اثر المادیة و الروحیة فی التوجیه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اثر المادیة و الروحیة فی التوجیه - نسخه متنی

محمد البهی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

اثر المادية و الروحية فى التوجيه

لحضرة الدكتور محمد البهى

أستاذ الفلسفة بكلية اللغة العربية

(1) المذهب المادى الأخلاقى أو العملى يجعل هذف الحياة و مغزاها فى مالمتعة الحسية للوجود  الحاضر، و لا يعتبر السعى فى الحياة ذا قيمة إلا إذا كان متجها إلى المتعالحسية أو المادية، و فى الوقت نفسه يستخف بالقيم المعنوية و المتع المادية فى تقديره هى أساس الحياة و المدنية، و من افتقدها ليس له إلا أن يشغل نفسه ب« وساوس» القيمالمعنوية!!

و المذهب المادى التاريخى يعتبر«الاقتصاد» الأساس المحدَّد لكل شىء فى الوجود، حتى الثقافة العقلية. أما المذهب المادى «النظرى» فيقهم مرة على أنه يدعوفى بحث الأشياء إلى اعتبار الجانب المادى كأنه الخاصة الوحيدة للوجود، و اعتبار كفايته فى شرح كل ما يقع من الأحداث فى هذا الكون. و قد يفهم مرة أخرى على أنه اتجاهميتافيزيقى، تجعل الأمور العقلية - بناء على الأخذ به - أما صفة للمادة، أو آثاراً لها، أو هى نفسها أحداث مادية. و المادية فى التوجيه الإنسانى يقصد بها على العموم إلىتقويم الوجود المشاهد و مظاهره المادية فى حياة الإنسان و سعيه أكثر من تقويم أى أمر آخر و راء ذلك، حتى ماجاءت بتفضيله الأديان على غيره فى الوجود، أو تكون قد زادت فىتفضيله إلى درجة أن ألغت ما عداه فى الاعتبار و التقدير.


/ صفحه 39 /

تنادى هذه «المادية» فى توجيه الإنسان بأن ينزع الإنسان فى سعيه إلى اقتناص عناصرالحياة المادية، و بالأخص إلى المال منها، و فى سلوكه الشخصى إلى تحقيق مظاهر المتع الجسمية بضروبها المختلفة، و فى سلوكه الجماعى إلى تقدير النفع المتبادل و تكوينالصلات الفردية على هذا الأساس وحده، و فى بحثه العلمى إلى الاهتمام بالظواهر الطبيعية و ربط ما يقع منها فى الوجود بعضها ببعض، دون حاجة إلى توجيه النظر فى ذلك إلى خارجالطبيعة المشاهدة نفسها. فالوجود «الحاضر» هو الموضوع الذى يجب أن يتجه إليه الإنسان إن عمل أو فكر، ؤو قوَّم، أو حكم، و هو الهدف الذى يجب أن تدور فى فلكه الجماعةالإنسانية فى عملها، و تفكيرها، و تقويمها، و ما يذكره الدين من أن هناك موجوداً أسمى هو «الله» و أنه و راء الوجود الحاضر المشاهد، و أنه الموجود الخالى عنم الغرض، والمريد الخير لجميع الناس و الظام فى هذه العالم بطلفب تحقيق العدل و الرحمة فيه - لا تحفل به «المادية» فى التوجيه، بل كثيراً ما تعلن الستخفافها به، و كثيراً ما تنكره وتشدد فى إنكاره. و ما يدعو إليه الدين من الإحسان لوجه الله، و المساعدة و المعاونة لوجه الله: إحسان العالم بعلمه، و إحسان صاحب المال بماله، و معاونة صاحب السلطان والجاه بسلطانه و جاعه - أمر تراه «الماديه» فى التوجيه يتصل بخيال الشعراء أو أساطير الأولين التى حالت بين الإنسان و بين واقع أمره فى الحياة فترة طويلة من الزمن، وعاقته عن أن يفهمه كما هو، و أن ينتفع به على حقيقته. و ما تنادى به المذاهب الأخلاقية الإنسانية من نصرة الضعيف لأنه ضعيف و إحقاق الحق لأنه حق فى ذاته، و من عمل الخيرلأنه يصح أن يقصد لنفسه... و غير ذلك مما تنصح الأفراد بعمله لأنه ينطوى على قيمة من القيم المعنوية فشأنه لغو، و يعتبر فى عداد الأمور التى تخدع و لا تجدى، و الفرد إن أتىبها فلأه توهم فيها متعة فحسب و ليست بذات متعة، فضلا عن أن تكون وسيلة إلى متعة أخرى مرتقبة!!


/ صفحه 40 /

أما ما تراه المذاهب الاجتماعية من جعل«التكتل» و الاتحاد» الهدف الأول للجماعة المتحضرة فى سعيها و تطورها، ثم ما تطلبه هذه المذاهب فى توجيه الجماعة البدائية لتحقيق هذا الهدف من محاولة كبت أنانيةالأفراد، و تقوية «الاستعدادات الاجتماعية» فيها مما يسميه علماء النفس: المشاركة الوجدانية و العواطف و النزعات الاجتماعية عن طريق القيام بالمعاونة لذات المعاونة ولحفظ كرامة الإنسانية - فبعيد كل البعد عما تعنى به «المادية» فى التوجيه. لأن المعاونة لذات المعاونة أمر ليس له مقابل مادى، و حفظ كرامة الإنسانية من القيم المعنويةالتى تقصد لذاتها دون أن تكون منطوية على مغنم مادى.

(ب) و «الروحية» - أو المذهب العقلى - فى التوجيه تقوم العقل لو الروح، أو القوة الخفية و راء المحسوس المشاهد كأصلللوجود، و تعتبر الوجود المادى مظهراً لها، أو أثراً من آثارها. و قد تبالغ فى الاستخفاف بالمادة فتنكر عليها الوجود، كما تنكر عليها صلتها بالحقيقة و الواقع. و الروحيةفى الجانب الأخلاقى تحاول إقناع الإنسان  ب «المثل العليا» و بقيمها، كما تحاول أن توجه سعيه الإنسانى و إرادته نحوها. لكن إن خلا هذا المذهب من الاعتراف بالوجود المادىكوسيلة لتبليغ الإنسان مثله العليا، و كفوة يحقق الإنسان عن طريقها ما اقتنع به من قيم رفيعة فى الوجود، أصبح حلماً أو خيالا. و الدين السماوى يلتقى مع المذاهب الروحية فىالتوجيه: فهو يبشر بقوة إليهة فى الوجود ليست هى المادة و لا مظاهرها، و ينسب إليها أحداث الوجود، و ما يقع فيه من تغيرات، و يجعلها هدف الإنسان فى كفاحه و سعيه، و يحددغاية الإنسان الأخيرة بقربه منها كما يحدد سعادته التامة باجتلاء محاسنها و جمالها.


/ صفحه 41 /

و القوة الإلهية فى رأى الدين عنوان الكمال و الخير،أمر مركز القيم الرفيعة فى الوجود. و ما يوصى به الله فى رسالاته للبشر لا يخرج عن نطاق هذه القيم، و ما يتقرب به الإنسان لله هو اتباع هذه القيم و العمل على بلوعا: من صنعالمعروف، و القيام بالمعاونة، و إيتاء الإحسان فى ضرويه المختلفة لمن يستحق الإحسان، و المحافظة على حقوق الغير فى عقود المعاملة، و رعاية الضعفاء فى الجماعة بشتى أنواعالرعاية... و غير ذلك مما يرتفع عن دائرة النفع المادى المتبادل، و المعاوضة العاجلة. و هى على الإجمال ما قصد فيها وجه الله. و لو شاب بعض الرسالات الدينية معنى التنفير منهذا الوجود، و الاستخفاف بما يسميه الدين باسم «الدنيا» إلى حد إلغاء العتبارها إلغاء تاما كان هذا البعض من الرسالات اتجاها سلبيا موقتا فى توجيه الإنسان، لا يمثل مايوصى به الله فى رسالة باقية خالدة. لأن ما يوصى به الله هو العمل الإيجابى من الإنسان لتحقيق القيم الرفيعة فى وحدات تصرفه و مفردات سلوكه فى الحياة. و المادية الحرفيةكالروحية السلبية، لا يتلاءمان مع طبيعة الوجود، و لا مع طبيعة الانسان ككائن من كائنات العام:

المادية الحرفية تقوم على إلغاء الوجود المعنوى، أو ما يسمى بوجودالقيم الرفيعة، و الروحية السلبية تقوم على إلغاء العتبار الوجود المشاهد أو الوجود الحاضر، و طبيعة الوجود ليست هى أحد الأمرين خالصاً; بل هى مزيج من النوعين: مزيج مماينسب إلى الروح، و مما يرجع إلى المادة. و لنأخذ الإنسان مثلا لطبيعة الوجود. فإنه فى الحال التى تسطير المادية على اتجاهاته فى الحياة، و هى الحال التى ينكر فيها القيم وللثل العليا، تراه إذا ضعف عن المقاومة فى صراعه المادى أو حلت به نازلة لا قبل له على دفعها فى آنه الحاضر اندفع فى خواطره النفسية يستعين بالله، تلك القوة التى تسمو علىالوجود المادى. و إذا نكب فى علاقاته بالآخرين; فى أسرته أو أصدقائه، تراه يتحدث عن الغدر و عدم الوفاء من غيره و يسترسل فى الحديث إلى الإنسانية و مالها من خصائص رفيعة... وهكذا ينتقل من محيطه المادى الأول الذى كان يعيش فيه بتفكيره و سلوكه إلى دائرة القيم أو دائرة الروحية.


/ صفحه 42 /

المادية الحرفية لا تمثل طبيعةالوجود لأنها تدعو إلى «الفردية» أول ماتدعو و معنى الفردية أن يكون الفرد، فيما لا سبيل إلى التجربة فيه، هو نفسه مقياس التقويم ; و مقياس الحكم على أمر من الأمور التى لاتخضع للتجربة: بأنه مستحسن أو مستقبح، و جائز مشروع أو غير جائز مشروع. و معناها أيضاً أن يكون الفرد كذلك هو نفسه غاية الوجود و أن يكون ماعداغه طريقاً و وسيلة لهذهالغاية: فليست هناك حرمات حتى تصان عن الانتهاك، و لا عرف فى الجماعة حتى يراعى طالما الفرد يرى فى إلغاء اعتبارها طريقا لوجوده الخاص، و فرديته المستقلة. و الفردية إذاتفشت فى جماعة ما ضاع كيان هذه الجماعة. لأن المقوِّم الرئيسى فيها - و هو روح المشاركة و المعاونة - لا يبقى مع سيطرة الفردية. و ضاع ما فيها من عرف و ما لها من تقاليد; وخفوزن تراثها الماضى فى تحديد أهدافها المستقبلة، و بالتالى لم يعد لها هدف يحدد لأنها لم تعد جماعة ينطوى فى وجودها وجود أفرادها. المادية الحرفية تضيق ذرعا بانقانون، لأنالقانون ليس و ليد البيئة المادية فحسب; بل ينطوى أيضاً على اعتبار القيم الرفيعة التى تنشدها الجماعة، كما ينطوى على الحرص على التقاليد السائدة فى الجماعة و مالها منمميزات خاصد تفارق بها جماعة أخرى. القانون إذا عاقب السارق، أو هاتك العرض، أو المعتدى على حرمات الغير بوجه عام، يطلب فى الوقت نفسه الأمانة، و رعاية الحرمات.


/ صفحه 43 /

و الأمانة وصيانة الحرمات من القيم الأخلاقية، و القيم الأخلاقية ليست مادية و إذا ألزم القانون جباية الأموال للصالح العام، فليس الصالحالعام ممثلا ذائماً فى المنافع المادية التى تعود مباشرة على من جبيت منهم الأموال. و الماركسية التى لا تعترف إلا بالوجود المادى، و إلا بالقيم المادية صورة من صورالمادية الحرفية: فالتاريخ فى نظرها مادى، و الاقتصاد و الانتاج، و هما ماديان، أساسا الحياة النفسية للإنسان، تشرح منهما مظاهرها المختلفة. و الديمقراطية المطلقة،كمذهب، تشجع الفردية إلى أبعد حد، و تدعو إلى إزالة العوائق فى سبيل مساعى الفرد نحو غايتة الخاصة، و تجعل من الفرد مصدر التقدير و الحكم على تصرفاته. و هى لهذا تكاد تكونصورة أخرى من صور المادية الحرفية. و الحكم على الديمقراطية على هذا تكاد تكون صورة أخرى من صور المادية الحرفية، و الحكم على الاديمقراطية على هذا النحو روعى فيه جانبهاالنظرى أما حياة الدول التى يتقيم حكمها على ما يسمى بالنظام الديمقراطى، فلأنها خليط من نزعات مختلفة و اتجاهات متضاربة لا تصلح لتقويم المذهب الديمقراطى، فالدولالمعاصرة التى تدعى أنها فى طليعة الديمقراطيين تجد فيها ديناً و تقاليد لها أثرها الإيجابى فى حياتها، كما تجد بعض النزعات الرجعية الاستعمارية تسيطر على سياستهاالخارجية. و الظاهرة الديمقراطية التى تواجهك فى حياتها هى الحرية الفردية فى إبداء الرأى، و تقويم الأجناس و الشعوب البشرية. و الروحية السلبية لا تمثل أيضا طبيعةالوجود. إذا الإمكانيات المادية هى نفسها وسائل القيم المعنوية: كيف يطلب من الضعيف المعاونة، و من الفقير البذل و الإعطاء، و من غير القادر على الإدراك إدراك الله؟ و ماقيل قديماً من أن: العفو عند المقدرة فضيلة، يعبر عن مدى صلة القيم الرفيعة بالإمكانيات المادية. و ما اشترطه الإسلام من توقف «التكليف» على الاستطاعة البشرية يبين فىوضوح هذه الصلة. فالتكليف فى الإسلام معناء إلزام الإنسان المؤمن به بالتصرف و العمل فى حدود القيم أو لنحقيقها، و ما من هذا التكليف يسمى بالأوامر أمثلة جزئية لهذهالقيم، و ما منه يسمى بالنواهى يأمثلة جزئية أخرى للانحراف عنها.


/ صفحه 44 /

و اشتراط الاستطاعة المادية لأداء هذا الالزام أمر يكشف عن طبيعة الوجودالثنائية، و أنها ظاهر و باطن، أو لا مادة و مادة، أو قيم و وسائل لها.

و «الإفناء» الذى ينادى به المتصوفة صورة من الروحية السلبية. و تساوى فى النتائج و عدم الملاءمةلطبيعة الوجود، المادية الحرفية. چ

أن الغلو فى تطبيق الاتجاهين يباعد بينهما إلى حد المقابلة التامة، و يجعل منهما و سيلتين غير مقنعتين، و فى الوقت نفسه غيركافيتين لشرح الوجود فى عمومه، و شرح حياة الانسان على وجه أخص.

و منذ العهود الأولى للبشرية لازم وجود الانسان هاتان النزعتان، و كانت النزعة المادية منهما تسيطرأول الأمر على حياته فبى عقيدته، و تفكيره، و خياله، و وجدانه، و سلوكه. كما سيطرت النزعة الروحية المعتدلة فى عصور الدعوات الدينية السماوية، بينما تمكنت الروحيةالسلبية فى أيام أزمات الشعوب السياسية أو الاجتماعية. و فى الوقت الذى كانت تسيطر فيه إحدى النزعتين، المادية و الروحية، على حياة الانسان أو على عهد من عهود الجماعةالإنسانية، لم تفقد النزعة الأخرى أنصاراً لها، و إن صاروا قلة، أو تحول حديثهم إلى همس أو مشافهة. ولم يزل الوضع بينهما على هذا النحو: غلبة لإحداهما على الأخرى، و عدمفناء للمغلوب على أمره منهما، و أحداث الجماعة المحلية أو الأحداث العالمية هى التى تلقى بالسطان فى التوجيه إلى جانب واحدة منهما. و لا خير للإنانية فى المادية الحرفية،كما لا خير لها فى الروحية السلبية. لكن الخير فى الاعتراف بمبدأ كل منهما، و الأخذ فى توجيه الانسان بأنه مادى روحى، و بأن حياته و الوجود كله يقوم على أنه مزودج: يدركالانسان فى طفولته ظاهر الوجود، و يدرك ما وراء ظاهره عند ما يبلغ الرشد و النضوج.

/ 1