القرآن و المفسرون
للحضرة صاحب الفضيلة الاستاذ الجليل الشيخ حامد محيسن عضو جماعة كبار العلماءقال اللهتعالي: (واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتي يتوفا هن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا، واللذان يأتيانها منكمفآذوهما فإن تابا و أصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما) يقول المفسرون في معني قوله تعالي: (واللاتي يأتين الفاحشة …الخ )
دن المراد بالفاحشة الزنا، وإن عقوبتهن علي الزنا كانت هي الحبس في البيوت الي أحد الأمرين الموت أو السبيل الآخر،ثم نسخ ذلك بالحذ، و يجوزون في الاية معني آخر تكون به غير منسوخة، و هو أن الزانياتبعد إيقاع الحد عليهن يحبسن في البيوت احتفاظا بهن و منهن، و يبقي ذلك حتي احد لأمرين المذكورين في الآية.
و فسروا قوله تعالي: (واللذين يأتيانها منكم الخ) بأن المرادبالفاحشة أيضا فاحشة الزنا، فمعني اللذان الزانية و الزاني، و سلك فيه سبيل التغليب، و يقولون إن العقوبة كانت هي الإيذاء، و يجوزون في تلك الآية أيضا وجها آخر تكون بهالآية غير منسوخة، و هو أن هذا الخطاب إنما هو للشهود الذين عثروا عليهما و أن موقفهم من الزانية و الزانية و الزاني أن يوبخوهما و يددوهما بالرفع الي الحاكم و أنهما إنتابا أعرضوا عنهما و تركوهما.
ذلك تعلم أن مفسرين يحملون الايتين علي الزنا سواء أكانتا منسوخين أم باقيتين علي التأويل الثاني في كل منهما، و تراهم حين يفرغون منتفسير الاية علي هذا الوجه يسوقون فيهما بصيغة التمريض و التضعيف و جها آخر فيجعلون آلاية الأولي في السحاق، و الثانية في اللواط مما يشعرك بأن هذا الوجه في الآيتين غيرملتفت إليه .
هذا و نحن إذا نظرنا في الايتين و أمعنا النظر في معنا هما مستحضرين أن للقرآن بلاغة بلغت حد الإعجاز، مستحضرين أنه عني أول ما عني بسلامة المجتمع من كلعيب وصيانته عن كل ما يمسه في خلقه خصوصا ما يمس رجولة الرجال و إنوثة الإناث حتي يبق لكل فرد في المجتمع شرفه الذي يتقدم به في الحياإ جريئا علي قيامه بواجبه ليقوي البناءو يصان عن التهدم.
إنا إذا نظرنا في الايتين علي ذلك الوجه وجدنا ما فسروا به غير واضح و غير وجيه.
أما أولا: فإن فاحشة الزنا معروف أنها متولدة بين الجنسين و لذلكتري القرآن حين ذكرها عبر عن الرجل بالراني و عن المراة بالزانية و جمعهما في قرن واحد فقال (الزانية والزاني ) فتراه قد عبر عنهما بوصفيهما من تلك الجريمة، ولم يقل النساءفي جملة وحدها، و الرجال في جملة وحدها. أما في هاتين الايتين فقد قال في الاولي و اللآتي و في الثانية واللذان، و أفراد كلا بعبارة تخصه، فجعل الفاحشة في الأولي من النساءالصرف و في الثانية من الرجال الصرف، و فاحشة الزنا لا تكون منهن إلا مع الرجال ولا يمكن أن يقال في الأولي إن في ذلك تغليبا فليس ذلك موطن التغليب.
و لذلك يحاول أحد منالمفسرين أن يحملها علي التغليب و في ذلك ما يشير في وضوح إلي أن الفاحشة في الأولي ليست إلا ما يكون بين النساٍء الصرف و في الثانية إلا ما يكون بين الرجال الصرف.
و أ,اثانيا: فإنه قد غاير بين العقوبتين، العقوبة التي رتبها علي الفاحشة التي كانت من «اللاتي » و هن النساء الصرف، و العقوبة التي رتبها علي الفاحشة التي كانت من «اللذان» وهما الرجلان و قد وضع الايتين إحداهما بجانب الأخري مما هو واضح في تغاير الجريمتين ماهيةو مصدرا، و مما هو واضح في أنهما جريمتان غير جريمة الزنا قد ذكرت في القرآ“غير مرة فلم يعبر عنها إلا باسمها، يقول الله (لا تقربوا الزنا) (الزانية والزاني ) و ذكرلها عقوبة غير هاتين العقوبتين
أما في هاتين الايتين فإنه لم يذكر تلك الجريمةبل عبر عن الجر يمتين بلفظ عام يشملهما و غير هما، و هو لفظ الفاحشة ايذانا بزيادة هاتين الفاحشتين في القبح عن فاحشة الزنا، وايذانا بإنهما فاحشتان يجب أن يصان اللسان عنأن يمر به ذكر هما.
و أما ثالثا: فإن الآية الأولي اذا كان الأمر كما يقولون، وأن المذكور فيها عقوبة الزانيات و آن الاية الثانية جارية علي باب التغليب، يكون قد ذكر فيالآية الثانية عقوبة للزانيات غي رما ذكر في الآولي، و كان يجب ألا تذكر الاية الاولي مادامت قد أريد بها الزانية والزاني. و أما دفع ذلك بأن الآية الأولي قد نسخت الآيهالثانية فذلك دفع غير صحيح، اذ أن الناسخ و المنسوخ - علي فرض تبوت النسخ في القرآن - ليس بالمستساغ أن يذكرا مقترنين هكذا وتعجب فوق ذلك من إأن النساخ قد ذكر اولا والمنسوخ قد ذكر ثانيا، ففوق اقترانهما قد جعلوا المنسوخ ثانيا و انساخ أولا. والي هذا و ذاك يقولون إن الناسخ أيضا منسوخ بآية (الزانية والزاني) و هكذا تري اضطراباللمفسرين و اضحا ليس له من سبب، إلا إنهم حملوا الفاحشة في الآيتين علي فاحشْة الزنا.
و قصاري للقول إنك كلما آمغنت النظر و آنت بعقيدة ان القرآ“ في طبقة منالبلاغة معجزة؛ رأيت أن حمل هاتين الآيتين علي الزنا مما يبعد بهما عما يجب للقرآن من بلاغة معجزة.
و إما رابعا: فأنن الإقدام علي القول بالنسخ في القرآن، لمجرد شبهةقويت أو ضعفت، إقدام علي ما يتنافي مع ما يجب أن يتوفير للقرآن باعتباره قانون السماء يكون باقي لادلالة علي معانيه.
و إذن فليس من الواضح أن تحمل الايتان علي المنيالذين حملها عليه المسفرون، لما تبين من ان هذا الحمل لا يتفق و بلاغة القرآن، و كونه الكتاب الخالد، و القانون الدائم.
أما المعني الذي ينبغي آن تحملا عليه فهو ذلكالذي زعموه ضعيفا، و ساقوه تحت صيغة التمريض، و هو: «أن الاية الأوملي في جريمة النساء الصرف، و الثانية في جريمة الذكور الصرف».
و ذلك لوجوه:
أما أولا: فلما مر منوجه الرد للمعني غالذي اعتمد المفسرون
وأما ثانيا: فإن الايتين إنما يتم تناسبهما مع ما قبلهما من آيات الميراث بحملها علي جريمة النساء الصرف و الذكور الصرف (السحاقواللواط ) ولا يتم بحملهما علي الزنا، إذ أن آيات الميراث السابقة علي هاتين الاينثنين قد طمانت الناس علي ما يتركون من أموال وراءهم بعد موتهم، طمإنتهم بأن ما يتركونهسيئول الي أبنائهم و بناتهم و آبائهم و إمهاتهم و أخواتهم وإخوانهم ، و أنه لا أبوة و لا بنوة و لا آمومة ولا آخوة إلا عن طريق الجتماع الجنسين، أما هاتان الفاحشتان فهمامضيعة للرال و النساء، ليس معهما أبوة ولا بنوة ولا أمومة و لا أخوة، ليس معهما هذا إن لم يكن لسقوط الرجال و النساء بتلك الجريمة عن أن يقبل الرجال الزواج بالسحاقات و أنيقبل انسائ الزواج باللواطين؛ فعن طريق أن المرأة قد تستغني بذلك عن الزواج كما يستغني الرجل بذلك عن الزواج، و أنه لواضح أن من أشد الموانع و أبرزها لا قتران رجلبامرأة أو امرأه برجل أن يعلم الرجل عن المراة تلك أو تعلم المرأة عن الرجل تلك الجريمة، و قد يقال و كذلك جريمة الزنا من الذاهبات بالابوة و البنوة، ففي الآيتين بالحملعليها تناسب مع ما قبلهما . إلا أن هذا مردود باحتمال انتاج قد يكون بعده استلحاق، فهناك احتمال و ان أحاط به الضعف غير أنه لم يكن بتا قاطعا للوارثين بوصف بنوة و أخوة وأمومة و أبوة، كما في الجريمتين: السحاق و اللواط. و أما ثالثا: فإن القرآن بهذا يكون قد استوفي جميع الجرائم الفتاكة بالمجتمع و عيدا و تنفيرا عنها و تحذيرا منها،فانه إذا كان القرآن قد تحدث عن فاحشة الزنا في غير موضع فانه لا يترك هاتين الجريمتين دون توعد عليهما و تسويء لعاقبتهما مع أنهما أسفل دركا و أنزل بالانسانية عن مستويالإنسانية.
و قد حدثنا القرآن عما أنزله من العقوبة ببعض الأمم التي اقترفت إحدي هاتين الجريمتين، و أنها كانت عقوبة مؤذنة بسقوطهم عن مستوي الانسانية الي وهدةالحيوانيه المجردة عنها، إذ كانت حذفا بالأحجار حيث لا يستيعون لها رادا، و لا يحاولون منها هربا، مما يؤذن بشناعتها و أنها أفضع من الزنا شأنا، فان الزنا حالة لها منالمباح المشروع ما يشبهها، أما هاتان الجريمتان فإنهما خروج عن الفطرة، وحيدان عن الطبيعة فهما أولي أن يطهر المجتمع منهما، و أن يتوعد القرآ“ عليهما وعلي العموم فإنحمل الايتين علي هذا المعني، يكونان به أقوي أسلوبا و أرصن نظما، و أوفق بعظمة القرآن و أنه الكتاب الذي لم يفرط فيه من شيء و أنه تنزيل الرحمن الرحيم، و أنه الكتاب الذيفصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون.
نسأل الله هدايته لأقوم طريق و أوضح سبيل إنه سميع عليم؟