهني ولكن هذا العناء الوقتي أنفع لنا ويوفر عليناراحة طويلة وفائدة جزيلة ولذلك ينبغي عدم الاقدام على أي عمل قبل وضع خطة صحيحة لذلك العمل وينبغي ان يكون حب النظام والجمال عادة فينا.
4- ضعف الشعور بالمسؤلية:
يقول الحديث الشريف(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ان الشعور بالمسؤولية أهم اساس في بناء الحياة الاجتماعية لانها مبنية على التعاقد والتعاون. وضعف الشعوربالمسؤولية مما يخل بالتعاون. ان الذين يشعرون بالمسؤولية بوضوح واستنارة لا شك قليلون عندنا. وكثير من الناس يندفع إلى عمل الخير اندفاعاً عاطفياً غير مقترن بالوعيوتقدير المسؤولية. ولا أريد ان انكر أهمية العاطفة في الحث على التضحية وعمل الخير. ولكن بدون الوعي والشعور بالمسؤولية لا يسير الفرد على هدى ولا يكون منسجماً في نفسه،بل موزع العقل تتقاذفه أمواج الهوى...
كل فرد منا يجب أن يدرك أهمية الحياة الاجتماعية وقيمتها. والحياة الاجتماعية وان كانت ناقصة أفضل من حياة الانعزال للبشرلأسباب عديدة.
كل فرد منا مسؤول أمام أهله واسرته وقومه ووطنه وبالتالي أمام الانسانية وأمام الله. والذي يشعر بالمسؤولية يسمو بنفسه حين يسعى لخير الجماعةويطيع نظمها وآدابها.
5- سوء الظن:
ان سوء الظن مخل بالحياة الاجتماعية كعدم الشعور بالمسؤولية وأحياناً يؤدي إلى فوات فرص نافعة للفرد لو أحسن الظن فيضرنفسه. ان سوء الظن يشل الفرد ويعيق تقدمه ونشاطه.
وسوء الظن يتعلق بقضية الخير والشر في الانسان وايهما متغلب على فطرة الانسان الاصلية. وبما ان مقياسنا للخيروالشر مقياس اجتماعي فالخير هو رغبة الفرد في خير غيره والشر رغبته في أذى غيره ولكن نلاحظ ان الانسان لا يعتدي على غيره الا إذا اضطر إلى الاعتداء لسبب ما. والانسان بسببالحياة الاجتماعية ورقي عقله وسمو عواطفه تتغلب عليه نوازع الخير. سوء الظن ناتج في الغالب عن أنانية وضعف نفس وتفكير قليل. فلوعد الشخص المواقف التي أحسن الناس فيهاإليه والمواقف التي صدقوه فيها لوجدها أكثر عدداً من المواقف التي خيبوه وخانوه فيها. وفي بعض الأحيان يطلب الفرد من الناس ما لا يستحق او ما لا يطيقون ويعتب عليهم ظلماً.
ان شكنا في طيب سريرة الناس معناه شكنا في أنفسنا وفي الحياة وفي عظمة الانسان، ومعناه شكنا في الله الذي خلق الانسان في أحسن تقويم، ومعناه عدم ايماننا بالحبالذي هو أسمى العواطف الانسانية. أحسن الظن بالناس يحسنون إليك واصدقهم يصدقونك. ولا أنكر ان هناك مواقف ينبغي الحذر والتروي فيها، ولكن حسن الظن، ينبغي أن يكون أساسسلوكنا.
اسم المجلة: البيان مكان الاصدار: النجف الأشرف
العدد:55 تاريخ الاصدار: 5محرم1368هـ
الصفحة:152 سنة المجلة: السنة الثالثة